أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - ثورة الحفاة (4)















المزيد.....

ثورة الحفاة (4)


معاد محال

الحوار المتمدن-العدد: 3492 - 2011 / 9 / 20 - 14:24
المحور: الادب والفن
    


"هُنـاك شيئين وقفت مبهوراً بطولهما
طول شرايين جسم الإنسان
وطول المسافة بين الحقيقة
و بين ما يُقال من منابر الساسة"



كل ما يحسه هو أنه داخل شاحنة المخزن التي لم تتوقف عن السير منذ لحظة اعتقاله، وكل ما يسمعه هو بعض العبارات التي تصدر من حين لآخر من طرف رجال المخزن بلغة أجنبية لا يفهمها ، لكنها-ولا ريب-تدور حوله، أما عيناه فلم تبصرا-من حينها-سوى الظلام. لم يعرف كم مضى على رحلته الغامضة إلا أنها مدة تُقاس بالساعات.الآن هو يشعر بتلك التذبذبات التي يحدثها نابض العجلات حين يصادف طريقا غير معبدة أو غير مستوية، العبارات الغامضة التي كان يسمعها من حين لآخر صارت أكثر ترديدا، وصل إلى أُذنه-من الخارج- صوت باب حديدي يُفتح، إنه لا يرى شيئا لكنه على يقين بأن الشاحنة تدخل ذلك الباب..توقفت..بابها الخلفي انفتح..وصوت آمر تردد حوله:-"اجلبوا ابن الزانية ذاك"، أياد قوية سحبته من كمه و من أطراف ثوبه و رمته خارجا، كاد يعتدل في وقفته محاولا ضبط أنفاسه حتى هوت ركلة قوية في مؤخرته رافقها صوت صاحبها:-"سر أمامي وإلا صنعت من مؤخرتك شواءً"،المكان الذي دخل إليه زاد من ظلام بصره،ونفس الصوت الآمر يتردد:-"جردوه من كل قطعة ثوب ليقضي ليلته هنا".
كانت الضمادة هي آخر قطعة يتم تجريده منها حتى صار عاريا كما خلقه الله، فوجد نفسه داخل غرفة لا تتعدى مساحتها المتر مربع خالية من أي فتحة لتمرير الهواء..آثار الدم الملطخة على الجدران رسمت أمامه لوحة سريالية صارخة- ناطقة بشهادتها على المكان..توثيق للأحداث بحبر بشري.أغلب مساحة الأرضية مفروشة بالبراز ،حيث لا مجال لإراحة الجسد أو حتى تثبيت الأقدام كاملة على الأرض ،إنه بالكاد يستطيع الوقوف على أصابع قدميه تجنبا لتلطيخهما، كفاه تتناوبان بين كتم الأنف من الرائحة التي تملأ المكان و بين الإسناد على الحائط لمساعدة الجسم على الارتياح أو الحيلولة دون انهياره أرضا. طوال الليل كانت تأتيه أصوات صراخ من خارج غرفته..رجال، نساء، أطفال يصرخون ويبكون بصوت عال بفعل قسوة التعذيب، وبعد ساعات من سماع الأصوات بدأ يشك -بسبب تكرار بعضها- إن كانت أصوات منبعثة من أشخاص يوجدون في غرف مجاورة أو من آلة تسجيل.كما سحبه الشك أيضا إلى أسطورة "جزيرة الحفاة"...
تقول الأسطورة أنه:"في مكان ما في المحيط التابع للبلاد توجد جزيرة تُدعى "جزيرة الحُفاة"، تقوم الملائكة بإرسال أعداء الأمة والإرهابيين إليها للموت البطيء ،أرضها متصحرة لا تصلح لزراعة أي شيء للأكل، وشواطئها فقيرة من كل ثروة سمكية إلا من سمك القرش المسخر لالتهام كل من تسول له نفسه الفرار منها"،كان يعتقد –قبل لحظة الاعتقال- أنها قصة أطفال رمزية يتم تمريرها عبر الأجيال لتنمي فيهم روح المواطنة، قد تكون كذلك، فلماذا يعمل رجال المخزن والدين على تحويل أسطورة إلى حقيقة إذن؟ هل صحيح ما يقال عن المنفيين هناك؟هل صحيح أنهم أصبحوا بفعل عددهم وتعاونهم مع الأعداء الخارجيين(الكفار) يشكلون قوة كما يقول الفقهاء؟..قوة تخطط للانقلاب على الحاكم سليمان؟
انتفض جسده فجأة كأنه استحضر في ذهنه شيئا، لم يكن شيئا غير السؤال الذي كان يجب طرحه في البداية:-"لماذا أنا هنا؟ ماذا أفعل هنا؟"..ظل يردد السؤال سرا وجهرا إلى غاية انفتاح باب الغرفة، كانا رجلين ضخمي الجثة.. قويي البنية لحد التخويف، قام أحدهما بربط منديل حول خصره لحجب مخرجيه،أمسكاه من كتفيه و اقتاداه خارجا،المساحة أوسع هنا لكن بلا نوافذ أيضا،الرجل الذي أشرف على عملية اعتقاله البارحة كان جالسا على كرسي يتوسط القاعة واضعا رجله اليمنى على اليسرى يتطلع إلى ورقة،تقدما به إليه، فوقف داعيا علي إلى الجلوس.
-هل تحب فك رموز هذه الرسالة أم نترك المهمة لخبرائنا.. فنحن بارعون في كل شيء كما
تعلم- قال الرجل وهو يعرض الورقة أمام عيني علي..إنها الورقة التي كان يخربش فيها البارحة و التي سقطت -دون أن يشعر-أمام أقدام أحد زبائنه، فقال بسرعة:
-هذه الورقة لي..إنها ورقتي.
ارتسمت ابتسامة عريضة على ملامح الرجل فقال:
-هل هذا خطك؟.
-أجل.
طلب من أحد الرجلين إحضار كوبي قهوة، وسحب علبة سيجارة من جيب معطفه..أشعل سيجارة وهو يقول:
-بالمناسبة، تملك أسلوبا جميلا حبذا لو سخرته في خدمة وطنك لكان أفضل لك من خدمة الأعداء الإرهابيين..التواقين إلى تدمير حضارتنا.
وصل كوبي القهوة..سحب من الجيب الداخلي لمعطفه مذكرة صغيرة..انحنى ووضعها على ركبة علي اليمنى مقدما له قلما، وقال مبتسما:
-لن أشرح لك ما يتوجب عليك فعله.
ظل علي صامتا لثوان ثم رد وهو يعلم بأنه سيتلقى -من وراء رده- المزيد من اللكمات:
-كلا..لا أعرف ما يتوجب علي فعله.
لم يبدو على الرجل أي غضب فقال في هدوء:
-اسمع يا علي..أنت العبقري ونحن الأغبياء..كل ما نطلبه منك هو شرح مفصل و ذكي بقدر الذكاء الذي صيغت به هذه الرسالة..من يعلم..قد نضعك في صف المتعاونين، أو نصنع منك بطلا قوميا رفض العمالة لصالح الإرهابيين حبا في وطنه رغم إغراءاتهم..فنحن من يصنع الرأي العام كما تعلم- ثم تابع بلهجة تحمل بعض الحِدة: -أما إذا كنت من المؤمنين بجنة الفردوس فاعلم أنه لا توجد جنة لا في الأرض و لا في السماء أُعدت للمجرمين..وإذا اعتقدت بأن ما شاهدته و سمعته وشممته ليلة الأمس هو كل ما لدينا تكون مخطئا.
قال علي وكان حقا قد يئس من هذا الغموض كله:
-لماذا لا تصدق بأني لا أفهم عما تتحدث؟.
صاح الرجل بصوت صارخ غاضب ارتعدت له كل خلية من جسم علي:
-نحن من يقرر من يتوجب عليه الفهم و من يتوجب عليه الجهل..والآن نريدك أن تفهم.- ثم أشار للرجلين قائلا بنفس الصوت:
-استخدما معه اللازم.
أمسكاه الرجلان مجددا واقتاداه نحو غرفة أخرى، على شكل أرجوحة عُلقت قطعة حديدية، وجه له أحدهما ضربة برجله في مؤخرة قدمه الأيمن فسقط معها أرضا على ظهره، سحباه من قدميه نحو القطعة الحديدية و جعلوا ظهره العاري يحتك بالأرض الخشنة ، أحظروا قطعة ثوب وثبتوا بها قدميه بالقطعة بإحكام، انتزع أحدهما جوربه ووضعه في فم علي كتما للصراخ..بعدها دخل أربعة رجال آخرين مهمتهم تثبيته من كتفيه على الأرض،و...
شرعوا في استخدام اللازم.
كانت عملية الجلد أشبه بحفلة صاخبة.. امتزج فيها صوت صراخه بأصوات سبهم و شتمهم، حفلة شكلت راحتا قدمي علي طبلها وهراوات الجلادين عيدانه، أما شكلهم فقد رسم لوحة انطباعية مبرزة الألوان الوحشية، وكأن راسمها أصر على أن تبدو حالة علي كما يجب أن تكون لا كما هي عليه، فبدت ملامحه شديدة البياض مائلة إلى الرمادي وعروقه شديدة الاخضرار رابطة الوعي باللاوعي و الواقع بالحلم تبدو كأنها ستنفجر في رأسه في أية لحظة .
وبعد ساعات من الجلد و الصراخ المؤلم، فقد علي الإحساس بقدميه كليا وصار عاجزا تماما عن المشي، فسحبوه من يديه و رجليه وساقوه نحو خارج القاعة كما تُساق القطعان للنحر. الآن هم ينزلونه إلى مكان ما في الأسفل "هل هناك مكان أكثر ظلاما واختناقا من هذا المكان؟" تساءل في نفسه. في الأسفل وجد نفسه داخل ممر يشكل صفين من الزنازين، بفعل قلة النور تراءى له بأنه لا نهاية لهذا الممر. لحق بهم رئيسهم وقد بدا شديد الخبث في هذه اللحظات، بإشارة بيده أمرهم بأن يسيروا خلفه إلى أن توقف أمام إحدى الزنازين.
-لقد جلبنا لك خائنا آخر، لكنه أخون منك..إنه عميل لأعداء مصالح دولتنا العليا- قال الرئيس وهو يفتح الباب على شخص آخر جالس في الزنزانة.
كان شابا وسيما لا تبدو عليه أية صفة للمساجين كما تصورهم علي..حيث يكون مظهرهم شديد القبح، عصبيون و عدائيون إلى أبعد الحدود، والشر و الحقد يتطاير من أعينهم. كل شيء بدا مخالفا للعادة، سجين لا يشبه السجناء، رجال مخزن أو كما يسمون أنفسهم "رجال الأمن" يشبهون الوحوش يثيرون الرعب أكثر مما يثيرون الأمان، وتهمة هو لا يعرف عنها شيئا.
أضاف الرجل مشيرا إلى الشاب ومخاطبا علي هذه المرة:
-إن هذا الكافر المجنون مدعي الحكمة و المعرفة..نصب نفسه في وقت من الأوقات معلما لنا..وكان كل يوم يمطرنا بسيل من الحماقات في صحيفة الحاقدين الكفار، لعنهم الله.
وبإشارة أخرى بيده أمرهم برميه في الداخل، وأغلقوا عليهما الباب .



#معاد_محال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شارع الحفاة (3)
- ثورة الحفاة (2)
- ثورة الحفاة (1)
- آلهة القرن الواحد والعشرين
- التكفير والتخوين..وسائل إقصاء دنيئة
- مفهوم الشك في العلم والدين
- طيب ومحب للخير و...غير متدين


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - ثورة الحفاة (4)