أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - ثورة الحفاة (1)














المزيد.....

ثورة الحفاة (1)


معاد محال

الحوار المتمدن-العدد: 3491 - 2011 / 9 / 19 - 22:52
المحور: الادب والفن
    


"هُنـاك شيئين وقفت مبهوراً بطولهما
طول شرايين جسم الإنسان
وطول المسافة بين الحقيقة
و بين ما يقال من منابر الساسة"


-"سوف تصبح كاتبــا، وستصير ذا تأثير عظيــم يا علي"
هذا ما كانت تردده له معلمة القسم الرابع، فلقد كان يمتلك موهبة قل نظيرها عند باقي زملائه في سرد الأحداث،دائما كانت تلاحظها فيه إضافة إلى تميزه في تمرين الإنشاء و خلو لغته من الأخطاء، كانت تراه وكأنه يرسل إليها إشارات الكُتاب .لكنه في اللحظة التي اختار فيها الانقطاع عن الدراسة كان قد شق طريق الإلحاد بنبوءة المعلمة .لم ينفع معه التشجيع الذي لقيه من والديه،فقد كانا عظيمي الشعور بأمر ذكاءه و نبوغه وهما مستعدين لتجويع نفسيهما في سبيل إكمال تعليمه ليصير بعدها صاحب مكانة مرموقة في المجتمع يفتخران به أمام العباد، وهو كان عظيم الشعور بفقرهم و سوء أحوالهم، شعور لم تستطع معه كرامته و عزته المفرطتين قبول هذه الظروف دون القيام بأي واجب حيالها،فقرر الانقطاع عن المدرسة والخروج لجلب القوت والمال اللازمين للمنزل، راسما لنفسه مصيرا غامضا حيث لا مكان لتكهنات المعلمة و الأبوين في خطوطه.
وهكذا انطلق باحثا عن عمل يعينه على الأسرة، فقضى ست سنوات يعمل في النجارة والحدادة و إصلاح السيارات،دون أن يستقر في أية حرفة من هذه الحرف،فقد منعه كبرياؤه من تحمل سيل الشتائم التي تصب عليه كل يوم من طرف رؤسائه بسبب وأحيانا أخرى بدون سبب، ففكر في مهنة أخرى حرة و مستقلة، لكن المهن الحرة المستقلة تتطلب رأس مال جيد و هو لا يملك فلسا ، فكل ما كان يجنيه من عمل الحرف يضعه في خدمة المنزل.
آلاف الأفكار تراوده وهو يتجول في سوق المدينة دون أن تتوقف عيناه عن مراقبة المرتزقين عله يعثر على إلهام للمهنة التي يبحث عنها،فرأى حمالين، وحراس سيارات ،و بائعي سجائر ،وبائعين متجولين يفترشون الأرض بشتى أنواع السلع من ملابس النساء الداخلية و أواني المطبخ البلاستيكية، وقد لفت نظره بائع يلقى إقبالا كبيرا من طرف الشباب فحاول التسلل إليه ليرى ماذا يبيع فوجده يفترش الأرض بصور للمشاهير من عالم السينما والغناء والكرة ..شباب وشابات مهووسون بالكرة يشترون صورا لأبطالهم المفضلين ،وآخرون بتساريح شعر غريبة وسراويل ضيقة من الأسفل بألوان جد فاتحة يُقبلون بشغف على صور نجوم الفن،فأخذ بدوره يفحص الأرض بعينيه كأنه يبحث عن صورة نجمه المفضل.
قال للبائع بعد أن ملت عيناه من البحث:
-هل أجد لديك صورة لباولو كويلو؟
يبدو أن البائع لم يستوعب كلام علي من خلال حركة رأسه، فكرر:
-إني أبحث عن صورة باولو كويلو
-ومن يكون؟هل هو ممثل مكسيكي؟
- إنه روائي برازيلي ألا تعرفه؟ إنه صاحب رواية الخيميائي ،كانت قد أهدتني إياها معلمة القسم
الرابع...
تعالت أصوات الضحكات من طرف الشبان الواقفين أمامه ساخرين من كلامه،البائع بدوره حاول بكل ما أوتي من لباقة أن يحبس تلك الضحكة التي كادت تنفجر من شفتيه قبل أن يقول:
-إن الشباب في مثل سنك يجب أن يستمتعوا بحياتهم من خلال محاكاة حياة النجوم، أما حياة الأدباء و الشعراء فتلك للذين يسلون أنفسهم بانتظار لحظات الوداع.
-ولكني حقا أستمتع بالقراءة.
قبل أن يُكمل جملته الأخيرة ارتفعت أصوات الصياح و الصراخ..بائع الصور وبسرعة غريبة ضم الغطاء الذي كان يفترشه حول الصور مكونا منه حزمة وضعها خلف ظهره وانطلق راكضا بين حشود المارة،التفت حوله فوجد رجالا بزي مخزني حاملين في أياديهم هراوات يضربون و ينهبون سلع الباعة الذين لم تتسنى لهم فرصة الفرار..شاهد مخزنيا باغت أحدهم- وهو يستعد للفرار- خلف ظهره بضربة بالهراوة ثم أخذ منه حزمته واتجه بها نحو شاحنتهم ،لكن يبدو أن البائع لم يستسلم ..انتظر ذلك المخزني حتى أدار ظهره وابتعد بخطواته حتى اجتمع كل ما في ساقيه من قوة وانطلق راكضا خلفه فباغته من وراء ظهره وانتزع منه الحزمة دون أن تبطئا قدماه سرعتاهما فآل إلى الارتطام بعربة صغيرة ارتمى وتشتت أرضا كل ما كان فيها من أدوات تزيين البنات..وهناك متسول يبدو مبتور الساقين يقف أمام الحشد على ركبتيه، تقدم منه مخزني آخر قذفه بركلة قوية في مؤخرته فاستعاد الرجل-كالمعجزة- قدرته على المشي ونبتت ساقيه فجأة وأطقهما للريح.
عليه اليوم أن يقرر مهنة الغد قبل حلول المساء، فأخذ يحاور نفسه كأنه انقسم إلى نصفين:
- بائع متجول؟
- ماذا لو كسر ساقي أو ظهري مخزني يوما ما، من الذي سيجلب القوت إلى المنزل من بعدي؟ لن أرضى لأمي بالعودة إلى العمل في بيوت الناس بعد أن أقنعتها بالتوقف عن فعل ذلك، ولا لأبي الذي نالت أكياس الإسمنت -التي كان يحملها- من صحته.
-حارس سيارات إذن؟
- قد أتعرض لمجرمين أخطر من رجال المخزن، لقد سمعت عن العديد من حراس السيارات الذين قُتلوا على يد لصوص الليل.
-ماذا عن بائع سجائر؟
- لا نفع فيما فيه ضرر للعباد أبدا...
-حذاؤك بحاجة إلى تلميع يعيد له رونقه..هل ترغب في ذلك؟.
بهذه العبارة أخرجه من بحر حواره الداخلي منظف أحذية مر أمامه جالسا على الرصيف..فانحنت عيناه إلى الحذاء الذي كانت قد وهبته لها - قبل عامين- المرأة التي كانت تعمل معها أمه لتعطيه له، فوجده وقد أتعبته أيام التسكع، ربما لهذا السبب يقوم الأغنياء بشراء أحذية غالية وذات جودة عالية رغم أنهم لا ينوون استعمالها طويلا.. لكي يهبوها للفقراء..فحينما حصل عليه كان شبه جديد.
قال ماسح الأحذية:
-ما زال في حال جيدة..يحتاج فقط إلى بعض العناية .
-نعم لأنه مصنوع من أجود أنواع الجلد- قال علي ثم أضاف: -بكم تقوم بتلميع الأحذية ؟
-ست دراهم..لا غلاء على مسكين.
-حسنا..سأقوم بجولة قصيرة وأعود.
منعه كبرياؤه من الاعتراف بأنه لا يملك المال..استمر في ترجله وأخذ يُكلم نفسه مجددا..ست دراهم للحذاء..لو نظفت عشرة أحذية في اليوم فسأحصل على ستون درهما.. يا إلهي لو نظفت عشرين حذاء في اليوم فسوف أحصل على ما يساوي أسبوعا من العمل في محل إصلاح السيارات.
سوف أصبح منظف أحذية إذن.



#معاد_محال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- آلهة القرن الواحد والعشرين
- التكفير والتخوين..وسائل إقصاء دنيئة
- مفهوم الشك في العلم والدين
- طيب ومحب للخير و...غير متدين


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - معاد محال - ثورة الحفاة (1)