في البلاغة العربية

محمد السباهي
(Mohamed Ali)

الحوار المتمدن-العدد: 4611 - 2014 / 10 / 22 - 21:10
المحور: الادب والفن
    

في البلاغة العربية:
ــــــــــــــــــــــــ

يذكر السيد أحمد الهاشمي صاحب كتاب (جواهر البلاغة) - وهو الكتاب المعتمد للبلاغة في الأزهر والكثير من الحواضر الإسلامية والأكاديمية- :
(إن من شروط فصاحة الكلمة، خلوها من الغرابة، وتكون مألوفة الاستعمال).ا.هـ
ويأتون بأمثلة لغريب الكلمة منها، قول الطائي :
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه ... بلا طائرٍ سعدٍ ولا طائر كهل
ويعقب صاحب (سرّ الفصاحة) على هذه الكلمة قائلاً: وهذا من غريب اللغة. وقد روى أن الأصمعي لم يعرف هذه الكلمة وليست موجودة إلا في شعر بعض الهذليين، وهو قوله:
فلو كان سلمى جاره أو أجاره ... رياح بن سعد رده طائر كهل
وقد قيل: إن الكهل الضخم وكهل لفظة ليست بقبيحة التأليف لكنها وحشية غريبة لا يعرفها مثل الأصمعي.

ويقول صاحب كتاب (الموازنة بين الطائيين):
وزاد هذه الألفاظ هجنة أنها ابتداء في ابتداء القصيدة، وقوله:
لقد طلعت في وجه مصر بوجهه ... بلا طائرٍ سعدٍ ولا طائر كهل
وإنما سمع قول بعض الهذليين:
فلو كان سلمى جاره أو أجاره ... رياح بن سعدٍ رده طائرٌ كهل
ووجدت في تفسير أشعار هذيل أن الأصمعي لم يعرف قوله " طائر كهل " وقال بعضهم: كهل ضخم، وما أظن أحداً قال " طائر كهل " غير هذا الهذلي، فاستغرب أبو تمام معنى الكلمة فأتى بها،
وأحب أن لا تفوته؛ فمثل هذه الألفاظ لا يستعملها شاعر متقدمٌ إلا أن يأتي في جملة شعره منها اللفظة واللفظتان، وهي في شعر أبي تمام كثيرةٌ فاشية.

يقول الزمخشري (جار الله) في أساس البلاغة:
وطائر كهل: سعد. قال أبو خراش:
فلو كان سلمى جاره أو أجاره ... رياح بن سعد ردّه طائر كهل

والكهل كما يقول الفراهيدي في (عينه):
كهل:
الكَهْلُ: الذي وَخَطَهُ الشَّيْب ورأيتَ له بَجالةً. ورجلٌ كَهْلٌ، وامرأة كهلةٌ.
ويورد الفراهيدي في معنى (قنى) معنىً للكهل، هاكهو:
ومنه: قَنِيتُ حيائي، أي: لزمته، أَقْنَى قَنىً، أي: استحياء. ويقال: ألا تَقْنَى، وأنت كهل. قال عنترة:
فاقْنَيْ حياءك لا أبالك واعلمي ... أني امرؤ سأموت إن لم أقتل.

والذي يبدو لي أن أرباب المعاجم العربية قد تنبهوا لمقتل عيسى وهو بعد لم يتجاوز عامه الثالث والثلاثين فنقلوا عن الأزهري هذا القول، وقال صاحب القاموس المحيط :
الكَهْلُ مَنْ وخَطَهُ الشَّيْبُ ورأيتَ له بَجالَةً، أو من جاوَزَ الثلاثينَ أَو أربعاً وثلاثين إلى إحْدَى وخمسينَ ج كَهْلونَ وكُهولٌ وكِهالٌ وكُهْلانٌ وكُهَّلٌ.

أقول:
ولا أدري ألم يمرّ هذا الحديث" هل في أهلِكَ مَن كاهلَ " الذي ذكره البيهقي في (شعب الإيمان للبيهقي) على الأصمعي وهو من هو في علم اللغة؟
وإليك الحديث بتمامه، التنبيه على أن تأويل (أبو عبيد) لا يُعتد به، لأنه تخريج لكلمة لم يفهم معناه على التمام:
رقم الحديث: 8187
(حديث مرفوع) أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ ، أنا أَبُو الْحَسَنِ الْكَارِزِيُّ ، أنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، حَدَّثَنِي ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ خَالِدٍ ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ ، رَفَعَهُ ، أَنَّ رَجُلا كَانَ يَخْدُمُهُ فِي سَفَرٍ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ فِي أَهْلِكَ مِنْ كَاهِلٍ ؟ فَقَالَ : لا ، مَا هُمْ إِلا صِبْيَةٌ صِغَارٌ ، قَالَ : فَفِيهِمْ فَجَاهِدْ " ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : قَوْلُهُ : مِنْ كَاهِلٍ : يَعْنِي مَنْ أَسَنَّ بِهِ ، وَهُوَ مِنَ الْكَهْلِ.

يذكر الدكتور جواد علي في كتابه (المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام) في بيان الأصنام التي كانت في الجزيرة العربية والقبائل التي عبدتها، يقول:
1- سعد:
وكان لمالك وملكان، ابني كنانة، بساحل جدة وتلك الناحية صنم يقال له سعد. وكان صخرة طويلة. وذكر "اليعقوبي" انه كان لبني بكر بن كنانة. وذهب "ابن اسحاق" إلى انه في موضع قفر، وقيل انه قرب اليمامة. وقد أورد الأخباريون عنه هذه القصة: "أقبل رجل منهم بإبل له ليقفها عليه،يتبرك بذلك فيها. فلما أدناها منه نفرت منه، وكان يهراق عليه الدماء، فذهبت في كل وجه وتفرقت عليه، وأسف فتناول حجرا فرماه به، وقال: لا بارك الله فيك إلها. أنفرت علي إبلي". ثم خرج في طلبها حتى جمعها، وانصرف عنه، وهو يقول:
أتينا إلى سعد ليجمع شملنا فشتتنا سعد، فلانحن من سعد
وهل سعد إلا صخرة بتنوفة من الأرض لايدعي لغي ولارشد
وذكر "ابن قتيبة" أن سعدا صنم على ساحل البحر بتهامة، تعبده عك ومن يليها، ويقال كانت تعبده هذيل.
وقد ورد اسم "سعد" في أسماء الأشخاص المركبة المضافة، مثل "عبد سعد"، وهو مما يدل على أن الناس كانوا يتبركون به بتسمية أبنائهم باسمه.
وقد ورد اسم هذا الصنم في كتابات النبط، فدعي ب "سعدو". كما ورد في كتابات الصفويين، مما يدل على أنه كان بين الأصنام التي تعبد لها أولئك القوم. ويظن انه يرمز إلى كوكب.
لاحظ هنا قول ابن قتيبة:
(إن سعدا صنم على ساحل البحر بتهامة، تعبده عك ومن يليها، ويقال كانت تعبده هذيل). وهذا ما أشار إليه الأصمعي من أنه يوجد في بعض أشعار الهذليين.

2- كهل:
ونعت "ود" بالإله " ال هن" "الهن" في بعض، الكتابات، جاء في أحد النصوص "ودم الهن"، أي "ود الإله". و "كهلن"، أي "الكاهل" بمعنى القدير والمقتدر. وهما من صفات هذا الإله التي كان يراها المعينيون فيه.
قال تعالى:
( إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيها في الدنيا و الآخرة . و من المقربين و يكلم الناس في المهد و كهلا و من الصالحين ) آل عمران 45/46.
هنا يرد إشكال على الآية الشريفة في بيان معنى (الكهل)، فعيسى لم يصل إلى مرحلة الشيخوخة وقيل انه صُلب وعمرهُ لم يتجاوز الثالثة والثلاثين . فلابد من بيان معنى الكهل في هذه الآية، فلا يكون مُراد الله أن عيسى ابن مريم سيصل إلى مرحلة الكهولة، لأن الواقع الخارجي سيكذب هذا المدعى، فلابد من وجود معنى غير معنى الشيخوخة في هذه الآية.

ولو سلمنا – تنزلاً- بوجود الخطأ في هذه الآية،أقول: (تنزلاً)، فهل يمكن تكرار الخطأ مرة أخرى في آية أخرى؟! قال تعالى: ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك و على والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد و كهلا و إذ علمتك الكتاب و الحكمة و التوراة و الإنجيل ) آل عمران 110.
إلى هنا لا معنى لوجود العزيز/ القدير المقتدر، لكن لو تابعنا السارد فيما يقول لتبين لنا معنى العزيز/ القدير المقتدر، قال تعالى في تكملة نفس الآية من آل عمران:
(...وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ110).
فمنْ يخلق من الطين كهيئة الطير وينفخ فيه الروح ومن يُحيّ الموتى ويبرأ الأكمه والأبرص، عزيز قادر مقتدر......
نعود لدرس البلاغة العربية، أقول:
لا ينبغي إيراد مثل هذا المثال للدلالة على الغرابة في اللغة، لأن كهلاً هي لغة قرآنية وينبغي عدم الالتفات لمن يقول: بوجود غريب في القرآن.

#محمد_السباهي (هاشتاغ)       Mohamed_Ali#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات