أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية(رواية)الجزء السابع عشر















المزيد.....

ليالي المنسية(رواية)الجزء السابع عشر


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4579 - 2014 / 9 / 19 - 00:45
المحور: الادب والفن
    


(31)

قبل الفجر بدقائق اندفعنا مرهوبين،تجمعن الرفيقات داخل غرفتي،ومن بعيد كانت قذائف تنفلق،أخرجت نفسي من فيضان الرعب..قلت:
((بدأت الحرب تقترب منّا!))
بقينا صامتين ننتظر بياض الفجر،أو قرص الشمس،كي يشرح لنا النهار كوابيس الليل،قذيفة مفاجأة شرخت الفضاء الساكن،هزتنا وألقتنا فوق البعض،تقاذفن الرفيقات وسط صرخاتهن.
وراء قذيفة غبية قذيفة ذكية،تلك هي فلسفة الحرب،توقعت قذائف لاحقة ستهطل ولابد أن واحدة على الأقل ستصيب كبد الحقيقة،ضجّت البيوت بموجة من العويل،اندفعت إليهم،حشد نساء متهالكات،يلطمن صدورهن،وسط صبيان وصبايا غرقوا في البكاء،كان الرجال صامتين،ينتظرون فراغ النسوة من فيضان الحزن،وسط الهرج كان جسد الـ عريس مضرجاً بدمه،وكانت الـ عروس فاقدة قدميها.
كل شيء مر بخراب،يوم غير عادي،تعطلت فيه حواسنا،وتوقفت كامل رغباتنا ومشاعرنا،فقط العيون كانت تتحرك بفلتان تام،اقترحن الرفيقات أن نترك المدرسة ونهرب مشياً على أقدامنا،قبل أن نفاجأ بعدوٍ يطوقنا،فكرة طرحتها(خولة)،لم أمتلك وعياً صريحاً كي أبلورها في ذهني واتخاذ القرار السليم،جلسنا فاقدين مشاعرنا،خائفين،لا نعرف ما الذي يجري،فالحرب هاجس مجهول،مثل نهر مجهول القاع،لابد من مراجعة ذاتية قبل إتخاذ قرار مغامرة السباحة.
بعد ساعتين من القلق والهلع والإصغاء لجهاز الراديو،وصلت طلائع مركبات عسكرية،هبط نقيب يرافقه جنديان،خوف واضح يسكنهما،ينقلان نظراتهما في كل اتجاه،أعلن النقيب عن نفسه:
((نقيب خالد))
قدمت نفسي له..قال:
((تستدعي الأوامر إخلاء المنطقة من آهليها))
((لا نمتلك وسيلة إنقاذ كي نطيع الأوامر))
((ستأتي مركبات مجهود حربي لإخلائكم))
عند الأصيل وصلت الحوضيات،سبعة منها لأخلاء القرية وحوضيتان لنا.
لم أرغب الجلوس مع السائق،وجدت نفسي مع الرفيقات،بعدما وضعنا حاجياتنا وممتلكات المدرسة في حوضية،ظل الصمت لسان حالنا،الطريق متعرج ومترجرج،رغم ما تخلف فيّ من رعب الموقف وأنا أحدق بجسد العريس الممزق،كان قلبي يتنفس،ينبض لرؤية ملامح(وداد)،كانت متكورة،صامتة،في نظراتها مدارات مجهولة،ظلّ قلبي ينبض بتسارع مثلما كان يفعل لحظات مثولها معي،أو عندما كنت أتفتت من أجل أنوثتها،كانت ترمقني بنظرات متفاوتة في الطول،لكنها ظلّت عنيدة لم تبادل كل ابتساماتي لها ببسمة واحدة،أمّا الرفيقات كنّ ساكنات الذهول،مرهقات أثر ليلة حفلت بالصراحة وتسليخ الأبدان من قذارات الطفولة ومشكلات الرغبة،كانت عيوننا تلتقي تارة بشيء من الخوف والخجل،وتارة تغفو بحثاً عن تفسير لما هو قادم،أو نهاية هذا المصير الوافد من الشرق.
كان يوماً حافلاً بالتعاسة.
عند منتصف الليل وصلنا مشارف البلدة،بعد توقفات كثيرة،أعطونا بعض الطعام..جاء ضابط برتبة مقدم،بش بوجهنا..قال:
((حيا الله الماجدات))
لم يجد جواباً يفرحه..قال:
((ستبقون الليلة ضيفاً علينا))
((البلدة قريبة،يمكننا أن نصل في نصف ساعة))..أجبته.
((تستدعي الأوامر عدم التحرك ليلاً،طائرات العدو تجوب على الحدود))
((لا يمكننا أن نبقى هنا بين الجنود،الرفيقات مسكونات بالهلع))
((لا داعي لهذا الخوف،غداً سيجدن أنفسهن حاملات السلاح جنباً إلى جنب معنا))
((لا أتمنى الحرب أن تطول سيادة المقدم))
((يجب أن نفكر بكل الاحتمالات في ظل الحرب))
((جيشنا مقتدر..سينهي الحرب بسرعة فائقة))
((هذه فكرة قيادتنا الحكيمة))
((يمكننا أن نجد مركبة توصلنا))
((حسناً..سأتحدث مع السيد الآمر))
تركنا ومضى..عاد يستبشر خيراً.
((ستوصلكم المركبتان))
ركبنا وبعد نصف ساعة ترجلنا داخل كراج(جلبلاء)،وجدنا الليل مدجج بالرفاق.
أخذت(خولة)معها خمس رفيقات.
أخذت(حمدية)الثلاث المتبقيات.
وقفت أواريهن،تقدم مني سائق ساومني قبل أن ينقلني أنا وأشاءنا التربوية إلى منزلي.






(32)

جاءت الأوامر التربوية سريعاً،تم تفكيك شملنا إلى أشلاء مبعثرة،رمونا في مدارس شتى،عدت إلى خيباتي المتناهضة،لم تكن هناك فواكه تسعف بدني بعسلها،صار الليل جحيماً،بعدما صارت النهارات ملكاً للحزب الذي أنتفض لقتل كل فراغاتنا،مرابض الـ هوس بالوطنية بدأت تحتويني،كل شيء تسربل بلون التراب،الأشياء والناس وحتى الكلام تبدل،خرج من ثوب البلادة ولبس ثوب الحرب.
بدأت البلدة تستقبل قوافل عسكرية تمر وتعود،دبابات تأكل جلد الشارع الوحيد للبلدة،وكان الناس يتجمهرون على طرفيه يلقون نظرات غريبة إلى جنود خاشعون،تخيم على سحناتهم ومضات الخوف،ترجرجهم الحوضيات وهم يمضون إلى الحرب.
جاءت الأوامر بعدما طرحت رفيقة متحمسة فكرة وطنية شاملة،شملت كل البلدات التي تتعسكر فيها المعسكرات،أو تمر بها قوافل الجنود إلى الحرب،تم تنصيب عشرات الخيّم على ممرات سير الجيش إلى خطوط الجبهة،جاءوا بكل الفتيات الجميلات لتقديم حلوى وعصير وقطع كيك للجنود،في تظاهرة شعبية امتدت إلى الكثير من القصبات الحدودية دعماً للمجهود الحربي.
في واحدة من الخيّم وجدت(خولة)..لم تكن كما كانت..قالت:
((رفيق حبيب..لم تعد أسمالنا القديمة تنفع يومنا هذا،آن الأوان أن ننسلخ من ثوب صبيانياتنا))
((أيفقد الجسد كيانه في الحرب؟))
((في الحرب علينا أن نضع الله في مرمى عيوننا))
((هو موجود دائماً وأبداً معنا))
((رفيق حبيب..ما حدث يجب أن يدفن في مستنقع النسيان))
((قلبي يحتاج لإعصار كي يسكت،ربما هو الأخير كي أنسلخ من صبيانياتي))
رفعت صحناً فيه قطعة كيك وقدح عصير..قالت:
((هذا من عمل يدي))
((أنا لست جندياً كي أحتفي بهذا المجهود الحربي))
((غداً كلنا نغدو جنوداً))
تناولت وبدأت ألتهم وأشرب.
((ليلي عذاب يا خولة))
((هداني الله ولم أعد أعير أهمية للحياة الفانية،جرب الحياة المستقيمة،تجد نفسك مرتاح الضمير ومروّض من حماقات العواطف العابرة))
((أحقاً الحرب قلبت الموازين بهذه العجالة؟))
((على المرء أن يغير إستراتيجيته عندما لا يجد ضوء أمل يتوهج في أفق طريقه))
((مهما حصل ويحصل،الجسد له حربه الخاصة))
((حربان للجسد،حرب مفروضة وحرب مكتسبة،حربنا الآن حرب مصير رفيقي العزيز))
((بدأتِ تتفلسفين رفيقة ـ خولة ـ ))
((حياتنا محض فلسفة))
((زرعتِ أشجار شائكة في غابة حياتي،هل يمكن تركها من غير عناية أو سقي))
((داخل كل إنسان توجد هذه الأشجار،على المرء أن يقتلع الخبيثة منها كي تبقى النافعة يانعة ومثمرة وخالدة،كي يشعر بقيمته الإنسانية))
توقفت قافلة وبدأ الجنود يترجلون..قالت(خولة):
((الوطن جاء!))
تركتني وخرجت..لم أجد دافعاً للبقاء،كان قلبي يتمزق،وأنفاسي تتكتم،على مضض أتفحص أيامي الماضية،حضر الشك وصرعني في غمامة حيرة وغيمة عذاب.
عادت.
((أن ما ظلّ يقلقني أو ربما أطرح توسلاً حوله هو...))
((ما الذي يقلقك؟))
((أن تجبني بصراحة))
((لست غريباً))
((سقط مني أو فقدت كاسيت الشريط الممغنط))
((ربما هو التذكار الوحيد بوسعي أن أحتفظ به))
((أيمكنني أن أسترده))
((ربما صعب))
((هل سمعت ما جاء فيه؟))
((لا أملك آلة تسجيل))
((طلبي الأخير أن تتلفه))
((صعب))
صمت.
تركتني ومضت نحو قافلة جديدة وصلت.
***
بعد الغروب بقليل،ألبس الزيتوني،وعلى الشارع العام للبلدة،مع الرفاق نواصل السهر حتى الفجر،لم تنقطع مواكب الجنود،ومن شرق(جلبلاء)كان الوميض يشع ونثار مذنبات تهلهل في الفضاء،شاع أنها تقاوم الطائرات المغيرة وتمنعها من التسرب إلى أحشاء الوطن.
عبر الجنود الحدود،اغتصبوا(قصر شيرين)،بدأ النهب والسلب،هكذا هي مكتسبات الحروب منذ فجر التاريخ،فالحرب يعني القتل وسرقة أملاك القتلى،الحرب تدمير صبياني للجمال،وتحويل الطبيعة إلى أطلال ومجاعة وأمراض وفقدان أخلاق.
بدأت المركبات العسكرية تتراقص وهي تحمل موجودات المدن المنهوبة،تحول رصيفي الشارع الرئيس إلى سوق مفتوحة،تعرض الأجهزة الكهربائية وكل ما هو نفيس وغير متوفر في البلاد،إضافة إلى حراب إميركية ومسدسات تباع سراً،بدأت الكثير من البيوت تستقبل الأشياء الحرام،لم يتحرك الحزب،لم ينطق، كانت الحرب بالنسبة لها،حياة أو فناء،وجدت الحالة نوعاً من الحرية المباحة،ونوعاً من الانتقام من العدو.
بدأت قوافل التوابيت تمطر البلدة.
صار لون الحياة أسود.
***
تم استدعاءنا لخدمة العلم،ودعت حياتي الصاخبة لأسكن بيت القدر،بعد أشهر وجدت نفسي جندي درع، كانت الجبهات تتفتق والجيش لم يعد يكفي لملئ الفراغات المتواصلة،فمن وجد نفسه خارج الخدمة العسكرية،حاصرته أسلاك وطنية جديدة،ألبسته درع الحرب.
في بلاد الحرب عقل الحزب يبتكر.
تم بناء الجيش الثاني.
الجيش الساند.
الجيش الشعبي.



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الخامس عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الرابع عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثالث عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثاني عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الحادي عشر
- ليالي المنسية/رواية/الجزء العاشر/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء التاسع/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء الثامن/منعتها الرقابة الأردنية/
- ليالي المنسية/رواية/القسم السابع/
- ليالي المنسية/رواية/القسم السادس/
- ليالي المنسيةمرواية/القسم الخامس/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الثالث/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الأوّل/(منعت في الأردن من قبل الرق ...
- ليالي المنسية/ القسم اثاني
- أولاد اليهودية(رواية)10
- أولاد اليهودية(رواية)9
- أولاد اليهودية(رواية)8
- أولاد اليهودية(رواية)7


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية(رواية)الجزء السابع عشر