أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/















المزيد.....



ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4559 - 2014 / 8 / 30 - 11:50
المحور: الادب والفن
    


((فواكه قلبي))

(1)

كنّ عشرُ إناث في قاعة طويلة،تسعة منهن تتراص أسرتهن بنسق تكاد تتساوى مسافاتها البينية،بموازاة نافذة تطل على فناء ساحة المدرسة،سرير منفرد،تنام عليه الست(خولة).
***
ساعة من الترقب وبلورة فكرة ارتكاب فعل المغامرة،تكفي لتهيئة جسدي قارباً متزوداً بوقود رحلة ليلية،أشبه بالغوص في مكان قفر بحثاً عن طريدة مأمولة متخفية في الجوار،ينشغل فكري بكشط دعاسيب التردد والقلق المتفاقم،قبل أن ينقلب جسدي إلى قربة فارغة،فاغرة فمها،تنشد طعاماً شهياً،يتواجد في موقع مكهرب بأجساد إناث غاطسات في جحيم نوم غير مأمون.
***
تزيد المسافة الفاصلة،ما بين غرفتي وغرفتهن على الثلاثين متر،بناء على آخر عملية تخمين لعقلي،ذلك الإحساس نما مع أوّل خطوة خطوتها باتجاه بحر الرذيلة،ما أن رميت بقدمي اليسار في حوض الظلام، تحمست لفكرتين،فكرة إشباع رغبة عاطفية كانت تزلزلني،وفكرة لا شعورية ضغطت وناصفت دافع رحلتي، فأنساق لساني يـ قيس مساحة ساحة مفروشة بسجادة ليل غير دامس.
في أوّل ليلة.
لساني لهج،لا أعرف بالضبط هل كان فعلاً محموداً للهروب من قلق المجهول والوصول من غير منغصات إلى سرير السعادة الليلية،أم أنها تراجيديا الظمأ الأزلي المتواجد فينا،ينتفض أوان المحن لتخفيف وطئها،وقد تكون عملية إسعاف فوري للخروج من مأزق العقبات المحذورة غير المتوقعة.
على أيّة حال،جسدي نفض شوارد الهلع مع كل خطوة خطوتها،مع مباركة لساني برقم دوّنه ذهني في سجل أوّل صولة لا أخلاقية نحو مستنقع الجسد.
***
عندما تتهيأ جوارحي للفوز بوليمة شهوانية،يكون ذهني في أقصى درجات التحفز واليقظة،خطوة خطوة أخطو ولساني يحسب،أحياناً أتوقف عندما أشعر بأنني قفزت رقماً،أو التبس علي الحساب،أنني في مرتين على ما أتذكر عدت إلى الوراء،من غير مبرر طبعاً،هاجس ما،غريب ومباغت،غازلني ووجدت نفسي تندفع لتلبية سلطته،من غرفتي بدأت أخطو من جديد وأعد أرقام خطواتي من جديد أيضاً.
لم تتوافق محاولاتي الحسابية الليلية،في كل ليلة كنت أحصي رقماً يختلف عن محاولاتي السابقة،لم أعر الموضوع أهمية،فدرجات الرغبة تتفاوت ما بين مغامرة وأخرى،مما ينعكس الأمر على مسافة كل خطوة، كان مزاجاً تافهاً،أحسب وأترك الرقم،بعدما صارت الأرقام التي حفظتها تسبح في مأزق مغلق،لم تتجاوز الخمسين خطوة،الأمر الذي جعلني أن أدون في سبورة ذهني أن المسافة الفاصلة من باب غرفتي إلى باب غرفة الإناث( ثلاثون)متراً بالتمام والكمال،بعدما جعلت من كل متر خطوتين وأضفت أمتاراً أُخر كي يقر ذهني ويطمأن على رقم شبه معقول.
***
ينحرف باب غرفتي عن باب غرفة الإناث المقابلة قليلاً بمسافة لا تعدو على المترين،هذا ما جعلني في وضعية مأمونة لرصد بعض الحالات العفوية من كوّة غرفتي،أحياناً أستغرق وقتاً طويلاً،متلهفاً أتلصص راصداً أجسادهن وحركاتهن،كنت أشعر بمتعة كبيرة وأنا أغوص عميقاً إلى أعماقهن،تجعلني شبه متخلص من حالة السأم والغربة والوحدانية،صارت تلك الكوّة بمثابة نافذة على عالم خاص ونادر،تربطني بما يجري خارج غرفتي لحظات العزلة،كلما ينفد زيت الرغبة،يبقى الفضول مرضاً عضال،يجندلني في لحظة تلصص،أنام على بطني،وبعينين قلقتين أراقب كل صغيرة وكبيرة،تترآى في شاشة أوهامي.
تهمين الكوّة على ثلثي مساحة المدرسة،غرفة الإدارة وغرفة نوم الإناث وغرفة المخزن تقع ضمن محيط الرؤية الجيدة.
***
عندما أفقد القدرة على احتمال الخواء الحاصل،نار جسدي تلفح،قلبي يفضح نواياي،شهيقي وزفيري يشاركان في تفعيل رغبتي،أنهض من سريري وأبدأ الخطو،لساني مع كل خطوة يضع في خانة الخيال رقماً،ومع كل رقم يدرك الجسد كم ألتهم من خطوات،وكم رف ظلام أخترق،وكم بقي في صحن الليل من توجسات وخوف للوصول إلى سرير الست(خولة).
أحياناً تضطرب قدماي،تتضاربان،مما أمضي متعثراً كسلحفاة على رمال،مما يزيد هلعي وأفقد التركيز لدقائق بسبب تفاقم درجة الرؤية،ببطء أتلمس طريقي،محافظاً على مسار سيري،إي حساب جديد يفوق الحسابات الليلية السابقة يعني أن الجسد فقد بوصلته وصار يبحر في مأزق العماء،لابد من العودة إلى الوراء والبدء بسيرٍ مدروس وحسابٍ جديد.
***
لم يحصل أن حصل انحراف في سيري،لكن الفكرة ظلّت قائمة كلما أبدأ برحلة نحو عالمي،أخترق ظلاماً طاغياً يتحول مع كل خطوة أخطوها إلى مطهر مجاني،يقشر تكلسات روحي،فتضمحل شوارد الخوف المتعلقة جرّاء لعبة التفكير،وسجر مرجل الرغبة بغية إطفاء صيحات جسدي عند أنثى ناصفتني هموم الليل،من غير ملاحقات،أو تحرشات لسانية أو نظراتية أو رموشية أو اللجوء إلى طرف ثالث في معادلة الإغواء،أو تبادل رسائل غرام كاذبة.
***
عند باب القاعة.
قاعة الإناث أكون بـ كامل الجرأة وتمام الصحو،جائع متوحش يرتمي فوق وليمة ملهمة.
كل ما حولي يصبح رماداً،في المسافة الفاصلة يتضح هلعي شظايا رماد ساقطة دليل ساطع على جريرتي ،يستحيل كل عارض محض سراب،قد أصغي قليلاً من الوقت،في محاولة جمع المعلومات قبل بدأ صولتي،غالباً ما كنت أجد الطريق سالكة،لا عارض إلاّ أوهام الخيال ووساوس قلب في ساحة الفضيحة يتهيأ للولوج إلى مدينة الكبائر.
سريعاً تعودت أن أهمل عذابات الأنوف الضاجة،وروائح أجساد متعرقة تختلط لتكوين قيامة شبق صادع،ضياع دقيقة يعني ضياع الحلم،يعني خسارة قاموس الليل أثماً مبيناً،يندفع الجسد،أدفع باب الغرفة ببطء،ببطء شديد ألغي المسافة التي تجمعني بـ فاكهة ليلي.
***
لم يعد باب الغرفة يرسل صريراً يستوقفني،يجبرني الاحتراس،بيقظة ونبض قلب متصاعد أخترق ظلام الغرفة بعينين تبحثان عن جسد أنتفض،كل شيء ممكن وقوعه،نوم البشر غير متكافئ،هناك بشر لا توقظه المدافع،ومن البشر من ينتفض من سابع نومه لطنين بعوضة تاهت عليه جسد النائم.
***
في أوّل ليلة تسلل.
توالدت عندي رهبة مباغتة،أنتجها صرير الباب،وقفت طويلاً أترقب نتيجة عكسية،حتماً ستحطم حياتي القادمة،تأرجحت بين فكرة العودة وفكرة التحوط لبضع دقائق،قبل أن يتلاشى خوفي سريعاً بعدما مر الموقف لصالحي.
لم يستمر التعذيب النفسي طويلاً،جاء المدد من الليل،قهقهة هازئة حررتني من خوفي ودفعتني بـ بسالة أخطو نحو سرير الست(خولة).
رصدت برودي،قلت لها سبب تجلد عاطفتي:
((صرير الباب سلبني رغبتي))
من يومها فقدت فكرة التردد،أخذت(خولة)ملعقة طعام سمن وعالجت(نرمادات)الباب،مبعث الهلع.
***
عندما يرتكب المرء حماقة في مكان مجهول،في عالم غامض لم يتوفر لديه الوقت الكافي لمدارسة أحابيله،ستنتظره نتائج متوازنة بين فلاحه وإخفاقه،ففي تلك اللحظة يقيني أجاب بوضوح بعدما تجمد عقلي على شاشة الذهول،أن الأجساد الـ عشرة المرتمية في الفردوس المغلق حتماً ستنهض متحمسة لتمزيقي، سيشهرن أظفارهن،سيكشرن عن أنيابهن،سيغدون لبؤات دهم عرائنهن،سيجردنني من كامل هندامي، ويرمينني خارج العالم شلواً ممزقاً،فالمرأة تستحيل إلى نمرة مفترسة عندما تكون في قلب الخطر،رغم ضعفها،كونها تخبأ قوة كامنة توظفها في اللحظات العصيبة،هذا ينطبق أيضاً على كل قطة محاصرة في غرفة،حاجتها إلى الحرية،أو تعرض حياتها للخطر يدفعها إلى أن تنهض من أعماقها قوة تضاهي قوة نمر مفترس.
لا فرق بين امرأة في خطر وقطة في قفص التعذيب.
***
الخوف في حالات المغامرة الجسدية وارد،الشيطان يحاول أيقاد تنور الرغبة،طالما الرغبة ترفع من نبض القلب،والقلب المنتفض يقلل من فرص الرؤية بوضوح،بعدما يدمر هدوء الذهن،ويعصف بـ أوراق العقل.
***
متكشفة الساقين تنام(خولة)تشعر باختناق لو قامت بتغطية ساقيها بغطاء،تشعر بحرية تامة في النوم عندما تترك ساقيها متحررتين وتكتفي بتغطية منطقة الصدر والبطن إلى مثلث(برمودا).
((تلك طبيعتي حين أنام))
كلام همسته في أذني في ليلة صر الباب،بعدما أماتت فيّ شوارد التوجس.
***
في أوّل صولة.
بعدما تخلصت من شبكة الظنون الملتفة حولي،صرت قرب سريرها.
شجاعتي المتكاملة دفعتني أن أمرر أناملي بشيء من التحفز على زغب ساقيها الناعم،نابض القلب وقفت قرب ساقيها الممددتين،كانتا تلمعان في ذاكرتي،ربما وهج الرغبة أنارت سريرها،أضفى عليها هالة قدسية،رفعت قيمتها عن واقع الحال،كل شيء فيها واضح ومتزن،رغبتها،لهيب جسدها،ظمأ غورها،فلتان لسانها عند العناق.
جسد ممدد..أنفاس دافئة..جسد واقف..رغبة متفاقمة.
لم أجد بد من تصعيد نسبة الضجيج في دمي.
بدأت أصابعي ترتجف،تكهربها لوامس الدفء،(خولة)الفراش،لم تعد تشبه(خولة)الواقع،لم أجد فرصة تفكير،ربما بمستطاعي أن أعزو ذلك للعناء الذي تتحمل وزره،غزت جيوش الرجفة لتستعمر كامل جسدي،أنفاسي شبه المتذبذبة تدوي في الظلام المكهرب بأنفاس أجساد أنثوية غارقة في نومها السابع.
***
(خولة)..رغم خفتها ومرحها،تحبذ التمدد بكامل عريها في الفراش،لا تنهض بسهولة،تبقى خدرانة،يتصاعد من كل فتحات جسدها رياح تأن،تلك كانت لعبتها الإغوائية،تستمتع حسب زعمها بالملامسة الإغرائية، أناملي تثير عاطفتها،تؤجج براكين غورها،تتلوى لوقت يكفي نضج شهوتها،لا يقرع جرس الرغبة إلاّ حسب مزاجها،عندما يدق تنهض مجنونة،تحتضنني بشيء من الوحشية،تمصمص صفحتي وجهي،تحرث جسدي بقبلات مطرية،قبل أن تغرق في بركة الهذيان ورعشة الغليان العاطفي،ترتخي ساحبتني للغوص بثورية بربرية إلى أعماقها الأمازونية.
***
مذ تعارفنا عاطفياً،من غير بوادر نظرات مفضوحة وابتسامات دعوة صريحة،من غير ساعات احتراق وتبادل مقبلات التودد وفرش سجادة الدلال،بدأ الليل يستحيل إلى جحيم،ليلي الغارق بالوحدة،الطويل الذي لا ينجلي عباءة حلكته،ما لم أتقلب على فراشي مقروصاً بشرارة الشبق،تغزوني جيوش الأرق،أصطلي بنار الحيرة،عقلي يرضخ لسلطة العماء،لا فرن يستوعب هذه النار الساجرة كلما الليل يرتمي على العالم،أجدني متسولاً،متوسلاً يبحث عن محسن،عليلٌ رافض يجرجروه إلى طبيبٍ مختص.
***
(خولة)..فتحت أسوار مدينتها من غير دواعي حرب أو تهديد أو حصار،رحت أتطهر كل ليلة في رياضها بضياء قمرها المثير،وماء بئرها النمير.
غمرتني بشجاعة نادرة،دفعتني كلصٍ محترف يتسلل نحو هدف مضمون،تخف حدة خوفي حين ألتمس فراشها،سواء أكانت نائمة أو كانت تتقلب محترقة شوقاً لقدومي،أجد لعبة الملامسة وسيلة لإخماد شوارد الخوف فيَّ طالما تنهض نار الرغبة فيها.
***
أناملي تعمل وقلبي ينتفض،لا تنهض حرارة(خولة)تظل فاقدة حضورها،لم تكن تشبه(خولة)الليالي المنصرمة،لم تكن تحافظ على نسق ثابت لرغباتها،ففي كل ليلة ترتفع حرارتها،تشتد حدة ظمئها،كما كنت أصفها همساً في أذنيها،وكانت تطلب مني تكرار الكلمات،أكدت دائماً أنها تشعر بـ نار إضافية كلما تمر الكلمات عبر أذنيها،تخترق مصاغيها قبل أن تصب في موقد الرغبة،هناك في قلبها مجمرة السعادة خامدة،تعيد كلماتي غير المهذبة حسب زعمها الروح للجمر الخامد،تتأجج نيران الشهوة،تنتقل الحرارة إلى عروق جسدها،عندها تفقد رشدها،عندها تطلبني بعنف،عندها تعصرني بـ شراسة وأعصرها بـ حيوانية ، ترغب أن أكرر مفردات الرذيلة بـ همس في أذنيها،اصف(برمودتها)بما توصف في الأجواء الشعبية،أصف فعل الممارسة كما يسب أحدهم صنوه وهو يهدد بأنه(........أمّه)،بكل البذاءات الشائعة في قاموس القاع تسكرها وتحرقها أو تغرقها في عسل السرور.
***
(خولة)..تعشق المغامرة،خفيفة الروح،لدنة الجسد،رغم افتقارها إلى درجة جمال مقبول،لا تمل من خلق فرص مزحة،من يلتقيها يعشقها،وهذا ما ينسف بالنسبة لها فكرة القلب الذي يعشق كل جميل،فجمال الروح غالباً ما يتغلب على جمال الوجه والجسد،للروح مغناطيس جاذب يكهرب العيون،(خولة)فقدت جمال وجهها لصالح خفة روحها،صارت أكثر جاذبية وأقرب للقلوب التي تلتقيها،ترغب دائماً تحقيق مقالب مرحة أو كما كانت تهمس لي دائماً بأنني سأسقط ذات غفلة في فلك عاطفي جديد هي من تصوغ حبائله،وكنت أهز رأسي وأهمس في أذنيها كلاماً مضاداً لفكرتها،كنت أقول:
((هذا وقت الحب لا وقت الهذر))
(خولة)عاشقة متهيئة دائماً وأبداً لفعل الحب،لم تتأخر كلما كنت أتسلل إليها،كانت تنهض نمرة جائعة تتبعني كظلّي،لم تكن تتردد كلما كنت أهمس في أذنيها نشيد لهفتي،كانت تترك سريرها وتأتي من غير ملل أو خوف.
***
ما بال(خولة)نائمة أو متناومة،ما بالها لا رغبة تمتلك كما عهدتها في كل صولاتي الليلية معها،سادني اعتقاد في تلك اللحظة أنها توقعت صرصاراً يمشي على ساقيها،لذلك مدّت يدها وهي شبه نائمة لتبعده، لحظة نهضت على غير ما كانت حين تنهض،لم تكن تلك النارية،كائنة مستغربة،لحظة اصطدمت يدها بيدي،قالت لي أنها كانت في حضن كابوس خانق،أناملي غزت في اللحظة الحاسمة وخلصتها من ضائقة نفسية شرسة.
طول بقائها في الفراش،أفقد بصري ميزة رؤية الأشياء بوضوح،كانت غشاوة القلق تضبب درجة الرؤية، خلاف الليالي المنصرمة،عندما كانت تنهض كما يخرج القمر من جوف الظلام.
حين نهضت(خولة)وعرفت الصرصور الذي توقعته،وجدتها متكاسلة،شبه عليلة،أو معتلة كونها كثيرة التعب،هي طبّاخة فطورنا وغداءنا وعشاءنا،والباقيات يتناوبن على غسل الأواني والقدور وتنظيف غرفتي النوم.
ففي ظهيرة ذلك اليوم عملت لنا قدراً كبيراً من(الكشري)..(طبخة رز مع عدس)،لابد أن التعب نال منها وأخمد فيها نار العاطفة، أسلمت نفسي لهذه الفكرة وأنا أتفحص من خلل الظلام وجهاً لكم لثمته ومسحته بلساني،خلال فترة وجيزة لا تعدو على الشهرين،لم تهمس كما كانت تفعل أو كما كانت تلقي بنفسها علي وتغرقني في بحر نعاسها، ألقت بشعرها المنفوش بيديها إلى الخلف.
همست كي أهدأها:
((أنا..حبيب.!))
تأوهت هامسة:
((متعبة أرجوك))
((ليس بوسعي النوم يا خولة..ارحميني))
((أستلق جنب واحدة أخرى))
((أترغبين توريطي بجناية))
((لا تخشى من شيء،بإمكانك أن تدس نفسك في فراش أيهن ستجد حضناً يحتويك))
((خولة..أنت تهذين))
((أنا مريضة))
((لن أتجاوز حدود الملاطفات العادية))
((لسانك ثعبان،دائماً تسقطني في حبائلك وتسحبني إلى بركة الرذيلة))
((سأنتظرك في غرفتي))
أكتفت بتأوهات متناعسة وبزفير صائت.
قبلتها..مستفزاً خرجت.
انتظرت كثيراً،لاهثاً ألفظ أنفاسي،قلبي يضرب بعنف،الليل شامل الظلام،لم تعد النجوم تنفع طالما كانت غيوم متقطعة تمضي في بساط سماء غارت مصابيحها.
***
شبّاك غرفتي.
فتحة دائرية قرب رأس سريري،مررت عيني،كان الليل كلّه أشباح تنفك وتتشابك،فشلت أن أشق ستار السواد المتواجد بين غرفتي وغرفة الإناث،كنت بعينين خائفتين أو قلقتين أبحث عن(خولة)،عن شبحها الخفيف وهي تدنو من مستوطنة عذابي،(خولة)لم تظهر،قلبي حسسني أنها غير راغبة،موقد روحها منطفئ،كلماتي لم تكن بروق تحرق الحطب المتواجد في مرجل عاطفتها،ندمت لأنني لم أعانقها طويلاً كي أثيرها،لم أقبلها قبلات طويلة كي أنسف فيها جبال الكسل،وأفرك(برمودتها)كي أنهض غريزتها الأنثوية المدمرة.
شجاعة(خولة)كلما تغامر من أجل لحن القلب((لم فقدت شجاعتها؟))،فكري لم يقتنع بما ذهبت إليه.
ترددت لحظة دفعني هاجس الرغبة،أن أتسلل مرة أخرى إلى غرفة تعج بأجساد مائعة،متكشفة،غارقة في نوم عميق،وسط حرارة أنفاس متشابكة،روائح تختلط لتنتج روائح أخرى،أصوات شخير لأنوف تسحب شهيقاً صائتاً وتزفرها بصفير وحشرجات.
فكرة تجبرني التمهل،تخمد أوّار رغبتي.
وقفت شبه متخاذل،ليس من السهولة بمكان أن أخترق حاجزاً محرماً مرتين،فالمحاولة الأولى محض مغامرة في لحظة عماء،يكون الجسد لحظتها في أقصى درجات الشجاعة،متهيئاً للموت،عقلي فقد وهجه وأنساق طائعاً تحت فحيح شهوة غاصبة أكسبتني شجاعة نادرة،أن أغامر باقتحام المكان مرة أخرى فيه شك واضح،وقفت طويلاً أراجع أوراق مغامرتي الأولى،شرق أمامي ضوء الإخفاق جنباً إلى جنب ضوء الفلاح.
متأرجحاً بين الأقدام والأحجام وقفت.
تحت سطوة الفكرة بقيت مرتجف الأوصال،شيء ما يضغط،يكاد يكتم أنفاسي،يسارع نبضات قلبي،لم أحتمل نيران شهوتي،بدأت تتفاقم بعدما كانت غير فاعلة،مجرد روتين لابد منه قبل أن أغطس في ظلام النوم.
خرجت.
وجدت شبحاً يتحرك من خلل الظلام،شبح يتجه جنوباً،أنه يمضي،يضمحل،يذوب في السواد،وقفت أنتظر عودته،كل شيء وارد،لابد أن(خولة)متضايقة،مضت تفرغ جسدها من ضغط القاذورات،قد تريد تجفيف مستنقع مثانتها،كي تتهيأ لي،طال مكوثي بباب غرفتي،لم أحتمل فكرة المكوث،مشيت باتجاه الجنوب،عند باب غرفة المياه سمعت صوت الماء ينهمر من الصنبور،تناغم الصوت مع ضربات قلبي بمشاركة فاعلة مع شهيقي وزفيري،دخلت واحتضنت الشبح الواقف،شبح ناعم ودافئ،من فرط هلعي فقدت لحظتها مذاق تمييز الأشياء،أطوالها وأحجامها.
(خولة)ممتلئة،مكتنزة الجسد،قصيرة نوعاً ما.
هذا الجسد الذي صار بين أحضاني يمتلك نعومة مضافة،نحيفة،طويلة.
لم تكن هناك فرصة لمراجعة نفسي،كف مباغت لطمني وألقاني في عالم الخذلان،دار بي الليل وألقاني في سديم يدور في فخ مفاجأة ثقيلة،نهضت وتهيأت لمجابهة مجهولة،حاجز ما يمنعني من رد الاعتبار لشخصي المتردد في ليل ثقيل.
شبح أنثى واقفة،نمرة مستفزة في ليل شبه حالك،تهيأت بما أعدت من وسائل دفاع لتدافع عن مملكتها، لساني أنطلق،نطق متعثراً،توسل بكل ما في قواميس الخضوع من كلمات،لم أجد ثغرة تغريني،أو تمنحني فرصة انتصار معنوي،لم أكتسب بطاقة عفو.
قالت بشيء من غضبٍ مكتوم:
((تجاوزت حدودك أستاذ))
اتضحت شخصيتها،جف لساني،لم أجد هناك داعٍ يدعوني أن أواصل كلامي،كنت لحظتها أبحث عن قطعة فضة،سقطت على منجم ذهب.
صمت.
ليل رحيم يواصل سترنا،واقفة هي،ربما نادمة على ما فعلت،وقفت أمامها،أنفاسي تواصل عزف نشيد الخوف والهزيمة..همست:
((لا توجد حواجز بيننا يا ست))
((ليس بوسعي مواصلة الكلام معك الآن))
((إذاً..في الغد ربما نرفع هذه السدود التي تكاد أن تتعتق بيننا))
((غداً سنضع حداً نهائياً لهذه القضية السخيفة))
انسحبت وذابت في دقيق الليل،لحظتها فقدت كامل رغبتي،كأنها انتزعت فتيل قنبلة وشيكة الانفجار،عدت إلى غرفتي،شبه نائم،شبه مجنون،متعب،مصعوق.
عانيت كثيراً قبل أن ألتمس مركب النوم.
***



(2)

مع توهج الشمس،متأنقا،متطيباً بعطر قوي الرائحة،كلّي يقين أن معركتي العاطفية مع فتاة الحلم كما كنت أصفها قد اكتملت فصول استحضاراتها.
وقفت بـ عين قلقة أراقب سرب إناث يرفلن بحرية تامة،يتمايلن في مشيهن،رصدت الاختلاف الذي طرأ على حركات سيقانهن،على هزات صدورهن،كن يحركن أثدائهن لغاية واضحة،عجيزاتهن تهتز بإغراء تام،حصل هذا التحول مذ حللت بينهن،شاب متأنق وعشرة إناث في مدرسة في قرية في بقعة أرض منسيّة،لم أجد فيهن بذور تمرد،كلهن تشاركن بخطط مدروسة،بتباين مفضوح في إبداء فروض الود وإلقاء أشراك الرغبة إلاّ واحدة كانت مثالية في تعاملها،تتجنب السقوط في لعبة الانسجام خارج حدود الواجب،بقت عادية،لا تجامل،نظراتها متعالية،لم تتمكن طرفة واحدة من الطرف التي كنّا نلقيها أن تصنع ولو شبه بسمة أو شبحها على ثغرها المزموم.
((وداد..أنثى معدنها غير مكتشف))..كلام ردده لساني.
أكتمل حضورهن إلاّ واحدة،ليست هناك بوادر رسميات أو شكليات تبدو عليهن،مثل ملك في مملكة نساء كنت أستشرف عالماً أنثوياً شبه مفتوح،عالم غريب بعيد،تصفعني صباحات الخير ورشقات ابتسامات ثغور ما عادت ترغب الطلاء بأًصباغ التلوين،سرب إناث خارج العالم الفوضوي،مقصيات من إشعاعات الحضارة،مرميات في بقعة أرض خارج العالم تقريباً،لم يعد التبرج مشكلة لابد منها،هنّ في مكان ليس هناك عيون شهوانية تصطاد الملامح،أو تخجل الملامح النسوية الظهور أمامها من غير تكحيل وتلميع وتبرج،يمشين نحوي،يدخلن غرفة الإدارة،كما ترعرعن على الفطرة والبراءة والظهور المتواضع،عيونهن خارج المألوف،ربما البعد المكاني والظرف الزماني نفثا فيهن أوار التحرر أو وحشية العزلة،يغمزن بلا حياء،رموشهن تتراقص،كأنها لوامس حشرات حديثة التجربة في محاولة جذب الطرائد.
حركاتهن وكلامهن حصنتني سريعاً بمصل الجرأة،اكتشفت أنني لم أعد ذلك الفتى الخجول،المتردد، المهزوم أمام الأنثى في كل المناسبات.
تشربت نفسي التجربة سريعاً،من غير مقبلات الاصطياد،من غير النظرات والابتسامات ورقتا(الجوكر) للوصول إلى قلاع الحب عند الأنثى،من غير كتابة المشاعر الجريحة على أوراق رسائل.
***
قبل وصولي إلى قلعة العواطف،تلك المدرسة المنسيّة،كانت دائماً تأتي فرص ذهبية من جانب واحد،كنت ارتعش وأنا أنظر إلى واحدة تبتسم بوجهي،أو تغمزني برمشيها،خوف يستولي علي،أذوب في شيء مجهول،كما لو أنني بصدد ارتكاب جريمة،أتوارى عن الأنظار،يمر زمن طويل قبل أن أسترد صحوتي،أكتشف أن تلك البنت الراغبة في أصطيادي،قد أهملتني بعدما وجدت أمامها فتى مهزوماً،فتى غير مؤهل لقيادة دفة الرغبات لإنثى حرون.
البنت تعشق كل جريء،كما هو سائد في شرقنا الجريح،الأنثى هي من ترمي بشرر عاطفتها،قد تتكرر المحاولة لكنني أغدو لحظتها صخرة تريد أن تنفلق من شدة الخوف،الأنثى كيان جرد من فاصل الخوف،هي أشجع من الرجل في الحالات العاطفية،هذا ما جاء في الشريعة السماوية،رغم أنها ناقصة عقل ودين،مخلوقة مائية الجسد،ضعيفة،رقتها رقة زجاج شفاف،رغم أن الزجاج يذبح من الوريد إلى الوريد ،كذلك المرأة،ربما هذا النقص الفسلجي ترك الفراغ لتنمو فيه جراثيم العاطفة بوحشية.
المرأة كما هو سائد أكثر إقداماً على المغامرة الجسدية،خلاف الذكر الذي أعطي الجرأة في القتل والسلب والنهب ما لم تعط هي،تلك الفعال الخشنة الشنيعة.
***
لم أعد ذلك الفتى الخجول أمام الأنثى،هكذا وجدت نفسي بين عشية ليلة وضحاها،أين المفر قال عقلي ،عشر إناث مثقلات بـ هم القلب،مثل قرب فارغة أمام مطر عاصف،أنزاح خوفي وصرت في قلب الحدث مثل نمرٍ يرعى جحفل أغنام شبه ضال،علي أن أختار طعامي وفق خارطة طريق،لم أعد أشعر بدبيب القلق كما كان يحصل لي فيما سبق حين أكون وجهاً لوجه مع أنثى عابرة أو يجمعني عمل ما بها.
***
شغلت نفسي بمراقبة الساعة الجدارية بعين مفضوحة،عين تريد شيئاً آخر،تريد حركة ساقين ناعمين لا حركة أميال تحصي أنفاس أزمنة عاطلة.
قلبي يعزف لحن مسرة مأمولة،يخرج اللحن عبر فمي قلقاً،يجفف اللسان،أمد يدي بحثاً عن ماء كي أبقى متوازناً،متهيئاً لمعركة انتهت بسلام،رغم أنني تلقيت لطمة كف ما تزال تحفر في رأسي غضب الهزيمة.
طال وقوفي قليلاً.
توافرت فرص شبه مثالية،أضعتها بسبب تهوري أحياناً أو عدم استغلالها بشكل متوازن غير مثير،لكن رغبتي ظلّت متأججة،لم تخمد بل ظلّت تستعر وترغب.
لساني يجف،بيد واثقة أعيد له طراوته،أرتشف الماء من قدح ظل بيدي،أبلل شفتيّ،أسقي كلمات قلبي، كي لا تجف كلمات غطست في بحار الأرق قبل لملمتها،تشكلت بعسر،ليس من المعقول ولا مقبول أبداً ومطلقاً ضياعها،تهيأت لتفعل فعل السحر في خضم المنازلة الكبرى.
حتماً الكلام الحلو،الكلام المنمق،يصرع أية طريدة ماكرة،فكرة واثقة داعبت أوتار ذهني.
أصرف كلماتي إلى الصمت،إلى الصباح المتنفس،إلى الوجوه المرهقة،إلى البسمات المصطنعة،في انتظار أنثى لا تملك جمال صويحباتها،لكنها تمتلك خفّة دم مستور،غلق كل منافذ رغباتي.
***
لم تظهر(وداد)..!لساني يطلق صهيله،كانت السبّاقة دائماً،أوّل الحضور،باكرة تنهض وتنتهي من روتينياتها الصباحية،بخفتها وجرأتها تخطو نحو غرفة الإدارة،يتحجر اللسان في حضرتها،لا يهدأ القلب إلاّ برؤيتها،خلت تأخيرها جاء لصالحي كما اشتهيت،كما رسمت في بالي طيلة ليلة حفلت بـ مفاجأة لم أضعها في الحسبان.
قرعت(أم عليوي)فرّاشة المدرسة جرس بدأ الدروس،خرجن المعلمات من الإدارة،مررن بي،واقفاً كنت بالباب،يتغامزن،يتهامسن،كل شيء واضح بالنسبة لهن،لا أسرار تجترح أوقاتنا،كلّنا عائلة واحدة،بيننا الأدب المزعوم سقط بالضربة القاضية،أخلاقنا انصهرت في فنجان القدر،لم يعد اللسان يستحي،كل الكلام صار مسموحاً في عزلتنا التربوية.
مضين وهن يتلفتن،يغمزنني برغبتين واضحتين،رغبة امتلاكي ورغبة مطاردتي للست(وداد)،كنت أقرأ في عيونهن أوراق التوسل والدعاء من أجل سقوطي في امتحان(وداد)،سقوطي يوفر فرصة جديدة لامتحان جديد في صف واحدة تنتظر شهادة حظها.
توزعن على صفوفهن.
ما بين لحظة وأخرى يخرجن رؤوسهن بشيء من التلصص،ثغورهن تنفرج،أنها تطلق فراشات الرغبة،وربما مواصلة تحرير الدعاء كي يستمر فشلي في امتحان القدر.
ربما نار الغيرة تتضح من خلال حركاتهن،كل واحدة كانت تتمنى أن تغدو(وداد)لابد هذه الفكرة شملت أذهانهن،أنظر إليهن،أمنحهن ابتسامة ود،أهز رأسي،تنسحب الرؤوس الحائرة بفرحة غامرة،كل واحدة وضعت في بالها ابتسامتي(سهم خارق)أنطلق من قلبي يطلب قلبها.
بقيت في وقفتي أراقب حركة التلاميذ،راصداً معاناة(أم عليوي)لإدخلاهم إلى الصفوف.
برزت(وداد)من غرفة النوم،شمس أشرقت من بعد سلطة غيوم أو مستعمرة ضباب،كما هي،لثامها يحجب ملامحها،ثغرها يجهل سحر البسمة،رغم تواجدنا معاً،لم أر ثغرها الدقيق يشتعل ببسمة ولو عابرة،خلاف صويحباتها،كنّ ضحوكات،يحررن ضحكاتهن بغير مناسبة،صدى ضحكاتهن يمضي عبر الفضاء إلى كل فجٍ عميق ووادٍ سحيق.
جاءت من غير علامات غضب،تمشي بخطواتها المعتادة،غزالة في مرج أخضر،خلاف ما توقعت،كنت على يقين أنها تضمر لي معركة ـ لابد منها ـ لتضع حداً نهائياً لمطارداتي الغزلية لها،إن لم تكن رضخت للأمر الواقع وثبت بالدليل الليلي القاطع أنني أرغبها أنثى شريكة فراش لا شريكة نزوات.
قالت من غير تكلفة،كما كانت تقول في كل الصباحات التي مرت،ناحتة عينين عسليتين في عيني:
((صباح الخير أستاذ..حبيب))
لم أصدق نفسي،كدت أحضنها،غلبتني الشهوة وقفلت على عقلي،مطاردة علنية لشهرٍ من التوسل والكلام وتدخلات(خولة)انتهت إلى مثولها وخضوعها،أقررت الفكرة من غير استئناف،شخصيتها المتوازنة أعدمت رغبتي الفورية لاحتضانها،خلت معركتي انتهت معها،شهران وأنا ألاحقها،شبعت آهات وحسرات،مزقت قواميس من الكلمات في ذاكرتي،كنت أزورها في الصف لمراقبة طريقة إلقاء دروسها،غارقاً في بحيرة صوتها،في عينين تتحركان ببراءة،كانت تتشجع في الكلام،تتمرد كلّما أشعل المسافة بيننا ببسمة،لا تبالي بنظراتي،تواصل فرض ألقها التدريسي،غير مبالية برائحة ذكر خطر يبحث عن متنفس عاطفي،واقفاً،حافراً بعينين ملتهبتين كيانها المستفز،يترقبها من كثب،ينهشها بنظرات غير عاقلة على مهل.
تماديت في محاولاتي معها،لا أعرف لم هذه(المعقدة)من بين إناث مكتنزات متهيئات للعبة الحياة والذوبان من خلال نظراتهن،أو طريقة كلامهن،شغلت ذهني،سلبت كامل فكري،ربما تحفظها جعلني أكثر رغبة في الانجذاب إليها،باءت محاولاتي الخجولة بشيء من الفشل وضياع الوقت،قبل أن ترصدني(أم عليوي) المستخدمة،طلبت أن تتدخل كي تربطني معها بـ(عمل خبيث)إن كنت عازماً على الزواج منها.
ها هي تبدو هذه المرة لطيفة في نظراتها،متسامحة،مغرية،في طريقة إلقاءها تحية الصباح،أقنعت نفسي أنها استسلمت أخيراً من غير أن تكلفني كثيراً من الوقت وحرقة أعصاب،من غير تكليف نفسها أيضاً خسائر أخرى من سويعات عمرها،العمر في بلدان الشرق قصير،القلب لا يمتلك الكثير من الفرص والوقت الكافي كي يثبت حضوره العاطفي،كون حياتنا محجوزة لساستنا،وقلوبنا منشلغة بـ تعبئة الخوف والرهبة لتجنب السقوط في برك التمرد وعيون الوشاة،ليس لنا سوى هذا المتنفس الوحيد لممارسته من غير مخبرين أو كتّاب تقارير يحولون نظراتنا وهمساتنا العاطفية إلى مؤامرات انقلابية،لتقودنا إلى غياهب السجون والمشانق،باستثناء(تابو)العائلة وناموسها الدموي ضد العلاقات العاطفية المقدسة بين أولادها وبناتها.
يبقى الحب في نظرنا جريمة شرف،رغم أنه الطريق السليم لمستقبل مديد،وأجيال بشرية متفوقة.
مستقبل وفاق خالي من النفاق.
آن أن أتهيأ لعالمي الخاص،ليس ثمة مجال لفلسفة الأشياء،وإعطاء تفاسير مقنعة لكل فعل عفوي أو مرسوم مع سبق الإصرار.
سمحت لها الدخول،بهدوئها المعتاد دخلت،خطواتها تنسجم مع إيقاعات قلبي،جلست على الأريكة،اقتربت بشيء من التحفظ منها،تململت في جلستها،وجدتها ترغب النهوض،عرفت أنها ما تزال تعشعش فيها بوادر رافضة،قد تكون مقدمات خجل أو إضافة قدسية الدلال على نفسها،كل الإناث يتشاركن في هذا المطلب، لا يمنحن أنفسهن إلاّ بإضافة مسحة دلال أو غلو لأنفسهن،نغمة تحسس الذكر وتستفز غريزته مما يضاعف من قوة رغبته ويزيد من كثافة عمائه.
ما تزال(وداد)تمنع جلوسي قربها،خلاف ما كنت أعمل مع المعلمات جميعهن من غير حساسيّة،كنّ متواضعات وأنا أجلس لصقهن،رغم توتر جسدي وصعود حمى غريزتي،قلت لنفسي:((لا بأس حتى الطيور والحيوانات لا تعطي إناثها نفسها بيسر للذكور،ما لم يبدِ توسلات وحركات أغرائية قد تتطور إلى رقصات إرضاء،ذلك هو ناموس الأشياء المتنافرة))
((لا تتعجل الأمور يا أستاذ حبيب!))..رددت في نفسي لأخمد هلعي.
بادرتها بود:
((حسناً..سأجلس في مكاني))
(لننهي هذه القضية التي تشغلك))
((قضيتي طلب بسيط بين يديك،حق مشروع لا يخالف أعرافنا))
((أنت تعرف حدودي))
((ليس هناك حدود بين الإناث والذكور))
((آن أن تكف أستاذ عن ملاحقتي))
((أنك تختلفين عنهن))
((وأنت تختلف عن الرجال أيضاً))
((ما هي أوجه الاختلاف؟))
((خرجت من عالمك البشري،وأرجو المعذرة عن معنى هذا الكلام))
((يا ست وداد..أنت لا تدركين حدود الجحيم الذي أعيشه من أجلك))
((لديك وسائل بديلة!))
((لا أجد غيرك جديرة بأن تركب معي سفينة الحياة))
سكتت.
دخلت(أم عليوي)،وضعت قدح الشاي أمامي،وجدتها ترمق(وداد)بنظرة مقصودة،قبل أن تغمزني بنظرة ثقيلة،فهمت نظرتي إليها،خرجت وهي تسحب الباب.
قامت وفتحته..عادت لتجلس.
قلت:
((لا تفهميها كما خطر ببالك))
((أنا أفهم الأشياء كما أشتهي))
((لم كل هذا العناد مع زميل يودك))
((أرجوك أستاذ حبيب..كفاك ملاحقة،بدأت أفواههن بـ خلق حكايات ليست محببة بيننا))
((مجرد مزاح صديقات))
((أنت لا تفهم وضعي،أنا من عائلة محافظة لا تتفاهم إلاّ بلغتي السكين والرصاص))
((أعتقد أن طلبي حق مشروع،أنا أبحث عن رفيقة تلائمني في حياتي))
((أستاذ حبيب..أعتقد أنك تفهم نفسك جيداً،أنت متعب،تحتاج لراحة خارج نطاق هذا العالم الذي وضعونا فيه))
((قد يكون القدر هو من أراد جمعنا في هذا العالم كي نتحد مثلاً))
((قراري سبق أن قلته لك،أنا محجوزة لأبن عمّي))
((ربما العشرة ستجعلك تغيرين موقفك منه))
((هذا تجاوز على الأعراف أستاذ))
((لا تسيئي فهم كلامي،لتكن العلاقة وديّة بيننا))
((الشيطان يجلس الآن بيننا))
((الشيطان حقيقة،نحن نستدرجه،بوسعنا أن نتحدى كل شيء بعقولنا،فقط لو عرفنا كيف نفكر))
((لن أشاطرك كلامك،الشيطان عليه اللعنة منحه الله القدرة على تحريك قلوب ضعاف النفوس،يوم طرده الله من الفردوس بسبب كبريائه،لعنة الله عليه وعلى أعوانه))
صمت.
فكرت أن أغير دفة الحديث.
((لم أكن أتوقعك في الليل))
((بل كنت تترصدني))
((حسناً..أليس ذلك يعني مدى اهتمامي بك!))
((لا تشغلني هذه الأمور الدنيوية))
((كنتِ قاسية معي))
((كل كائن يدافع عن نفسه لحظات الخطر))
((مهما يكن تقبلت منكِ ذلك))
((أرجو أن ننهي هذه الأمور نهائياً،قررت أن أرتكب حماقة لو تماديت أكثر في محاولاتك معي))
((حسناً..أنا منذ هذه اللحظة خارج عالمك،ولكن لو فكرتِ بالقضية ستجدينني أكثر رغبة وتعاطفاً معك))
ما بين الكلام والصمت كانت أميال الساعة تبتلع جسد الوقت.
قرع الجرس،دخلن جوقة المعلمات..ثغورهن تطلق آهات.
صاحت(خولة):
((بدأت أشم رائحة ربيع باكر يا أخوات))
صاحت(أميرة):
((حين نفك عقدة هذه المعقدة،ستغدو حياتنا ربيعاً دائماً))
قامت(فريدة)..غلقت الباب..عادت إلى منتصف الغرفة..وقفت..رفعت يديها وبدأت ترقص.
تعالى التصفيق،زغردت(سميرة)،قامت(خولة)وراحت تهز جسدها اللدن.
جالساً لا أستحي،الكلفة تم رفعها بيننا،ما أن وجدت نفسي غريقاً في بحر لا يرحم من الشهوات،تحيطه كواسج وتماسيح جائعة،كل شيء أصبح عادياً،الجسد ما عاد يرتعش،أسناني لم تعد تطحن خوفي،شفتاي ما عادتا ترتجفان حين أتكلم،صرت وحيداً بين عشر إناث متفاوتات في طول القامة ولحم الجسد والرغبة،رغم أنهن بدون أو تظاهرن خفيفات الروح،جميلات المشاعر،ودودات العشرة،معاً في مدرسة تبعد عن بلدتي(جلبلاء)بخمسة وثمانين كيلو متر حسب ما مدون في لوحة المعلومات،عبر طريقين،طريق عام مسلفت،وطريق جبلي ينحرف شمالاً عن الشارع العام،ثم يلتوي بإتجاه الشرق،تتخلله وديان تغمرها مياه الأمطار شتاء.
المدرسة تقع في قرية صغيرة على الحدود الشرقية للبلاد يسمونها(المنسيّة).
في تلك اللحظة قامت(وداد)وخرجت كعادتها،متزمتة،رافعة أنفها،طرقت الباب وراءها بعنف،تقدمت(خولة) منّي..صاحت:
((أكسرت رقبتها أم فشلت؟))
قلت:
((عنيدة..متمردة))
صاحت(خولة):
((سأرقص كما خرجت من ـ برمودا ـ أمي بينكن لو تمكن أستاذ ـ حبيب ـ من كسر أنفها))
قلت:
((لم كل هذا الهجوم عليها،ربما هي خائفة الآن))
قالت(بدرية):
((مرّ شهران ولم تصل إليها))
قلت:
((صغيرة عقل))
تدخلت(أيمان):
((متخلفة،لا تفهم بأمور الحياة السعيدة))
قلت:
((دعوها،لابد أنها ستلين مع الأيام))
قالت(جيهان):
((أستاذ حبيب..قتلتني الغيرة،هل يجوز أن تعيش واحدة مثلها بيننا خارج عالمنا))
قالت(حمدية):
((الأنثى تستسلم حين يتكاثف الهجوم عليها))
أستمر الحوار صاخباً..متداخلاً.
مستفزاً أعوم في بحر أصوات عسلية،أوركسترا كركرات متحررة خارج نطاق المألوف،هن مرحات وأنا مهموم برغبة صارخة لا يخمدها إلاّ عالم الست(وداد).



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليالي المنسية/رواية/القسم الثالث/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الأوّل/(منعت في الأردن من قبل الرق ...
- ليالي المنسية/ القسم اثاني
- أولاد اليهودية(رواية)10
- أولاد اليهودية(رواية)9
- أولاد اليهودية(رواية)8
- أولاد اليهودية(رواية)7
- أولاد اليهودية(رواية)6
- أولاد اليهودية(رواية)4
- أولاد اليهودية(رواية)3
- أولاد اليهودية(رواية)2 /حازت على المرتبة الثانية/في مؤسسة ال ...
- أولاد اليهودية(رواية)1
- قضية فرحان/قصة قصيرة/
- المسكين مخلوف /قصة قصيرة/
- مزبلة الرؤوس البشرية/قصة قصيرة/
- حدث في ليلة مأزومة/قصة قصيرة/
- في أزمنة ليست سحيقة//قصة قصيرة//
- ليسوا رجالاً..(قصة قصيرة)
- بعد رحيله..جائزة محي الدين زنكنة للمسرح
- مسرحية(ماما..عمو..بابا..ميت)القسم الثاني..الأخير


المزيد.....




- -بنات ألفة- و-رحلة 404? أبرز الفائزين في مهرجان أسوان لأفلام ...
- تابع HD. مسلسل الطائر الرفراف الحلقه 67 مترجمة للعربية وجمي ...
- -حالة توتر وجو مشحون- يخيم على مهرجان الفيلم العربي في برلين ...
- -خاتم سُليمى-: رواية حب واقعية تحكمها الأحلام والأمكنة
- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/