أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر















المزيد.....

ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر


تحسين كرمياني

الحوار المتمدن-العدد: 4577 - 2014 / 9 / 17 - 21:20
المحور: الادب والفن
    


(27)

(أيمان)..ربما شعرت بأنها مهملة من قبلي،بدأت تتمرد،وكنت أقرأ في ملامحها كلمات نفور وعتاب،حتى كلامها الطبيعي صار مبتوراً،صارت منفعلة،تأتي إلى الإدارة عندما أكون وحيداً،تجلس،تقوم،للحق أقول لم يثرنِ التبدل الحاصل في طبيعتها،مرت أيام قبل أن تباغتني في خلوتي:
((أستاذ ـ حبيب ـ جئت لأتخاصم معك))
((وما أحلى الخصام مع فتاة تمتلك صحة ورقة وجمال))
((أنت تفرق بيننا!))
((من قال هذا؟))
((حصص دروسي أكثر من حصص دروسهن))
((أنا رهن طلبك،سأغير الجدول من أجلك))
صمت.
تراجعت إلى الأريكة وجلست،كانت دامعة العينين،تحاول أن تجهش،بانفعال واضح،قمت من وراء الطاولة دنوت وجلست قربها،فردت منديلي لأمسح عينيها..قلت:
((لا يليق بك البكاء))
((أستاذ أنا آسفة على ما حكيت))
((أعرف مكانتك وحكمتك وطبيعتك))
((هل تسامحني أستاذ))
((أنا رهن طلبك))
((أنا نادمة على تسرعي))
((بالعكس أجدها فرصة مثالية كي نقيم صداقة خاصة))
((أنا أعزك أستاذ))
((وأنا أضعك في عيني))
((هل حقاً ما تقول أستاذ))
((وفي سويداء قلبي أن جاز لي الكلام))
((لا تغرقني بحنانك أستاذ))
((حناني بحر سأسخره من أجلك هذا الصباح))
صمت.
كانت تتفاعل وتختلج،شعرت أنها صارت فاكهة قيد النضج،كانت أغواري تصرخ،وكانت أصوات التلاميذ تتهادى متشابكة،تندلق من الغرف الدراسية،تشجعت وقلت:
((ست ـ أيمان ـ أعجابي يزداد بك))
((لا أصدق))
((أقول كلامي أمامك ومن غير تردد))
((لكنك أهملتني طيلة الليالي المنصرمة))
((لا يجوز أن نشعر المقابل بإعجاب سريع ما لم يكن هناك تخطيط مسبق ومدارسة أوراق الآخر))
((وكيف رأيتني بعد تلك الليلة))
((كدت أن تفسدين هذه اللحظة بدنان دموع))
((ثق أستاذ ـ حبيب ـ الدموع هي التي قادتني بل منحتني الجرأة لطرح هذا الموضوع))
((لنكن صريحين ونضع النقاط على الحروف،أنا أرغبك شريكة حياة))
((اتفقنا على هذا ولكنك لم تحرك ساكناً))
صمت.
لم أحتمل صمتها،كانت مطرقة الرأس،مددت يدي،مسكت معصمها،وجدتها ترتجف..قالت:
((لنترك هذا الأمر لليل))
لم أعقب،واصلت الضغط على معصمها،بدأت تلهث،قربت رأسي وطبعت قبلة على خدها.
((ليت الليل يأتي الآن))
سحبت نفسها وهرعت خارجة.

(28)

في اليوم التالي دخلت علي،كنت منهمكاً بمراجعة الدرجات الإمتحانية،وجدتها متفتحة،وقفت قربي،من ضوع الرائحة التي غزت الإدارة،تنشقت رائحة الغرام المفتوح،قمت وعانقتها،لم أجدها ترتجف هذه المرة..قلت:
((متألقة اليوم))
((حبك منحني هذا الفرح الغامر))
((لنخرج قليلاً))
((من أجل هذا جئت))
خرجنا إلى الطبيعة،كانت العيون تندلق من نوافذ الصفوف،كلها كانت تحسب حسابات لا تخرج من طور الغيرة،وصلنا المكان الذي يشرف على الوادي الكبير.قلت:
((لنجلس هنا))
جلسنا..
كان قلبي يتسارع،وكانت غاطسة في فرحها الكبير،مسكت معصمها..قالت:
((لنهبط إلى الوادي))
هبطنا..
مشينا معاً،فجأة وجدت ذئباً صغيراً في زاغور يحدق بعينين لامعتين،سحبت مسدسي على عجل،وجهت المسدس وأطلقت طلقتين،مات الذئب..قلت:
((لنعد ربما هناك قطيع كامل في الجوار))
وجدتها ترتعش،وعند الصعود إلى المرتفع وجدنا نفسينا أمام التلاميذ والمعلمات..صاحت الست(خولة):
((راهنت أنك ارتكبت جريمة))
((ولم هذا الظن؟))
((رأيناك تقود هذه ـ المكرودة ـ إلى حتفها))
تشابكت قهقهات الجميع.
صعدنا وعدنا وسط تصفيق التلاميذ.

(29)

جاءتني الفراشة تحمل بعض الأعشاب..قالت:
((ضع هذه الأعشاب في كوب ماء محلى مغليـاً أو كوب حليب ساخن،وأحتسيه سوف يتوقف نزيفك))
تناولت من يدها الكيس الورقي..قلت:
((أكتمي هذا الأمر))
ضحكت..وقالت:
((مقابل سهرة))
((ملعونة أخرجي،كادت أحشائي تتمزق مرتين معك))
((أنا الآن مختلفة عن تلك الليلة))
((وما هو الاختلاف))
((وضعت مادة الشب فيه))
((وما يفعل هل يخيط الغشاء))
((كلا..أنه يضيقه))
((ملعونة،المشكلة في عرق جسدك))
((سأستحم وأتطيب وأتهيأ لك،ماذا قلت))
((حسناً من غير فضيحة))
((من غير فضيحة))
((متى؟))
((الآن))
((الآن))
((نعم الآن..هذا الوقت ملائم الكل نيام))
((أخرجي يا ملعونة))
أطلقت ضحكتها ومضت.

(30)

ساءت حالتي.
لم أعد أرغب في معاشرة(فواكه قلبي)،كنت أتجنب محاولاتهن،لقد كان ضغط الألم واضحاً على ملامحي، لم أعد أتناول طعامي كما كنت،بدأ الشرود يأخذني بعيداً عن نفسي،المعلمات واصلن سعيهن للوقوف على حالتي الصحية،عملن كل شيء،حتى في الليل لم يبارحن غرفتي،كن يتناوبن السهر فيما بينهن.
ذات ليلة كانت الست(حمدية)جالسة على السرير،كانت متناعسة،وكانت تبادلني البسمات..قلت:
((أتعبتك معي ست))
((لا تقل مثل هذا الكلام ثانية؟هذا واجبنا تجاهك))
((لم لم تأخذِ راحتك))
((راحتي هنا طالما أنت تعاني من متاعب صحية))
((أتدرين أنك أكثر جدية من الزميلات))
((لا أفهم معنى كلامك))
((أنت صريحة مع الحياة))
((الحياة تحتاج الجد والصراحة))
((صراحتك أكثر من المعتاد))
((هكذا جبلت))
((ست ـ حمدية ـ أنت متعبة جداً))
((سيزول تعبي عندما نجدك بيننا كما كنت))
((أشعر بفراغ كبير يحاول ابتلاعي))
((أنت بحاجة إلى الراحة))
((لم تعد الراحة مطلبي،وحدك تدسين بذور الصحو والعافية في جسدي))
((أنت تعاني من مرض لا يجب الاستهانة به))
((ربما أنت علاجي))
صمت.
نهضت ودنوت منها،تلاصق جسدينا،بدأت أداعب كتفيها،سرعان ما أسقطت رأسها على صدري.
همست:
((أحبك أستاذ ـ حبيب ـ ))
شعرت بسائل يجري من مجرى البول،مصحوباً بألم،سمعت تأوهي..قالت:
((وضعك لا يساعدك))
((هبط عصيري))
((أبهذه السرعة؟))
((هذه علتي))
صمت.
في تلك اللحظة،تناهى وقع خطوات مرتبكة داخل الساحة،نهضت(حمدية)وتوجهت نحو الباب،تراجعت نحوي..قالت:
((أستاذ حبيب!))
((ما الذي يجري؟))
((رجال غرباء داخل المدرسة))
((ماذا تقولين؟ربما جاءوا!))
((على ما يبدو كذلك))
بعد دقائق وصلت(خولة)،وجدتها مرعوبة..قالت:
((أنهم يطلبونك!))
لم أتمالك نفسي،مرتبكاً دسست مسدسي بيد(خولة)،حشرته بدورها داخل سروالها،وخرجنا نحو الليل،وجدت أشباحاً يتوزعون الزوايا،أربعة أنفار ملثمة الوجوه تنتظرني قرب الإدارة،فتحت الباب وولجنا..قال أحدهم:
((قبل أن نتناقش الأمور،يجب تنظيف قلوبكم من أي توقع طرأ ببالكم))
قلت:
((ليس قبل أن نعرف بعضنا))
((أنت أستاذ ـ حبيب ـ أليس كذلك؟))قال نفس الصوت.
((أنا هو!))
((أليس من سراج يوضح ملامحكم؟))
خرجت(خولة)وعادت تحمل فانوس غرفتهن،في أثرها المعلمات يتعثرن في مشيهن،لم أهتدِ لملامح واضحة،كانوا أربعة أنفار متوسطي القامة،ملثمون..قال أحدهم:
((لسنا قتلة!))
قالت الست(خولة)):
((ما ذنبنا نحن؟))
قال أحدهم:
((جئنا نوضح رسالتنا،نطلب منكم أن تفندوا تعليمات دولتكم،أنهم يشوهون إرادتنا في الحياة))
((نحن هنا من أجل تعليم الناس القراءة والكتابة،لا نملك الخيار للخروج خارج المقررات المنهجية))
((ولكن طريقتكم هل ترونها نافعة؟))
((نحن لا نملك صولجان الوقت،أينما هناك فراغاً أمنياً،منفذاً يماشي متطلبات مسيرتنا،نقتحم غابات الجحيم لتوضيح ملابسات قضيتنا))
((حقاً..أنكم جديرون بحمل راية كفاحكم))
((ما نريده منكم،توضيح بعض فقرات المناهج المشوهة في الكتب،إذ ليس من المستحب أن نجمع ما بحوزتكم من كتب تعنى بالوطنية العنصرية،والتأريخ المزيف وحرقها أمام عيونكم))
((كل ما يرضيكم سنعمل به))
((حكومتكم،تنعتنا بالمتمردين،وتقول عنا(عصاة)أليس من حقنا أن نجابهكم بالسلاح،لا نريد سوى حقوقنا لنتعايش معاً،نحن بشر مثلكم،لنا تراث وأصالة،نريد أن نعيش كما نرغب))
((نحن نواجه هذه المنفى،ربما نجد أنفسنا في ورطة لو علموا بهذا الأمر))
((خيارنا توضيح قضيتنا إلى الناس،هناك خلط مشين للأوراق،لسنا قطّاع طرق،ولا لصوص،ولا نحبذ الحرب،طالما قضيتنا تتعلق بالحقوق الفردية والجمعية للناس،نحن شعب يريد أن يختار حياته كما يحب،شعب يرفض الأنصهار القسري،والتهجير الإجباري))
((نحن نفهمكم،نتعايش معاً،رأينا مدى الحيف المفروض عليكم،لا نملك وسيلة تنفعكم))
((لو كنّا كما يروجوا عنّا في اجتماعاتهم الحزبية وندواتهم الجماهيرية،لاتخذناكم رهائن أو حتى قتلكم،لكننا نمتلك الرحمة ولا نحمل الآخرين أوزار الظالمين،كم قتلوا منّا،كم زجوا في غياهب السجون،لكننا تمسكنا بمبادئنا،وحافظنا على كرامتنا،جئنا من أجل توضيح الملابسات الحاصلة،نثمن فيكم هذه الروح في إشاعة العلم في ربوع القرى،لكن ما نوده عدم تشويه قضيتنا ولا تشويش عقول التلاميذ بما تطبخ من أفكار راديكالية وعرقية تسرطن المجتمع لا تدفعه نحو الأمام))
((هذا طبع كل مقاتل شريف،يمتلك إرادة ويضحي من أجل عقيدته ومن أجل حريّة شعبه))
صمت.
تقدم أحدهم مني،همس:
((لم نتناول الطعام منذ ليلتين))
((يمكننا أن نعد لكم ما لدينا))
تراجع وهمس في أذن المتحدث الرسمي من بينهم،ذلك الذي كان يمتلك الحق الكامل بالحوار،وعلى ما بدا أنه قائد المجموعة المسلحة،كان متمرساً في الكلام،ليس إنساناً جاء من خلف الكواليس،قلت للست(خولة):
((أكرمي ضيوفنا؟))
نهضت خارجة وبينما نخوض متاهات الحوار،أتت(خولة)تحمل صينية عليها بيض مخفوق في الدهن الحر وعلبة دبس وخبز..قالت:
((الوقت متأخر جداً،ليس بوسعي تهيئة أفضل من هذا))
لم يفه احدهم بشيء،تقدموا من الصينية وبدئوا يلتهمون بوحشية،لم يفكروا بالبقية المتجمدة في الظلام وهي تحرس،كانت عيون المعلمات متناعسة،تتلاعب فيها ومضات الهلع،يكتمن تثاؤبهن بكفوفهن،لم يبقوا شيئاً،مسح الناطق المخوّل بالكلام بكم قميصه فمه:
((أين الشاي؟))
قالت(خولة):
((يمكنني أن أعده في عشر دقائق))
قال المخوّل بالكلام:
((حسناً..الدبس عوّض ذلك))
قلت:
((أخشى من تواجدكم معنا سيسبب لنا متاعب مع حكومتنا،أنت تدري الوشاة في كل مكان))
((كلامك يشعرنا بالإهانة))
((لا تفهم كلامي بطريقة مضادة،أنت تعلم أنّ وشاية واحدة كفيلة بشنقنا جميعاً))
رمقني المتحدث بنظرة،تلامعت كرتا عينيه من خلال ضوء الفانوس..قال:
((يمكننا نقلكم إلى معسكراتنا ونعمل ما نشاء،وربما نطلب استبدالكم بسجناء لنا عند حكومتكم،لكننا لن ننتهج الوحشية في كفاحنا،أننا متأكدون من ذلك،إذ ليس من المعقول أنّ لنا معتقلين،لأن حكومتكم مذعورة ،أنها تشنق رجالنا من غير محاكمات أو حتى التفكير بفكرة مبادلتهم بأسراكم))
((لسنا سوى كادر تدريسي،لا نفهم بالأمور العسكرية والسياسية))
((أستاذ حبيب..لسنا غفل،لن نتحرك من غير خارطة طريق،لا تحاول إضاعة هويتك،أنت معروف))
((لا أعتقد أننا نخلق الذنوب لأنفسنا))
((نعرفك ونعرف ماضيك وحاضرك))
جف لساني،كان ناحتاً عينيه فيّ،لم أجد كلمات تنفعني للحيلولة دون زج نفسي في معمعة خاسرة،هز رأسه وأضاف:
((أستاذ حبيب،كل الكادر التدريسي أعضاء في حزب الحكومة))
((ربما هذا بلاءنا الوحيد))
((ندرك معاناتكم وضيق أفق مستقبلكم))
((عفواً..كنت أقصد من كلامي أننا قد نواجه تهمة))
((هذا شيء مألوف لو تمكن واشٍ من كتابة تقريره))
((أخشى من رجال القرية))
((الحرب دقت طبولها،وبدأت تتوسع وتمتد،لا أعتقد أن حكومتكم لديها الوقت الكافي للجري وراء تلك المهاترات،باتت منشغلة بفكرة النجاة من حرب شاملة لا تبقي ولا تذر))
((نرجو ذلك،أنها بدأت تتوسع وربما ستصل إلينا قريباً))
((ما نريده هو إيصال مطلبنا إلى الناس،نريد منهم عدم الوثوق بكلام الحكومة،أنهم شوهوا سمعة ثورتنا، وأجبرونا العيش في الجبال))
((ربما ما تقوله أو تتوقعه ليس فيه الكثير من الصحة،فالأخبار تعبوية،والناس تكبر المواضيع))
((صحفكم تتكلم عنّا دائماً بالسوء وتتهمنا بالعمالة لأعداء يتواجدون في عقولهم))
((كلام جرائد))
((نريد أن يعرف الشعب،أننا أخوة في كل شيء،نريد أن نعيش كما تعيشون))
((من حقكم أن تسيروا مركبة حياتكم كما يروق لكم))
صمت.
دخل أحد المسلحين ودنا من المتحدث الرسمي بالحوار،همس بضع كلمات غريبة وأنسحب،عاد للكلام:
((رفاقي وجدوا فتاة معتزلة عنكم،هل ثمة ما يريب؟))
قالت(خولة):
((أتركوها أنها تعاني من فصام شخصي))
((ماذا تعاني؟))
((كئيبة،معقدة،شيزوفرينا))
((أنا لا أجيد معنى لكلامك))
((أنها مريضة نفسياً))
((قولي مجنونة))
((بالضبط))
((وهل حكومتكم توظف المجانين في التعليم؟،هل لديكم دروس في الجنون؟))
صمتت(خولة)..أجبت:
((أنها تعاني من الغربة،لديها مشاكل أسرية))
((قولي أنها تكرهنا))
((لو كانت تعلم بقدومكم لكانت الآن معنا))
((لو تكرهنا،سنسحلها إلى معسكراتنا))
((بل أنها تحبكم أمها كوردية))
((كيف تحبنا؟،كلكم تخشون التحدث عنّا،أنتم تنفذون أوامر حكومتكم))
((قلوبنا ليست مع حكومتنا هذه حقيقة واضحة على ملامحنا))
((وما نفع القلوب إذا كانت أيديكم هي التي تدافع عن حكومتكم))
((حكومتنا قاسية،تعاقب من يتلكأ أو يتخاذل بالسجن أو بالشنق))
((أستاذ حبيب..أنت أوّل إنسان يتكلم بصراحة))
((تعودت الكلام الصريح بعدما اكتشفت زيف السياسة))
((ما نريده منكم،شرح قضيتنا بين الناس،لسنا قتلة كما تزعم الحكومة،ولا قطاع طرق،نعيش في الجبال من أجل بناء غدٍ مشرق لشعبنا،فالبلاد سقطت بسببهم في شفير حرب كبيرة،هذه الحرب ستسلب عافيتكم وتنتزع أرواح أبناءكم،حكومتكم مجنونة،لا تتردد من زجكم في المحرقة من أجل أن تبقى سالمة))
((نرجو من الله أن يوقف سعيرها))
((الحرب وقعت،وهناك من يغذي تنورها بالحطب والزيت))
صمت.
قالت(خولة):
((لم نعد نطيق السهر،هل تسمحوا لنا بالخروج))
((هل أنتِ محامية دفاع؟،كلهن قانعات إلاّ أنت يا ست تتحدثين كأنكِ لسان حالهم))
((أنت أيضاً تتحدث من غير أن نسمع من رفاقك كلمة واحدة))
((أنا قائد المجموعة))
((وأنا طباخة مجموعتي))
((آه..شكراً على العشاء))
((كان سريعاً وبسيطاً))
((في الأشياء البسيطة والمتواضعة تختبئ الجواهر والنوادر هكذا تعلمنا الأشياء في الجبال))
صمت.
نهض المتحدث وتهيأ رهطه للمغادرة،وقف بالباب..قال:
((لا يمكنكم نقل تواجدنا إلى خارج نطاقكم،أي كلام يخرج من أفواهكم،يدفعنا أن نتخذ الإجراءات الصارمة بحقكم))
((نحن أحرص منكم على كتمان السر))
قدّم كفه وتصافحنا.
أنسربوا داخل كتلة الظلام ولم نعد نسمع سوى نباح كلاب وصيحات(بنات آوى) وعواءات ذئاب تأتي من بعيد.
ضجت الإدارة بصخب المعلمات ما أن تحررن من كابوس ثقيل،بدأت أراقب نظراتهن،كنّ متذمرات..قالت (حمدية):
((لم أعد أمتلك شجاعة البقاء هنا))
قلت:
((هناك فارق كبير ما بين تلقينهم لنا وبين ما لمسناه من حقيقة))
قالت(خولة):
((لنترك الكلام إلى النهار،الصبح يقترب))
نهضن وخرجن إلى غرفتهن،قفلت باب الإدارة وجرجرت قدمي كي أسقط في فراشي وأغط في نوم عميق،لم أجد الوسن يرفرف على عيني،كانت العواءات تغتصب الليل ونباح الكلاب تعصف بالقلب،في تلك اللحظة سمعت نقرات ناعمة على باب غرفتي،قمت وفتحت،وجدت(أم عليوي)تتلعثم:
((أستاذ حبيب ماذا يجري؟))
((ما الذي جاء بك؟))
((أنهضتني ـ وداد ـ وحكت لي))
((لم يحصل ما يريب،أذهبي وأكملي نومك))
((أستاذ ـ حبيب ـ لا تخفي عنّي الكلام،هل حقاً جاءوا؟))
((من أين لك هذا الكلام،لابد أنك حلمتي))
((ـ وداد ـ رأتهم))
((أذهبي وأنسي هذا الموضوع؟ادفنيه في بئر؟))
((ربما سيأتون مرة أخرى))
((لن يأتوا))
((أستاذ حبيب..أشعر بالخوف))
ربت على كتفها،حاولت أن ترتمي عليّ،دفعتها:
((هيّا إلى غرفتك))
تراجعت وبدأت تخطو وهي تتلفت،من خلال العتمة المفككة بأشعة النجوم وجدت شبح الست(وداد)واقفة في باب المستخدمة،رغم الجفوة والمخاض الذي خضته تفاعلت أغواري وتنادت الرغبة لساعة عشق تزيح من رأسي ضجيج اللقاء،وقفت(أم عليوي)،من وقفتها عرفت أنهما تناقشا قبل أن تتحركا من جديد،اقتربا مني..قالت(وداد):
((أستاذ حبيب..نريد أن نطمأن))
((ليس هناك ما يريب))
((كانوا مخيفين))
((ربما شعورك أنتج فيك هذا الهاجس))
قالت(أم عليوي):
((لم نقف هكذا،أتسمح لنا بالدخول والجلوس معك أستاذ ـ حبيب ـ ؟!))
أجابت(وداد):
((ليس هذا وقت جلوس،الليل جاوز حد المنتصف))
((في حضرتكما على النوم أن يغادر))..قلت.
قالت(وداد):
((تصبح على خير أستاذ))
اندفعت راجعة وتبعتها(أم عليوي)بعدما همست:
((يا لها من معقدة،يا لها من فتاة غبية))
عدت إلى سريري.
عانيت بما فيه الكفاية من تفكير قبل أن أنام.



#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الخامس عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الرابع عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثالث عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الثاني عشر
- ليالي المنسية(رواية)الجزء الحادي عشر
- ليالي المنسية/رواية/الجزء العاشر/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء التاسع/
- ليالي المنسية/رواية/الجزء الثامن/منعتها الرقابة الأردنية/
- ليالي المنسية/رواية/القسم السابع/
- ليالي المنسية/رواية/القسم السادس/
- ليالي المنسيةمرواية/القسم الخامس/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الرابع/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الثالث/
- ليالي المنسية/رواية/القسم الأوّل/(منعت في الأردن من قبل الرق ...
- ليالي المنسية/ القسم اثاني
- أولاد اليهودية(رواية)10
- أولاد اليهودية(رواية)9
- أولاد اليهودية(رواية)8
- أولاد اليهودية(رواية)7
- أولاد اليهودية(رواية)6


المزيد.....




- “أقوى أفلام هوليوود” استقبل الآن تردد قناة mbc2 المجاني على ...
- افتتاح أنشطة عام -ستراسبورغ عاصمة عالمية للكتاب-
- بايدن: العالم سيفقد قائده إذا غادرت الولايات المتحدة المسرح ...
- سامسونج تقدّم معرض -التوازن المستحدث- ضمن فعاليات أسبوع ميلا ...
- جعجع يتحدث عن اللاجئين السوريين و-مسرحية وحدة الساحات-
- “العيال هتطير من الفرحة” .. تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- مسابقة جديدة للسينما التجريبية بمهرجان كان في دورته الـ77
- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي: إسرائيل تعامل الفنانين كإرهاب ...
- نيويورك: الممثل الأمريكي أليك بالدوين يضرب الهاتف من يد ناشط ...
- تواصل فعاليات مهرجان بريكس للأفلام


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - تحسين كرمياني - ليالي المنسية(رواية)الجزء السادس عشر