أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - قصة الخلق في الأسطورة العراقية














المزيد.....

قصة الخلق في الأسطورة العراقية


عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)


الحوار المتمدن-العدد: 4575 - 2014 / 9 / 15 - 15:05
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


وحدها الأسطورة العراقية القديمة كانت الأكثر تنوعا واقترابا وجدية من تصور الخلق ,وهذا راجع بتقديري لكون العراق هو المهد الطبيعي للديانات السماوية ولذلك نجد الأثر الديني السماوي له حضور أوسع واكثر في رسم الصورة عند العراقي القديم, فبعد صراع طويل بين الآلهة القدامى والجدد والذي هم من نسل متوالي ولأسباب مذكورة في الأسطورة جاء مردوخ الإله الشاب الذي أنتزع سلطات استثنائية من مجمع الإلهة لمواجهة الحرب المصيرية القادمة, هذه السلطات هي الرداء الذي في سر الوجود.
لقد أستعان مردوخ بهذا الرداء والذي كان فيه سر نجده حاضرا ومؤثرا بل وأساس المكون الفكري في القصة الدينية ذاتها أنه (قول كن فيكون) لذا نجد أن ما ورد بالأسطورة هنا قريب في تبرير الخلق وميكانيكيته من الصورة الدينية((أعطى الآلهة، مردوخ ،قوة تقرير المصائر، بدلاً من انشار .وأعطوه قوة الكلمة الخالقة, ولكي يمتحنوا قوة كلمته الخالقة، أتوا بثوب وضعوه في وسطهم وطلبوا من مردوخ أن يأمر بفناء الثوب ،فزال الثوب بكلمة آمرة من مردوخ، ثم عاد إلى الوجود بكلمة أخرى .هنا تأكد الآلهة من أن مردوخ إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون .فأقاموا له عرشاً يليق بألوهيته ،وأعلوه سيداً عليهم جميعاً))*،
في الأسطورة البابلية نجد ذات الصراع قائما بين قطبين كما في باقي الأساطير كلها لينتهي بانتصار الإله الواحد الذي هو في معظم الأحيان الذكر القوي الذي يمتلك سلطة التقدير ويتغلب على منافسيه جميعا بما يملك من قوة هائلة, لكن هذا النصر لم يكن دوما نهائيا فبعض عناصر الطرف الثاني تبقى قائمة لتثير الحركة والصراع وتسير به نحو الاستمرارية, لأن واضع الرواية الأسطورية أراد أن يمنح الرؤية حركة لا تتوقف من خلال استمرارية الصراع بين الطرفين ,لأن تبريره الأول قام على مفهوم كسر الرتابة والملل الذي ساد الكون نتيجة الأحادية المسيطرة التي تقتل روح الحركة.
((بعد هذا الانتصار المؤزر على قوة السكون والسلب والفوضى، التفت مردوخ إلى بناء الكون وتنظيمه وإخراجه من حالة الهيولي الأولى ،إلى حالة النظام والترتيب ،حالة الحركة والفعالية و الحضارة. عاد مردوخ إلى جثة تعامة يتأملها ،ثم أمسك بها وشقها شقين، رفع النصف الأول فصار سماء وسوى النصف الثاني فصار أرضاً. ثم التفت بعد ذلك إلى باقي عمليات الخلق. فخلق النجوم محطات راحة للآلهة. وصنع الشمس والقمر وحدد لهما مسارين. ثم خلق الإنسان من دماء الإله السجين كنغو، كما خلق الحيوانات والنبات ونظم الآلهة في فريقين، جعل الفريق الأول في السماء وهو الانوناكي، والثاني جعله في الأرض وما تحتها وهم الأيجيجي))*.
لم تنكر الأسطورة البابلية قضية القدرة الوحدانية على الخلق ففي أصل الأسطورة هنا أن الخالق واحد ,وأن القدرة لديه تتجلى بكن فيكون, وأن أصل الخلق هو الطين الممزوج بدم الآلهة, هذه المفردات التي نجدها تتجلى في كل الأساطير بمستويات تكاد تكون متقاربة بالرغم من البعد الزماني والمكاني إنما تشير إلى البعد الديني والأثر الرسالي فيها, في حين أننا نجد في أساطير أخرى غياب هذا العامل المشترك لسبب بسيط أن هذه الأساطير أما أنها بنيت على فهم لا ديني لعدم وصول التبليغ بالرسالات لها أو لانتشار ظاهرة الألحاد الأصلي في الفكر الجمعي في تلك المجتمعات.
المهم في الأسطورة البابلية والتي جعلت منها أنموذج للمقاربة مع النص الديني ليس في نهايتها التي تشترك فيها مع كل الأساطير عندما تجتمع الآلهة في السماء لتعظم الإله القادر بل لما تضمنته من فرادة في بناء مدية للإله في الأرض وهي بابل(باب الاله) وهو مفهوم مقارب تماما للنص الديني عندم أمر الله تعالى أحد أنبياءه ببناء بيت له على الأرض ليكون محلا للنسك الذي يقرب الإنسان من الخالق{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }البقرة127.
نعود لقضية خلق الإنسان في نموذجين من الأساطير أحدهما يمثل القرب من الفهم الديني ومتأثر به كما هي الأساطير العراقية والقريبة منها إلى أن تبتعد شيئا فشيا مع بقاء المشترك الأصلي وهو قضية الماء والتراب والسماء والبعض من روح الله التي خلطت بالطين والنفخ وهو ما يمثل امتداد حقيقي لوحدة التصور الأولي ,وبين مجموعة أخرى من الأساطير التي تبتعد كليا عن الفهم الديني ولا نجد لها أثرا فيه ,كما نلاحظ طغيان الاضطراب والتشتت وتجزأ الأسطورة عن بعضها مما يجعلها ركيكة بالبناء الفكري الواحد بالمقارنة مع النموذج الأول.
لقد تحدثت الأساطير السومرية عن خلق الإنسان الأول دفعة واحدة ،ولكن الأساطير البابلية اللاحقة تحدثت عن خلق زوجين أثنين أوليين تناسل منهما بقية الجنس البشري .وقد جرى خلق هذين الزوجين من عجينة طينية ممزوجة بدم إله (أو أكثر) تم تقديمه قرباناً لعملية الخلق وكما هو الحال في الميثولوجيا السومرية ،النص هنا واضح في سرد الاسطورة وهو مقارب للفهم الشائع عند الكثيرين وهو يقترب ويبتعد عن النص الديني, وهذا ما يؤكد لنا أن معظم نصوص الاسطورة هي نصوص دينية رسالية جرى تحريف في فهمها او تحريف في كيفية قراءتها .



#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)       Abbas_Ali_Al_Ali#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخلق والأسطورة
- صورة الخلق في الأساطير الأولى
- الأسطورة والتاريخ والدين
- القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح5 والأخير
- القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح4
- لميعة _ قصة قصيرة
- تصريح لناطق لا يملك صوت
- رسائل من وإلى باسم الحب
- القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح3
- القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح2
- القصد والأعتباط وخيارات عالم سبيط النيلي ح1
- سلطان القوة وقوة السلطة ح2
- الفراق اللذيذ _ قصة قصيرة
- سلطان القوة وقوة السلطة ح1
- العقل وإشكالية صناعة المعرفة
- رؤية ... قصيدة للغائب الأتي والرحيل المزمع
- هل العقل موجود حقيقي ؟.
- ما هو التأريخ وكيف بدأ ح1
- ما هو التأريخ وكيف بدأ ح2
- ما هو التأريخ وكيف بدأ ح3


المزيد.....




- جعلها تركض داخل الطائرة.. شاهد كيف فاجأ طيار مضيفة أمام الرك ...
- احتجاجات مع بدء مدينة البندقية في فرض رسوم دخول على زوار الي ...
- هذا ما قاله أطفال غزة دعمًا لطلاب الجامعات الأمريكية المتضام ...
- الخارجية الأمريكية: تصريحات نتنياهو عن مظاهرات الجامعات ليست ...
- استخدمتها في الهجوم على إسرائيل.. إيران تعرض عددًا من صواريخ ...
- -رص- - مبادرة مجتمع يمني يقاسي لرصف طريق جبلية من ركام الحرب ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تسعى إلى حرب باردة جديدة
- روسيا تطور رادارات لاكتشاف المسيرات على ارتفاعات منخفضة
- رافائيل كوريا يُدعِم نشاطَ لجنة تدقيق الدِّيون الأكوادورية
- هل يتجه العراق لانتخابات تشريعية مبكرة؟


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عباس علي العلي - قصة الخلق في الأسطورة العراقية