أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)















المزيد.....

عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4561 - 2014 / 9 / 1 - 15:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



فى مقالى بعنوان (الأدب والقمع الدينى والسياسى) المنشور على موقع الحوار المتمدن (31/8/2014) انصبّ اهتمامى على ردود أفعال الأصوليين الإسلاميين (المصريين) بعد نشر رواية (وليمة لأعشاب البحر) للأديب السورى الكبير حيدر حيدر، حيث اتهامه بالكفر والدعارة إلى آخر قاموس الهجاء العربى ، والمطالبة بالتحقيق مع المسئولين بهيئة قصور الثقافة التى أصدرتْ الرواية. فماذا عن الرواية نفسها التى كانت وجبة دسمة على مائدة الذئاب؟
بطل الرواية (مهدى جوّاد) يهرب من جحيم وطنه الأصلى (العراق) إلى جحيم الجزائر. هو مثل كل المثاليين الحالمين بحياة أفضل لشعوبهم ، فلماذا هرب من العراق إلى الجزائر؟ الإجابة فى هذا المقطع الشجى ((الوداع الطقوسى للطفل الذى يقطع حبل السرة ويُغادر الرحم . أخت فى لون المرارة وشهقة النحيب ترفع القرآن بيد وباليد الأخرى صحنـًا من الطحين على الكتاب المُطهر. أقسم بهذا المقدس وبهذه النعمة أنْ أكون وفيًا ولا أنسى فى الغربة البعيدة رائحة البيت والأرض وصلوات الجدود وصرخة الحسين وهو يُذبح بسيف الشـّمر)) خرج جوّاد مع أصدقائه بالزغرودات المختلطة بالنحيب من الأمهات والعمات ((فى تلك الليلة فى مهرجان من الفزع ورائحة القتل)) وبذلك ((نجا جوّاد بجلده من طقوس المذبحة)) والمذبحة المقصودة هى مطاردة وقتل واعتقال كل إنسان يعمل فى أى تنظيم شيوعى ، كما هو الوضع فى كل الأنظمة العربية ، دون محاكمات عادلة وأمام القضاء الطبيعى . ولذلك عندما وصل إلى الجزائر وصف مدينة (بونه) الجزائرية بأنها ((مدينة جميلة مطوقة بالبحر والغابات لكنها كأى مدينة عربية كانت متوحشة محكومة بالإرهاب والقسوة والقتل)) والإرهاب ليس ما تـُمارسه السلطة الحاكمة فقط ، وإنما ما يُمارسه الأصوليون الإسلاميون بعد تحرير الجزائر من الاحتلال الفرنسى ، فتقول الفتاة الجزائرية (آسيا) لمهدى جواد الذى سيُعلمها اللغة العربية ((منذ قدومك إلى هذه المدينة هل رأيتَ امرأة تسير وحيدة فى الشارع بعد الساعة الثامنة؟ من أى كوكب أنتَ ؟ هل تريدنا أنْ نخرج معًا فى الليل لتـُسمى هذا تحررًا ؟ هذه فضيحة فى بلادنا)) (دار المروج- بيروت- لبنان- ط4- عام 92- ص11،15، 16، 53) ولذلك يصف البلاد العربية ب ((المُـظلمة والخانعة)) (ص148) وأيضًا فإنّ ((هذه البونه مدينة إسلامية لا ترحم . عيون من النار والفولاذ . الجيتو الإسلامى المُـظلم يتمدّد كحيوان ديناصورى يتأبى على الانقراض . وعندما هبط (ثوار حرب التحرير) من الجبال المصبوغة بالدم ، كانوا يُهللون بتكبيرات عصور الفتح الأولى ، كل مجاهد علق على صدره قرآنـًا عربيًا)) (ص276)
ورغم تلك المرارة فإنّ الوطن : ((فى الغابة لنا ظل شجرة.. وفى البحر صخرة.. هذا هو وطننا)) (13) وأيضًا ((البحر كان مدينتنا.. بين السماء الزرقاء والماء الأزرق يشعر الإنسان بالنقاء)) (39) وهو مثل الصوفى الكبير الحلاج لذلك قال ((البحر هو الله فى قلبى)) (40) ولكن عندما يتصاعد عنف السلطة وإرهاب الإسلاميين ، فإنّ علاقة الحب الإنسانى تكون هى البديل للوطن ، لذلك قالت آسيا الفتاة (الجزائرية) لجواد (العراقى) : أنتّ وطنى (173) فالعراق والجزائر فى الهم سواء، وكان البحث عن (لغة مشتركة) بين الحبيبيْن أحد همومهما . وبعد خروج الفرنسيين من الجزائر، تفاقمتْ مشلكة اللغة بسبب التيار العروبى الذى تزعم ما يُسمى (التعريب) لينتقل الجزائريون من الاحتلال الفرنسى إلى الاحتلال اللغوى العروبى، وبدلا من احترام الخصوصية اللغوية للشعب الجزائرى، انشغل (الثوار) بالخطط الرباعية والخماسية والسداسية للتعريب)) (250) وكانت الفتاة آسيا الجزائرية واحدة من الذين انخدعوا بالعروبيين فكانت حريصة على تعلم اللغة العربية وقالت لمهدى جوّاد ((جزائر الثورة منارة مشعة فى ليل هذا الذل العربى)) (19) ورغم الاعتراف بهذا (الذل العربى) الذى يتردّد كثيرًا فى الرواية ، فإنها تحرص على تعلم اللغة العربية. وانخدعتْ ب (الثورة) أما مهدى جواد فهو يتحسّر على ما يفعله عبد السلام عارف فى العراق ، والتقرير الذى ((وصف نظام عبد الناصر بأنه حركة تقدمية. وهذه الحركة ستشمل العالم العربى بأسره)) (143)
وبلغة الفن صوّر حيدر أكذوبة الاشتراكية العربية عندما سألتْ (لالا فضيلة الجزائرية جوّاد العراقى عن الاشتراكية فى العراق فقال ((فى العراق وسوريا ومصر وسائر بلاد العرب لا يوجد غير النهب والقتل والأكاذيب . الحكام العرب يا خالة حلاليف وطغاة وأعداء لشعوبهم)) والذين اتهموا المؤلف بالالحاد لم ينتبهوا إلى دفاعه عن الدين عندما جعل بطله يُضيف ((هؤلاء يتحدثون عن الاشتراكية كما يتحدث الحاج محمد عن الدين . ولكن كما الدين بريىء من الحاج كذلك الاشتراكية بريئة من حكامنا)) (86) ورغم أنّ بن بيللا أحد الإسلاميين الطوباويين انقلب عليه زملاؤه . ولأنّ العرب غير مؤمنين بالديالكتيك ، فهم لا يُميّزون بين المفهوم العلمى للاشتراكية وبين إدعاء الاشتراكية.. ويتشبثون بحكمة عربية تقول ((فى كثرة الفهم كثرة الغم)) (94) وأنّ ((سنوات الحرب الوطنية لم تكن أكثر من صرخة فى عراء)) ولذلك فإنّ فله بو عناب (المجاهدة الجزائرية التى اشتركتْ فى حرب التحرير مع الجميلات : بو عزه وبو حريد الخ) قالت ((العربى لا يُرجى منه خير فى هذا الزمن)) (115) قالت ذلك بعد أنْ تجاهل (الثوار) دورها البطولى وأصروا على التعامل معها كمجرد أنثى لمتعتهم . كما تجاهلوا كل الجميلات المحترمات وخاصة جميله بو عزه. ولذا تسود ((عنجهية عربية جوفاء من الداخل)) (154) و((ميثولوجيا الدهر العربى الراكد)) (173) ولذلك ((سيسقط ذلك الكوكب العربى المنبوذ من السماء والأرض فوق الصحراء اللعينة وسطوة الزمن البدائى الذى صرخ طغاته قبل ألفىْ عام : إلى الجحيم العقلاء والشعراء)) (232) وفى ((ذلك الزمن السريالى المتخطى لمدارك الدماغ ، والذى يُذكــّر بعصور ما قبل التاريخ ، سيروى المؤرخون أنّ تاريخ الشرق وبلاد شبه الجزيرة العربية ليس أكثر من تاريخ الأساطير الدوارة ، مع القتل والسجون والجوع والاهانات. والزمن الراهن امتداد لزمن الجدود حيث اندفعوا فى موجات غزوهم عبر الصحراء رافعين رايات (الفتح) وأحلام العروبة)) (235) ورغم الثراء المادى فإنّ العرب ((يُبدّدون أوقاتهم فى الأمور التافهة)) (294) وأنّ كارثة العروبة تتمثل فى (الأحادية) (359) وبالتالى العداء للتعددية.
أما عن الجزائر بعد الاستقلال ، فإنّ التعذيب حتى الموت لم يتوقف (57) والشرفاء الذين شاركوا فى حرب التحرير توقفوا للتنظير((حول صدمة الحلم لأرض اليوتوبيا الثورية التى لم تـُنجز ثورتها الديمقراطية لحظة قطع العسكر سياق نموها الشعبى فقدموها لقمة سائغة لهم وللتجار والبيروقراطية والنهب الامبريالى.. وما يحدث ليس أكثر من ترقيع مزيف لا يمحو الاستلاب الجوهرى للإنسان . والاشتراكية تكون بروح العلم لا بروح الدين . وكل هذا البُـنيان الاقتصادى ينهض على الرمل ، لأنّ الإنسان غائب والبلاد ما تزال تدور فى مدار سوق الكولون المُهين)) (73) وقد لخصتْ فله بوعناب الوضع فقالت ((الثورة الوطنية انتهتْ . والرجال صاروا فى مواقع السلطة. وها نحن اللواتى قاتلنَ فى الجبال والمدن نتحول إلى الخدمة المنزلية. جميلة بوحريد تزوّجتْ من محاميها وهاجرتْ معه. وجمبلة بوعزه دخلت فى النسيان . وأنا مع آلاف النساء صرنَ إلى ما يُشبه المومسات أو الزوجات المطيعات للرجال)) (102) وإذا كان الإعلام العروبى يذكر بن بيللا وبومدين الخ فلماذا لا يذكر المناضلين الذين تمّ استبعادهم أمثال آيت أحمد ؟ ولماذا صار رفقاء السلاح أعداء؟ ونفوس مسعورة بشهوة السلطة؟ أين الفلاحون والعمال الذين قاتلوا ؟)) هذه الأسئلة طرحتها فله التى شاركتْ فى حرب التحرير، ثمّ أجبرتها الظروف على بيع جسدها لتعيش . وهى مثلها مثل كل الشرفاء الذين يُناضلون من أجل تحرير أوطانهم ، وبعد (التحرير) يدخلون فى (كهف النسيان) لأنّ الزعماء والجنرالات يعتبرون العمال والفلاحين مجرد (كومبارس) كما يُخبرنا التاريخ عبركل العصور. ولذلك اختتم المُبدع هذا المشهد قائلا عن فله ((كم بدتْ مسحوقة بتلك الآلام القديمة. كان الاضطهاد يُفجّر جسدها فيما بدا الشقاء الروحى يُزلزلها بأنين خلخل حتى المسام الدقيقة لخلاياها فحاذاها واضعًا رأسها بين كفيه ثم قبّـلها بحميمية خالية من أية شهوة)) (104) وكتب عنها أيضًا على لسان مهدى جوّاد ((من مناضلة مُـفعمة بالحيوية والأمل إلى مومس. خط أحمر موشى بلون النار يصب فى الأسود : الوطن . غير أنّ فله مسكونة بمواهب أخرى غير موهبة فتح ساقيها . قالت : هم قتلوا مواهبى الأخرى وركزوا على موهبة التأوه والصراخ الجنسى . أليس هذا هو الاستعمار الحقيقى؟)) وكما حدث فى مصر، تحدثتْ فله ((عن الوطن الذى امتهن بعد الثورة : وطن الوزراء والضباط والعائلات والمراتب الحزبية العليا والمخابرات والحلاليف والتجار واللصوص)) (111) وأيضًا ((ثورة المليون شهيد اغتالها العسكر والتجار فى النهاية)) (116) وأنّ اصلاحات بومدين الاشتراكية والتعريب ستجر الخراب على البلاد . لقد دمّروا الاقتصاد . أغنى بلد فى الدنيا فى البترول والغاز والمناجم والزراعة ، واقع فى العجز والديون. لماذا كان الاستقلال إذن؟ هؤلاء الذين جاؤونا بالتعريب لا همّ لهم غير التجارة وتبديل السيارات والسطو على الأعراض (341) وما قالته فله فى الرواية عن الاستثمار فى الغاز الجزائرى ، والنهب الاستعمارى أكدته (لويزه حنون) رئيسة حزب العمال الجزائرى فى مؤتمر صحفى قالت فيه أنّ (ديك تشينى) نائب الرئيس الأمريكى بوش الابن يمتلك 60% من رأسمال شركة الأنابيب الجزائرية (أهرام 30/3/2003) فالمسألة- بوضوح- أنّ (المقاومة) الجزائرية ضد فرنسا انتهتْ لصالح أميركا .
وقد أفرد المؤلف لشخصية فله عدة مشاهد نظرًا لأهميتها فى سياق الأحداث ولدورها فى حرب التحرير، فقالت لجوّاد عن زملائها الذين تحولوا إلى مسئولين ((فتحتُ لهم بيتى على مصراعيه. ولكننى لم أنج منهم. فضحونى فى المدينة. أشاعوا عنى : مستهترة وإباحية وصاحبة بنسيون للقوادة)) (30) وفى مشهد آخر قالت أنهم ((سرقوا الثورة واغتالوها. القوادون الذين لم يُحاربوا)) (49) والأكثر مرارة عندما لخــّصتْ شخصية الإنسان الجزائرى فقالت أنه ((بسيط وطيب.. يحب ويكره.. البسطاء والفقراء والمُجاهدون لم يجنوا من الحرب غير حصاد النبذ والجوع . لهذا هم الآن حاقدون)) (71) وأنّ البنسيون الذى تملكه مرّ به ((وزراء وضباط ومديرو شركات وأمناء الحزب . عصابة كاملة)) (101) ولأنّ المنطقة العربية أخذتْ اسمًا ساحرًا (مهابط الأنبياء) فإذا بها تكون ((مهبط ومرقى فرق الكوماندوز وحملة بنادق الناتو، ومعتقلات التعذيب ، لذلك قال مهدى جوّاد عن فله أنها ((سقطتْ على شواطىء بونه حيث نسيها الله بعد أنْ اختار لها زاوية ضيقة من زوايا الجحيم قائلا لها: امكثى هناك ملعونة إلى الأبد فترد بصرخة شيطانية : فى مؤخرتى الحياة الآخرة وأنهارك العسلية وينابيع الكوثر. هذه حياتى الأولى والأخيرة وما تبقى خذه . اعطه لعبادك الصالحين)) (178) ويبدو أنّ المبدع التقى بشخصية حقيقية ومنحها هذا الاسم فى الرواية (فله بوعناب) التى قالت بثقة ((أنا وجميله بوعزه زرعنا القنابل فى البارات)) (361) فأين جميله بوعزه؟ ولماذا تجاهلها الإعلام العروبى؟
وعن محور تغلغل الأصولية الإسلامية (حتى بين المُـناضلين) جعل المؤلف أحدهم يقول ((أنا أرى فى ماركس أو لينين محمدًا جديدًا.. محمد القرن العشرين)) (51) وأنّ اللحظة الحالية شبيهة بلقاء أبى ذر الغفارى بالرسول)) (147) وعن تدهور أوضاع المقاومة فى العراق مع بطش السلطة واعتقال المناضلين قال مهدى جوّاد فى لحظة يأس لأحد أصدقئه ((لا يوجد بشر يا صديقى.. بشرنا ما زالوا يُسبّحون فى رمال الله والعصور المُـنحطة. كل شىء يجرى فى حياتنا باسم الله مجراه ومرساه واسم الحاكم بأمر الله)) (320) ولذلك كانت النتيجة أنه ((راح الاستعمار الرومى (الفرنسى) وها هو الاستعمار العربى يطيح فينا)) (278)
لغة الوصف الأدبى : رغم المرارة التى أحاطتْ بأحداث الرواية ، فإنّ المُبدع لم يتجاهل اللغة الأدبية الرفيعة فى الوصف ، عند لقاء جواد بفتاته آسيا ((سبقته خافقة بذراعيها كجناحىْ طائر فى فضاء أبيض)) والعشب الذى يرتاحان فوقه أطلق الحبيبان عليه (سرير البحر) وكانت الشمس ((وردة مشتعلة فى سمتها السماوى)) ورأى المُحب وجه حبيبته كأنه ((زهرة عبّاد الشمس)) وعندما يتذكر سنوات الاعتقال والتعذيب فإنه يستأنس بزملائه ((تحت الماء الذى يقتل فى قلب اللهيب السردابى)) وعندما تشد الذكرى المؤلمة فإنه ((يدفن طيور الانهيار)) وعندما كانت الغرفة ((تبحر تحت مطر النبيذ الأرجوانى ، وبين قطرات المطر سمع أصوات الطيور، أصوات حادة وجريحة. كذلك كانت هناك أصوات الرصاص)) بتلك البلاغة الوصفية ، ضفــّر المُبدع بين أصوات الطيور الجريحة وأصوات الرصاص ، كما لو كانت الطيور تـُشارك الإنسان آلامه عن بطش السلطة.
اللغة القومية لكل شعب : كان المُبدع شجاعًا وهو يستخدم مفردات اللغة القومية ، سواء اللغة القومية فى العراق أو اللغة القومية فى الجزائر، فعندما اعترض شاب جزائرى من المُـتعصبين دينيًا على تواجد مهدى جوّاد (العراقى) مع آسيا (الجزائرية) ردّتْ عليه الفتاة بلغة محلية خاصة. وقالت ((احشم أيها الفاسق)) أى (تحشم) بالعربى (12، 13) ولأنّ جوّاد لا يعرف اللغة المحلية طلب القهوة باللغة الفرنسية (15) وعندما بدأ يعطى دروس اللغة العربية للفتاة الجزائرية ((منذ الوهلة الأولى بدأ احباط اللغة. وفى فسحة الاستراحة بدأ حوارهما حول الحالة اللغوية وصعوبة التفاهم بين العرب المشارقة والجزائريين)) (22) وفى زنزانة الأبيار قال بشير حاج على عن جلاده ((عند وصولى يستقبلنى فى الظاهر ببشاشة وهدوء ويُحدثنى باللغة القبائلية)) (40) وأداة الاستفهام العربية (كيف) ينطقها الجزائريون (كيفاش) (167) وعندما غنى شاعر عراقى أغنية عراقية فإنّ العراقيين وحدهم فهموا كلمات الأغنية العامية التى فسّر مهدى جوّاد بعض مقاطعها لآسيا (187) وكلمة (أمى) العربية ينطقها الجزائريون (يا يوما) (321) وأداة الاستفهام العربية (علامّ) ينطقونها (علاه) (368)
وحيدر حيدر مثله مثل المُبدعين الكبار (حنان الشيخ اللبنانية – نموذجًا) الذين استخدموا لغة شعبنا المصرى بكثرة فى أعمالهم الإبداعية. فنجد فله (الجزائرية) فى رواية (الوليمة) تـُغنى الأغانى المصرية. وتتحدث ((بلهجة مصرية غالبًا.. وقالت : رغبتُ أنْ أبقى فى مصر.. أنا عشقتُ المصريين عبادة)) (33) وشخصيات الرواية يستخدمون المفردة المصرية (طظ) بكثرة (عدة صفحات) وهى مفردة عند ترجمتها إلى اللغة العربية تعنى : الاستهانة، عدم الاكتراث، التقبيح الخ. كذلك استخدم (على لسان الشخصيات) أداة الملكية المصرية (بتاع) فى صفحات عديدة من الرواية، مثلما نقول فى مصر: الكتاب دا بتاعى ، الكراسه دى بتاعتى الخ وتلك الأداة أصلها يرجع إلى اللغة المصرية القديمة. ولم يخجل المُبدع من أنْ يكتب (طيز أم العالم) (118، 283) لأنه لو كتب (مؤخرة أم العالم) هبط بالمعنى وفقد قوته عكس التعبير الأول . واستخدم لفظة (بس) المصرية (154) وهى مستمدة من اللغة المصريه القديمة بمعنى (فقط) فى حالات. مثال موظف يعترض على المكافأة فيقول ((همّ دول بس؟)) وبمعنى (لكن) العربية. مثال ((جمع فلوس كتيره بس خسر ولاده)) واستخدم أداة المستقبل المصرية (حرف الحاء العربي) فكتب ((ح تكونى حاجه هايله يا فلتى)) (156) وهذا الحرف موجود فى اللغة القبطية مثل حرف السين العربى أو (سوف) واستخدم (إحنا) المصرية (159) المقابل ل (نحن) العربية. واستخدم لفظة (التبعيض) المصرية (شويه) (169) بدل (قليل) العربية. واستخدم أداة النفى المصرية ((ما كانش أخلاق ولا دين)) (371) بدل (لم يكن هناك أخلاق ولا دين) باللغة العربية.
وإذا كان حيدر حيدر أدان فى روايته البديعة بطش النظم العربية والإرهاب الفكرى المُسلح بمرجعية دينية ، فلماذا كان الهجوم عليه من الأصوليين الإسلاميين والعروبيين؟ وإذا كان البعض قد اتهمه بالترويج للشيوعية ، فإنه مثل أى مبدع مؤمن بتعدد الأصوات ، جعل أحد ثوار البربر يقول ((وقفنا ضد بن بيللا لأنه أراد أنْ يعمل من الجزائر شيوعية. الشيوعية عدوة للدين. كريم بلقاسم وآيت أحمد صاحا فى وجه بن بيللا : لا عروبة ولا شيوعية. هذه جزائر المسلمين من عرب وبربر)) (65) وجوّاد طـُرد من الجامعة بحجة ((بثه أفكارًا إلحادية وأممية معادية للعروبة المقدسة)) (70) وهل يكون غضب العروبيين منه لأنه كتب على لسان الفتاة منار أنّ العرب ((مُـتعصبون محكومون بشروط التقاليد الموروثة (لذلك) ليسوا أحرارًا من الداخل)) (85) أو ما جاء على لسان جوّاد عن ((حماسة البدو وتاريخ الرعاة والفتوحات الهمجية)) (23) مع مراعاة أنّ ما كتبه المؤلف على لسان بطله مذكور فى كل كتب التراث العربى . أم لأنه ذكر الحقيقة التى يرفض البعثيون والناصريون والماركسيون وكل العروبيين الاعتراف بها عندما نقل بيان أحد التنظيمات الشيوعية العراقية وجاء به ((إنّ الحكام الطغاة الذين يخدمون الاقطاعيين الكبار وشركات النفط والذين هُـزموا أمام إسرائيل حولوا العراق إلى معسكرات اعتقال كبيرة)) (159) وإذا كان هذا هو موقف الإسلاميين والعروبيين، فلماذا انضم إلى صفوفهم كتاب يدّعون الليبرالية والتنوير أمثال أنيس منصور ورجاء النقاش وأحمد بهاء الدين؟ الذين استغلوا ديماجوجية جريدتىْ الأسبوع والشعب وغوغائية طلاب جامعة الأزهر، ليُهاجموا المبدع والرواية فيصفها أحمد بهاء الدين بأنها ((كتاب حقير)) مثله مثل الأصولى العتيد د. عبد الصبور شاهين؟ ولماذا لم يلتفتْ هؤلاء الكتاب المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة والبائسة إلى المعانى الإنسانية النبيلة الواردة فى الرواية مثل ((حيث لا حب لا توجد حقيقة.. عدم الحب وعدم الكون شيىء واحد)) (174) وبدل الدفاع عن المُبدع (وهذا حق إنسانى معترف به فى كل الدول المُـتحضرة حتى فى حالة الاختلاف) إذا بعينة من الكتاب المصريين يجعلون من الرواية وليمة للذئاب.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأدب والقمع الدينى والسياسى
- مصر بين العدوان الإسرائيلى والإرهاب الحمساوى
- الترجمة من المصرى للعربى
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (9)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)
- أحزان السياب السبعة
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - عندما تكون الرواية (وليمة للذئاب)