أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)















المزيد.....


مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4537 - 2014 / 8 / 8 - 00:51
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
طلعت رضوان
تعرّض مسلسل (صديق العمر) للوحدة المصرية / السورية ، فهل التزم المؤلف بالحقائق التاريخية ؟ وإذا كان لم يلتزم ، وحاول (تجميل صورة عبد الناصر وعبد الحكيم عامر) فلماذا غضب الناصريون ؟ ولماذا يتمسكون بالأيديولوجيا العروبية / الناصرية (ومعهم المؤلف والمخرج) خاصة وأنّ عشرات الكتب (بما فيها شهادات ضباط يوليو52) كفيلة بإزالة كل أنواع مساحيق التجميل ، وهى المساحيق التى ضيّعتْ على المؤلف فرصة (خلق دراما من نوع رفيع)
فبعد محطة هزيمة مصر عام 56، التى لا تقل فى فداحتها عن هزيمة بؤونة / يونيو67، جاءتْ المحطة الثانية بعدها بسنتيْن (عام 58) وهو العام الذى شهد متوالية جديدة فى التطور (الدرامى / السياسى / الواقعى) حيث ارتكب عبد الناصر جريمة فى حق شعبنا ، لم يجرؤ الغزاة الذين احتلوا مصر على ارتكابها (بما فيهم الغزاة العرب) أى جريمة شطب اسم مصر، وأصبح الاسم الجديد الحروف الثلاثة الشهيرة (ج.ع.م) ولم يكتف بذلك وإنما كانت مصر مجرد (الإقليم الجنوبى) هكذا : فى تراجيديا الواقع البائس فى فترة حكم ضباط يوليو: مصر بموقعها الجغرافى وتاريخها العريق وأول كيان سياسى / اجتماعى عرف معنى الدولة ، تكون مجرد إقليم. ثمّ يأتى المشهد الثانى من تلك التراجيديا : خطط عبد الناصر لفصل السودان عن مصر، وقدّم الرشاوى لبعض السودانيين حتى وافقوا على هذا الفصل بحجة (تقرير المصير) ومع افتراض حُسن النية وأنّ فصل السودان عن مصر حقق رغبة اشعب السودانى ، فلماذا كانت الوحدة عام 58 مع سوريا وليست مع السودان ؟ السودان الأقرب لشعبنا المصرى ثقافيًا ووجدانيًا وجغرافيًا ، أم سوريا البعيدة عن شعبنا ثقافيًا ووجدانيًا وجغرافيًا ؟ (مصر تقع فى الركن الشمالى الشرقى من قارة إفريقيا ، والسودان كذلك شمال شرق إفريقيا بينما سوريا تقع جنوب غرب آسيا) وتلك المعلومات التى يعرفها تلاميذ المرحلة الإعدادية كانت منجمًا ذهبيًا أمام المؤلف ليُدير حوارًا جدليًا حول أسباب تجاهل السودان والذهاب إلى سوريا (البعيدة عن مصر) للوقوع فى المستنقع الذى كلــّـف الشعبيْن المصرى والسورى الكثير من الآلام .
لم يكن الاعتداء على الهوية القومية لشعبنا المصرى فى شهر أمشير/ فبراير 1958 (بداية الوحدة المشئومة مع سوريا) وإنما كان عقب استيلاء الضباط على مصر فى شهر أبيب / يوليو52 بشهور، ويؤكد ذلك ما كتبه رجل المخابرات المصرى (فتحى الديب) المولع بالعروبة والمُـتيم بالناصرية ، فقد اعترف (بأنّ ثورة مصر أعلنتْ هويتها العربية فى أوائل عام 1953) (عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام – عام 2000- ص12) كما أنّ دستور عام 56 نصّ فى مادته الأولى على أنّ ((مصر جمهورية ديمقراطية وأنّ شعبها جزء من الأمة العربية)) إنما كان فبراير58هو التاريخ الرسمى لشطب اسم مصر، بزعم إقامة وحدة سياسية فوقية سلطوية مفروضة على شعبيْن ، تتباين ثقافتهما القومية تباينـًا تامًا. ولم يكن تاريخ فبراير58بداية جريمة شطب اسم مصر، وإنما بدأتْ المؤامرة وبدأ التآمر على هويتنا كمصريين ، بعد أقل من عام من استيلاء الضباط على مصر، إذْ فوجىء شعبنا يوم 6يوليو53 بالإعلان عن بث إذاعى جديد باسم (صوت العرب) ورغم أنّ شعبنا (الأمى) أطلق اسمًا ساخرًا (صوت الجرب) كتعبير عن سخطه ورفضه إنشاء محطة إذاعة فى مصر بهذا الاسم ، إلاّ أنّ السؤال الذى ظلّ مثل الخـُراج المُـتقيّح ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منه لتنظيفه هو: لماذا (صوت العرب) فى مصر، وليس فى (الجزيرة العربية) وهو السؤال الذى طرحته فى كتابى (العسكر فى جبة الشيوخ) الصادر عن مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عام 2003 ولم أتلق عليه أى رد من الناصريين أو من الماركسيين / العروبيين . وسؤالى جرّ أسئلة : كيف تمّ ذلك ؟ ومن الذى فكر ودبّر وخطط ونفذ ؟ تتضح الصورة عندما نعلم أنّ المخابرات الأمريكية هى صاحبة قرار إنشاء محطة (صوت العرب) فى مصر، وأنّ الخبراء الأمريكان المُـتخصصين فى الدعاية هم الذين ساعدوا فى إنشائها واختيار اسمها وتزويدها بكل الأجهزة اللازمة لتشغيلها (حبال من رمال – تأليف ويلبر كرين إيفلاند – ترجمة على حداد – دار المروج – عام 85- ص69، 72) مع ملاحظة أنّ المؤلف مستشار سابق لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية وعضو سابق فى هيئة التخطيط السياسى للبيت الأبيض ووزارة الدفاع الأمريكية. وهذا المؤلف ذكر معلومات تـُساعد على تجميع عناصر الصورة ، من ذلك مثلا أنّ (كيم روزفلت) ضابط المخابرات الأمريكية الشهير تعامل منذ عام 1950مع ثلاثة صحفيين مصريين هم محمد حسنين هيكل والأخويْن مصطفى وعلى أمين (ص207) وأنّ الإدارة الأمريكية هى اتى ساعدتْ ((عبد الناصر ليكون رجل الساعة)) (202) وأنّ (مايلز كوبلاند) مؤلف كتاب (لعبة الأمم) قال إنّ ((عبد الناصر سيُصبح قريبًا المُـتكلم باسم القومية العربية)) (65) وأنّ المخابرات الأمريكية ((تـُـقدّم المساعدات السرية لعبد الناصر)) (105) هذا غير مساعدة أميركا لضباط يوليو بالسلاح حتى يتم خروج الإنجليز من مصر(من 58- 60) أما الهدف الثانى من الأسلحة الأمريكية لضباط يوليو فهو((تطوير قدرة مصر على ضبط الأمن فى الداخل)) (64) أى أسلحة قمع وقتل الجماهير. واعترف رجل المخابرات الأمريكى إيفلاند ((بأننا نحن الأمريكان جعلنا من عبد الناصر عملاقــًا)) (116)
وإذا كانت أميركا وراء إنشاء محطة (صوت العرب) ودلالة ذلك فى تغيير هوية شعبنا المصرى ، بالإضافة إلى ما تبع ذلك من توريط مصر فى وحدة مصطنعة ، لا يتوفر لها أدنى مقومات الوحدة السياسية ، فكانت نتيجة هذه الوحدة البائسة على شعبنا أنه تحمّل نفقاتها المالية ، وهو ما اعترف به البغدادى فكتب عن تحويل الأرصدة المالية من مصر لسوريا . والمصريون الذين كانوا فى سوريا كلهم من الموظفين أو الضباط ، ومرتباتهم كانت تـُدفع من ميزانية مصر (مذكرات البغدادى – المكتب المصرى الحديث- عام 77- ج2- ص 134) ولبيان أنّ المسألة ليست (الوحدة) فى حد ذاتها ، وإنما (ميكروب العروبة) فقد سبق الوحدة التى تمّت عام 58 أنْ تحركتْ قوات مصرية عام57 لمساندة سوريا ضد الخطر الذى تهّددها من العراق وتركيا حيث حشدتْ هاتان الدولتان قواتهما العسكرية على حدود سوريا المشتركة لإسقاط النظام القائم آنذاك. وفى يوم 9سبتمبر57 أعلنتْ مصر وقوفها بجانب سوريا ضد أى اعتداء يقع عليها. ولم يكتف ناصر بذلك وإنما أمر فى منتصف أكتوبر57 بتحريك بعض الوحدات العسكرية إلى سوريا عن طريق ميناء اللاذقية (البغدادى – 32، 33) أى أنّ عبد الناصر- الذى جعلتْ أميركا منه عملاقــًا – كان يدخل حقول الألغام العروبية مـُغمض العينيْن عن أية مصلحة قومية مصرية. فإذا كان هذا هو الوضع عام 57 فلماذا ورّط مصر فى الوحدة عام 58؟
ولمزيد من التوتر الدرامى كان أمام مؤلف (صديق العمر) فرصة عرض موقف الشيوعيين السوريين الذين عارضوا الوحدة (ليس لأنهم ضد العروبة) وإنما لمعرفتهم بما حدث للشيوعيين المصريين من اعتقال وتنكيل ومنع نشاطهم ، وأنّ الوحدة ستـُهدّد نشاطهم فى سوريا.
وما تنبّـأ به الشيوعيون السوريون تحقق ، ليس ضدهم وحدهم فقط ، وإنما ضد الأحزاب عمومًا ، حيث اشترط عبد الناصر بعض الشروط لإتمام الوحدة من بينها حل الأحزاب السياسية السورية أسوة بالوضع فى مصر. وكانت الكارثة عندما وافق البعثيون السوريون على ذلك . فتلك كانت تراجيديا مفعمة بالتوتر الدرامى وهو ما تغافل عنه المؤلف . ووفق رواية البغدادى فإنّ عبد الناصر عرض عليه تولى رئاسة المجلس التنفيذى فى سوريا. فقال ((أنا لا أعرف شيئـًا عن سوريا ولا عن مشاكلها وأنّ الأمر يختلف فيها عن مصر)) وعبد الناصر كلــّـف مصطفى أمين (الذى اعتقله بعد ذلك بتهمة الجاسوسية) باقناع البغدادى بقبول المنصب ، ولكن مصطفى أمين بعد أنْ زار سوريا كتب تقريرًا لعبد الناصر ((عن الصورة السوداء فى سوريا)) ورغم تلك الصورة السوداء اقترح على عبد الناصر تعيين البغدادى أو كمال الدين حسين رئيسًا للمجلس التنفيذى السورى . وكان من بين ملاحظات البغدادى ((كيف يمكن لإنسان أنْ يحكم شعبًا لا يعرف عن عاداته شيئـًا ولا عن تقاليده . وليس له علم بنفسيته وفلسفته فى الحياة . وأنّ تولى مصرى هذه المسئولية مثل الذى استخدم احتياطى جيشه من بداية المعركة قبل أنْ يتعرف على خطط العدو وقوته. ولا حتى على أرض المعركة نفسها. وقد يتسبّب فى فشل هذا المصرى خسائر نحن فى غنى عنها لو تولى الأمر شخصًا سوريًا)) ولكن عبد الناصر عالج الأمر بطريقته عن طريق ((حكومة مركزية مقرها القاهرة)) (من 40- 46)
وتتصاعد الدراما (التى تجاهلها المؤلف) يوم 23 ديسمبر58 عندما شنّ عبد الناصر هجومًا قاسيًا وبذيئـًا ضد الشيوعيين السوريين ووصفهم بأنهم انتهازيون وانفصاليون وأعداء القومية العربية. وأمر بإعتقال ما يقرب من 300 شيوعيًا (سوريين ومصريين) أما خادمه المطيع (السورى عبد الحميد السراج) ولأنه درس عقلية عبد الناصر المُـعادية لحق الاختلاف ، فقام (لإرضاء عبد الناصر) باعتقال بعض الشيوعيين السوريين قبل خطاب عبد الناصر بشهريْن . وذكر البغدادى ((وضح لنا من بداية عملنا فى سوريا قوة عبد الحميد السراج وقبضته البوليسية على الشعب السورى حتى أطلق عليه الشعب اسم السلطان عبد الحميد إشارة منه إلى سلطان تركيا المستبد فى عهد الخلافة العثمانية)) هذا هو عبد الحميد السراج الذى منحه عبد الناصر ثقته وعيّنه نائيًا له. ومؤلف (صديق العمر) اكتفى بذكر هذا التعيين كما لو كان يكتب فصلا فى كتاب لتلاميذ المرحلة الإعدادية ، مُـدمرًا صفته ككاتب درامى.
وكما ارتكب عبد الناصر جريمة تطبيق (الإصلاح الزراعى) الأمريكى فى مصر بغرض (تفتيت الرقعة الزراعية) أصرّ على ارتكاب ذات الجريمة فى حق الشعب السورى ، وكتب البغدادى ((ومنذ بداية تواجدنا فى سوريا لمسنا عدم ارتياح الكثيرين من أفراد الشعب السورى لقانون الإصلاح الزراعى الذى صدر فى سبتمبر58 مع اختلاف الأوضاع بين سوريا ومصر. وهنا يتقدّم عبد الحميد السراج (الذراع الحديدية لعبد الناصر) بتقديم هديته للدكتاتور، فقام فى يناير59 باعتقال بعض المزارعين السوريين لمجرد أنهم رغبوا فى مقابلة أعضاء اللجنة الوزارية لشرح وجهة نظرهم فى القانون.
وإذا كان البعثيون قد فرحوا وهللوا للوحدة ، فقد شربوا من كأس الناصرية السامة عندما تمّ فصل سبعين موظفــًا من وزارة الحربية السورية بحجة أنهم ينتمون إلى أحزاب سياسية لا يرضى عنها عبد الناصر، وهو ما أثار غضب البعثيين . وذكر البغدادى أنه فى لقائه مع الصحفيين السوريين قالوا له إنّ الشعب السورى يشعر بالخوف وعدم الأمان . ثم انتقل خوف المدنيين إلى حالة التذمر فى صفوف الجيش السورى ، خصوصًا بعد تولى مصريين القيادة وانفرادهم بالامتيازات دون السوريين . كما أنّ مقال هيكل فى الأهرام بعنوان ( يا سيادة الزعيم الأوحد) عن عبد الكريم قاسم أثار غضب المثقفين السوريين وكتب بعضهم ((لماذا لا يُكتب التاريخ على حقيقته. وما الذى دعاه (أى هيكل) إلى كتابة أسماء بعيدة عن الواقع الذى حدث))
ثم كانت الكارثة الحقيقية عندما أصدر عبد الناصر قرارًا جمهوريًا بتعيين (صديق عمره) الكارثى (عبد الحكيم عامر) حاكمًا لسوريا مع تفويضه سلطات رئيس الجمهورية. وتفويضه بالإشراف على انتخاب لجان الاتحاد القومى السورى ، لتطبيق منظومة التنظيم (الواحد الأحد الذى لا شريك له فى السلطة) فتوالتْ استقالات الوزراء السوريين . فقال عبد الناصر لهم فى جلسة 2يناير60 ((أحب أنْ أخبركم أننى المسئول الأول أمام الشعب وليس هناك أحد غيرى مسئولا. وأنا الذى أختار الوزراء ومن لا يعجبه هذا الوضع يمشى)) هكذا أسفر الدكتاتور عن وجهه القمعى القميىء ، وتصوّر أنّ الوزراء السوريين مثلهم مثل الوزراء المصريين سيخضعون لبطشه واستبداده وانفراده بكل السلطات ، لأنهم عبّروا له عن أنهم يرغبون فى ممارسة سلطات حقيقية ولا يكونون مجرد (ديكور للنظام) وأنّ الاجتماعات ((مع الوزراء صورية بغرض تغطية الشكل)) وهنا فوّت المؤلف على نفسه فرصة تصعيد الدراما فى عقد مقارنة بين الوزراء المصريين المُـنبطحين على بطونهم ورافعين مؤخراتهم للسماء ، أمام جبروت عبد الناصر، وبين الوزراء السوريين الرافضين هذا الانبطاح . ووفقــًا لرواية البغدادى فإنه عاتب عبد الناصر على لهجته العنيفة مع الوزراء السوريين خاصة قوله لهم ((اللى مش عاجبه يمشى)) وأنهم يرغبون فى ممارسة سلطة وظيفتهم ، فكان رد عبد الناصر أنّ ((موضوع المشاركة فى الحكم الذى يتحدثون عنه غير وارد وبعيد المنال)) (ص68) وإزاء تصعيد عبد الناصر للموقف ، حدث تصعيد مقابل من السوريين ، أخذ شكل العديد من استقالات الوزراء . وكان سبب هذا التصعيد أنّ عبد الناصر شبّه الوزراء السوريين بتلاميذ المدارس .
ثم كان القرار الكارثى الذى أصدره عبد الناصر بتعيين 600عضو لمجلس الأمة لدولة الوحدة (400من مصر و200من سوريا) وأصدر قرارًا آخر بتشكيل اللجنة التنفيذية للاتحاد القومى على أنْ يكون عبد الحميد السراج رئيسًا للمجلس التنفيذى السورى ((وأصبح السراج بذلك هو المُهيمن على أهم وأخطر الأجهزة فى سوريا . كما تجمّعتْ فى يديه سلطات ضخمة مكنته من زيادة قبضه الحديدية والبوليسية على الشعب السورى . وكان الشعب خلال هذه الفترة كثير الشكوى والتبرم من الأسلوب البوليسى الذى يتبعه السراج . وهنا كانت بداية الشائعات عن رغبة الشعب السورى فى الانفصال عن مصر)) أى أنّ الذى كتب سيناريو الانفصال هو عبد الناصر (نبى العروبة) وكان من بين مشاهد هذا السيناريو تمسكه بالذراع الحديدية (السراج) وتصعيده لأعلى المناصب لقمع الشعب السورى ، ودوره البشع فى قتل المناضل الشيوعى فرج الله الحلو ، بتذويب جسده فى الأحماض الكيماوية بعد تعذيب استمر عاميْن ونصف . ثم جاء المشهد الثاتى فى قرار تأميم الشركات والبنوك السورية فى 23يوليو61. ونظرًا لأنّ الشعب السورى يميل إلى التجارة الحرة ويعتز بالملكية الخاصة (سواء الأثرياء أو الفقراء) بذلك كان قرار تأميم الصناعات والمتاجر والبنوك السورية القشة التى أوقعتْ (الجمل الناصرى/ العروبى) فى الوحل ، خاصة أنه بعد شهر أصدر عبدالناصر قرارًا كارثيًا جديدًا بتعيين السراج نائبًا لرئيس الجمهورية لشئون الأمن الداخلى ومقر عمله فى القاهرة. وكانت حجة عبد الناصر إبعاد السراج عن سوريا ولكن السراج كشف الملعوب فغادر القاهرة بعد شهر دون أنْ يستأذن ولى نعمته (عبد الناصر) وعندما عاد إلى دمشق حدث الصدام الشهير بينه وبين عبد الحكيم عامر. وازداد سخط الضباط السوريين بسبب معاملة عبد الحكيم عامر التسلطية فقال السراج أنه يمكن إخراج عامر من سوريا بالبندوره أى بالطماطم . فحدث الانقلاب فى 28سبتمبر الذى مهّد للإنفصال.
حاصر الضباط السوريون مبنى القيادة العسكرية بدمشق واستولوا على الإذاعة والموانىء والمطارات وأغلقوا مداخل دمشق . واحتجزوا عبد الحكيم عامر والوزراء داخل مبنى القيادة العسكرية. وأنذروه بمغادرة سوريا هو وكل الضباط المصريين . وعندما علم عبد الناصر بتلك التطورات ركب دماغه العروبى وتحدى مشاعر الشعب السورى فأمر بإرسال أفراد من الصاعقة والمظليين إلى سوريا على أنْ يتم إنزالهم فى مطار الدمير. ولما كان هذا المطار قريبًا من دمشق وبه قوات جوية سورية. وأنّ قوات (الانقلاب) لها السيطرة الكاملة على ذلك المطار، لذلك أصدر عبد الناصر أمره بأنْ يكون إنزال قواتنا فى مطار اللاذقية. وأصدر أمرًا آخر بإعداد ثلاث مدمرات مصرية للتحرك . ولأنّ البغدادى أحد ضباط يوليو الذين تسبّبوا فى الكوارث ، لذلك كتب مُـدافعًا عن قرارات عبد الناصر((كان الهدف من إرسال قوات عسكرية مصرية إلى سوريا معنويًا ونفسيًا وليس بغرض الدخول فى معركة عسكرية مع القوات السورية إلاّ إذا أضطررنا لذلك)) (116) ورغم ذلك كتب أنّ عبد الناصر أصرّ على تحريك قوات المظليين والصاعقة على أنْ يتم اسقاطهم عند الغروب فى منطقة مطار اللاذقية. وأنْ تتحرك المدمرات الثلاث إلى ميناء اللاذقية. كما أصدر أمره بإرسال لواءيْن مشاة بأسلحتهم والأسلحة الأخرى المُساعدة وكذلك لواء مدرع عن طريق البحر. وأنْ يجرى الاستيلاء على جميع بواخر النقل العربية لاستخدامها فى نقلهم (كل ذلك بغرض معنوى نفسى حسب رأى البغدادى) وارتفع سقف التصاعد الدراماتيكى عندما أذاعتْ محطة حلب عن انضمام أفراد مركز التدريب بالمدينة وكذا كتيبة مدرعات وانضمام وتأييد أعضاء الاتحاد القومى إلى (الإنفصاليين) وبينما كان الرهان الناصرى أنّ اللاذقية مع الوحدة وضد الإنفصال ، فقد تغيّر الموقف وأعلنتْ تأييدها للإنفصال ، وبذلك أصبحتْ قواتنا التى أرسلها عبد الناصر فى خطر. وهو ما اعترف به البغدادى الذى كتب ((ولم يكن فى مقدورنا حماية قواتنا من الهجوم عليها لعدم توفر طائرات لدينا بعيدة المدى لتغطية هذا الانزال ، وهذا الصدام العسكرى ستكون نتائجه لصالح القوات السورية. والأمر سينتهى بهزيمة عسكرية لنا)) ثم كانت الكارثة بوصول الفوج الأول من الطائرات المصرية إلى اللاذقية وإسقاط جنود الصاعقة والمظليين وكان عددهم ثمانية ضباط ومائة وعشرين جنديًا . وذكر البغدادى ((وقد تمكنا من الاتصال لاسلكيًا بالقوة التى تمّ اسقاطها. وطلبنا من قائدها تسليم أنفسهم لقائد القوة البحرية السورى فى اللاذقية)) (119) ولأنّ البغدادى أحد الفريق الكارثى لضباط يوليو، لذلك كتم شهادته فلم يكتب كلمة واحدة عن مصير 128 إنسانـًا مصريًا : هل عادوا إلى مصر؟ أم تمّ اعتقالهم أو قتلهم فى سوريا ؟ وعندما أدرك عبد الناصر أنّ الموقف فى غير صالح القوات المصرية ، تراجع عن قراراته ورفض الاستجابة لرأى البعثيين فى الاستمرار فى المعركة ضد الانفصاليين ، وكان تبريره ((لو حدث وأغرقتْ لنا باخرتان وخسرنا المعركة فسننزل إلى الحضيض ونـُصبح مثل دولة اليمن)) أى أنه نظر للوضع من منظور الهزيمة فقط ، ولم يراع أرواح جنودنا المصريين.
كان تحليل البغدادى لأسباب الانفصال : قرارات التأميم ، كراهية الشعب السورى للسراج الذى وثق فيه عبد الناصر، الضباط المصريون عاملوا الضباط السوريين بطريقة فجة فأشعرتهم بجرح كرامتهم ، خاصة ما كان يفعله مدير مكتب عبد الناصر(شمس بدران) والطريقة التى كان يتعامل بها مع الضباط من ذوى الرتب الكبيرة إلى أنْ أصبح موضع تعليق دائم ليس بين الضباط السوريين فقط بل وبين المدنيين ولم يُحاول عبد الحكيم عامر إبعاده عن منصبه أو حتى إيقافه عند حده ((وإنه لمن الغريب أنْ يعلم عبد الناصر كل هذا كما كان يعرف أخطاء السراج ، ولم يُحاول معالجة تلك الموضوعات ووضع حد لها رغم استمرارها وتكرارها)) كذلك من الأخطاء فرض نظام التنظيم الأوحد (الاتحاد القومى) (من 120- 122) ورغم ذلك كتب البغدادى أنه لابد أنْ نستمر ((فى المناداة بالقومية العربية والوحدة الشاملة)) (130)
ورغم أنّ البعثيين السوريين كانوا مع الوحدة ، فإذا الأيام تدور ويقولون أنّ ما حدث هو استعمار مصرى لسوريا وهذا الكلام ورد على لسان عبد الناصر(نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب المولع بالعروبة والمُـتيم بالناصرية فى كتابه "عبد الناصر وتحرير المشرق العربى"- مصدر سابق - باب الملاحق- ص629) واعترف عبد الناصر فى المحاضر السرية التى نشرها فتحى الديب بتبديد موارد مصر على العرب فقال ((كنا بندى معونة للميزانية السورية ومعونة للجيش السورى ونغطى العجز. وكنا بندى عملة صعبة لسوريا لأنّ عندهم عجز باستمرار)) (مصدر سابق – ص628، 629) ورغم أنّ فتحى الديب مؤمن بالعروبة فإنه كتب ما يُكذب ذلك الإيمان العروبى فقال عن الشعب السورى ((لقد لاحظتُ تعصبًا واضحًا وعنيفـًا من أبناء كل محافظة لمحافظاتهم ينعكس فى كثير من الأحيان – كما شاهدتُ بنفسى – إلى التنابذ والاصطدام المباشر)) ثمّ ألقى التهمة على شماعة ((الاستعمار الفرنسى)) (مصدر سابق – ص60) ورغم إيمانه بالعروبة وأنّ الشعوب العربية كلها تتكلم اللغة العربية ورغم ترديده لأكذوبة أننا نحن المصريين عرب ومع ذلك كتب ((استمعتُ لمدة ثلاث ساعات لحوار ممتع ، تخلله بعض الشتائم العراقية التى لم أفهمها)) (ص100) وأكثر من ذلك الأخطاء اللغوية العديدة فى كتابه ومنها على سبيل المثال ص21، 109، 149، 225، 245، 247، 277، 320، 358، 402)
000
وكما أنّ عبد الناصر أهمل مصر، ولم ينتبه إلى التناقضات بين شعبنا المصرى والشعب السورى ، ولم ينتبه للتناقضات داخل المجتمع السورى نفسه ، كذلك أهمل مؤلف (صديق العمر) كل عناصر التراجيديا الكامنة والجاهزة فى المشاهد اتى خصّصها للوحدة المصرية السورية ، فضيّع على نفسه فرصة خلق التوتر الدرامى وانساق وراء التقليدية ، ولم يكتف بذلك وإنما تعمّد تشويه الحقائق وتزييفها .
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
- شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى
- العلاقة بين العروبة والبعث
- الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية
- الإعدام = رصاصة الرحمة


المزيد.....




- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)