أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)















المزيد.....

مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4533 - 2014 / 8 / 5 - 06:55
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ارتكب مؤلف مسلسل (صديق العمر) جريمة فى حق نفسه وفى حق مُـتذوقى الفن الرفيع ، عندما تعمّد التأليف السهل (ومراعاة التسويق) وكأنّ الفن الجيد لا يجد من يشتريه. والفن الجيد هو الذى يعى تمامًا الفرق بين الأيديولوجيا والصدق ، وهذا الوعى يمنح المُبدع إدراك أنّ الفن يختلف عن (سرد الوقائع) حتى ولو كان هذا السرد على درجة من الأمانة العلمية ، لأنّ الفن الجيد لا يكتفى بالسرد ، وإنما (يتجادل مع الوقائع) التى يتضمنها السرد. وقد اكتفى مؤلف (صديق العمر) بالسرد ، مع الاجتزاء والانتقاء ولكن الجريمة الكبرى كانت فى (تأليف) وقائع لم تحدث من أجل (تجميل) صورة بعض الشخصيات كما حدث مع ناصر وعامر والسادات .
وطالما أنّ المؤلف تعرّض للحقبة الناصرية منذ بدايتها ، فإنّ محطة عام 1956 غاية فى الأهمية وتـُـتيح للمبدع خلق (التوترالدرامى) إذْ أنها جاءتْ بعد أربع سنوات من سيطرة الضباط على مصر، وبعد أنْ تخلــّص عبد الناصر من زملائه الضباط (المغضوب عليهم والضالين) وتخلــّص من الخصوم السياسيين ، ولكن بدلا من أنْ يتفرغ لتحقيق تنمية اقتصادية حقيقية وإقامة نظام ديمقراطى حقيقى يقوم على التعددية وعلى النظام البرلمانى الخ ، إذا به يدخل فى مغامرة تسببتْ فى تدمير مدن القناة ، مما أثر على التنمية الاقتصادية ، فاستمر التخلف التنموى بجانب القهر السياسى والاجتماعى . وكان السبب فى تدمير مدن القناة ، قرارتأميم قناة السويس.
إنّ الشخص الذى ينوى فتح (سوبر ماركت) يقوم بعمل (دراسة جدوى) تشمل الحالة الاقتصادية للسكان ومستواهم الاجتماعى ، لمعرفة أنواع السلع التى تكون فى مستوى دخولهم ، وكذلك (الموقع) هل توجد محلات أخرى أم لا إلى آخر ما هو معروف عن (دراسة الجدوى) فهل فعل عبد الناصر ذلك؟ بمعنى هل كلــّف فريقــًا من الخبراء لدراسة رد فعل الدول المُستفيدة من قناة السويس بوضعها قبل قرار التأميم ، وخاصة الدول التى كان يحرص دائمًا على سبها و(جر شكلها) بوصفها (الدول الاستعمارية التى تقف مع إسرائيل ومع الصهيونية) إلى آخر خطابه الإنشائى الدعائى الفج . وهل تلك الدول ستتقـبّـل قرار التأميم بالسكوت أو بلطم الخدود كما يفعل العاجز عن اتخاذ رد الفعل المناسب ؟ وأيهما أفضل لمصر: انتظار المدة القانونية (12سنة) كإحترام للقانون الدولى وللمجتمع الإنسانى كم فعلتْ الصين، أم قرار التأميم ؟ وفى حالة أنّ الدول (الاستعمارية) التى دأب على مهاجمتها قرّرتْ الحرب ضد مصر، فهل الجيش المصرى على استعداد لمجابهة جيوش تلك الدول ؟ هذه هى الأسئلة (البديهية) التى كان فريق العمل سيضعها فى جدوله ويضع لها أكثر من افتراض ، وفى النهاية تكون دراسة الجدوى أمام الرئيس ليُـقرّر ما يراه مناسبًا ، ونظرًا لأنّ هذا لم يحدث ، وأصرّ عبد الناصر على كتمان خبر تأميم القناة إلاّ لعدد محدود مع التوصية بعدم تسريب الخبر لأى إنسان ، كانت النتيجة (ظهور رد فعل الدول التى اشتركتْ فى الحرب ضد مصر: بريطانيا وفرنسا وإسرائيل)
كانت حجة تأميم قناة السويس تمويل مشروع السد العالى ، وهنا فوّتَ المؤلف فرصة (خلق التوتر الدرامى والجدل مع الواقع) من زاويتيْن : الأولى أنه تمّ تقديم مقترحات من بعض الجيولوجيين المصريين لتنفيذ مشروعات تكون بديلا عن السد بتكاليف أقل ومع مراعاة أنها ستـُجنـّب مصر كارثتيْن متوقعتين لبناء السد : الأولى حرمان الأرض الزراعية من طمى النيل (السحر الأسود) الذى ميّز الأرض الزراعية بالخصوبة وعدم الاعتماد على أية أسمدة صناعية، وبالتالى تحتفظ المحصولات الزراعية بميزتها النسبية. والكارثة الثانية أنّ حجز المياه (وفق مشروع السد) سيتسبّب فى (تطبيل أرض مصر) وفقــًا لنظرية (الأوانى المُستطرقة) ولكن عبد الناصر رفض الاقتراحيْن ، ووضع بعض الخبراء الوطنيين فى السجن ، والبعض الآخر فرّ هاربًا إلى أوروبا. والجدل الثانى هو تقديم بعض الاقتراحات لتمويل السد العالى بموارد مصرية دون اللجوء لأية جهة أجنبية أو اللجوء لتأميم القناة ، وهو الاقتراح الذى تقـّدم به د. عبد الجليل العمرى (وزير المالية) الذى رأى أنّ هذا ممكن عن طريق تصدير فائض انتاجنا من الأرز إلى الخارج مع استخدام الفرق بين سعره العالمى وسعره المحلى فى تمويل مشروع السد دون أنْ نعتمد على أية دولة أجنبية. والفرق بين السعريْن العالمى والمحلى للطن الواحد كان حوالىْ سبعين جنيهًا (مذكرات عبد اللطيف البغدادى – المكتب المصرى الحديث – عام 77- ج1- ص 312) وعن أجواء ردود فعل الدول (الإستعمارية) التى دأب عبد الناصر على السخرية منها والهجوم عليها ، كتب البغدادى ((كان عبد الناصر يستبعد استخدامهم القوة العسكرية ضدنا لاعتقاده أنّ فرنسا مشغولة بمعركتها مع الوطنيين الجزائريين داخل الجزائر نفسها . وأنّ إنجلترا ستخشى من تدمير مصالحها فى العالم العربى ، خاصة المنتجة منها للبترول لو قامت بالاعتداء علينا عسكريا. أما الولايات المتحدة فليس لها مصلحة من قيام مثل هذه الحرب)) (المصدر السابق – ص 319) وكان استبعاد فرنسا فى الحرب ضدنا بحجة أنها مشغولة مع ثوار الجزائر- كما بنى عبد الناصر تصوراته- يدل على (مع افتراض حُسن النية) أنه لا يعرف ألف باء (السياسة الدولية) ولا يعرف كيف يفكر رؤساء الدول (الإستعمارية) وهو ما عبّر عنه ثروت عكاشة الذى كتب ((كانت حكومة فرنسا تعد تأييدنا لثورة الجزائر موقفـًا عدائيًا ، ولم تكن بالراضية أو المستسلمة ، بل لقد كان موقفها وقتها إلى جانب إسرائيل ، انتقامًا من موقف مصر إلى جانب الثورة الجزائرية)) ولكنه تناقض مع نفسه - فى نفس الصفحة - فكتب ((كان عبد الناصر يعرف وهو يؤمم قناة السويس أنّ الدولتيْن اللتين تملكان أسهم الشركة لن يدخرا جهدًا فى أجهاض (ثورة) مصر لجرأتها)) ورغم تناقض عكاشة إلاّ أنه كان موضوعيًا عندما أضاف ((وقد كان من الطبيعى أنْ تفتح مصر عيونها على كل لفتة توجه إليها بالصداقة أو بالعداء وكان من الطبيعى أنْ يُسند إلى جميع الملحقين العسكريين إثر تأميم قناة السويس مهام أشد خطورة... الخ)) (مذكراتى فى السياسة والثقافة- دار الهلال- عام 88- ج2- ص 506)
وإذا كان عبد الناصر لم يهتم بإجراء دراسة جدوى علمية عن ردود فعل الدول الاستعمارية، فإنّ الأخطر هو رفضه العمل بنصيحة ثروت عكاشة (كان فى فرنسا بوظيفة ملحق عسكرى) وأرسل خطابًا من فرنسا يوم 15/5/56 إلى عبد الناصر قال فيه : إنّ فرنسا مستاءة من هجوم إذاعة صوت العرب عليها ، وتأييد مصر لثوار الجزائر منذ عام 54 وإمدادهم بالمال والسلاح بل وتدريبهم على القتال فى معسكرات مصرية. وحذر عكاشة من أنّ فرنسا سوف تتخذ عدة مواقف ضد مصر لو استمرتْ القيادة المصرية فى سياستها ضدها ، ومن بين هذه المواقف (التى تمّتْ بالفعل) امتناع فرنسا عن شراء القطن المصرى الأمر الذى تسبّب فى خسارة مصر 15مليون جنيه استرلينى . ولكن أهم ما ورد فى خطاب عكاشة ووفق تعبيراته بالنص ((تجنب الصدام مع فرنسا لتفادى تأييدها لإسرائيل ومساعدتها ضد مصر بسبب تأييد مصر لثوار الجزائر)) (نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب – المولع بالعروبة والناصرية فى كتابه "عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام- عام 2000- ص 86، 240) وهذه المعلومات أكدها خالد محيى الدين الذى نقل عن مذكرات ثروت عكاشة أنّ هنرى كورييل أمدّ عكاشة بمعلومات وافية عن قوات وتسليح جيوش فرنسا وبريطانيا وإسرائيل (وذلك قبل العدوان) بسبب مساندة ثوار الجزائر(خالد محيى الدين فى كتابه "والآن أتكلم"- مركز الأهرام للترجمة والنشر- عام 92- ص 346) وبعد عدة شهور من خطاب عكاشة إلى عبدالناصر( فى مايو56) وخطاب التأميم فى يوليو56، تحققتْ نبوءة عكاشة ودفعتْ مصر الثمن عندما اشتركتْ فرنسا مع بريطانيا وإسرائيل ضد مصر. أى أنّ كارثة العوان الثلاثى عام 56 والدمارالذى لحق مدن القناة وقتل آلاف المصريين (مدنيين وعسكريين) وتدمير الاقتصاد المصرى الخ لا يمكن عزل كل تلك الكوارث عن شعارات العروبة وتحرير فلسطين والقضاء على إسرائيل.
كما أنّ مؤلف (صديق العمر) أهمل فرصة الجدل مع الواقع لخلق (التوتر الدرامى) وذلك عندما تجاهل ما ورد فى خطاب التأميم من (تحرش واضح وسافر) بإسرائيل ، إذْ أنّ الخطاب تضمّن الهجوم على إسرائيل وقال بالنص ((إنّ الاستعمار أقام إسرائيل من أجل تفكيك الوحدة العربية. سنـُناضل ضد الاستعمار وضد إسرائيل التى أقيمتْ على يديه والتى تطمح إلى احتلال المنطقة من الفرات إلى النيل)) إننى أرجو العقل الحر أنْ يسأل : ما علاقة تأميم القناة بالنضال ضد الاستعمار وإسرائيل ؟ لماذا لم يكتف بإعلان قرار التأميم بشكل حضارى وفى مادة واحدة؟ أليس ذكر إسرائيل والاستعمار فى قرار التأميم هو بلغة أولاد البلد المصريين (جر شكل) وكانت النتيجة التى كان يجب أنْ يتوقعها أى زعيم (وطنى) يحرص على مصلحة شعبه ، اشتراك إسرائيل فى الحرب ضد مصر بعملية (قادش) أما بريطانيا فقد سارعتْ بتجميد الأرصدة المصرية بالجنيه الإسترلينى ، وتجميد ممتلكات قناة السويس . وذكر عبد اللطيف البغدادى أنّ عبد الناصر طلب من د. عبد المنعم القيسونى أنّ ((يعمل على تحويل أكبر قدر ممكن من هذه الأرصدة من بنوك كل من بريطانيا وفرنسا وأمريكا إلى دول أخرى . ولضيق الوقت لم يتمكن القيسونى من تحويل كل أرصدتنا التى كانت لدى بنوكهم)) هذا غير التعويضات التى دفعتها مصر لأصحاب الأسهم عند إغلاق بورصة لندن فى اليوم السابق للتأميم (البغدادى – مصدر سابق- ص320، 328) كما ترتب على ذلك ضياع فرصة استرداد مبلغ 400مليون جنيه وهو المبلغ الى كانت بريطانيا مدينة به لمصر. ووفق ما ذكره أ. طارق البشرى فإنه لم يُفرج عن هذه الأرصدة (الديون) إلاّ بمقادير ضعيفة مما أفقد السداد أهميته فى بناء الاقتصاد المصرى (الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال – ديسمبر91- ص56، 57)
ورغم أنّ عبد اللطيف البغدادى انتقد عبد الناصر كثيرًا فى كتابه ، إلاّ أنه برّر كارثة هزيمة مصر عام 56بذات عقلية ضباط يوليو فكتب ((ولم يكن يخطر بذهننا أنّ بريطانيا من الممكن أنْ تتعاون مع إسرائيل فى الاعتداء علينا ، ظنـًا منا أنها لا يمكن أنْ تـُقدم على هذه الخطوة لردود فعلها العنيفة فى العالم العربى كه ، وما سيُصيب مصالحها من أضرار، كنتيجة حتمية لهذه الخطوة منها)) (مصدر سابق- ج1- ص327) إنّ أدق وصف مهذب (لهذا الظن) من جانب ضباط يوليو- وعلى رأسهم كبيرهم عبد الناصر- أنهم لا يصلحون لإدارة طابونة أو مغسلة ، فإذا بهم (فى واحدة من كوارث التاريخ) يتولون إدارة مصر بتاريخها العريق. وللتأكيد على تلك العقلية المُـغيّبة عن الواقع (بفرض حُسن النية) أضاف البغدادى فى ذات الصفحة ((وكانت القيادة العسكرية المصرية ترى أنّ بريطانيا فى حالة استخدامها القوة العسكرية فإنها ستتقدّم أساسًا بقواتها نحو مصر من ناحية الإسكندرية ورشيد . ولذا فقد بُنيتْ الخطة الدفاعية على أساس هذا الاحتمال ، حتى أنه عندما أبلغ خالد محيى الدين جمال عبد الناصر بمعلومات حصل عليها من أحد أصدقائه بباريس وتـُـشير إلى أنّ فرنسا تعمل متعاونة مع إسرائيل لمهاجمتنا ، لم يأخذ جمال هذه المعلومات مأخذ الجد . بل اعتقد هو وعبد الحكيم عامر أنّ الغرض منها هو لدفعنا إلى حشد قواتنا الدفاعية تجاه إسرائيل وتاركين الإسكندرية ورشيد – وهى طريق تقدّم القوات البريطانية - كما قدّر- دون قوات دفاعية كافية للتصدى لها)) (327، 328) وهذه المعلومة (عن أنّ الهجوم سيأتى عن طريق الإسكندرية كما تصوّر بطل العروبة عبد الناصر) تنفى خرافة أنّ الخطر الحقيقى على مصر يأتى دائمًا من (المشرق العربى) وأنّ الدفاع ((عن فلسطين دفاع عن مصر)) كواحدة من تخاريف الناصريين والماركسيين العروبيين ، وبالتالى – لو أنهم آمنوا بالعقل كقِبلة أولى وأخيرة وتخلصوا من الأيديولوجية العروبية / الناصرية - سيخجلون من ترديد تلك الخرافة ، خاصة وأنّ عبد الناصر أمر بإنسحاب الفدائيين المصريين الذن كانوا بقطاع غزة فى مهمة الغرض منها التسلل إلى إسرائيل والقيام بعمليات تخريبية بها.
وفى مساء 29 أكتوبر56 بدأتْ إسرائيل الهجوم على قواتنا فى مدن القناة. وعندما عاتب عبد الناصر رئيس هيئة أركان حرب القوات الجوية (صدقى محمود) لأنّ الطيران المصرى لم يتصد للطيران الإسرائيلى، كان رده ((عدم توافر الوقود اللازم بمطار غرب القاهرة)) لهذه الدرجة كانت الاستهانة بشعبنا المصرى : ارتفاع سقف الشعارات العروبية / الناصرية / الحنجورية ، مع استخدام مفردات الهجاء العربى ضد إسرائيل ومن هم وراء إسرائيل ، فى مقابل الهبوط لأدنى مستوى من الاستعداد لمجابهة إسرائيل (الدولة التى ردّدتْ الشعارات الناصرية بأنه لا حلّ إلاّ بالقضاء عليها) تدنى وصل لدرجة عدم وجود وقود للطائرات المصرية. وهذا التدنى ارتبط بتمسك عبدالناصر بصديق عمره الكارثى (عبدالحكيم عامر) إذْ أنّ البغدادى كتب أنه فى اليوم الثانى للحرب (30 أكتوبر) كان المشير عامر يُدير المعركة بحالة عصبية. ويتولى إصدار الأوامر فى كل كبيرة وصغيرة. والقادة فى الميدان لا يملكون التصرف إلاّ بعد الرجوع إليه. وكان تعقيب البغدادى ((وهذا عيب كبير فى إدارة المعارك الحربية. وقد لاحظتُ أنه يدفع بقوات كثيرة إلى أرض المعركة دون مُبرّر واضح)) وربما لا يعرف كثيرون أنّ الطائرات البريطانية شنـّتْ عدة غارات على القاهرة (المُستباحة فى العهد الناصرى الكارثى) وأنّ القادة المصريين اختبأوا فى المخبأ الموجود بمبنى القيادة عندما علموا بإنزال جنود مظلات معادية فى أرض السباق بمصر الجديدة القريبة من مبنى القيادة العسكرية. وقال المشير لزملائه ((اختفوا جميعًا واتركونى مع الجيش)) فاضطرب عبدالناصر ((وفكر فى أولاده وطلب العمل على نقلهم فورًا إلى القناطر الخيرية. ولكنه عاد بعد فترة وطلب نقلهم إلى منزل فى وسط القاهرة خوفـًا من كلام الناس، وحتى لا يُـقال أنه هرّب أولاده. وتكلم زكريا محيى الدين عن ثلاث شقق كان قد سبق تجهيزها لاستخدامها عند الطوارىء. وكان عبد الناصر مضطربًا ولم يتكلم)) وذكر أنّ القاهرة لم يكن بها أية قوات مصرية ((غير الكتيبة 13 المُـكلــّـفة بحراسة بيت عبد الناصر)) (341) هكذا : كتيبة كاملة لحراسة بيت عبد الناصر!!
وبينما كان مسرح المعركة فى مدن القناة التى تمّ تدميرها بالكامل ، فربما لا يعلم كثيرون أنّ أنه فى يوم 1نوفمبر56 تمّ إسقاط قنابل من الطائرات الإنجليزية على مطارىْ ألماظة ومصر الجديدة. وهو ما تكرّر يوم 2نوفمبر. وفى هذا اليوم طلب البغدادى من (العسكرى الحلاق) أنْ يقص له شعره (343)
وكان مُبرّر عبد لحكيم عامر للإنسحاب العشوائى الكارثى أنه قال ((إنّ الإستمرار فى المعركة يترتب عليه تدمير البلاد وقتل الكثيرين من المدنيين . والشعب سيكره النظام والقائمين عليه)) وقال سليمان حافظ إنّ الناس ((بتقول هوّ جمال بيخلط بين مجده الشخصى وبين مستقبل البلاد ؟ وانا أقول لكم الحقيقة والناس لا تـُصارحكم بها . وجمال مكروه وغير محبوب)) وذكر البغدادى أنّ عبد الناصر صارحه بأنه لا يعلم أى شىء عن الجيش وأنّ القوات العسكرية انتشرتْ فى شوارع القاهرة وتركتْ منطقة القناة. وأنه منعزل عن القيادة العسكرية. وعندما زار جمال مدينة الإسماعيلية ورأى المعدات العسكرية محطمة قال للبغدادى ((إنها بقايا جيش محطم)) وأخذ يتحسّر على المبالغ التى أنفقتْ على تسليح الجيش وقال ((إنّ مائة وثلاثة ملايين من الجنيهات قد ضاعتْ هباءً)) وفى يوم 10نوفمبر56 صدرتْ عن عبد الناصر بعض العبارات الجارحة عن الجيش ((وأخذ يشرح مآخذه على عبد الحكيم عامر، وروح الاستسلام ، والشلل الذى حدث بعد دخول الإنجليز والفرنسيين المعركة. وعدم إطاعة الجيش لأوامره)) ورغم كل الكوارث التى ارتكبها عبد الحكيم عامر، فإنّ عبد الناصر منحه (بعد الهزيمة سنة56) قلادة النيل. وهكذا كافأ الرئيس تابعه الكارثى . ولعلّ هذه المكافأة كانت المدخل لترويج أكذوبة (الإنتصار العسكرى عام 56) واختتم البغدادى هذا الفصل قائلا ((وانتهتْ حرب السويس وتمّ انسحاب القوات الإنجليزية والفرنسية من منطقة بورسعيد يوم 23ديسمبر56 وانسحاب القوات الإسرائيلية من سيناء وأصبح هذا اليوم عيدًا من أعيادنا القومية)) (من 344- 366) هكذا : الاحتفال بالهزيمة الكارثية. ويختتم البغدادى هذا الفصل دون كلمة واحدة عن الإنذار الروسى أو الإنذار الأمريكى الذى كان له الفضل فى انسحاب الجيوش المعتدية لتحقيق مصلحة أمريكية وليس حبًا فى سواد عيون شعبنا. لأنّ أميركا قرّرتْ أنْ تحل محل الاستعمار القديم . وفى تحليله لسنوات 1955- 65 ذكر د. جلال أمين أنّ ((قادة يوليو اتخذوا بعض الاجراءات التى تتفق مع مصالح أميركا مثل مساعدة ثوار الجزائر ضد فرنسا والعراق ضد بريطانيا والأردن ضد القائد البريطانى جلوب ولبنان ضد كميل شمعون وممثلى النفوذ الفرنسى)) (مجلة الهلال- يوليو 2002) أى أنّ ضباط يوليو (وعلى رأسهم نبى العروبة عبد الناصر) كانوا يُنفذون المخطط الأمريكى بطرد الاستعمار القديم ، لتكون أميركا هى سيدة العالم . المهم انسحبتْ الجيوش المعتدية بفضل الإنذار الأمريكى ، وكان الثمن باهظــًا حيث ضغطتْ إسرائيل على الأمم المتحدة بأنّ الانسحاب الإسرائيلى سيتم من منطقتىْ شرم الشيخ وقطاع غزة بشرط حرية الملاحة الإسرائيلية فى خليج العقبة ومضايق تيران . وهذا الشرط هو ما وافقتْ عليه الأمم المتحدة بقرار مجلس الأمن رقم (1) لسنة 57 هذا بالإضافة إلى تمركز قوات الأمم المتحدة فى غزة وشرم الشيخ.
وكما تجاهل البغدادى وكل الإعلام الناصرى/ العروبى تلك الحقائق (خاصة الشروط الإسرائيلية للإنسحاب) والضغوط الأمريكية على إسرائيل وعلى فرنسا وبريطانيا لضمان الانفراد بالسيطرة على العالم (مع السماح ببعض الفتتات للاستعمار القديم) كذلك تجاهل مؤلف (صديق العمر) تلك الحقائق وانساق وراء تمجيد ضباط يوليو52، فضيّع على نفسه فرصة خلق دراما حقيقية ، كانت كفيلة بوضع اسمه فى سجل المُبدعين الذين يترفعون عن تمجيد أية أيديولوجيا التى تسحبهم إلى المغالطات التاريخية كما فعل مؤلف (صديق العمر)
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
- شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى
- العلاقة بين العروبة والبعث
- الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية
- الإعدام = رصاصة الرحمة
- عودة الروح وعودة الوعى


المزيد.....




- بن غفير يعلن تأسيس أول سرية من اليهود الحريديم في شرطة حرس ا ...
- “ابسطي طفلك” تردد قناة طيور الجنة الجديد على نايل سات وعرب س ...
- سوناك يدعو لحماية الطلاب اليهود بالجامعات ووقف معاداة السامي ...
- هل يتسبّب -الإسلاميون- الأتراك في إنهاء حقبة أردوغان؟!
- -المسلمون في أمريكا-.. كيف تتحدى هذه الصور المفاهيم الخاطئة ...
- سوناك يدعو إلى حماية الطلاب اليهود ويتهم -شرذمة- في الجامعات ...
- بسبب وصف المحرقة بـ-الأسطورة-.. احتجاج يهودي في هنغاريا
- شاهد.. رئيس وزراء العراق يستقبل وفد المجمع العالمي للتقريب ب ...
- عمليات المقاومة الاسلامية ضد مواقع وانتشار جيش الاحتلال
- إضرام النيران في مقام النبي يوشع تمهيدا لاقتحامه في سلفيت


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)