أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها















المزيد.....

القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4520 - 2014 / 7 / 22 - 01:28
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القوميات
شنّ الأصوليون الإسلاميون هجومًا حادًا ضد المفكر الكبير لويس عوض ، مرات بسبب ديانته المسيحية ، ومرات بسبب دفاعه عن أسس الليبرالية والعلمانية التى حققتْ الحريات الشخصية والسياسية والتنمية الاقتصادية ، ومرات بسبب دفاعه عن الخصوصية الثقافية لكل شعب ، وأنّ المدخل الحقيقى للدفاع عن الخصوصية هو الإعتزاز بالشعور القومى ، ورفض تبنى أى ثقافة قومية أجنبية ، وبمراعاة : 1- الفرق بين رفض ثقافة أجنبية ، وبين احترام ثقافات كل الشعوب والتفاعل معها 2- أنّ تبنى أى ثقافة أجنبية معناه التخلى عن خصوصية الثقافة القومية لكل شعب ، وعندما يتحقق ذلك تكون بداية الانهيار، بسيطرة الثقافة الأجنبية على الثقافة القومية ، وهذا أحد (وأخطر) أشكال الاحتلال ، بما فيه الاحتلال العسكرى.
وإذا كان هجوم الأصوليين الإسلاميين على لويس عوض ، له مبرراته (من وجهة نظرهم) خصوصًا موقفهم المُعادى للخصوصية الثقافية لكل شعب ، وأنّ أى شعب يُسيطرون عليه لابد أنْ يلتزم بخصوصية واحدة هى (الخصوصية الإسلامية) وبالتالى فإنّ موقفهم هذا لا يُـثير دهشة العقل الحر، بينما تـُحرّك الدهشة مواقف ماركسيين انضموا لصفوف الإسلاميين، مثلما فعل ناقد كبير (فاروق عبد القادر) الذى تبنى وجهة نظر د. محمد عمارة المُدافع عن الأصولية الإسلامية (بعد انتقاله من الماركسية إلى كتائب الإسلاميين) فإذا بفاروق عبد القادر (الماركسى) ينقل فقرات كاملة عن عمارة (الإسلامى) للهجوم على لويس عوض (الليبرالى) وتشويه صورته. وكان من بين (التهم) التى وجّهها عبد القادر وعمارة أنّ لويس عوض كتب عن الأفغانى أنه ((عدو للشعور القومى والحركات الاستقلالية)) (فاروق عبد القادر- أوراق أخرى من الرماد والجمر- مؤسسة العروبة للنشر- عام 90- ص198 وكتاب محمد عمارة الذى اعتمد عليه عبد القادر- ص 47) فهل تجنى لويس عوض على الأفغانى؟ وهل كتبَ تلك الجملة التقريرية حسب صياغة عمارة؟ أم اعتمد على كتابات الأفغانى؟ خصوصًا مرحلة باريس حيث ركز الأفغانى فيها على الترويج لشىء وهمى اسمه (الرابطة الدينية) لنفى وتدمير الحقيقى والثابت (الانتماء لوطن مُحدد له ثقافته القومية وحدوده الجغرافية) من ذلك على سبيل المثال طلب الأفغانى من المسلمين أنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى ، وقامتْ لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى 24/8/ 1884) وأيضًا ((لا جنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) وألحّ على ذات المعنى فكتب ((وعلمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لا يعرفون لهم جنسية إلاّ فى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى 14/8/1884) أما أخطر ما روّج له فهو محاولة إقناع الشعوب بالاحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الاستعمار تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية) فكتب ((هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن ، لا يتقيدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس ، وإنما ينظرون إلى جامعة الدين ، لهذا نرى المغربى لا ينفر من سلطة التركى ، والفارسى يقبل سيادة العربى ، والهندى يذعن لرياسة الأفغانى ، لا اشمئزاز عند أحدهم منهم ولا انقباض)) (العروة الوثقى 28/8/1884) ووصل به الشطط فى عدائه للقوميات وللانتماء الوطنى لدرجة أنْ كتب ((يجب على المسلمين أنْ يرفضوا كل ولاء وطنى وكل انتماء وكل اخلاص للوطن الأصلى ، لينضوا تحت لواء الدين الإسلامى.. الخ)) (نقلا عن د. أنور عبد الملك المُدافع عن الأفغانى فى كتابه نهضة مصر- هيئة الكتاب المصرية- عام 83- ص 421)
فهل اخترع لويس عوض تلك الكتابات ونسبها للأفغانى؟ وهل رجع الحليفان/ النقيضان (عبد القادر وعماره) لتلك المقالات التى كتبها الأفغانى أم لا؟ وإذا كانا قد قرآها فلماذا تجاهلاها؟ وإذا كانا لم يفعلا فلماذا هاجما لويس عوض مع هذا التقصير العلمى المنهجى الذى (يجب) أنْ يلتزم به أى باحث مُبتدىء؟ كانت رسالة الحليفيْن/ النقيضيْن (عماره وعبد القادر) أنّ لويس عوض (عدو للإسلام) طالما أنه تجرّأ ومسّ الذات السنية المقدسة فى الثقافة المصرية والعربية أى جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى . ولأنّ موقف عمارة له مبرراته بسبب مرجعيته الدينية ، فلماذا وقف عبد القادر (الماركسى) نفس الموقف؟ ما زالتْ طفولة عقلى بسذاجته الفطرية تضغط علىّ لطرح السؤال البديهى : لماذا كان فاروق عبد القادر شديد العداء للويس عوض ، ليس بسبب الموقف من الأفغانى فقط ، وإنما فى (مناطق أخرى عديدة فى أكثر من صفحة) وبعض تلك الكتابات تصل لدرجة التجريح الشخصى ، وليس لها أية علاقة بلغة أى بحث جاد محترم ، مثل كلمات (التنطع) وتعبيرات مثل ((ملفات لويس مليئة مثقلة)) وأنّ ((جامعة لوس انجلس الأمريكية جمعتْ له أوراقــًا أسماها (وثائق) أغلبها تقارير جواسيس ومخبرين رسميين كانوا يعملون لحساب الاستعماريْن الإنجليزى والفرنسى، وبعضها ملفات أعدتها أجهزة المباحث فى هذيْن البلديْن لتجميع المعلومات عن الأفغانى وبعضها كتب استندت إلى هذه الملفات والتقارير، كتبها صهاينة ومستشرقون..الخ)) (المصدر السابق- من ص 194- 195) هذا هو كل (النقد) الذى كتبه عبد القادر عن كتاب لويس عوض المكون من 255 صفحة من القطع الكبير، فهل يكون (النقد) فى صفحة وأقل من نصف صفحة ؟ وهل يكون السبب أنّ هذا بالكاد ما يستحقه عوض بمراعاة أنّ كل كتاباته من الرماد الذى تذروه الرياح ولن يتبقى منه أى شىء حسب تصنيف عبد القادر فى كتابه (أوراق أخرى من الرماد والجمر)؟ ولماذا لم يتعظ من موقف عوض الذى رفض أنْ يكون نسخة كربونية فى (موسوعة) الثقافة المصرية السائدة ؟
وإذا كان عوض (ضد الإسلام) كما أوحتْ كتابات عمارة وعبد القادر، فلماذا تجاهلا ما كتبه عوض عن عداء الكنيسة الكاثوليكية للشعور القومى ، حيث كتب ((كانت خلاصة كلام أورسيوس هى أنّ تصدع الامبراطورية وانهيارها كان نتيجة للغضب الإلهى ، وأنّ غضب الله حلّ على الرومان لأنهم ضلوا وحادوا عن طريق الله بفسقهم وجبروتهم وظلمهم وطغيانهم وانغماسهم فى الشهوات ، ولذا أرسل الله عليهم البرابرة من كل جانب فخرّبوا الامبراطورية وعاثوا فيها فسادًا. وبقى هذا التفسير هو التفسير المُعتمد فى العالم المسيحى ألف عام أو يزيد ، لأنه كان التفسير الرسمى الذى اعتمدته الكنيسة الكاثوليكية والبابوات قرنـًا بعد قرن . وبهذا التفسير قضتْ الكنيسة على كل شعور قومى فى نفوس الإيطاليين ، فجعلتهم يتنكرون لأمجاد جدودهم ويتبرأون من حضارتهم المجيدة السابقة على انتصار المسيحية)) (ثورة الفكر فى عصر النهضة الأوروبية- مركز الأهرام للترجمة والنشر- عام 87- ص 47)
ولأنّ عوض ملتزم بالأمانه العلمية ذكر أنّ الطابع العام للمسيحية طوال ألف عام ، كان محاولة اقتلاع كل التراث اليونانى والرومانى ((ولم يبق من ذلك الفكر الشاهق إلاّ بقايا مُبتسرة من منطق أرسطو لاستخدامه فى السفسطة الدينية. ومن مثالية أفلاطون لاستخدامها فى الشطحات الروحية)) ولكن بعد تنامى الشعور القومى ، اعتبرتْ الكنيسة أنّ القومية ثورة ضد تعاليمها. وذكر أنّ دانتى اليجيرى (1265- 1321) كثيرًا ما انتقد الكنيسة ومن بين أقواله ((لولا أنّ الرومان صلبوا المسيح لما كانت هناك مسيحية)) وإذا كان كثيرون لا يعرفون عن دانتى إلاّ أنه مؤلف (الكوميديا الإلهية) فإنّ دوره فى تعميق الشعور بالقومية أحد أسباب النهضة الأوروبية ، وكان مدخله لذلك هو فهمه العميق لمعنى (اللغة) وقبل أنْ تظهر التعريفات العلمية الحديثة عن (مفهوم اللغة القومية) أى اللغة التى يتكلمها الإنسان فى حياته اليومية ، لذلك امتلك دانتى شجاعة الكتابة باللغة الإيطالية ، أى ((اللهجة العامية من لهجات اللغة اللاتينية. ورفض الكتابة باللاتينية. وبذلك مكــّنَ دانتى الشعب الإيطالى من الاستغناء التدريجى عن الكتابة باللاتينية ، بعد أنْ ظلتْ اللغة (الفصحى) الكلاسيكية لمدة 14 قرنـًا باعتبارها اللغة الرسمية فى روما وفى أرجاء الامبراطورية الرومانية وأرجاء العالم المسيحى الغربى . لذلك كان هناك ازدواج لغوى : فالناس يقولون شيئا ولكن عندما يكتبون فإنهم يكتبون شيئـًا آخر مختلفـًا ، فأدى إلى الشلل والتناقض ، لو أرادوا التعبير عن وصف ما هو وجدانى تلقائى وعفوى كما يشعرون ، وبالتالى حبستْ اللغة اللاتينية العاطفة والخيال فى إطار البلاغة التقليدية ، فأجهضتْ كل إبداع أدبى لأكثر من ألف سنة. واللغة المُسماة ب (العامية) تتميّز بالحيوية والتلقائية والصدق فى التعبير أكثر من اللاتينية. وكتب لويس عوض أنه قد اقترن ((ظهور الأدب الأوروبى بالثورة على اللغة اللاتينية. وبإتخاذ اللغات (العامية) أدوات للتعبير الأدبى فى الشعر والنثر. كما اقترن هذا التحول الخطير بظهور القوميات الحديثة فى أوروبا وسيادة لغة الشعب على لغة السادة الرسمية. ولذا فقد كان اتخاذ لغة الكلام لغة للكتابة وللتعبير الأدبى بمثابة ثورة كبرى رسّختْ دعائم القوميات الحديثة ومهّدتْ للديمقراطية منذ بدايات عصر النهضة الأوروبية)) وبعد أنْ ذكر العديد من الأمثلة لشعراء إيطاليين وفرنسيين وإنجليز كتبوا بلغة الناس (العاديين) المسماة (عامية) أضاف ((وبهذه الآداب القومية نضجتْ اللغات القومية وغدتْ أدوات صالحة للتعبير الأدبى العظيم . وكانت الثورة على اللغة الرسمية والاعتراف باللغات (العامية) هما الأساس الذى بُـنيتْ عليه القوميات الأوروبية الحديثة))
وكان دانتى والشاعر (بترارك) والروائى (بوكاشيو) من أهم المبدعين الذين ثاروا على اللغة اللاتينية (المقدسة) لأنّ الناس لا يفهمونها ، وأنها لغة مُـصطنعة لا تـُعبّر عن الواقع بعد أنْ ماتتْ جذورها وتوقفتْ علاقتها بالحياة (وهو ما ينطبق على اللغة العربية فى كثير من ألفاظها ونحوها وصرفها) ولذلك كتب دانتى كتابه عن (بلاغة العامية) الذى لم يُـكمله بعد أنْ انشغل بكتابة ملحمته (الكوميديا الإلهية) التى بدأ كتابتها باللاتينية (من أجل مخاطبة المثقفين) ولكنه مزق ما كتبه وكتب باللغة الإيطالية (لغة الشعب) وبذلك أصبحتْ (الكوميديا الإلهية) هى الأساس الذى بُـنيتْ عليه اللغة الإيطالية. وكتب دانتى فى تعريفه للغة ((اللغة العامية هى تلك اللغة التى نتعلمها بلا قواعد بمحاكاة مرضعاتنا)) وهو كلام قريب جدًا من كلام علماء علم اللغويات مثل جاردنر وسيمون بوتر وفوكنر وغيرهم بعد 600سنة من عصر دانتى الذى أضاف أنّ الكلام (العامى) أعظم نـُبلا لأنه الأسبق استعمالا بين البشر. وهنا أيضًا فإنّ دانتى قال ما صاغه علماء اللغويات الذين أكدوا على حقيقة يتجاهلها كثيرون وهى أنّ اللغة المنطوقة سبقتْ اللغة المكتوبة . وكتب الراحل الجليل بيومى قنديل فى كتابه (حاضر الثقافة فى مصر) أنّ كل تغيير يحدث فى النسق الكتابى لابد وأنْ يكون قد سبقه تغير فى النسق المنطوق ((ويُـقدّر العلماء عمر اللغة الإنسانية بما يزيد عن مليون سنة , بينما لا يتجاوز أقدم نسق كتابى ستة آلاف عام)) إذن كان دانتى على وعى عميق بالتعريف العلمى للغة القومية. ولهذا أطلق على اللغة الإيطالية لغة قومية. وأنّ اللغة اللاتينية عجوز تعجز عن التعبير الوجدانى للشعب بينما لغته الحية تستطيع ذلك.
ارتعبتْ الكنيسة من هجوم دانتى على اللغة اللاتينية خاصة وقد سخر من الكهنوت الذى اعتبرها (مقدسة) ولذلك تمّ نفيه من مدينته فلورنسا عام 1301وقضى فى المنفى 20سنة. وبعد شهريْن من الحكم بنفيه صدر حكم آخر بحرقه حيًا ومصادرة كل أمواله. ثمّ حُـكم ثالث بإعدام أولاده الصغار. وبجانب هجوم دانتى على اللاتينية ، كان الكهنوت الدينى يتربص به بسبب آرائه السياسية التى كانت تضرب بمعاولها ضد تسلط الكنيسة ، خاصة بتحويلها السلطة الزمنية الدنيوية إلى سلطة دينية. ورفعتْ ولاية البابوات على ولاية الملوك . فالكهنوت الدينى هو الذى يُـتوّج الملوك ويُـفوّضهم فى حكم شعوبهم (بموجب الحق الإلهى) ويرى عوض أنّ دانتى مرحلة مهمة فى تاريخ العلمانية ، بسبب نقده للكنيسة وتدخلها فى السياسة وإرهاب الناس بسلاح الدين.
ولويس عوض المُـتهم بالعداء للإسلام ، ولأنه مؤمن بحيادية البحث العلمى ، خصّص فصلا كاملا للمفكر والعالم جوردانو برونو الذى أعدمه القساوسة (الأتقياء) حرقــًا وهو حى فى ميدان روما عام 1600، لأنه دافع عن الحضارة المصرية وقال إنّ ديانة مصر القديمة أفضل من المسيحية. وأنّ على البشرية - لو أرادتْ العيش فى سلام ومحبة - العودة إلى الديانة المصرية لتحل محل المسيحية (من ص 241- 272) أى أنّ لويس عوض وهو يكتب هذا الفصل عن جوردانو برونو، تجرّد تمامًا من ديانته (المسيحية) احترامًا للغة العلم ، فكيف يكون عدوًا للإسلام كما قال الأصوليون أمثال د. محمد عماره وكما قال بعض الماركسيين أمثال فاروق عبد القادر؟ كما أنّ لويس عوض أشار كثيرًا إلى أنّ دخول المسيحية مصر، كانت بداية محاولة القضاء على القومية المصرية ، وهو المعنى الذى ذكره كثيرون من علماء المصريات مثل أدولف إرمان الذى كتب ((عندما حلتْ الديانة المسيحية بأرض مصر كانت نذيرًا بزوال الديانة المصرية القديمة)) وفى سبيل نشر المسيحية هدَمَ المسيحيون الكثير من المعابد وأزالوا الكثير من النقوش بحجة أنها (وثنية) ودمّر القديس مكاريوس أحد المعابد ((فكان أنْ تنصر فى ذات اليوم كثير من (الوثنيين) وبعضهم لاذ بالفرار فاحتلّ المسيحيون ديارهم)) وأصبح لفظ (نتر) الذى يدل على الآلهة فى الديانة المصرية ، يعنى فى لغة المسيحيين الأرواح الشريرة. ورغم كل ذلك فإنّ المصريين (حتى الذين اعتنقوا المسيحية) لم يهجروا الديانة المصرية ((فإذا شكا طفل وجعًا فى بطنه كان من يعالجه يفكر فى حورس الطفل وأمه إيزيس)) أما فى أوروبا – رغم انتشار الديانة المسيحية- فقد غدتْ الإلهة المصرية إيزيس ((أم الأشياء والإرادة العليا وملكة الموتى ورئيسة أهل السماء. والعالم بأسره يعبدها)) (ديانة مصر القديمة- مكتبة الأسرة عام 97- ص 1، 193، 206، 462، 468، 483) أما العالم الكبير (رندل كلارك) فكتب ((متى تكلمنا عن مصر القديمة لا نضع فى اعتبارنا دنيا الفلاح التى لا تعرف التغيير. بل نفكر فى عالم الملوك وهو عالم ظلّ محافظـًا على سلامته حتى القرن الثالث الميلادى رغم الغزوات الأجنبية وهيمنة الإغريق السياسية ومن تلاهم من الرومان . ولم يقض عليه وعلى كل مظاهره إلاّ المسيحية. فلا مناص من أنْ نستنتج أنّ الدين كان القلب الذى تنبض به الحضارة المصرية ، فلما توقف أو أستبدل به آخر انهار بناؤها)) (الرمز والأسطورة- هيئة الكتاب المصرية – عام 99- ص 26)
ورغم أنّ المسيحية كانت بداية الهجوم على الديانة المصرية ، فإنّ الديانة المصرية أثــّرتْ فى المسيحية ، من ذلك – كمثال – فإنّ عين حورس المفقودة استردّها الإله تحوت بأنْ تفل فى عين حورس فكتب برستد ((وتلك الطريقة لشفاء العين هى نوع من الطب الشعبى ، تردّدَ ذكره فى تلك الأسطورة ، فنال شهرة وذيوعًا ، ثم تحول إلى آسيا ، وظهر فى كتاب العهد الجديد عند ذكر الحادث الذى صوّر المسيح مستعملا تلك الطريقة نفسها لإبراء الأعمى)) وذكر أنّ الاعتقاد بصعود عيسى إلى السماء كان تأثرًا بما حدث للإله أوزير. وأكثر من ذلك فإنّ الاحتفال بمولد الشمس فى الديانة المصرية انتقل إلى المسيحية ، عندما اندمج مع مولد الامبراطور الرومانى ((وأنّ اتخاذ المسيحيين لذلك العيد الشمسى القديم والاحتفال به يوم 25ديسمبر، يقابل (بالضبط) حلول أوزير محل إله الشمس فى متون الأهرام منذ ثلاثة آلاف سنة قبل ذلك العهد المسيحى)) وذكر أنّ مدينة (أرماجدون) الحصينة كانت ظاهرة للعيان خلال تلال قرية الناصرة. وكانت تـُشرف طوال أزمان حكم القوة على مشاهد الفتح (الغزو) وسفك الدماء التى كانت تقع فى ذلك السهل الواقع أسفل منها ، وهى أزمان كانت أسمى آلهتها آلهة للعنف والتقتيل ، وكانت تبتهج به نفوس أمثال أولئك الأنبياء كالنبى إيليا ، ثمّ قضتْ على ذلك بالتدريج المثل العليا والسلوك الأخلاقى التى جاءتْ من وادى النيل)) (فجر الضمير- أكثر من طبعة- ترجمة سليم حسن – ص 117، 124، 126، 447)
وبعد المسيحية جاء الإسلام فسار على نفس الدرب ، وإذا كان المسيحيون هدموا المعابد وحولوها إلى كنائس ، فقد شربوا من نفس الكأس السامة عندما حول المسلمون الكنائس إلى مساجد . وبينما اشتركتْ الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام) فى العداء للحضارة المصرية ، وخاصة العداء لظاهرة تعدد الآلهة ، التى تؤكد على الإيمان بالتعددية ، مقابل (الأحادية) المنقولة عن الملك الكارثى أخناتون ، فإنّ الأميين المصريين (تحايلوا) فى سبيل استمرار (التعددية) التى أخذتْ عدة أشكال لعلّ أبرزها الاحتفال بمولد الأنبياء والقديسين والأولياء ، وهى الظاهرة المعروفة فى علم الاجتماع بظاهرة الموالد ، التى يتمسك بها شعبنا (مسيحيون ومسلمون) رغم تحريم ذلك الاحتفال ، خاصة من الإسلاميين المتعصبين أبناء الشعبة الثالثة من الديانة العبرية. فإذا أضفنا إلى ظاهرة الموالد باقى المظاهر، مثل صيام بعض المسيحيين فى شهر رمضان ، ومثل رضاعة الطفل المسيحى من أم مسلمة ، ورضاعة الطفل المسلم من أم مسيحية (وهو ما حدث معى شخصيًا – انظر بورتريه للست أم نعناعة على موقع الحوار المتمدن) وظاهرة النذور، حيث تنذر الأم المسيحية نذرًا للسيدة زينب ، وتنذر الأم المسلمة نذرًا للسيدة العذراء ، ومثل صناعة كعك العيد وعليه نقش الشمس رمز الإله (رع) الخ عند ذلك لابد للعقل الحر أنْ يتوقف أمام تلك المظاهر، ويتأمل المشهد الساطع سطوع شمس بؤونه : إنّ الأميين المصريين هم الذين حافظوا على الثقافة القومية ، بتحايلهم على الديانة العبرية بشعبها الثلاث ، بيبنما تخلى المتعلمون المحسوبون على الثقافة السائدة عن القومية المصرية ، ودافعوا عن ثقافة أجنبية بتبنيهم لوهم اسمه (القومية العربية) والدرس المُستفاد هو أنّ الدفاع عن الخصوصية الثقافية أهم الأسلحة الفكرية لتحقيق التقدم ، والعكس صحيح حيث أنّ التفريط فى الخصوصية الثقافية يؤدى إلى التخلف ، كما حدث فى التجربة المصرية ، بعد تبنى النظام الناصرى (القومية العربية) والعداء للقومية المصرية.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
- شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى
- العلاقة بين العروبة والبعث
- الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية
- الإعدام = رصاصة الرحمة
- عودة الروح وعودة الوعى
- مغزى مكافأة أحد كبار الأصوليين
- كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية (2)
- كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية
- الحقوق الإنسانية والإسلام (3)
- الإسلام وحقوق الإنسان (2)
- الإسلام وحقوق الإنسان (1)
- التعصب العرقى والدونية القومية


المزيد.....




- أغنيات وأناشيد وبرامج ترفيهية.. تردد قناة طيور الجنة.. طفولة ...
- -أزالوا العصابة عن عيني فرأيت مدى الإذلال والإهانة-.. شهادات ...
- مقيدون باستمرار ويرتدون حفاضات.. تحقيق لـCNN يكشف ما يجري لف ...
- هامبورغ تفرض -شروطا صارمة- على مظاهرة مرتقبة ينظمها إسلاميون ...
- -تكوين- بمواجهة اتهامات -الإلحاد والفوضى- في مصر
- هجوم حاد على بايدن من منظمات يهودية أميركية
- “ضحك أطفالك” نزل تردد قناة طيور الجنة بيبي الجديد 2024 على ج ...
- قائد الثورة الإسلامية يدلى بصوته في الجولة الثانية للانتخابا ...
- المقاومة الإسلامية في العراق تقصف 6 أهداف حيوية إسرائيلية بص ...
- -أهداف حيوية وموقع عسكري-..-المقاومة الإسلامية بالعراق- تنفذ ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها