أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية















المزيد.....


كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4489 - 2014 / 6 / 21 - 13:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعتقد أنّ الشرفاء من المُبدعين المصريين (فى الرواية والسينما والمسرح والتليفزيون) أجرموا فى حق أنفسهم وفى حق شعبنا ، بتجاهلهم للواقع المُـتفجّر بكل عناصر الدراما ، خاصة وقد توفرتْ لها كل سمات الكوميديا الراقية (كوميديا المواقف) وفى نفس الوقت طافحة بالعبثية (الوقعية) التى لم تخطر على بال كتاب مسرح اللا معقول فى أوروبا.
ومن يقرأ تاريخ مصر بعد كارثة أبيب / يوليو1952 يستطيع بسهولة التوقف (ومشاهدة) العديد من فصول مأساة شعبنا ، رغم أنّ من كتبوا تلك الفصول (الواقعية) كتبوها بقرارتهم العبثية التى هى ترجمة لعبثيتهم بالوطن ، من ذلك الموقف الذى حكاه الضابط عبد اللطيف البغدادى ، إذْ أنّ عبد الناصر بعد هزيمة عام 1956سأل صدقى محمود (رئيس هيئة أركان القوات الجوية) ليه الطيران المصرى ما ردش على الطيران الإسرائيلى ؟ فكانت إجابة صدقى محمود : ((عدم توافر الوقود اللازم للطائرات بمطار غرب القاهرة)) (مذكرات عبد اللطيف البغدادى- المكتب المصرى الحديث- عام 77- ج1- ص 336) فإذا تمّ ربط تلك الواقعة بما حدث من تمويل الحروب الأهلية والمنظمات الدينية الفاشستية و(شماعة) الوقوف مع الشعب الفلسطينى ضد إسرائيل (المزعومة) إلخ هنا تتضح تلك الصورة العبثية فى مسرح الناصرية الواقعى . وعندما يلضم (الباحث) تلك الواقعة بما تلاها من التورط فى اليمن إلى الوصول عند محطة يونيو67 الكارثية ، فإنّ الصورة العبثية (المجنونة) تتضح أكثر، خاصة وأنّ عبد الناصر ملأ الدنيا ضجيجًا وصراخًا عن ضرورة (تدمير إسرائيل) وإلقائها فى البحر. وبعد قراره بسحب قوات الأمم المتحدة ، فكان من الطبيعى أنْ يكون النظام على درجة من الاستعداد لمواجهة موقف إسرائيل ورد فعلها الخ ، ولكن كانت النتيجة عكس ذلك تمامًا ، واكتفى النظام بإسقاط مئات الطائرات (الإسرائيلية) فى اليوم الأول والثانى وفق بيانات هيئة أركان محطة (صوت العرب) بقيادة الجنرال أحمد سعيد الذى كان يعتمد على ما تـُرسله إليه القيادة العسكرية، من ذلك ما قاله عبد الناصر لعبد الحكيم عامر فى اليوم التالى لهزيمة يونيو67حيث طلب منه أنْ ((يُرسل شيئــًا للصحف عن المعركة وأنْ نقول أننا توغلنا فى أرض العدو)) (البغدادى – مصدر سابق- ج2- ص 287) وإذا كان عبد الناصر (بطل العروبة) اكتفى بالخطب العنترية الإنشائية وتسبّب فى خراب مصر أكثر من مرة (تدمير مدن القناة عام56، حرب اليمن ، تمويل ثوار الجزائر، تمويل عصابة الخمينى الفاشستية وتدريبهم فى أنشاص ، وإرسال الجيش المصرى للعراق والتدخل فى الشئون الداخلية لأكثر من بلد عربى إلى كارثة 67) فهل تكون من المبالغة وصف عبد الناصر بأنه ((الرئيس الأراجوز))؟
ومن بين كوارث الناصرية نقل الضباط الأكفاء إلى وزارة الخارجية، وهو ما اعترف به كل من أرّخوا تلك الفترة الحالكة من تاريخ شعبنا ، بما فيهم أ. طارق البشرى. وذكر محمود رياض فى مذكراته أنّ عبد الناصر فى صميم أزمة مايو67 لم ((يكن على بينة من حالة سلاح الطيران المصرى ولا كان قادرًا على سؤال المشير فى هذا الشأن . وفى صميم تلك الأزمة أيضًا طلب المشير من عبد الناصر أنْ ينقل إلى وزارة الخارجية عشرة من قيادات الضباط الذين فوجىء محمود رياض بأسمائهم لمعرفته السابقة بأنهم من القادة الأكفاء وكان فى مقدمة هؤلاء اللواء أحمد إسماعيل الذى قاد حرب 73وقد وافق عبد الناصر على طلب المشير دون اعتراض من محمود رياض . أما أمين هويدى الذى شغل عدة مناصب فى عهد عبد الناصر منها مدير المخابرات فإنه يعترف فى مذكراته ((أنه لم يكن يُخصص من الوقود لأغراض تدريب الطائرات أكثر من 5% من حجم الوقود المخصص للقوات المسلحة)) وذكر معلومة مذهلة أضعها أمام دراويش الناصرية/ العروبية حيث ذكر مأساة عدم تدريب الطيارين المصريين ، وأنّ عددهم كان 150 طيارًا يعملون على 154 طيارة (بعجز 4 طيارين) بينما لدى إسرائيل ألف طيار يعملون على 376طيارة (أى أنّ الاحتياطى بلغ 624طيارًا) (نقلا عن طارق البشرى – الديمقراطية ونظام يوليو52- كتاب الهلال – ديسمبر91- من ص 350- 355) فهل إسرائيل (دولة مزعومة) وفق النص الناصرى / العروبى المُـقــدّس ؟
وأكد جميل مطر (الذى عمل بوزارة الخارجية) نقل الضباط إلى وزارة الخارجية ، وأنّ أغلبهم كانوا من أتباع المشير عامر. ونقل عن مذكرات السفير أحمد حسين الفقى أنّ شمس بدران الذى أصبح وزير الحربية قبل يونيو67، أنّ عبد الناصر كان ينوى تسليمه منصب الرئاسة بعد الهزيمة (كأنّ الوطن شركة خاصة مملوكة لعبد الناصر) وكان شمس فى زيارة للاتحاد السوفيتى وبعد عودته قال لعبد الناصر أنّ الاتحاد السوفيتى معنا ((وأنهم مستعدون لضرب الأسطول السادس الأمريكى)) ولأنّ السفير الفقى كان مع الوفد المرافق لشمس بدران فإنه كتب فى مذكراته أنّ الاتحاد السوفيتى لم يعد بشىء إطلاقــًا فى هذا الشأن وأنّ ((شمس بدران كان مشغولا طوال الوقت بشراء أثاث ولوازم لمنزله)) وكتب السفير أيضًا أنه قدّم تقريرًا لعبد الناصر عن سوء أحوال السفارات المصرية. وأنّ عبد الناصر لم يرد على التقرير واكتفى بالقول ((لأنى وأنا رئيس الجمهورية كنتُ مغلوبًا على أمرى من المشير وعصابته)) (ص185 من كتاب السفير الفقى ، ومن ص16- 19من كتاب جميل مطر- أول الحكاية حكايتى مع الدبلوماسية- كتاب الهلال- إبريل 2002) الرئيس الذى حول المجتمع المصرى إلى معسكر كبير بتعيين اللواءات محافظين ورؤساء مدن وأحياء ورؤساء شركات ، واعتقل كل الخصوم من اليمين إلى اليسار، وكثيرين منهم ماتوا من شدة العذيب ، ذلك الرئيس يقول ((كنتُ مغلوبًا على أمرى من المشير وعصابته)) فهل فى كلامى درجة من التجنى عندما وصفته ب (الرئيس الأراجوز) فهل افتقرتْ مصر فلا يوجد سيناريستْ واحد (واحد فقط) يكون لديه الحب للمعرفة وبالتالى للقراءة ؟ ومع تطبيق قانون (الاحتمالات) وحدث بالفعل أنّ أحدهم قرأ ، فلماذا لم ينفعل بما قرأ ويُترجم ما قرأه فى عمل فنى بديع ، يُمتع الناس ويكشف عن تلك الكنوز التى أفرزها الواقع ؟ خاصة وأنّ السفير الفقى قال لعبد الناصر أنّ أعضاء السفارة بالأرجنتين إما مشغولون بالتجارة وجمع الأرباح وقضاء سهرات حمراء. ولم أجد بينهم أحدًا مشغولا بشئون مصر)) (ص112من كتاب السفير، وص33من كتاب مطر)
وإليك (قارئى) ذالك الفصل الكوميدى الأسود الذى لم يهتم به أحد من المبدعين . أعطى عبد الناصر رسالة لسفيرنا موجّهة إلى (أرتورو يليا) رئيس جمهورية الأرجنتين وأنّ مهة السفير ((إنقاذ مصر من الجوع)) فى ذاك الوقت كان الجيش المصرى مُـتورطـًا فى (بالوعة اليمن) ثمّ ((أدّتْ إجراءات التأميم إلى نتائج متناقضة، إذْ بينما تحقق نشاط أكبر فى قطاع الصناعة وزادتْ العمالة.. حدث فى نفس الوقت تضخم نقدى وانحسار فى الانتاج الزراعى. ونهاية عام 1964 وأوائل عام 65 كانت حاجة مصر إلى مواد غذائية وبخاصة القمح حاجة شديدة ، وكانت الولايات المتحدة تسد الفجوة بين الانتاج المحلى من القمح والحاجة الفعلية إليه بشحنات كبيرة تـُحسب على اتفاقية (المعونة الأمريكية) وتـُسدّد نفقاتها بالجنيه المصرى)) { لاحظ قارئى التناقض بين تعبير (المعونة الأمريكية) وتعبير (تـُسدّد بالجنيه المصرى} ثم تابع أ. مطر قائلا ((المهم أنّ الحالة الاقتصادية فى مصر كانت قد بلغتْ درجة من الحرج استدعتْ تعبئة جهود كثيرة من أجل توفيرالغذاء وبخاصة القمح واللحوم ، ولما كانت الأرجنتين واحدة من أكبر الدول المُصدرة للقمح وللحوم ، لذا اتجهتْ إليها أنظار القيادة المصرية ، بعد إعلان الولايات المتحدة توقف عمليات شحن القمح إلى مصر. وصدرتْ الأوامر إلى البواخر التى كانت متجهة إلى مصر لكى تتوجه إلى موانىء أخرى)) { لم يجتهد أ. مطر ليقول لقارئه ما سبب القرار الأميركى ؟ خاصة أنّ الإدارة الأمريكية هى التى ثـبّـتتْ أقدام ضباط يوليو ليحكموا شعبنا ، هل كان القرار نوع من (شد الأذن) لأسباب لا يعلمها إلاّ المُـقرّبون من السلطة فى البلديْن (مصر وأميركا) وأين دور المؤرخين الذين انشغلوا بالدفاع عن الناصرية والعروبة ؟ ولعلّ ما كتبه د. عاصم الدسوقى (على استحياء) أنّ يُعطى بعض الضوء فى الكشف عن تغير الموقف الأمريكى واتخاذ قرار (شد أذن عبد الناصر) كتب د. الدسوقى ((فى عام 62 اعترف الرئيس الأميركى كيندى بثورة اليمن . وفى ديسمبر من نفس العام حاول أنْ يُقنع السعودية بالأمر الواقع . وكانت القوات المصرية قد بدأتْ فى الانسحاب بناءً على ترتيبات إبريل 63، لكن مقتل كيندى فى نوفمبر63غيّر من كل الترتيبات حيث قام خليفته جونسون الذى كان يُمثل احتكارات البترول بإرسال خطاب للأمير فيصل أبلغه فيه أنّ اليمن يمكن أنْ تكون مصيدة لعبد الناصر. وهكذا بدأ برنامج إطالة الحرب لاستنزاف قوة مصر بعد أنْ كانت التسوية قد تمّتْ فى إبريل 63وكذا التسوية الجديدة فى عام 65وآنذاك كانت الترتيبات تتم لتوريط الجيش المصرى فى مواجهة مع إسرائيل بعد إنهاكه (الحقيقية تدميره) فى اليمن . وهذه أمور معروفة لمن يريد أنْ يستخدم العقل ووثائقها الأمريكية مكشوفة)) (مجلة الهلال- يوليو2002) ورغم هذا الكلام المهم إلاّ أنه لم يرفع الستار بالكامل خاصة وأنه قرأ (الوثائق الأمريكية) وأعتقد أنّ ما لم يقله بشكل مباشر- بينما يمكن استنتاجه من كلامه - أنّ غضب الإدارة الأمريكية من ابنها المدلل عبد الناصر سببه أنّ الأمريكان – فى عهد كيندى – رأوا مجاملة السعودية والسبيل إلى ذلك انسحاب الجيش المصرى من اليمن ، ولكن (زعيم العروبة) فضـّـل تدمير الجيش المصرى فى اليمن ، ليكون القضاء عليه بالكامل فى سيناء يونيو67. ولأنه رفض انسحاب الجيش المصرى من اليمن كانت عملية (شد الأذن) عندما منعتْ أميركا وصول السفن المحملة بالقمح إلى مصر. ذاك هو تفسيرى واجتهادى لعملية (شد أذن) عبد الناصر فى أزمة القمح }
وبالعودة إلى رسالة عبد الناصر لرئيس الأرجنتين وأنّ مهمة السفير المصرى (إنقاذ مصر من المجاعة) هنا تبدأ فصول الكوميديا السوداء ، لأنّ الأرجنتين فى ذاك الوقت كانت قد تعاقدتْ مع الصين على توريد القمح لمدة خمس سنوات. ولأنّ المسئولين فى الأرجنتين اعتذروا للسفارة المصرية ، اضطر المستشار التجارى المصرى إلى كتابة أكثر من تقرير وإرساله إلى رؤسائه لتبليغ رئاسة الجمهورية بحقيقة الموقف والتزام الأرجنتين بالعقد الموقع مع الصين . وقامتْ السفارة المصرية بالأرجنتين بإبلاغ المسئولين فى القاهرة بفشل كل الاتصالات مع المسئولين فى الأرجنتين . ورغم كل ذلك وصلتْ برقية من رئاسة الجمهورية المصرية فى ربيع عام 65. وتلك البرقية وصلتْ عن طريق غير طريق وزارة الخارجية ، وهو ما يعنى درجة أعلى مِنْ الاهتمام أو التكتم الشديد . وكان مضمون البرقية أنّ الوزير الذى كان سفيرًا فى الأرجنتين سيصل بيونس أيرس يوم كذا على متن الطائرة الفلانية. وعلى رأس وفد اقتصادى يضم عددًا من رؤساء مجالس إدارة شركات القطاع العام وموظفين كبار فى وزارات تعمل فى التجارة والتموين والاقتصاد . وحدّدتْ البرقية مهمة الوفد ((بغرض عقد اتفاق تجارى يسمح بتصدير القمح الأرجنتينى إلى مصر)) وكان تعقيب أ. مطر ((عقدنا اجتماعًا فى السفارة. وكنا نعرف جيدًا تفاصيل أوضاع القمح الأرجنتيى . ونعرف أنّ الحكومة الأرجنتينية لا يمكن أنْ تكون قد وافقتْ على استقبال الوفد المصرى ، إذا كان قد تم إبلاغها (من خلال السفارة الأرجنتينية فى القاهرة) بالغرض من الزيارة ، أى شراء القمح. فكرنا فى احتمال أنْ تكون السفارة الأرجنتينية فى القاهرة لم تـُناقش تفاصيل الزيارة مع المسئولين المصريين أو أنها تأخرتْ فى إبلاغ المسئولين فى الأرجنتين . أو ربما اكتفتْ بإبلاغهم أنّ الوفد يسعى لتوثيق العلاقات التجارية بين البلديْن. تداولنا فى أمر الرد على القاهرة بسرعة، أى قبل مغادرة الوفد المصرى للقاهرة وإبلاغ المسئولين المصريين بحقيقة وضع القمح الأرجنتينى ، والتأكيد على أهمية إطلاع الوفد والمسئولين على تقارير المستشار التجارى المصرى وتقارير السفارة. ودارتْ مناقشات طويلة أخذا فى الاعتبار صلاحياتنا وكلنا موظفين صغار الرتب والسن . ورعبنا من الاتصال بشخصية بالغة الأهمية كتلك التى وقعت على البرقية. أو حتى بموظف صغير يعمل فى هذا المكتب الذى وردتْ منه. وأذكر جيدًا كيف أنّ موظفى الخارجية كانوا يرتجفون لسماع اسم هذا الشخص ، وأحيانـًا أسماء جميع من يعملون معه وكان بينهم طابع على الآلة الكاتبة. كان الشعور السائد وقتها أنّ برقية من هذا المكتب أو من هذا الشخص تعنى أنها صادرة بأمر مباشر من الريس)) وأضاف أنه كان من رأيه إرسال برقية للقاهرة بتأجيل سفر الوفد المصرى إلى الأرجنتين حتى يتسنى عمل التمهيد اللازم مع المسئولين فى الأرجنتين . ثم تطورتْ الأحداث بسرعة. فقد حضر السفير الأرجنتينى من مصر وذهب إلى السفارة المصرية فى الأرجنتين وقال إنه تلقى رسالة غامضة من سفارته فى القاهرة. والرسالة لا تـُوضح أهداف الزيارة إلاّ بشكل عام . وأنّ الوفد المصرى يرغب فى تبادل الرأى حول مسار العلاقات التجارية بين البلديْن . ثم فاجأ أعضاء السفارة المصرية بأنْ قال لهم ((أرجو أنْ لا يكون ضمن الموضوعات المطلوب مناقشتها موضوع القمح . فأنتم هنا تعرفون وضع القمح الأرجنتينى ولا شكّ أنّ المسئولين فى مصر يعرفون نفس الوضع من خلالكم ومن خلال السفير نفسه. ثم قال إنّ المسئولين فى الأرجنتين وصلتهم معلومات غير رسمية تـُفيد بأنّ مصر فى حاجة لكميات كبيرة من القمح الأرجنتيى)) أمام هذا التطور لم يعد من الممكن السكوت ، فكان على أعضاء السفارة المصرية فى الأرجنتين إبلاغ المسئولين فى القاهرة ((وأننا قد نتحمّل وزر عدم الإبلاغ قبل مغادرة الوفد المصرى القاهرة إلى الأرجنتين . وانتهينا إلى قرار جماعى بإرسال برقية تحمل مضمونـًا مُخفـّـفـًا جدًا للرسالة الشفوية التى نقلها إلينا أو أبلغنا بها السفير الأرجنتينى . أرسلنا البرقية الرمزية ولم نتلق ردًا. الرد الوحيد – وكان شفويًا – تلقيناه يوم وصول الوفد)) وكانت قمة العبثية / السوداوية أنّ الوزير (رئيس الوفد المصرى) عاتب أ. مطر وقال له ((كيف تبعثون برقية فى شأن لا يخصكم؟)) فردّ عليه ((خشينا أنْ تكون قد نسيتْ أنّّ الأرجنتين لا قمح فيها للتصدير)) فقال له الوزير ((أنت لا تعرف شيئا)) فقال له أنه ((هو شخصيًا وقــّع على التقارير الاقتصادية والسياسية المُرسلة للقاهرة وأكثرها يتحدث عن صفقة القح بين الصين والأرجنتين المعروفة بصفقة القرن)) ولكن الوزير كذبه وأصدر تعليماته بأنه من تلك اللحظة لا دخل للسفارة بهذا الموضوع ولا بالاتصالات التى سيجريها الوفد المصرى مع المسئولين الأرجنتينيين { أعتقد أنه بعد كل التقارير (المصرية) وبعد أنْ أذاعتْ وكالات الأنباء العالمية عن صفقة القرن بين الصين والأرجنتين ، فإنّ وصول الوفد المصرى إلى الأرجنتين ليس له تعبير أدق من الكلمة التى نحتها شعبنا الأمى عن الشخص (الغلس) اللى ما (عندوش ريحة الدم) وهى كلمة (كلاحة) ونتيجة هذه (الكلاحة) تمّ كتابة الفصل الختامى من هذه العبثية / الناصرية / السوداوية. إذْ أنّ حكومة الأرجنتين أبلغتْ الوفد المصرى بتعذر توريد القمح لمصر، فأخذ الوفد المصرى يُلح والحكومة الأرجنتينية تعتذر. ولما تكرر الالحاح ، اضطرتْ حكومة الأرجنتين إلى اتخاذ قرار بإنهاء ضيافة الوفد المصرى . وطلبتْ من السفارة المصرية أنّ المهلة ثلاثة أيام لمغادرة الأرجنتين . كما قرّرتْ سحب السيارات الموضوعة رهن إشارة رئيس الوفد المصرى وأعضائه (جميل مطر- مصدر سابق – أكثر من صفحة)
إنّ قرار حكومة الأرجنتين بإنهاء ضيافة الوفد المصرى هو التعبير المهذب عن الطرد . والعقل الحر عندما يلجأ لأسئلة الأطفال الفطرية يتساءل : هل كلمة (الغباء) تكفى لوصف ما حدث؟ وهل كان زعيم العروبة (عبد الناصر) يتوقع أنّ الأرجنتين ستلغى إتفاقها مع الصين من أجل سواد أو بياض عينيه ؟ ولماذا كان إصرار الوفد امصرى على البقاء فى الأرجنتين والالحاح الذى وصل لدرجة المذلة ثم قرار الطرد المهين؟ (والأرحنتين على حق فى هذا) وكم تحمّـلتْ الخزانة المصرية فى نفقات الوفد الذى يربو على مائة عضو؟ وهل هو الرعب من مقابلة عبد الناصر بعد فشل مهمة (إنقاذ مصر من الجوع) ؟ ولماذا لم يكن البديل هو الاهتمام بزراعة القمح بعد تولى الضباط الحكم فى يوليو52؟ وأيهما كان أولى بالاهتمام : تنمية الزراعة المصرية للوصول إلى مرحلة (الاعتماد على الذات) فى الغذاء ، أم تبديد موارد مصر على العرب (العراق، سوريا، فلسطين، الجزاير، اليمن الخ) ؟ تلك الأسئلة التى يطرحها العقل الطفولى ببراءته الساذجة ، مادة سخية عند معالجتها دراميًا من واقع تفاصيل ملهاة / مأساة تسول القمح من الأرجنتين ، و(غلاسة) الوفد المصرى المرعوب من عبد الناصر، وهو ما أسفر عنه الوزير (رئيس الوفد) الذى عاتب جميل مطر وقال له ((كيف تبعثون ببرقية فى شأن لا يخصكم)) فى حين كان المفروض (لو الوزير مثل الوزراء المحترمين فى الأنظمة المحترمة) أنْ يشكر أعضاء السفارة المصرية الذين حرصوا على (حفظ ماء وجه) الوفد المصرى ، ولكن عقلية رئيس الوفد كانت سجينة ما قد يحدث له من بطل العروبة بعد فشل مهمته ، وهل يضعه فى المعتقل أم يكتفى بعزله مع استخدام أقصى مبادىء الرأفة؟
000
ثم نأتى لفصل آخر من تلك الكوميديا / السوداء / العبثية. فالمعروف أنّ خطب عبد الناصر كانت تـُذاع على الهواء مباشرة وتنقلها وكالات الأنباء . ولكن العبثية الناصرية كان لها رأى آخر. حيث كانت تعليمات الرئاسة لوزارة الخارجية التنبيه على كل السفارات المصرية أنّ خطب الزعيم وتصريحاته الصحفية يتم إرسالها لسفارتنا (مُـشفــّرة) ثم يتم فك الشفرة فى السفارات ، وعن تجربته الشخصية كتب أ. مطر ((سيُشفق القارىء على صغار الدبلوماسيين أبناء ذلك الزمن عندما يعرف أنهم كانوا يقضون عشر ساعات على الأقل لتشفير خطب الرئيس فى مقر الوزارة بالقاهرة ، ثم يقضى زملاء لهم فى الخارج عشرين ساعة أخرى لحلها. ولم يستفسر أحد عن (الحكمة) من تشفير الخطب المنشورة على صفحات الصحف. رغم ما كان يُمثله هذا الإجراء من خرق واضح لأبسط قواع التشفير ولأمن الدولة وسرية مخابراتها واتصالاتها الخارجية ، إذْ أنه بتجارب قليلة على هذه الرسائل كان يمكن لأى جهة أجنبية كسر الشفرة المصرية)) وتلك العبثية/ الناصرية لم تكتف بتشفير خطب زعيم العروبة، وإنما امتدتْ لتشمل مقالات الصحابى الأول (هيكل) لنبى العروبة (عبد الناصر) وتلك الكوميديا السوداء حكاها أ. مطر فكتب ((كانت تصلنا قرب نهاية كل أسبوع برقية طولها دون مبالغة متران أو أكثر. وكانت مُشفرة. وكان المؤلم أننا نعرف أنها النص الرمزى لمقال أسبوعى تنشره بانتظام إحدى الجرائد المصرية. وكان معظم الدبلوماسيين المصريين يتبادلون فى رسائلهم الشكوى من إصرار المسئولين فى القاهرة على تشفير المقال . خاصة وأننا كنا نتعامل مع آلة يدوية بالغة التعقيد والانهاك. وأنّ كل برقية كانت تحتاج إلى ست أو سبع ساعات لفك شفرتها. البعض كان يُهملها ولكن الأغلبية كانت تخشى أنْ تنتهى البرقية إلى موضوع آخر غير نص المقال)) (جميل مطر- مصدر سابق- ص 61، 177، 178) ورغم أنّ أ. مطر لم يذكر اسم الصحفى (الكبير) و(المقدس) لدى غالبية الناصريين والعروبيين والماركسيين فإنّ اسمه معروف لأصغر باحث ، فمن غيره تكون رأسه برأس زعيم العروبة ؟ وكيف يتم تشفير خطب عبد الناصر ولا يتم تشفير مقالات هيكل الأسبوعية فى (أهرامه)؟ تحت العنوان الثابت الذى لا علاقة له ب (الصراحة)
هل كان يخطر على بال كافكا الذى جسّد الواقع الكابوسى فى أعماله أو صمويل بيكبت الذى كتب المسرحية الشهيرة (فى انتظار جودو) أو يوجين يونسكو مؤلف مسرحيات الكراسى والمغنية الصلعاء والخرتيت إلى آخر كتاب مسرح العبث أو مسرح اللامعقول ، أو فرناندو أرابال الذى أخرج سبعة أفلام وكتب العديد من الروايات تم ترجمتها لأكثر من لغة. وتحدى الدكتاتور فرانكو فى خطابه الشهير إليه فحكم عليه بالسجن عام 1967، هل كان يخطر على بال أحدهم أنّ الواقع المصرى / الناصرى فاق كل ما جسّدوه عن أهوال الحرب العالمية الثانية. وإذا كانوا قد أبدعوا فنـًا ترجم عبثية الحرب وضحاياها من جنود ومدنيين ، فلماذا لم تـُنجب مصر مبدعًا واحدًا (واحدًا فقط) جسّد كوميديا الناصرية / السوداء/ العبثية ؟



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقوق الإنسانية والإسلام (3)
- الإسلام وحقوق الإنسان (2)
- الإسلام وحقوق الإنسان (1)
- التعصب العرقى والدونية القومية
- الشعر والثقافة العربية / الإسلامية
- عبد الوهاب المسيرى والمدرسة الناصرية / العروبية
- المعيار العلمى للهوية الثقافية
- حدود العلاقة بين التراث والإبداع
- الدين والحياة
- الديانة العبرية ومعتقدات الشعوب القديمة
- الديانة العبرية وأساطير بعض الشعوب (3)
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (2)
- حق الأقليات الثقافية فى الدفاع عن خصوصياتها
- الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)
- معوقات الحداثة المصرية
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية


المزيد.....




- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...
- -تصريح الدخول إلى الجنة-.. سائق التاكسي السابق والقتل المغلف ...
- سيون أسيدون.. يهودي مغربي حلم بالانضمام للمقاومة ووهب حياته ...
- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى في ثاني أيام الفصح اليهودي
- المقاومة الإسلامية في لبنان .. 200 يوم من الصمود والبطولة إس ...
- الأرجنتين تطالب الإنتربول بتوقيف وزير إيراني بتهمة ضلوعه بتف ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - كوميديا / سوداوية / عبثية / واقعية