أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)















المزيد.....

صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4469 - 2014 / 5 / 31 - 21:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


من بين المتعلمين الكبار الذين حرصتْ الميديا المصرية على تلميعهم (سواء بتعليمات صريحة أو ضمنية من السلطة الحاكمة، أو مبادرة تلقائية من الميديا تـُقدمها هدية لسلطة الحكم) يبرز اسم د. محمد عمارة الذى فتحتْ له الميديا صفحات صحفها وقنواتها ، فيكتب فى واحدة من أعرق الصحف المصرية (الأهرام) كما تـُخصّص له صحيفة حكومية أخرى (القاهرة) وتصدر عن وزارة الثقافة المصرية عمودًا ثابتـًا. وأيام مبارك كنتُ أسمع من البعض أنّ د. عمارة وأمثاله يتم فرضهم على الصحف بمعرفة مباحث أمن الدولة. وبعد يناير2011والقبض على مبارك وبعض رموز عصابته ، استمر د. عمارة فى مواقعه (الحكومية) العديدة ، فكان عقلى الطفولى بسذاجته الفطرية يسأل سؤال الأطفال المُـتشوقين للمعرفة ولديهم الشغف الفطرى بحب السؤال : إذا كانت المباحث (الأداة القمعية للنظام البوليسى) هى التى كانت تـُعين رؤساء تحرير الصحف والمجلات ورؤساء الأقسام وفرض بعض الكــُتاب الخ فلماذا استمر الوضع بعد يناير 2011؟ خاصة أنّ شعار البسطاء (غير المُسيّسين) كان ((دولة مدنية.. لا عسكرية ولا دينية)) وإذا أخذنا د. عمارة نموذجًا للأصوليين الداعين للدولة الدينية ، تبدو المفارقة الدامية : فالرجل لا يُخفى توجهه. وصريح مع نفسه لدرجة المباشرة المفضوحة ، فى عدائه لغير المسلمين ، سواء فى كتبه أو فى مقالاته. وتاريخه معروف من زمن طويل ، فبعد خروجه من معتقلات عبد الناصر، حيث كان ضمن الشيوعيين المعتقلين ، راجع نفسه فانتقل من صفوف اليسار إلى صفوف الأصوليين الحالمين بعودة الزمن وتراجعه لعصر النبوة الإسلامية ، كبديل للعصر (الجاهلى الحديث) كما أنّ د. عمارة لم يُحاول ارتداء أية أقنعة فى عدائه لغير المسلمين فقال فى مباشرة فجة ((على الأقلية المسيحية أنْ تخضع لمشروع الأغلبية المسلمة أى مشروع الدولة المسلمة)) (نقلا عن د. رفعت السعيد – الأهالى 6/7/94)
وكيف لا يعلم رؤساء تحرير الصحف الذين يستكتبونه تاريخه (وتلك من البديهيات فى وظيفة أى رئيس تحرير) من أمثلة ذلك موقف د. عمارة فى المناظرة الشهيرة فى معرض الكتاب عام92 حيث قال ((لقد صار الحكم فى أمتنا على مدى 13قرنـًا بالشريعة الإسلامية. ثم حدث الاختراق الغربى وزاحم القانون الغربى شريعتنا فى عهود الاستعمار. وأصبح القانون الوضعى وصمة استعمارية فى حياتنا)) وإذا كانت المناظرة بين فريقيْن : فريق دافع عن الدولة الليبرالية الصريحة (فرج فوده ومحمد أحمد خلف الله) وفريق دافع عن الدولة الدينية من بينهم د. عمارة الذى قال ((بديل الدولة الدينية دولة لا دينية)) (تفاصيل الندوة فى مجلة المصور 17/1/92) فهل توجد فجاجة أكثر من ذلك وهو يُخوف شعبنا من ناحية ، ويتملق أتباعه من ناحية ثانية ؟ ولأنّ الرجل صريح مع نفسه فقد تخلــّص من اللعب بالألفاظ وأعلن فى محاضرة بجامعة عين شمس عن ضرورة قيام الدولة الدينية فى مصر (مجلة المصور25/3/94) فهل رؤساء تحريرالصحف الذين يستكتبونه (جهلاء) بتاريخ الرجل؟ خاصة وأنّ (جهلم الافتراضى) يمتد إلى كتبه مثل كتابه (الإسلام والسياسة: الرد على شبهات العلمانيين) وبالطبع فإنّ العنوان – كما يقول شعبنا بعبقريته الفذة – (الجواب بيبان من عنوانه) وكتابه (الإسلام والتعددية) ومن العنوان تتضح المُـغالطة- وهوالدارس لأصول الإسلام- حيث المصدر الأول (القرآن) لا يعترف بالتعددية ويُفرّق بين المرأة والرجل ، وبين (الحر) و(العبد) وبين المسلمين وغير المسلمين وبين (المؤمنين) و(الكفار) وكتابه (جمال الدين الأفغانى : موقظ الشرق وفيلسوف الإسلام) وهو كتاب يدخل ضمن مئات الكتب التى روّجتْ لجمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى مؤسس الأصولية الإسلامية فى القرن19، والذى كان يُروّج للمقولة الزائفة (الرابطة الدينية) ليهدم بها الرابطة الحقيقة (الانتماء الوطنى) فهو مثلا يُطالب المسلمين أنْ ((يعتصموا بحبال الرابطة الدينية التى هى أحكم رابطة اجتمع فيها التركى بالعربى والفارسى بالهندى والمصرى بالمغربى وقامتْ لهم مقام الرابطة الجنسية)) (العروة الوثقى 24/8/1884) وكتب أيضًا ((لا جنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) وكرّر ذات المعنى فكتب ((وعلمنا وعلم العقلاء أجمعين أنّ المسلمين لا يعرفون لهم جنسية إلاّ فى دينهم واعتقادهم)) (العروة الوثقى 14/8/1884) أما أخطر ما روج له فهو محاولة اقناع الشعوب بالاحتلال الأجنبى وعدم مقاومة الغزاة تأسيسًا على قاعدة (الرابطة الدينية الإسلامية) فكتب ((هذا ما أرشدنا إليه سير المسلمين من يوم نشأة دينهم إلى الآن . لا يتقـيّـدون برابطة الشعوب وعصبيات الأجناس . وإنما ينظرون إلى جامعة الدين . لهذا نرى المغربى لا ينفر من سلطة التركى . والفارسى يقبل سيادة العربى . والهندى يذعن لرياسة الأفغانى . لا اشمئزاز عند أحد منهم ولا انقباض . وأنّ المسلم فى تبدل حكوماته لا يأنف ولا يستنكر ما يُـفرض عليه من أشكالها وانتقالها ما دام صاحب الحكم حافظــًا لشأن الشريعة)) (العروة الوثقى 28/8/1884)
ولأنه لا يمل من الدعاية للإيرانى (الذى تنصل من جنسيته الأصلية) الشهير بالأفغانى وفى نفس الوقت لا يحتمل الاختلاف مع أى نقد لشخصية (الأفغانى المقدسة) لذلك أصدر كتابه (جمال الدين الأفغانى بين حقائق التاريخ وأكاذيب لويس عوض) شنّ فيه هجومًا حادًا على د. لويس عوض واتهمه بأنه تنقصه الأمانة العلمية. وهى الاتهامات التى شاركه فيها الناقد اليسارى فاروق عبد القادر فى كتابه (أوراق أخرى من الرماد والجمر- مؤسسة العروبة للطباعة والنشر عام90) وردّد كلام د. عمارة واعترف بأنّ مرجعه الأساسى د. عمارة فى دراسة له بعنوان (جمال الدين الأفغانى المُـفترى عليه) وأنّ لويس عوض اتهم الأفغانى بعدة تهم مثل الإلحاد والزندقة الخ . بينما لويس عوض نقل للقارىء الظروف والملابسات التى جعلتْ كثيرين من المعاصرين للأفغانى يتهمونه بالإلحاد والزندقة. من ذلك المحاضرة التى ألقاها الأفغانى فى الجامعة الجديدة (دار الفنون) بتركيا . فأشاع شيخ الإسلام حسن أفندى فهمى أنّ ((الشيخ جمال الدين زعم أنّ النبوة صنعة. ثم أوعز إلى الوعاظ فى المساجد أنْ يذكروا ذلك محفوفـًا بالتفنيد والتنديد . فاهتم السيد جمال الدين للمدافعة عن نفسه واثبات براءته مما رُمى به. ورأى أنّ ذلك لا يكون إلاّ بمحاكمة شيخ الإسلام)) هذا ما كتبه لويس عوض نقلا عن رشيد رضا (تاريخ الأستاذ الإمام محمد عبده) وفى كتاب خليل فوزى أنّ لجنة من علماء الدين تشكلتْ فعلا للرد على زندقة الأفغانى . والنتيجة التى وصل إليها خليل فوزى أنّ الأفغانى مرتد وإذا لم يُعلن توبته فقد حقّ قتله)) كما اعتمد لويس عوض على مذكرات الشيخ محمد عبده التى نشرها طاهر الطناحى عام 1963وفى هذه المذكرات قال محمد عبده أنه درس العلوم العقلية التى كانت تـُسمى يومئذ بالعلوم الحكمية وهى الرياضيات والفلسفة وعلم الكلام على يد الأفغانى فأخذ مشايخ الأزهر والجمهور من طلبته يتقولون عليه وعلينا ويزعمون أنّ تلقى تلك العلوم قد يفضى إلى زعزعة العقيدة الصحيحة وقد يهوى بالنفس فى ضلالات تحرمها خير الدنيا والآخرة (هذا نص كلام الشيخ محمد عبده) أما إبراهيم الهلباوى المحامى الشهير فكتب فى مجلة الهلال- ديسمبر39 أنه ((تعلــّم مما سمعه من أساتذته فى الأزهر أنْ يُبغض الأفغانى على غير معرفة ، بوصفه ملحدًا جاء إلى مصر ليؤسس حزبًا يُبشر بالإلحاد بين المصريين)) أما سليم العنحورى، وكان من مريدى الأفغانى فكتب فى شرح ديوان (سحر هاروت) أنّ جمال الدين عندما كان فى الهند فقد ((برز فى علم الأديان حتى أفضى به ذلك إلى الإلحاد والقول بقِدم العالم))
أما عبد الله النديم فكتب عن الذين شاركوه دعوة التحرير قبل الثورة العرابية ((وكان قد سبقنى إلى تشجيع الخائفين الشيخ جمال الدين ، فإنه ألــّف حزبًا من الشبان وجمع إليه بعضًا من الأعيان . وبثّ فيهم روح الغيرة الوطنية. وملأ أذانهم بالمفاخر الشرقية. غير أنه كان يستعمل وجهة خصوصية. ومزج بالاعتقاد ما وجّه إليه الانتقاد . ثم عدل بهم عن أنديته الأدبية إلى المحافل الماسونية. فحقد عليه البعض . ثم اشتهر بعض تلامذته بفساد العقيدة ومعارضة الدين معارضة شديدة . فانحرف عنه كثير من المؤمنين))
أى أنّ صفتىْ الزندقة والإلحاد أطلقهما معاصرو الأفغانى عليه ومنهم بعض مريديه. ولم يكن هدف لويس عوض إلصاق هاتيْن الصفتيْن بالأفغانى ، فهو أرفع من استخدام لغة الأصوليين، وإنما كان هدفه وضع السياق التاريخى أمام القارىء لمُجمل الظروف التى تخلقتْ فيها هاتان الصفتان والأشخاص الذين أطلقوهما على الأفغانى . ثم مناقشة هذا السياق : هل كان الأفغانى زنديقــًا وملحدًا فعلا ؟ وإذا كانت كتاباته (خصوصًا فى رسالته الرد على الدهريين ومرحلة العروة الوثقى فى باريس) ومواقفه تـُشير بوضوح إلى نزعة أصولية ، جاهر فيها بالخلافة العثمانية والدفاع عن تطبيق الشريعة الإسلامية الخ فكيف كان اتهامه بالزندقة والإلحاد؟ وهل كان إلحاده (كما زعم معاصروه) على أسس فلسفية اقتنع بها ودافع عنها بشكل مبدئى أم أنّ هناك خطأ وقع فيه معاصروه، مثل انضمامه إلى العديد من المحافل الماسونية؟ كل هذه الأسئلة وغيرها استنبطها لويس عوض من مُجمل ما قرأه عن الأفغانى ووضعها أمام القارىء فى تصاعد درامى يُساعد على فهم سلوك تلك الشخصية (انظر كتابه " تاريخ الفكر المصرى الحديث من عصر إسماعيل إلى ثورة 19- المبحث الثانى - الفكر السياسى والاجتماعى - مكتبة مدبولى - عام 86) فهل نـُـقدر له هذا الجهد (مع حق الاختلاف بشرط الموضوعية) أم نرجمه لأنه احترم عقل القارىء ورفض أنْ يكون نسخة كربونية مختومة بختم الثقافة المصرية السائدة أمثال د. عمارة وفاروق عبد القادر؟
وإذا كان الأصوليون تشككوا فى مصادر لويس عوض ، فهل يتشككون فى كلام أصولى عتيد مثلهم (د. عبد الوهاب المسيرى) الذى كتب ((كانت الماسونية فى القرن 18حركة إيمانية ربوية. ولكنها كانت تحوى داخلها كل معالم التفكير الإلحادى الذى أسقط الإله تماما . وكانت عقلانية ذات رموز صوفية. وتضم أفكارًا عالمية ومحلية. وربما جعلتها هذه الصيغة الإسفنجية تـُحقق هذا النجاح الباهر. فهى تستخدم ديباجات دينية ضبابية لتحقيق أهداف إلحادية)) هذا هو الموقف الفكرى للماسونية فى القرن18، أما موقفها فى القرن19فقد ((ظهرتْ الماسونية الثانية التى تتخذ موقف إلحاديًا أكثر صراحة. فقرّر محفل الشرق الأعظم فى فرنسا عام 1877 استبعاد أى بقايا إيمانية من الفكر الماسونى)) وهذه هى الفترة التى انضم فيها الأفغانى للماسونية. ولكن هل كان انضمامه عن اقتناع بأهدافها الفلسفية والإنسانية أم لأهداف سياسية ؟ أضاف د. المسيرى ((ولكن الماسونية البريطانية لم تكن هى الماسونية الوحيدة التى انتشرتْ فى المستعمرات. إذْ أنّ الصراع الامبريالى على العالم انعكس من خلال صراع بين الحركات والمحافل الماسونية. فكان كل محفل ماسونى يخدم مصلحة بلده . ويبدو أنّ بعض الشخصيات المهمة فى العالم العربى أرادتْ أنْ تستفيد من هذا الصراع ، خصوصًا أنّ أعضاء هذه المحافل كانوا من الأجانب ذوى الحقوق والامتيازات الخاصة المقصورة عليهم ، فكان الدعاة المحليون ينخرطون فى هذه المحافل بغية توظيفها فى خدمة أهدافهم. وحتى يتمتعوا بالمزايا الممنوحة لهم وكان من بين هؤلاء الأفغانى والشيخ محمد عبده والأمير عبد القادر الجزائرى)) (الجمعيات السرية فى العالم - كتاب الهلال - نوفمبر93- من ص 99- 103)
وبشهادة هذا الأصولى (د. عبد الوهاب المسيرى) تسقط الاتهامات التى وجّهها د. عمارة (الأصولى) وردّدها فاروق عبد القادر (اليسارى) ضد لويس عوض ويحق لى استخدام عنوان دراسة د. عمارة (الأفغانى المُـفترى عليه) مع التعديل لتكون (لويس عوض المُـفترى عليه)
ود. عمارة يُعتبر أعجوبة من أعاجيب الميديا المصرية. فهو لا يزال يتمتـّع بحق الانتشار فى صحف ومجلات وفضائيات الحكومة المصرية بعد يناير2011. فما سر هذا الانتشار؟ خاصة والرجل لا يُخفى أصوليته المعادية للحداثة ولغير المسلمين . بل إنه رغم هذا الانتشار الحكومى أعلن صراحة موقفه المؤيد للإخوان المسلمين وللرئيس الجاسوس (محمد مرسى) واعتبر أنّ مظاهرات 30يونيو2013وما ترتب عليها من عزل مرسى ((باطلة وانقلاب على الشرعية)) (كما قالتْ الإدارة الأمريكية بالضبط) وعلى موقع You TUBE قال ((إنّ الجيش المصرى أول المُـتضررين من الانقلاب على الشرعية)) وأكثر من ذلك أنه زايد على الأصوليين أمثاله فقال إنّ ((حضور يونس مخيون رئيس حزب النور (الاسم الحركى لحزب الضلمه) لبيان عزل مرسى ((خطيئة كبرى)) وعلى موقع (صيد الفوائد) إشراف سليمان صالح الخراشى قال ((الإسلام هو الدين الوحيد الذى تـُناقض مصادره الأصلية أسس النصرانية (= المسيحية) والنظام الإسلامى هو أكثر النظم الدينية المُـتناسقة اجتماعيًا وسياسيًا وأنه حركة دينية مُعادية للنصرانية. وأنّ المسلمين فى الغرب يفتقدون الدعم الذى تـُوفره المجتمعات الإسلامية. ويعيشون نمطــًا مختلفـًا فى ظل العلمانية والحياة المادية)) وبالطبع فإنّ عقل سيادته الأصولى غاب عنه طرح هذا السؤال الطفولى الساذج البريىء : إذا كان الأمر كذلك فلماذا يتمسكون بالعيش فى (دول أوروبا الكافرة) ؟ أليستْ (الدول الإسلامية) أولى بهم طالما أنها ستوفر لهم (الدعم) والمعيشة بعيدًا عن العلمانية والحياة المادية ؟ وصحيفة القاهرة (الحكومية) تمنحه مساحة دائمة ليُهاجم الحداثة ويُكرّر دفاعه عن الأصوليين من الأفغانى حتى أصغر أصولى فى وقتنا الراهن البائس . أما صحيفة الأهرام (الحكومية/ القومية) فهى الأخرى تسمح له بالكتابة المُـنتظمة ليُهاجم الليبرالية بكل آلياتها التى رفعتْ من شأن الشعوب المُحترمة (أنظر- على سبيل المثال بالطبع – مقاله المُعنون " عندما يُصبح التنوير تزويرًا " أهرام 2/1/2014) ومضمون المقال تشويه لكل حركات التنوير، ليخرج القارىء بالرسالة التى يُريدها الكاتب وهى استمرار آليات العصور الوسطى بعيدًا عن آليات العصر الحديث ، ومنها الليبرالية التى كانت التجلى لدور حركات التنوير التى قادها الفلاسفة الأوروبيون . أما الهدف النهائى فهو إقامة ما يُسمى (الدولة الإسلامية) التى لا تعترف بحق (المواطنة) وتعتبر المسيحيين (أهل كتاب) عليهم أداء فريضة (الجزية) المنصوص عليها فى القرآن ، رغم أنّ د. عمارة ذكر فى كتابه (الخلافة ونشأة الأحزاب السياسية) أنّ المسيحيين الذين أسلموا ظلوا يدفعون الجزية. ووفقــًا لنص كلامه ((كان الأمويون يأخذون الجزية ممن أسلم باستثناء فترة عمر بن عبد العزبز. وأنّ عامل الخراج اشتكى من قلة حصيلة الجزية. وقال ((إنّ الخراج انكسر)) وقال بعضهم كيف تأخذ الخراج من الناس وقد صاروا كلهم عربًا ؟ وكان تعليق د عمارة ((كان الإسلام والعروبة فى نظرهم شيئـًا واحدًا)) وأنّ أحد الولاة قال إنّ ((فى الخراج قوة للمسلمين . وقد بلغنى أنّ أهل السغد وأشباههم لم يسلموا رغبة وإنما دخلوا فى الإسلام تعوذا من الجزية)) (كتاب الهلال - مايو83- ص201)
أما آخر فانتازيا الكابوس الكافكاوى الذى يرفض المبدعون الاقتراب منه ، فإنّ تاريخ د. عمارة الأصولى لم يشفع له عند أصوليين أمثاله. والواقعة لخصّها د. عمارة فكتب ((عندما نشر حكيمنا محمد الغزالى (لاحظ لغة التمجيد) كتابه (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) نشر أدعياء السلفية ضده أربعة عشر كتابًا اتفقتْ جميعها على أنّ أولى التهم المُوجّهة إلى الشيخ هى (العقل والعقلانية) وكان نصيب كاتب هذه السطور من هؤلاء الأدعياء عدة كتب لنفس السبب (العقل والعقلانية) منها كتاب بلغتْ صفحاته 710بعنوان (محمد عمارة فى ميزان أهل السنة والجماعة- دراسة سلفية لكتبه ومقالاته) وكتاب آخر بعنوان (العقلانية غواية أم هداية) كذلك أفرد أدعياء السلفية العديد من الكتب للتهجم على علماء العصر ومفكريه لا لشيىء إلاّ لأنهم عقلانيون ينتمون إلى المدرسة العقلية)) (صحيفة القاهرة 27مايو2014)
لما قراتُ مقال د. عمارة كدتُ أفطس على روحى من شدة الضحك . فتلك هى مفارقات الكوميديا الراقية التى يتجاهلها المبدعون المصريون : د. عمارة الأصولى الذى (يُجاهد) لعودة عقارب الزمن إلى عصر النبوة الذى مضى عليه أكثر من 14قرنـًا و(يُجاهد) لإقناع شعبنا بهذا التوجه (اللاعقلانى) يتهمه أصوليون مثله ب (العقل والعقلانية) خاصة وأنه ذكر فى نفس المقال (كنوع من الدفاع عن نفسه) أنّ الحديث عن دين بلا عقل أو عقل بلا دين هو أثر من آثار الغزو الفكرى الذى جاءنا فى ركاب الاستعمار الحديث ونقل إلينا مشكلات هى من خصوصيات الحضارة الغربية)) إلى أنْ قال ((استقر فى تراثنا الإسلامى أنّ العقل هو أصل الدين كما جاء فى الحديث النبوى الشريف وأنه هو الأساس الذى يقوم عليه بناء الدين)) أما الهدف من هذا العقل لأنه ((هو الطريق إلى معرفة الله سبحانه وتعالى)) هذه هى مهمة (العقل) الإسلامى (معرفة الله) فى حين أنّ مدارس فقهية عديدة تؤكد على أنّ ((معرفة الله تكون بالقلب ولا تكون بالعقل)) وكيف يكون استخدام العقل مع تحريم أهم خاصية تميّز بها الإنسان ، أى خاصية الشغف الفطرى لطرح الأسئلة وهو ما نهى عنه القرآن صراحة فقال ((يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إنْ تـُبْدَ لكم تسوءكم)) (المائدة/101) ورغم أنّ د. عمارة قرأ القرآن الذى يستشهد به كثيرًا فى كل كتاباته ، فإنه يتجاهل تحريم القرآن للسؤال ويُصر على أنّ العقل أصل الدين الإسلامى . فـمتى يظهر كافكا المصرى ؟ ليُبدع فنــًا راقيًا عن تلك العبثية المأساوية.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية
- المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
- الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
- الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
- رد على الأستاذ يحيى توتى
- تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
- الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (3)
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (2)
- ماذا فعل صحابة محمد ببعضهم البعض ؟
- مجابهة الأصولية الإسلامية (2)
- مجابهة الأصولية الإسلامية (1)
- شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته
- العداء الإسلامى/ العروبى للقومية المصرية
- الفرق بين (الجهل) و(الأمية)
- المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف
- قتل الفلاسفة بين المُحرّض والمُُنفذ


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)