أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الُمُتنبى بين الشعر والنفاق















المزيد.....

الُمُتنبى بين الشعر والنفاق


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4459 - 2014 / 5 / 21 - 00:54
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


المُـتنبى بين الشعر والنفاق
طلعت رضوان
روّج المُـتعلمون المصريون المحسوبون على الثقافة المصرية السائدة والبائسة ، لمقولة أنّ أبو الطيب أحمد بن الحسين المُـتنبى (915- 965) هو ((أشعر شعراء العرب)) وكنتُ فى شبابى – وما زلتُ بعد أنْ تعديتُ السبعين – أستسلم لسذاجتى الطفولية ، فصدقتُ ما كتبه العروبيون سواء فى قصائد عنه ، أو فى مقالات ودراسات ، بل وفى رسائل جامعية (ماجستير ودكتوراه) وكل تلك (الكتابات) عبارة عن (قصائد مديح) فى هذا (الشاعر الكبير) فكنتُ أشعر أننى أقرأ كتابة أقرب إلى (موضوعات التعبير) التى يتعلــّم فيها تلاميذ المرحلة الإعدادية التدريب على كتابة (الإنشا) كتمهيد للتدريب على كتابة (المقال) إلى أنْ عرفتُ أنّ أبناءنا فى المدارس يُفرض عليهم بعض النماذج من أشعار المُـتنبى ، ثم كانت صدمتى النفسية والعقلية ، عندما عرفتُ أنه مُــقرّر عليهم حفظ هذا البيت الشهير ((لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه / إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) وذلك ضمن القصيدة التى يقول فى فيها ((عيد بأية حال عدتَ يا عيد / بما مضى أم لأمر فيك تجديد/ جود الرجال من الأيدى وجودهم/ من اللسان فلا كانوا ولا الجود / لا تشتر العبد إلاّ والعصا معه / أنّ العبيد لأنجاس مناكيد / من علــّم الأسود المخصى مكرمة / أقوامه البيض أم آباؤه الصيد / أكلما اغتال عبد السوء سيده / أو خانه فله فى مصر تمهيد / صار الخصى إمام الآبقين بها / فالحر مستعبدٌ والعبد معبود / العبد ليس لحر صالح باخ / لو أنه فى ثياب الخز مولود / ما كنت أحسبنى أحيا إلى زمن / يسىء بى فيه كلب وهو محمود))
عندما قرأتُ تلك القصيدة خاصمتنى سذاجتى الطفولية وهاجرتنى ، فحرصتُ على تجميع كل ما عثرتُ عليه من أشعار ((أشعر شعراء العرب فى عصره)) فلما قرأتُ ، نشط عقلى (بعد أنْ تخلــّص) من سذاجتى الطفولية ، وبدأ (عقلى) يسأل : هل (المُـتنبى) هذا شاعر؟ وهل الشاعر هو من يمتلك موهبة نظم الشعر؟ أم أنّ الشاعر (بحق وحقيق) كما يقول شعبنا المصرى فى تجلياته وأهازيجه ، هو صاحب الضمير الحى والعقل الحر؟ وبدأتُ أطبق تلك القاعدة على (أشعار) المُـتنبى. فلو أنه – فى القصيدة المذكورة بعاليه- ينتقد الحاكم (كافور) فهذا حقه. أما أنْ يصل فى هجائه (الباب الأول من ديوان الشعر العربى) لدرجة معايرته بأصله عندما كان عبدًا حبشيًا اشتراه الإخشيد فصار مملوكــًا له ثم عيّنه على ولاية حكم مصر. وإذا كان كافور أحد الحكام المُستبدين ، فهل مهمة (الشاعر) معايرته بالعبودية ، أم (نقد) سياسته ؟ ألم يفعل الأستاذ المقدس (محمد حسنين هيكل) نفس الشىء فى كتابه (خريف الغضب) عندما عاير السادات بأمه وبأصلها المتواضع وسواد بشرتها وهو ما أغضب المثقفين السودانيين الذين قرأوا كتاب هيكل ، فكتب أحدهم أنّ ما كتبه هيكل ((إهانة للشعب السودانى وتكريس للعنصرية)) كما أنّ المُـتنبى لم يكتف بذلك وإنما بالغ فى هجائه ليشمل كل إنسان وقع ضحية ظروف اجتماعية وسياسية ظالمة فتمّ تصنيفهم على أنهم (عبيد) وهو ما فعله المُـتنبى وعمّمه على كل (العبيد) فى قوله ((إنّ العبيد لأنجاس مناكيد)) فهل هى آفة (القافية) فى الشعر العربى ، أم هو الموقف اللاإنسانى ضد البشر (العبيد)؟ ويستمر فى الهجاء فيُذكــّر (كافور) بلونه الأسود وبأنه (مخصى) وأنّ (العبد) ليس مثل (الحر) ثم هو (كافور) مثل (الكلب) طبعًا مع تقديرى لتلك الكائنات الحية التى انتخبتها الطبيعة وعُرفتْ فى اللغة العربية ب (الكلاب)
000
وُلد المـُتنبى بالكوفة. وبعد هروبه منها عاش بين العراق والشام ، وبدأ فى مديح رجال الكوفة وبغداد ، وتنقل بين مدن الشام يمدح شيوخ البدو والأمراء والأدباء. ولما لم يستفد من (الشعر) اختلق أزمة اختلطتْ فيها المبادىء السياسية بالدينية . فوضعه الإخشيد فى السجن ثم أطلق سراحه. فعاد إلى حياة التنقل ومَدَحَ كل من يعطيه المقابل . ثم اتصل بسيف الدولة الحمدانى وصار شاعره وصديقه. وعاشا معًا تسع سنوات ، أغدق عليه سيف الدولة بالمال . فمدحه المُـتنبى ((برائع القول)) ثم انقلب سيف الدولة عليه ، بسبب وشاية من بعض خصوم المُـتنبى ، الذى سعى للاتصال سرًا بكافور الإخشيدى الذى وعده بإحدى الولايات ، فهرب إلى مصر ومدح (كافور) الذى لم يفِ بوعده بالولاية. فهجاه المُـتنبى وهرب إلى العراق . وتنقل بين بغداد والكوفة وأرجان وشيراز. ثمّ تعرّف عليه أحد الذين هجاهم وسبّهم فقتله. وقد اختلف معاصروه حول شخصيته و(شعره) لدرجة التناقض ، البعض رفعه إلى قمم الإبداع ، والبعض هبط به إلى سفوح الاسفاف والانحطاط .
أما المعاصرون الذين وهبتهم الطبيعة الضمير الحى والعقل الحر، فلم يستسلموا لطغيان الثقافة السائدة ، ورفضوا المشى فى موكب (مديح) المُـتنبى ، وكان من بينهم المفكر السعودى الكبير عبد الله القصيمى ، الذى نقل ما كتبه المُـتنبى عن قمة الغرور ((أى محل أرتقى / أى عظيم أتقى / وكل ما قد خلق الله / وما لم يخلق / مُـحتقر فى همتى / كشعرة فى مفرقى)) فكان تعليقه ((المُـتنبى كان فـُحشًا نفسيًا وأخلاقيًا ولغويًا. كان مأساة تحولتْ إلى فـُحش . كان بلا ضمير وبلا رحمة أو حب أو عاطفة إنسانية. كان وقاحة بقدر ما كان قباحة. وجميع اللغات لا تجد كلمة رديئة تكون على مقاسه. ولن يُضيف أى قبح إليه قبحًا. كيف يستطيع أى مجتمع أنْ يقرأ اليوم شعره دون أنْ يتفجّر غضبًا واشمئزازًا؟ هل يستطيع أى مجتمع غير عربى أنْ يقرأه؟ لقد كان المُـتنبى عاهة فادحة تحولتْ إلى غثيان تاريخى. لأنه كان يستفرغ نفسه استفراغـًا. وهو لم يكن وحده. إنه لم يجىء من فراغ . والعرب لم يلتفتوا إليه إلاّ لأنهم وجدوا أو رأوا فـُحشه وقبحه الضاجيْن بكل البذاءات . وهل توجد بداوة فكرية أو تحقير للإنسان يُساوى قول هذا (الشاعر) المُحتكر لأضخم الحظوظ فى الأسواق العربية ((وإنما الناسُ بالملوك ولا / يفلح عرب ملوكهم عجم / لا أدب عندهم ولا حسب / ولا عهود لهم ولا ذمم)) { مع ملاحظة أنّ (عجم) تعنى (بهائم) حتى المرأة العربية بهيمة- مختار الصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 440} ووصل غرور المُـتنبى لدرجة أنْ كتب ((وما الدهرُ إلاّ من رواة قصائدى / إذا قلتُ شعرًا أصبح الدهر منشدًا)) لذلك كان تعليق القصيمى ((إنّ من لا يخجلون من أنْ يكون المتنبى تاريخـًا فى تاريخهم ، لن يستطيعوا أنْ يُصبحوا مجدًا لأى تاريخ)) تاريخ ((الأنبياء والخلفاء والسلاطين والشيوخ الذين كانوا يغطون تاريخنا ويحكمونه بالبداوة والتخلف والغباء والجهل والطاعة والموت فداءً لحماقاتهم وغزواتهم. أليس قحط المتنبى تعبيرًا عن قحط الطبيعة التى أنبتته ؟)) والمتنبى الذى تفاخر بالغرور والكبرياء كان بلا كبرياء . اشتهر كافور باسم (أبو المسك كافور) فمدحه المتنبى (فاقد الكبرياء) قائلا ((أبا المسك هل فى الكأس فضل أناله / فإنى أغنى منذ حين وتشرب / فإنْ لم تنط بى ضيعة أو ولاية / فجودك يكسونى وفضلك أرحب)) وكيف يوصف بالكبرياء من وصف نفسه بأنه واحد من (غلمان كافور)؟ ونقل القصيمى قصيدة المتنبى التى مدح فيها البداوة وهاجم أهل الحضر، فكان تعليقه ((قف أيها الهمجى الرؤية والحس والمنطق والموهبة. إنه يستقبح كل أعمال الحضارة والتمدن . يرفض الاغتسال ووجود الحمّام وأنْ يكون الجسم نظيفـًا. إنه نموذج مُـخجل فى أى مجتمع إنسانى)) ولأنه يرفض التحضر، فهو مع السيف (أى مع القتل) ضد (القلم) سلاح المفكر الحر، لذلك امتدح فى (شعره) السيف فقال ((وحتى رجعتُ وأقلامى قوائل لى / المجد للسيف.. ليس المجد للقلم)) ثم يمتدح قتل وسبى الفتيات الروميات فقال ((ونحن فى جذل والروم فى وجل / والبر فى شغل والبحر فى خجل / وكلما حلمتْ عذراء عندهمو/ فإنما حلمتْ بالسبى والإبل)) فكان تعليق القصيمى ((أى أنّ أحلام جميع نساء الروم إنما هى أحلام بأنّ الجيوش العربية لابد أنْ تسبيها على إبلها إلى خيام الجنود العرب لتكون إماءً ومحظيات ومُباحات جنسيًا لهم . ارتجفى خجلا واشمئزازًا يا مسامع الكون . خصوصًا عندما نقرأ ما قاله عن نفسه ((لو استطعتُ ركبتُ الناس كلهمو)) إلى آخر القصيدة . فكان تعليق القصيمى ((موتى أيتها الأذن والعيون لئلا تسمعى أو تقرئى ما يقوله فارس الصهيل العربى)) (العرب ظاهرة صوتية- منشورات الجمل- طبعة عام 2000- من ص 471- 523- مع الاختصار بالطبع)
000
ومن المعاصرين لنا أيضًا الروائية المُبدعة اللبنانية الكبيرة (رشا الأمير) فى روايتها البديعة (يوم الدين) التى تدور أحداثها فى وطن (لم تـُحدّده) والشخصيتان الرئيسيتان (الراوى إمام مسجد) وذهب فى بعثة للعمل فى بلد الشخصية الثانية ، إنسانة مُـتفتحة على العالم ، مؤمنة بالتعددية ضد الأحادية ، ومع التسامح الفلسفى ضد التعصب الدينى والعرقى) تطلب هذه الإنسانة من إمام المسجد (بعد أنْ تتعمّق علاقة الصداقة بينهما) أنْ يُعطيها بعض الدروس فى اللغة العربية. وعندما كانت صديقته تقرأ بعض أشعار المُـتنبى ، كتب فى مذكراته ((كنا نقرأ مديحه لأبى على هارون . فثقل لسانك وكثر لحنك . وتحيرتُ من أمرى . كيف أقيلك برفق ؟ دونما أنْ أخدش كبرياءك ، من قراءة هى بالتعذيب أشبه)) ولذلك تعلــّم من هذه الإنسانة أنّ قراءة الشعر حس نقدى معجون بالمشاعر الإنسانية. وعندما كانت تقرأ بيت المتنبى الذى قال فيه (( لا شىء أقبح من فحلٍ له ذكر/ تقوده أمة ليس لها رحم )) لاحظ أنّ صوتها وَهَنَ ، وكأنها تحرّجتْ من أنْ يمتلىء فمها بألفاظ هذا البيت . وعندما تجاوزته وقرأتْ (( أغاية الدين أنْ تحفوا شواربكم / يا أمة ضحكتْ من جهلها الأمم )) ندّ منها تنهد عميق هو التأفف بعينه (الطبعة الأولى – عن دار الجديد – بيروت عام 2002 وطبعتها الثانية – دار ميريت للنشر- القاهرة – عام 2003- ص 141، 142، 159)
000
هكذا امتلكتْ تلك المُـبدعة اللبنانية شجاعة التعبير عن التأفف من (شعر) المُـتنبى ، وأنّ صوتها وَهَنَ وارتجف وهى تقرأ كلماته عن ( الفحل الذى له ذكر، وتقوده أمة ليس لها رحم ) كما امتلك المفكر السعودى الكبير عبد الله القصيمى شجاعة الخروج من طابور ( المداحين ) المُـغرمين ((بأشعر شعراء العرب)) لدرجة أنْ وصفه بأنه ((فارس الصهيل العربى)) وهكذا حطــّمت المبدعة اللبنانية ، وحطــّم المفكر السعودى ، الصنم الذى صنعته الثقافة السائدة ، سواء فى مصر، أو فى الدول العربية. وبعد أنْ قرأتُ أشعار المـُتنبى وتصوّرتُ أننى تخلــّصتُ من سذاحتى الطفولية ، فإذا بعقلى (الطفولى) يسأل سؤالا (طفوليًا ساذجـًا) : لماذا تـُصر وزارة التعليم المصرية على إجبار أولادنا التلاميذ على حفظ أشعار المـُتنبى ؟ الذى هو تجسيد حى للنفاق ، فيمتدح (لدرجة التدنى) إذا أخذ المقابل (مال أو ولاية) ويهجو ويسب (لدرجة الفـُحش) إذا توقف العطاء من الحاكم ، كما يُجبر أولادنا على (حفظ) أنّ السيف أفضل من القلم ، أى أنّ أدوات القتل أفضل من أدوات التحضر، فتترسّخ الوصمة التى أبتليتْ بها البشرية : آفة التعصب المؤدى للعنف ، كما يتعلمون أنّ البشر ينقسمون وفق (الثقافة العربية) إلى (أحرار) و(عبيد) وأنّ (كل) العبيد ((أنجاس مناكيد)) فهل (تحت سنابك هذا التعليم المـُعادى للبشرية وللتحضر) يكون أولادنا مع التحضر أم مع البداوة التى لا تعرف ولا تعترف إلاّ بالنفاق والقتل ؟ والسؤال الساذج الأول يجر السؤال الساذج الثانى : أيهما أفضل كى نـُدرّسه لأولادنا : المـُتنبى أم ابن عروس الذى قال ((من قدّم السبت لقا الحد قدامه.. ومن خدم الناس صارتْ الناس خدامه)) وبيرم التونسى الذى قال (( أصلى (من الصلاة) على مصر السعيدة ونيلها.. على ما جرى فى أرضها من وقايع.. واتيتمتْ أطفال ومن كل عاقر.. أخذ النصيب والحزن فى مصر شايع)) وكتب ((يا للى رايحين مجلس الأمن .. سمعونى فضلكم م الفقه والبحث القانونى.. كلمتين حلوين قولوهم وافهمونى.. يمكن الحكام يرقوا ويفهمونا.. فهموهم باللطافه والمحبه.. إنْ مصر حته من أوروبا.. من زمان تزحف وتحبى حبه حبه.. لما فاقتْ عن فينا وبرشلونه..الديانه قبل منكم لغيناها.. والشريعه عن نابليون مشيناها.. والمصاحف فى المتاحف حطيناها.. منها ذكرى ومنها فرحه ومنها زينه)) وبينما المتنبى كان يمتدح الحكام قال بيرم فى وجه الملك فؤاد ((ولما عدمنا بمصر الملوك جابوك الانجليز يا فؤاد قعدوك.. تمثل على العرش دور الملوك.. وفين يلقوا مجرم نظيرك دون)) أو نماذج من أشعار أحمد فؤاد نجم الذى قال ((أنا العصفور.. أليف الخضره والميه.. أنا المولود على كفوف الجناينيه)) أو نماذج من عبد الرحيم سرور الذى قال ((ما تفسروش حلمى.. أنا بس باتمنى.. ريحة خبيز أمى.. جايه لى من الجنه)) أو نماذج من فيلسوف الشعر المصرى (صلاح جاهين) الذى قال ((السم لو كان فى الدوا.. منين يضر؟ والموت لو كان لعدونا.. منين يسر؟ حط القلم فى الحبر واكتب كمان.. والعبد للشهوات.. منين هو حر؟)) وقال ((مرحب ربيع مرحب ربيع مرحبه.. يا طفل يا اللى فى دمى ناغا وحبا.. عشان عيونك يا صُغنن هويتْ.. حتى ديدان الأرض والأغربه)) وقال ((يا قرص شمس ما لهوش قبة سما.. يا ورد من غير أرض شبْ ونما.. يا أى معنى ميّـل سمعنا عليه.. الخلق ليه عايشين حياه مؤلمه)) وقال ((أحب أعيش ولو أعيش فى الغابات.. أصحى كما ولدتنى أمى وأبات.. طائر، حيوان، حشره، بشر، بس أعيش.. محلا الحياه.. حتى فى هيئة نبات)) وقال ((أيوب رماه البين بكل العلل.. سبع سنين مرضان وعنده شلل.. الصبر طيب.. صبر أيوب شفاه.. بس الأكاده مات بفعل الملل)) وقال ((يا اللى انت بيتك قش مفروش بريش.. تقوى عليه الريح يصبح ما فيش.. عجبى عليك حواليك مخالب كبار.. ومالكش غير منقار وقادر تعيش)) وهل كان فى وسع المتنبى أنْ يكتب ((البط شال عدّى الجبال والبحور.. يا ما نفسى أهج أحج ويا الطيور.. أوصيك يا ربى لما أموت والنبى.. ما تودنيش الجنه.. للجنه سور)) وهل كان يجرؤ أنْ يكتب ((ليه يا حبيبتى ما بينا دايم ن سفر؟ دا البعد ذنب كبير لا يُغتفر.. ليه يا حبيبتى ما بينا دايم ن بحور؟ أعدى بحر ألاقى غيره اتحفر))
وإذا كانت الثقافة المصرية السائدة وعلى رأسها كبار المتعلمين والتعليم والإعلام ، ضد الشعر المصرى الموصوف ب (شعر العاميه) وهو وصف غير علمى بالاحتكام لعلم اللغويات ، فلماذا لا يتعلم التلاميذ نماذج من شعر المصريين المكتوب باللغة العربية ، أمثال أحمد عبد المعطى حجازى وصلاح عبد الصبور الذى كتب ((حين فقدنا جوهر اليقين.. تشوّهتْ أجنة الحبالى فى البطون.. الشعر ينمو فى مغاور العيون)) وقال (( إحرص ألا تسمع.. إحرص ألا تنظر.. إحرص ألا تلمس.. إحرص ألا تتكلم.. قف.. وتعلق فى حبل الصمت المُبرم.. ينبوع القول عميق.. لكن الكف صغيرة..من بين الوسطى والسبابة والإبهام.. يتسرّب فى الرمل.. كلام)) وقال ((ولأنك لا تدرى معنى الألفاظ ، فأنت تـُناجزنى بالألفاظ ، اللفظ حجر.. اللفظ منية.. فإذا ركــّبتَ كلامًا فوق كلام.. من بينهما استولدتَ كلام.. لرأيتَ الدنيا مولودًا بشعـًا.. وتمنيتَ الموت.. أرجوك الصمت.. الصمت)) وقال ((هذا زمن الحق الضائع.. لا يعرف فيه مقتول من قاتله ومتى قتله. ورؤوس الناس على جثث الحيوانات.. وروس الحيوانات على جثث الناس.. فتحسّس رأسك.. فتحسّس رأسك)) أو نماذج من أشعار الشاعر الإيرنى الصوفى الكبير جلال الدين الرومى الذى قال ((إنْ لم يكن لك قدم تـُسافر بها.. فسافر فى نفسك.. سافر إلى نفسك)) وقال ((حين ترى السماء تبكى تذكر دموعى.. ومع ذوبان القمر.. تذكر هشاشتى.. تذكر روحـًا مُـتعبة.. تتلاشى)) أو نماذج من أشعار نزار قبانى الذى قال ((سقط الفكر فى النفاق السياسى.. وصار الأديب كالبهلوان.. تستبد الأحزان بى فأنادى.. آه يا مصر من بنى قحطان))
000
وإذا كانت الثقافة المصرية السائدة ضد الشعر المكتوب بالمصرى ، المُسمى (شعر العامية) وتحتقر إبداع الأميين المصريين ، فإنّ مقارنة ما كتبه الشعراء باللغة العربية ، وما كتبه (الأمى) مجهول الاسم عن مذبحة دنشواى التى ارتكبها ضباط جيش الاحتلال الإنجليزى ، سوف تـُوضح للعقل الحر الفرق . قال الشاعر أحمد شوقى ((يا دنشواى.. على رباك سلام.. ذهبتْ بأنس ربوعك الأيام..)) إلى آخر القصيدة ، وكتب حافظ إبراهيم ((أيها القائمون بالأمر فينا.. هل نسيتم ولاءنا والودادا..)) إلى آخر القصيدة. وكتب عنها صلاح عبد الصبور((وثوى فى جبين الأرض الضياء.. ومشى الحزن فى الأكواخ.. تنين له ألف ذراع.. فى كل دهليز ذراع..)) إلى آخر القصيدة. فى النماذج الثلاثة فإنّ البدايات بعيدة عن تصوير المأساة ، واستسلم الشعراء الثلاثة للتشبيهات الوصفية والمُحسَنات اللفظية التى قتلتْ المعنى ، فجاءتْ (= القصائد) باردة لا روح فيها ، خاصة قصيدة حافظ إبراهيم الذى يستعطف ضباط الاحتلال فى قوله ((هل نسيتم ولاءنا والودادا)) فالمأساة ليست فى حاجة إلى (ربا السلام) كما قال شوقى ، وليست فى حاجة إلى الاستعطاف كما قال حافظ ، وليست فى حاجة إلى الحزن الذى يمشى فى الأكواخ كما قال عبد الصبور، بينما (الأمى – مجهول الاسم) رسم لوحة حية ناطقة بالمأساة ، ورغم أنها خالية من المُـحسنات اللفظية ، إلاّ أنها مشحونه بالشجن ، كأنما يعزف لحنـًا تصويريًا ، فدخل فى الموضوع مباشرة وقال ((يوم شنق زهران كانت صعبه وقفاته.. أمه عليه بتنوح فوق السطوح واخواته.. وأبوه كما السبع يوم الشنق لم فاته)) وفى آخر القصيده قال ((أمانه يا دنشواى إنْ عاد الزمن تانى.. شاورى على الظلم وابكى دم من تانى.. شاهد وخصم وحكم .. إيه راح يكون تانى؟))
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على الأستاذ يحيى توتى
- تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
- الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (3)
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (2)
- ماذا فعل صحابة محمد ببعضهم البعض ؟
- مجابهة الأصولية الإسلامية (2)
- مجابهة الأصولية الإسلامية (1)
- شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته
- العداء الإسلامى/ العروبى للقومية المصرية
- الفرق بين (الجهل) و(الأمية)
- المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف
- قتل الفلاسفة بين المُحرّض والمُُنفذ
- مصر وكيف كانت البداية
- تيارالقومية المصرية قبل يوليو1952 (4)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952(3)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952 (2)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952 (1)
- الفن التشكيلى قبل يوليو1952 (2)
- الفن التشكيلى قبل يوليو1952 (1)


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن استهداف قاعدة -عوفدا- الجو ...
- معرض روسي مصري في دار الإفتاء المصرية
- -مستمرون في عملياتنا-.. -المقاومة الإسلامية في العراق- تعلن ...
- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الُمُتنبى بين الشعر والنفاق