أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته















المزيد.....


شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4448 - 2014 / 5 / 9 - 01:12
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته
طلعت رضوان
فى عام 1925 صدر كتاب (الإسلام وأصول الحكم) تأليف الشيخ على عبد الرازق ، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف الهجوم على المؤلف واتهامه بالكفر والإلحاد من كافة التيارات الإسلامية الرافضة للحداثة ، لمجرد أنه نفى أنْ تكون (الخلافة الإسلامية) أصل من أصول الإسلام ، خاصة فى الباب الثالث من كتابه المعنون (رسالة لا حكم ، ودين لا دولة) وأنّ الخلافة الخالصة كانت فى الصدر الأول إلى آخر عهد على بن أبى طالب ، ثم نقل رأى ابن خلدون الذى كتب ((ثم صار الأمر إلى المـُـلك ، ولم يظهر التغير إلاّ فى الوازع الذى كان دينـًا ثم انقلب عصبية وسيفـًا ، وصار الأمر مـُلكـًا بحتـًا ، واستعملتْ فى أغراضه القهر والتقلب فى الشهوات)) ولأنّ المُـدافعين عن الإسلام أصحاب عقول مُـنغلقة ، لم يتحمّلوا ما ذكره على عبد الرازق من أشعار قالها المُـنافقون للخلفاء مثلما فعل ابن هانىء الأندلسى فى (أشعاره) التى نسب فيها الألوهية والنبوة إلى الخلفاء فقال يخاطب أحدهم قائلا ((ما شئتَ لا ما شاءتْ الأقدار/ فاحكم فأنت الواحد القهار/ وكأنما أنت النبى محمد/ وكأنما أنصارك الأنصار/ هذا الذى تجدى شفاعته غدًا / حقــًا وتخمد أنْ تراه النار)) وهناك العديد من الشعراء الذين تملقوا الخلفاء وهو ما تجنـّب عبد الرازق ذكره ، مثل قصيدة عبد الله بن الزبعرى الذى قال ((لعبتْ هاشم بالمـُـلك فلا / خبر جاءَ ولا وحى نزل)) ومثلما قال الوليد بن يزيد الخليفة الأموى ((تلعب بالنبوة هاشمى/ بلا وحى أتاه ولا كتاب)) وعندما قرأ آية ((واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد)) ضرب المصحف ومزق أوراقه وقال ((أتوعد كل جبار عنيد/ فها أنا ذاك جبار عنيد/ إذا ما جئتَ ربك يوم حشر/ فقل يارب مزقنى الوليد)) تجنـّب عبد الرازق ذكر الكثير من هذه الأشعار، الموجودة فى كتب التراث العربى/ الإسلامى عن حكم الخلفاء المسلمين ، ولكنه كان شجاعًا عندما نصّ على أنّ كثيرين تملقوا الخلفاء ورفعوهم فوق البشر، ووضعوهم غير بعيد من مقام العزة الإلهية. ولذلك شاع بين العرب والمسلمين أنّ الخليفة يستمد سلطانه من الله. وأنّ الذين يرفضون (الخلافة الإسلامية) آثمون . ولأنّ عبد الرزق فى كل صفحات الكتاب يعتمد على المرجعية الدينية لذلك كرّر كثيرًا أنه لا يوجد فى القرآن ولا فى أحاديث محمد أى دليل على وجوب الخلافة. وردّ على الذين يستشهدون بالقرآن والأحاديث وفنـّدَ مزاعمهم . وبسبب مرجعيته الدينية وقع فى التناقض عندما أشار إلى آية ((ما فرطنا فى الكتاب من شىء)) (الأنعام/38) وبعدها مباشرة كتب ((ثم لا تجد فيه (القرآن) ذكرًا للإمامة أو الخلافة)) فإذا كان (الله) فى التراث العبرى/ العربى يعلم ما تقدم وما تأخر، وبالتالى كان يعلم بنشأة الخلافة بعد موت محمد ، لذلك كان من المفترض معالجة تلك الخلافة ، سواء بالسلب أو الإيجاب . ولكن عبد الرازق تغاضى عن تلك البديهية بسبب مرجعيته الدينية ، وهى ذات المرجعية التى اعتمد عليها المدافعون عن الخلافة مثل محمد رشيد رضا الذى استشهد بحديث محمد ((من مات وليس فى عنقه بيعة مات ميتة جاهلية))
وكان من بين أسباب الهجوم على الشيخ عبد الرازق أنه كتب ((وجدنا أنّ الخلافة فى الإسلام لم ترتكز إلا على أساس القوة الرهيبة. وأنّ تلك القوة كانت إلاّ فى النادر قوة مادية مسلحة. فلم يكن للخليفة ما يحوط مقامه إلاّ الرماح والسيوف والجيش المُدجج والبأس الشديد)) وأنّ على بن أبى طالب ومعاوية ((لم يتبوآ عرش الخلافة إلاّ تحت ظلال السيوف وعلى أسنة الرماح . وكذلك الخلفاء من بعد إلى يومنا هذا. وما كان لأمير المؤمنين محمد الخامس سلطان تركيا ، أنْ يسكن اليوم (يلدز) لولا تلك الجيوش التى تحرس قصره وتحمى عرشه)) وأضاف ((لاشك مطلقــًا فى أنّ الغلبة كانت دائمًا عماد الخلافة. ولا يذكر التاريخ لنا خليفة إلاّ اقترن فى أذهاننا بتلك الرهبة المُسلحة التى تحوطه. والقوة القاهرة والسيوف التى تذود عنه. ولولا أنْ نرتكب شططـًا فى القول لعرضنا على القارىء سلسلة الخلافة إلى وقتنا هذا ليرى على كل حلقة من حلقاتها طابع القهر والغلبة. وليتبيّن أنّ ذلك الذى يُسمى عرشـًا لا يرتفع إلاّ على رؤوس البشر، ولا يستقر إلاّ فوق أعناقهم)) ورغم ذلك وقع عبد الرازق فى التناقض عندما نصّ على أنّ الإسلام جعل الناس ((سواسية كأسنان المشط)) وبغض النظر عن أنّ العرب لم يعرفوا (المشط) وهو ما يؤكد أنّ هذا الحديث ألــّفه أحد الإسلاميين العروبيين سمع عن (المشط) فى حضارات الشعوب الراقية ، بغض النظر عن هذا فإنّ الشيخ عبد الرازق وقع فى التناقض لأنه وهو القارىء للقرآن الذى ملأ صفحات كتابه بآيات عديدة منه ، يعلم أنّ القرآن فرّق بين المرأة والرجل ، وبين (الحر) و(العبد) وبين من أطلق عليهم (مؤمنين) ومن أطلق عليهم (كفار) مرة و(مشركين) مرة إلخ . ولكن يُحسب للشيخ عبد الرازق أنه ذكر واقعة تولى يزيد بن معاوية الخلافة. وهى الواقعة التى يتحاشى الأصوليون ذكرها ، وملخصها كما جاءتْ فى الجزء الثانى من العقد الفريد لابن عبد ربه ص 307 أنّ معاوية بن أبى سفيان لما أراد أخذ البيعة لابنه يزيد كتب إلى سائر الأمصار أنْ يفدوا عليه. فلما حضروا بين يديه طلب منهم أنْ يقولوا رأيهم فى يزيد ، وبعد أنْ مدحوه قام أحد الدعاة وقال ((أمير المؤمنين هذا)) وأشار إلى معاوية. فإنْ هلك فهذا وأشار إلى يزيد ، فمن أبى (= رفض) فهذا وأشار إلى سيفه. فقال معاوية ((اجلس فإنك سيد الخطباء))
ويُحمد للشيخ عبد الرازق ما ذكره عن المجزرة التى قــُـتل فيها الحسين حفيد محمد ، وعن جريمة يزيد بن معاوية الذى انتهك حرمة مدينة الرسول ، وعن جريمة عبد الملك بن مروان الذى استحلّ بيت الله الحرام ، وما فعله أبو العباس السفاح ابن محمد بن على ابن عبد الله بن العباس ضد الأمويين ، وبذلك قتل المسلمون الموحدون المسلمين الموحدين مثلهم. ولكن كل ذلك تمّ وفق تعبير عبد الرازق بسبب ما أطلق عليه ((حب الخلافة)) الذى لا علاقة له بالإسلام.
ويُحمد للشيخ عبد الرازق أنه ربط بين يزيد ين معاوية وجرائمه ((بقصة فيصل بن حسين بن على ، الذى كان أبوه أحد أمراء العرب، الذين انحازوا فى الحرب العظمى (الحرب العالمية الأولى) إلى جانب الحلفاء ، خروجـًا على الترك ، وعلى سلطان الترك خليفة للمسلمين . فقام أولاده فى بلاد العرب وفى جوانبها ينصرون جيوش الحلفاء . وامتاز فيصل بالزلفى من الإنجليز لحسن بلائه فى مساعدتهم وإخلاصه فى خدمتهم ، فعيّنوه ملكــًا على الشام ، ولم يكد يستقر بها حتى هاجمتْ ملكه جيوش الفرنسيين ، فولى هاربًا ، تاركــًا مملكته وعرشه حتى وصل إلى إنجلترا. ومن هناك حمله الإنجليز إلى بلاد العراق ونصّبوه عليها ملكــًا. وزعم الإنجليز أنّ ((أهل الحل والعقد)) من أمة العراق هم الذين انتخبوا فيصل ليكون ملكــًا عليهم بالإجماع . وإذا كان الإنجليز زعموا أنّ البيعة أخذتْ ((مظاهر الانتخاب الحر القانونى)) فمما لا شك فيه أنّ ما فعله خطيب معاوية لصالح ابنه يزيد ، هو ما فعله الإنجليز لصالح فيصل .
ويُحمد للشيخ عبد الرازق ما كتبه عن ((أنه لابد لاستقامة الأمر فى أمة متمدينة ، سواء أكانت ذات دين أم لا دين لها ، وسواء أكانت مسلمة أم مسيحية أم يهودية أم مختلطة الأديان، لابد لأمة مهما كان معتقدها وجنسها من حكومة تـُباشر شئونها)) وبالتالى ((يحق للمسلمين أنْ تكون لهم حكومة تضبط أمورهم وترعى شئونهم)) أما ((الخلافة فإنها كانت ولم تزل نكبة على الإسلام والمسلمين وينبوع شر وفساد)) وبالتالى فإنّ ((ديننا فى غنى عن تلك الخلافة الفقهية ودنيانا كذلك)) خاصة أنّ الخلافة فى بغداد انهارتْ فى منتصف القرن السابع الهجرى حين هاجمها التتار، وقتلوا الخليفة العباسى المُستعصم بالله. وقتلوا معه أهله وأكابر دولته ((وبقى الإسلام ثلاث سنين من دون خليفة)) ومن تناقضات عبد الرازق أنه بينما يرى أنّ الإسلام لم يعرف شكل الحكومة ، فإنه ذكر وقائع الغزوات التى شنـّها النبى محمد ضد القبائل العربية والشعوب غير العربية مثل الغزوة التى قام بها على بن أبى طالب إلى بلاد فارس ((فغزاهم وجمع الغنائم)) ومن تناقضاته أيضًا إشارته إلى الحوار الذى دار بين معاذ بن جبل عندما سأله النبى محمد : كيف تقضى إذا عرض لك القضاء؟ قال أقضى بكتاب الله. فسأله : فإنْ لم تجد فى كتاب الله ؟ قال فبسنة رسول الله. فسأله : فإنْ لم تجد فى سنة رسول الله ولا فى كتاب الله؟ قال : أجتهد رأيى ولا آلو. فوافقه محمد على ذلك . وهذا الحوار الذى اعترف به مؤرخون كثيرون يدل على النبى محمد كان يتصرف كحاكم مدنى يستبعد النص الدينى المعتمد (القرآن) ويترك المسألة للاجتهاد البشرى ، وهو ما يتمسك به دعاة الخلافة الإسلامية وهو الأمر الذى تجنــّب الشيخ عبد الرازق التعرض له، خاصة وأنه اعترف بأنّ معاذ بن جبل ذهب إلى اليمن قاضيًا فى رأى وغازيًا فى رأى آخر. وأكثر من ذلك عندما كتب ((كلما أمعنا تفكيرًا فى حال القضاء وغير القضاء فى زمن النبى عن أعمال الحكم وجدنا إبهامًا فى البحث يتزايد وخفاءً فى الأمر يشتد)) ثم أضاف ((وإذن ليس بدعًا أنْ يذهب باحث إلى أنّ النبى كان رسولا وملكــًا)) ثم تبرأ من هذا الرأى بأنْ كتب ((فذلك بحث خارج عن العقائد الدينية)) ورغم ذلك وقع فى التناقض من جديد عندما كتب بعد عدة صفحات ((أول ما يخطر بالبال مثالا من أمثلة الشئون الملكية التى ظهرتْ أيام النبى ، مسألة الجهاد ، فقد غزا النبى محمد المُـخالفين لدينه من قومه العرب وفتح بلادهم وغنم أموالهم وسبى رجالهم ونساءهم ولا شك فى أنه قد امتد بصره إلى ما وراء جزيرة العرب واستعد للانسياب بجيشه فى أقطار الأرض ، وبدأ فعلا يُصارع دولة الرومان ويدعو للانقياد لدينه كسرى الفرس ونجاشى الحبشة ومقوقس مصر إلخ. وظاهر أول وهلة أنّ (الجهاد) لا يكون لمجرد الدعوة للدين وإنما يكون (الجهاد) لتثبيت السلطان وتوسيع المـُـلك)) وبالتالى كان جمع المال فى زمن النبى ((من الزكاة والجزية والغنائم . وكان النبى له جباة يتولون ذلك . ولا شك أنّ تدبير المال عمل ملكى وهو أهم مقومات الحكومات وخارج عن وظيفة الرسالة الدينية))
رغم كل ذلك يُصر الشيخ على تناقضاته وينفى أنْ الوضع فى زمن النبى أخذ شكل الحكومة بحجة أنه لم ((يُعيّن القضاة ولم يتحدث لرعيته فى نظام المـُلك وتركهم فى حيرة واضطراب من أمر النظام الحكومى)) وبناءً على ذلك كان محمد رسولا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة مـُـلك ولا دعوة لدولة)) ولأنّ الشيخ نصـّب نفسه مـُـدافعًا عن الإسلام ، فلم ينتبه للتناقض الذى وقع فيه : فإذا كان الأمر ((دعوة دينية خالصة)) فلماذا كان غزو القبائل العربية والشعوب غير العربية لتحصيل غنائم الغزوات ثم استباحة الشعوب ونهب خيراتهم باسم (الجزية)؟ فالعقل الحر إذا وافق (مع التحفظ) على حكاية (التبشير) والدعوة لدين جديد وفرضه على الشعوب وإجبارها بأنْ تتنازل عن دينها القومى ، فإنّ السؤال هو: لماذا كان (التبشير) الإسلامى بقوة السلاح ، وعلى الشعوب التى تعرّضتْ للغزو أنْ تختار بين : الدخول فى الإسلام أو أداء الجزية أو القتال ؟ وما الفرق بين ما فعله العرب فى غزواتهم وما فعله الغزاة السابقون واللاحقون ؟ رغم تلك الحقيقة يُصر الشيخ على أنّ زمن محمد كان ((حكم النبوة لا حكم السلاطين)) ولا ينتبه إلى التناقض عندما أضاف أنّ النبى محمد كان ((لا يُراجع له رأى ولا يُخالف له قول فى سبيل الوحدة الإسلامية)) أليس هذا التقرير الصريح أنّ النبى محمد كان يتصرّف مثله مثل أى امبراطور قرّر غزو الشعوب لاستنزاف مواردها ونهب خيراتها وتحويلها للعرب الرافضين للعمل اليدوى وخاصة الزراعة مثلما فعلوا مع شعبنا المصرى وغيره من الشعوب ؟ خاصة وأنّ الشيخ نصّ على أنّ ((النبى محمد ناضل بلسانه وسنانه)) وبالطبع فإنّ المقصود ب (سنانه) أسلحة القتل والدمار، وهو ما عبّر عنه الشاعر أحمد شوقى الذى مدح الرسول محمد ((جهل وتضليل أحلام وسفسفة/ فتحتَ بالسيف بعد الفتح بالقلم/ لما أتى لك عفوًا كل ذى حسب/ تكفــّـل السيفُ بالجهال والعمم/ علمتهم كل شىء يجهلون به/ حتى القتال وما فيه من الذمم)) وهنا وقع أحمد شوقى فى التناقض هو الآخر، فبينما يمدح الرسول فى أغلب أبيات القصيدة ، أكد على أنّ ((السيف تكــّـفل بالجهال والعمم)) أى أنّ السيف أداة تصفية المخالفين لرأى محمد . واستمر الشيخ عبد الرازق فى تناقضاته عندما نصّ على أنّ الإسلام ((جاء لمصلحة البشر الدينية)) فأى مصلحة فى نهب ثروات الشعوب تحت مسمى (الجزية) الإسلامية ؟ والشيخ الذى هاجمه الأصوليون وكفـّروه هو مثلهم تمامًا يُردّد ألفاظهم غير العلمية عن ((دنس الشرك)) وأنّ العرب لا يمكن أنْ يعودوا بعد زمن النبوة كما كان الوضع ((فى (الجاهلية) شعوبًا همجية وقبائل مـُتعادية ووحدات مـُستضعفة)) ثم تصل تناقضاته لدرجة تزوير الواقع عندما نصّ على أنّ الدولة التى أنشأها العرب (زمن النبوة) دولة عربية وحكم عربى ((ولكن الإسلام لا هو عربى ولا هو أعجمى)) لماذا ؟ لأنه ((دين البشرية)) أى أنّ الشيخ يرى فرض الوصاية على كل البشر فى كرتنا الأرضية فينزع عنهم دياناتهم ، سواء النصوصية العبرية أو القومية ، ليكونوا كلهم داخل (الامبراطورية الإسلامية) الوهمية. ناهيك عن استخدامه لفظ (أعاجم) ومعناه فى قواميس اللغة العربية بهائم حتى المرأة العربية بهيمة (مختار الصحاح- المطبعة الأميرية بمصر- عام 1911- ص 440) ولكن يُحمد للشيخ عندما كتب أنه بعد بيعة أبى بكر ((تبيّن أنها بيعة سياسية ملكية. وأنها قامتْ كما تقوم كل الحكومات على أساس القوة والسيف)) ثم كان صريحًا أكثر فكتب ((كانت دولة عربية قامتْ على أساس دولة دينية. أيّدتْ سلطان العرب. وروّجتْ مصالح العرب. ومكـّنتْ لهم فى أقطارالأرض ، فاستعمروها استعمارًا واستغلوا خيرها استغلالا، شأن الأمم القوية التى تتمكــّن من الفتح والاستعمار.
وبعد وفاة محمد ثار النزاع بين الأنصار والمهاجرين الذين انحازوا لأبى بكر، فقال سعد بن عبادة زعيم الأنصار ((والله سأرميكم بنبلى وأخضّب سنان رمحى وأضربكم بسيفى)) ولكنه لم يفعل واكتفى بأنْ لا يُصلى صلاتهم ولا يحج معهم حتى تم قتله وقالوا إنّ الجن قتلته. وأنّ الجن قالت شعرًا رثتْ فيه عمر بن الخطاب لأنّ سعد بن عبادة رفض بيعة عمر كما رفض بيعة أبى بكر، وكان تعليق د. طه حسين ((والعجيب أنّ أصحاب الرواية مـُقتنعون بأنّ هذا الكلام من شعر الجن)) (فى الأدب الجاهلى- دار المعارف-عام64ص134) وبعد ذلك قال أحدهم ما يُسمى بالشعر ((قد قتلنا سيد الخزرج / سعد بن عباده/ ورميناه بسهميْن / فلم نـُخطىء فؤاده)) ولم يكن سعد وحده الذى رفض مبايعة أبى بكر، وإنما انضم إليه على بن أبى طالب ، وفى هذا الأمر قال أبو سفيان ((والله إنى لأرى عجاجة لا يـُطفئها إلا الدم . لماذا أبو بكر؟ أين المستضعفان؟ أين الأذلان على والعباس؟)) وقال أبو بكر ((لستُ خليفة الله. ولكنى خليفة رسول الله)) ولذلك كان الخروج على أبى بكر خروجـًا على الدين وارتدادًا عن الإسلام . وكان عبد الرازق على حق عندما كتب ((والراجح عندنا أنّ ذلك هو منشأ قولهم أنّ الذين رفضوا طاعة أبى بكر كانوا مـُرتدين وتسمية حروب أبى بكر معهم بحروب الردة . رغم أنهم ظلوا على إسلامهم ، بينما كان السبب الحقيقى أنهم رفضوا أداء الزكاة فى رأى والصدقة فى رأى آخر، ولم يرفضوا الدين)) وهو ما فعله خالد بن الوليد الذى قتل مالك بن نويره وعمل من رأسه قِدرًا للطبخ عليها. ولم يكتف بذلك إنما أسَرَ زوجته وتسرى بها (أى ضاجعها بآية ملك اليمين) ودم زوجها لم يجف بعد وهو ما استفز عمر ابن الخطاب الذى قال لخالد بن الوليد ((قتلتَ امرءًا مسلمًا ونزوتَ على امرأته والله لأرجمنك بالحجارة)) (الطبرى- تاريخ الرسل والملوك- الجزء الثالث)) وطلب عمر من أبى بكر أنْ يقتل خالد بن الوليد لأنه قتل مسلمًا ، ولكن أبا بكر انحاز لخالد بن الوليد ورفض تطبيق أوامر الدين المؤمن به وكانت حجته أنه ((تأوّل فأخطأ)) وعن القبائل التى رفضتْ أداء الصدقة التى كانوا يدفعونها لمحمد فى بداية دعوته ، قال عمر لأبى بكر إنهم لم يرتدوا عن الإسلام فكيف تـٌقاتلهم وقد قال الرسول : أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. وأنّ محمدًا رسول الله ، فمن قالها عصم منى ماله ونفسه.. إلخ)) والشيخ عبد الرازق الذى نقل هذا الحديث عن صحيح البخارى لم يتوقف عقله ليسأل : فهل معنى ذلك (بمفهوم المخالفة) أنّ من يرفض شهادة لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله يجب قتاله ؟ وبسبب مصطلح (مرتدين) الذى أطلقه أبو بكر على القبائل التى رفضتْ أداء (الصدقة) انطبعتْ حروب أبى بكر فى جملتها بطابع الدين ((ودخلتْ تحت اسم الإسلام . وكان الانضمام لأبى بكر دخولا تحت لواء الإسلام والخروج عليه ردة وفسوقــًا)) ولذلك ((فشا بين المسلمين منذ الصدر الأول أنّ الخلافة مقام دينى ونيابة عن (محمد) صاحب الشريعة)) والشيخ عبد الرازق الذى كتب هذا الكلام حاول تجميل الصورة فكتب ((كان من مصلحة السلاطين أنْ يُروّجوا ذلك الخطأ بين الناس ، حتى يتخذوا من الدين دروعًا تحمى عروشهم. وأفهموا الناس أنّ طاعة الأئمة من طاعة الله وجعلوا السلطان خليفة لله. والحق أنّ الدين الإسلامى بريىء من تلك الخلافة. ولا شأن للدين بها))
رغم هذا الدفاع عن الإسلام وعن النبى محمد فإنّ الشيخ عبد الرازق لم يسلم من تهمة الكفر، وإذا كان من كفـّروه من الأصوليين أمرهم مفهوم ، فإنّ سعد زغلول الذى جعل منه شعبنا بطلا قوميًا فى أحداث ثورة برمهات/ مارس19ونسجوا الأساطير حوله ، إذا به يخون شعبنا ويقف مع الأصوليين ، فكما هاجم طه حسين بسبب كتابه (فى الشعر الجاهلى) وقال عنه ((وما علينا إنْ لم تفهم البقر)) كذلك هاجم الشيخ على عبد الرازق بسبب كتابه (الإسلام وأصول الحكم)) فقال ((قرأتُ كثيرًا للمستشرقين ولسواهم فما وجدتُ من طعن منهم فى الإسلام حدة كهذه الحدة فى التعبير، على نحو ما كتب الشيخ على عبد الرازق. لقد عرفتُ أنه جاهل بقواعد دينه. وإلاّ كيف يدّعى أنّ الإسلام ليس مدنيًا ولا هو بنظام يصلح للحكم ؟)) وبعد إسهاب طويل دافع فيه عن أنّ الإسلام يصلح لحكم البشر، اختتم كلامه قائلا ((وما قرار هيئة (كبار العلماء) بإخراج الشيخ على من زمرتهم إلاّ قرار صحيح لا عيب فيه. لأنّ لهم حقــًا صريحـًا بمقتضى القانون أو بمقتضى المنطق والحق ، أنْ يخرجوا على من يخرج على أنظمتهم من حظيرتهم . فذلك أمر لا علاقة له بحرية الرأى التى تعنيها جريدة السياسة)) وبقفزة واسعة ننتقل من عام 1925 إلى عام 1995 حيث رضى أ. طارق البشرى لنفسه أنْ يترك مقعد المؤرخ لينضم إلى صفوف الأصوليين الإسلاميين ، فاعتبر كتاب على عبد الرازق دعوة ضارة لأنه أنكر((حكومة الإسلام وفصل فصلا حادًا بين ولاية الرسول الروحية وولاية الحكومة والسلطة. وبين الهداية الإسلامية ونظام الحياة. وفصل بين الزعامة الدينية والزعامة السياسية. وبهذا أقام ثنائية غريبة على الفكر الإسلامى ، تستمد أصولها من ثنائية الكنيسة والدولة فى الغرب . أما من الناحية السياسية فإنّ فصله الدولة عن الدين يتضمّن تجريدًا للدين من إمكانات تنظيم الحياة ومن إمكانات المقاومة للاستعمار. وأنّ تأكيده أنّ زعامة الرسول كانت موقوتة بالرسالة يُفيد انتهاء الجهاد وانتهاء الجماعة الإسلامية. ويبقى المسلمون أفرادًا لا تتكوّن منهم جماعة متميّزة)) (صحيفة العربى الناصرية 27/3/95) وهذا الكلام ترديد لكلام سيد قطب وشكرى مصطفى وعمر عبد الرحمن وكل الأصوليين من الإيرانى الشهير بالأفغانى حتى أصغر أصولى ، فإذا كان الدين هو المرجعية لتنظيم الحياة ، فكيف تمكنت الشعوب فى العصور القديمة من تنظيم الحياة؟ وفى العصر الحديث كيف تمكن الشعب اليابانى والهندى والصينى إلخ من امتلاك مفاتيح التقدم فى الفن والأدب والعلوم الطبيعية ؟ وهى شعوب غير إسلامية ؟ وإذا كان الدين هو المرجعية لمقاومة الاستعمار فما هى المرجعية التى أطلقت تلك الروح النبيلة التى أطلقتْ شرارة ثورة 19وشعبنا فيه المسلم والمسيحى واليهودى واللادينى ، وهى ذات الروح النبيلة التى مكــّنتْ الشعب الفيتنامى من إذلال أمريكا والانتصار عليها إلى آخر الأمثلة.
000
إنّ الهجوم على الشيخ على عبد الرازق يُـقدم درسًا لكل من يبتعد عن لغة العلم وحيادية البحث ، فرغم كل أدوات التجميل التى استخدمها فى الدفاع عن الإسلام ، لم ينج من اتهامه بالإلحاد ، وبذلك (ساحتْ) كل أدوات التجميل ، بينما الوقود المُشتعل ضدها ما زال متقدًا رغم مرور تسعين عامًا على صدور كتابه (الإسلام وأصول الحكم) الذى به الكثير من الوقائع التى تـُدين العرب والخلفاء المسلمين وبه الكثير من المعلومات عن الغزوات التى قام بها العرب ضد الشعوب الآمنة ، مثلما فعل الغزاة السابقون واللاحقون ، وأنّ تلك الغزوات كان هدفها احتلال أراضى غيرهم من الشعوب ونهب ثرواتهم ، وكانت حجة (نشر الإسلام) مجرد غطاء لتبرير الغزو والاحتلال ، ولكن كان الكتاب به الكثير من التناقضات التى أضعفتْ مستواه ، وهى التناقضات التى يتجنــّب الأصوليون التعرض لها وهم يهاجمون الشيخ الجليل الذى كان له فضل وأد فكرة الخلافة لتلبية رغبة الملك فؤاد بدعم من شيوخ الأزهر، ولذلك وقفوا ضد على عبد الرازق واتهموه بما ليس فيه لأنه كان مثلهم من المدافعين عن الإسلام ، بينما هو ضد الخلافة الإسلامية التى رأى أنها قامتْ على القوة المادية المسلحة. وعلى جمع الجزية وغنائم الحرب. وأنّ الرسول غزا المـُخالفين لدينه من قومه العرب ، وغنم أموالهم وسبى رجالهم ونساءهم ، كما غزا الشعوب غير العربية. ولذلك أرى أهمية أنْ يقرأ جيل الشباب كتابه رغم ما فيه من تناقضات.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العداء الإسلامى/ العروبى للقومية المصرية
- الفرق بين (الجهل) و(الأمية)
- المؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف
- قتل الفلاسفة بين المُحرّض والمُُنفذ
- مصر وكيف كانت البداية
- تيارالقومية المصرية قبل يوليو1952 (4)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952(3)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952 (2)
- تيار القومية المصرية قبل يوليو1952 (1)
- الفن التشكيلى قبل يوليو1952 (2)
- الفن التشكيلى قبل يوليو1952 (1)
- نماذج من الكتب الصادرة قبل يوليو1952
- الصحافة المصرية قبل يوليو1952
- المجلات الثقافية قبل يوليو1952
- مصر فى عهد النهضة والمرأة : 4- روزاليوسف
- مصر فى عصر النهضة والمرأة : 3- نبوية موسى
- مصر فى عصرالنهضة والمرأة : 2- هدى شعراوى
- مصر فى عهد النهضة والمرأة
- شهادة ضباط عاشوا مذبحة يونيو67
- نظام يوليو1952 والعداء للديمقراطية


المزيد.....




- مصر.. شهادة -صادمة- لجيران قاتل -طفل شبرا-: متدين يؤدي الصلو ...
- السعودية.. عائض القرني يثر ضجة بتعداد 10 -أخطاء قاتلة غير مع ...
- كاهن الأبرشية الكاثوليكية الوحيد في قطاع غزة يدعو إلى وقف إط ...
- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته