أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)















المزيد.....


الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4472 - 2014 / 6 / 4 - 12:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



فى الديانة العبرية (اليهودية / المسيحية / الإسلام) قصص خلق الإنسان من تراب ، والأب الذى كان ينوى ذبح ابنه ثم أنزلتْ السماء كبشـًا (كفدية) والطفل الذى ألقته أمه فى الماء، ثم جاء من أنقذه، وقصة الطوفان إلخ ثم جاء العلم الحديث ليُـثبتْ أنّ كل تلك القصص لها جذور لدى العديد من الشعوب القديمة. وكان علماء الأنثروبولوجيا فى مقدمة العلماء الذين اهتموا بدراسة معتقدات تلك الشعوب ، وقد ساعدهم فى ذلك علم الآثار الذى كشف عن العديد من الحفريات ، وباستخدام الكربون 14 المُـشع الذى يُحدّد زمن الأثر، فتبيّن للعلماء وجود العديد من الألواح الطينية عليها بعض النقوش أو الرسومات التى تحكى عن بداية الخلق وغيرها من القصص .
من بين العلماء الذين اهتموا بدراسة معتقدات الشعوب القديمة يبرز اسم العالم الاسكتلندى جيمس فريزر(1854- 1941) مؤلف الموسوعة المهمة (الغصن الذهبى) والعديد من الكتب الأخرى من بينها كتابه المهم (الفولكلور فى العهد القديم) الذى بدأه بالكشف عن التناقض الواضح بين الإصحاح الأول والإصحاح الثانى من سِفر التكوين عن قصة خلق الإنسان، إذْ فى الإصحاح الأول أنّ الإله خلق السمك والطيور إلخ وفى اليوم السادس خلق كل الحيوانات ، وأخيرًا خلق الإنسان على صورته. وفى الإصحاح الثانى رواية مختلفة تمامًا بل تتناقض مع الرواية الأولى، إذْ ينص على أنّ الإله خلق الإنسان أولا. ثم خلق الحيوانات. وهذا التناقض يدل على أنّ كاتب القصتيْن استمدهما من مصدريْن مختلفيْن دون أنْ يُجهد نفسه فى مراعاة التناقض بينهما. وقد تبيّن أنّ قصة الخلق فى الإصحاح الأول مُستمدة مما يسمونه بالمصدر الكهنوتى الذى ألفه كهنوتيون أثناء السبى البابلى أو بعده . أما قصة الخلق فى الإصحاح الثانى فمُستمدة مما يُسونه المصدر اليهودى الذى تمّ تأليفه قبل المصدر الكهنوتى بمئات السنين ، أى حوالىْ القرن التاسع أو الثامن ق.م. كما نلاحظ أنّ خلق المرأة من ضلع آدم فيها احتقار شديد للمرأة. إذْ تأخر((خلقها فضلا عن الطريقة الشاذة غير المُشرّفة التى خُلقتْ بها. إذْ شكلها الإله من جزء من جسم سيدها آدم ، بعد خلق الحيوانات بطريقة طبيعية. كما أنّ المؤلف اليهودى تصوّر أنّ الإله شكـّـل آدم من الطين على نحو ما يفعل صانع الفخار. أو الطفل حين يُشكل دمية من الطين.
وأشار فريزر إلى أنّ فكرة العبريين فى أنّ الجنس البشرى يرجع فى أصله إلى التراب ، تتضح من أنّ كلمة (أدمة) فى لغتهم معناها الأرض. وهى الصيغة المؤنثة لكلمة (آدم) ومعناها الرجل . ويبدو من نصوص مختلفة فى الأدب البابلى أنّ البابليين كانوا يرون أنّ الإنسان خُـلق من طين . وفى الأساطير المصرية أنّ الإله (خنوم) خلق الإنسان من الطين . وفى الأساطير اليونانية أنّ بروميثيوس خلق الإنسان الأول من الطين . لذلك فإنّ ((هذه الأفكار الساذجة عن خلق الإنسان كانت مألوفة عند الإغريق والعبريين والبابليين والمصريين القدماء ، وانتقلتْ إلى الشعوب القديمة عن طريق جدودهم الأوائل. وقد حكى سكان استراليا الذين يقطنون ملبورن أنّ الخالق ((قطع ثلاث شرائح من لحاء الشجر ثم وضع بعض الطين على إحدى هذه الشرائح وأخذ يُسويه بسكينه حتى صار قوامه مُعتدلا. ثم وضع كمية أخرى من الطين على شريحة أخرى وشكلها على هيئة إنسان . وحكى سكان نيوزلنده أنّ الإله أخذ طينـًا أحمر من جانب النهر وعجنه بدمه وشكله على صورته. ومن الروايات الشعبية الشائعة فى تاهيتى أنّ الإله خلق الإنسان من الطين الأحمر. وأنّ الإله نادى الرجل باسمه. فلما جاء سلــّط عليه النوم . فلما استغرق فى نومه انتزع منه عظمة وصنع منها امرأة وقدّمها للرجل ليتخذ منها زوجة له. ومن هذيْن الزوجيْن تناسلتْ البشرية. وهذه الحكاية وُجدتْ فى مناطق أخرى من (بولينيزيا) فقالوا إنّ الرجل الأول خُـلق من حجر ثم قرّر أنْ يخلق امرأة فجمع ترابًا وشكله فى صورة امرأة ثم انتزع ضلعًا من جنبه الأيسر وزجّ به فى تمثال المرأة فدبّتْ فيها الحياة وأطلق عليها اسم (ايفى) أى الضلع واتخذ منها زوجة له. ومنهما تناسل الجنس البشرى . وبناءً على ذلك – كما كتب فريزر- فإنّ ((قصة خلق أول امرأة من ضلع أول رجل صادفتنا فى أماكن أخرى فى شكل روايات شديدة الشبه بحكاية الكتاب المقدس ، لدرجة أننا لا يمكن أنْ نعدها مستقلة عنها. فسكان بورما يقولون إنّ الإله خلق الرجل من التراب ثم خلق المرأة من ضلع الرجل)) والتتار سكان سيبيريا يروون حكاية مؤداها أنّ الإله خلق الرجل فى البداية. وبينما الرجل كان نائمًا لمس الشيطانُ صدره فبرزتْ عظمة من بين ضلوعه. صارتْ المرأة الأولى . وبذلك فإنّ التتار ((عمّقوا نغمة السخرية عند كاتب سِفر التكوين حينما جعلوا للشيطان يدًا فى خلق أمنا الأولى))
ومن الحكايات الطريفة حكاية قبيلة من شرق الهند ملخصها أنّ الإله خلق العالم والأشجار والحيوانات الزاحفة فى البداية. ثم شكل رجلا واحدًا وامرأة واحدة من الطين. وكانت حية تتسلل كل ليلة بعد أنْ يفرغ الإله من عمله وينام . فتبتلع الحية النموذجيْن اللذيْن صنعهما الإله. وتكرّر الأمر أكثر من مرة. فكاد الإله يفقد صوابه. ولكنه استيقظ مبكرًا ذات صباح وشكـّـل نموذجًا لكلب وبثّ فيه الحياة. وعيّنه حارسًا على النموذجيْن الجديديْن ، فلما تسللتْ الحية إليهما نبح الكلب فهربتْ الحية. وتكرّرتْ هذه الحكاية فى الميثولوجيا الهندوكية عند قبيلة (كوركوس)
وفى إفريقيا أسطورة خلق الإنسان من طين تنتشر بين قبائل (الشلوك) من سكان النيل الأبيض . ومن أساطيرهم يتبيّن اختلاف ألوان الجنس البشرى ، باختلاف لون الطين . ومن حكاياتهم أنّ الخالق (جووك) شكل الناس جميعًا من التراب. وأنه كان يتجول فى أنحاء العالم . وفى بلاد الناس البيض عثر على تراب أو رمل أبيض نقى ، فشكل منه الناس ذوى البشرة البيضاء. ثم وفد على أرض مصر فشكل من طمى النيل أناسًا ذوى بشرة بنية. وأخيرًا وصل إلى أرض الشلوك ووجد بها تربة سوداء فشكل منها الناس ذوى البشرة السوداء.
وفى الاسكيمو والهنود الذين يسكنون فيما بين ألاسكا وبرجواى فى أميركا أسطورة عن خلق الإنسان من طين . وهكذا ضرب فريزر العديد من الأمثلة لشعوب كثيرة دارتْ معتقداتها حول فكرة خلق الإنسان من طين أو تراب ، مع الاختلاف فى بعض التفاصيل.
أما العلم الكبير هـ . ج. ويلز فذكر فى كتابه (موجز تاريخ العالم) أنّ قصة خلق العالم زاخرة بالأساطير. وكان الناس – حتى فى الدول المتحضرة- يعتقدون أنّ العالم تمّ خلقه على حين غرة عام 3004 ق.م وإنْ اختلفتْ الثقافات فيما إذا كان الخلق فى خريف تلك السنة أو فى ربيعها . والسبب فى هذا الوهم الخاطىء يعود إلى المبالغة فى تأويل العهد القديم العبرانى تأويلا حرفيًا ، وعلى افتراضات وتفسيرات لاهوتية مُـتعسفة. وبعد التطور العلمى تخلى العلماء والفلاسفة عن هذه الأفكار. وأنّ خلق العالم سبق هذا التاريخ بزمن بعيد ، ولازالت بدايته غامضة. وأنّ العلم الحديث قدّر عمر الأرض بأكثر من بليونى سنة. وأنّ ما ورد فى العهد القديم عن قصة الخلق لا علاقة له بالاكتشافات العلمية الحديثة ، بل مُـتناقضة معه أشد التناقض ، خاصة ((وأنّ اليهود لم يكونوا شعبًا متحضرًا. ولم يكن فيهم إلاّ قلة ضئيلة تستطيع القراءة والكتابة. وأنّ قصص خلق العالم وآدم وحواء والطوفان التى تبدأ بها التوراة ، فإنها وثيقة المماثلة لأساطير بابلية تشبهها ، وكانت من المعتقدات الشعبية الشائعة لدى الشعوب السامية كافة. وكذلك قصص موسى وشمشون فإنّ لها نظائر سومرية وبابلية. وما ذكره (ويلز) أكده علماء وفلاسفه كثيرون من بينهم الفيلسوف برتراند رسل فى كتابه (الدين والعلم)
وقد تطابق القرآن مع العهد القديم حول قصة الخلق ، مع اختلاف فى بعض التفاصيل ، فالتوراة تنص على أنّ الإله بعد أنْ خلق السموات والأرض ((وكل جندها وفرغ الله فى اليوم السابع من عمله الذى عمل. فاستراح فى اليوم السابع)) (تكوين- الإصحاح الثانى) أى أنّ عملية الخلق استغرقتْ منه ستة أيام ، وهنا يأتى التطابق بينه وبين القرآن فورد فيه ((الذى خلق السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ثم استوى على العرش)) (الفرقان/59) أى أنّ التوراة والقرآن اتفقا على حكاية الأيام الستة. ثم جاء الاختلاف فيمَ فعل الإله بعد ذلك، فاستراح (فى التوراة) واستوى على العرش (فى القرآن) وهو ما تكرّربالحرف فى سورة السجدة/4 وفيها تأكيد على ((وبدأ خلق الإنسان من طين)) (آية 7) والتأكيد على أنّ الخلق استغرق منه ستة أيام تكرّر فى سورة ق/38. ثم تكرّر فى سورة الحديد مع التأكيد على أنه استوى على العرش بعد الأيام الستة (آية 4) وإذا كان الإله خنوم خلق الإنسان على عجلة الفخار، فقد نصّ القرآن على ((خلق الإنسان من صلصال كالفخار)) (الرحمن/14) وكررها فى سورة الحجر/28.
وكذلك فيما يتعلق الأمر بحكاية (آدم) و(حواء) من حيث التشابه بين المصدريْن العبرييْن (التوراة والقرآن) مع اختلاف فى بعض التفاصيل. فى التوراة ((وجبلَ الربُ الإله آدم ترابًا من الأرض ونفخ فى أنفه نسمة حياة)) إلى أنْ يقول ((فأوقع الرب الإله سباتــًا على آدم فنام فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحمًا. وبنى الربُ الإله الضلع التى أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم)) (تكوين الإصحاح الثانى) وهذا النص طبق الأصل كما ورد فى أسطورة من الأساطير التى ذكرها فريزر. وفى القرآن سورة الروم /21 وفسّرها (جلال الدين محمد المحلى وجلال الدين السيوطى) فى تفسيرهما المشترك فكتبا ((ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجًا.. فخُـلقتْ حواء من ضلع آدم)) (تفسير الجلاليْن- شركة الشمرلى للطبع والنشر- بتصريح من مشيخة الأزهر- برقم 330بتاريخ 15/7/1979)
وكذا فيما يتعلق بحكاية الطرد من الجنة. فورد فى سفر التكوين ((وأخذ الربُ الإله آدم ووضعه فى جنة عدن.. وأوصى الرب الإله آدم قائلا من جميع شجر الجنة تأكل أكلا . وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها تموت)) (الإصحاح الثانى) ولكن كاتب الحكاية نسى ما كتبه فى الإصحاح الأول وتناقض مع نفسه فى الإصحاح الثالث ، لأنه تنبه إلى هذا التناقض ، فلو تحقــّـق كلام الرب ، كما تود الرواية العبرية- فكيف يكون التناسل بعد موت (آدم) لذلك قال فى الإصحاح الثالث ((وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية. فقالت للمرأة أحقــًا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة. فقالت المرأة للحية من ثمر شر الجنة نأكل . وأما ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تلمساه لئلا تموتا . فقالت الحية لن تموتا)) وتستمر الحكاية فى وصف تفاصيل الأكل من الشجرة المُحرّمة إلى أنْ يقول النص ((وقال الرب الإله هو ذا الإنسان قد صار كواحد منا عارفـًا الخير والشر... فأخرجه الرب من جنة عدن.. فطرد الإنسان وأقام شرقىْ جنة عدن.. إلخ)) وهكذا كانت المفارقة : أنّ الرب لم يُنفذ تهديده لآدم بالموت لو أكل من الشجرة المُحرّمة. وأنّ نبوءة الحية هى التى تحققتْ فلم يمتْ آدم ، واكتفى الإله بعقوبة الطرد ، وهى عقوبة يتوقف العقل الحر أمامها مُـتسائلا بسذاجته الفطرية : لماذا منع (الرب) آدم وحواء من أكل شجرة معرفة الخير والشر؟ ولماذا – حسب النص – يحتكر هو هذه المعرفة ؟ والسؤال الثالث هو: كيف عرف الإنسان الخير والشر- بمجهوده الذاتى- وكيف تمكن من التفرقة بينهما؟
ثم جاء القرآن ليؤكد الحكاية التوراتية مع اختلاف فى التفاصيل فقال ((ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين . فوسوس لهما الشيطان... وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلاّ أنْ تكونا ملكيْن أو تكونا من الخالدين.. فلما ذاقا الشجرة بدتْ لهما سوءاتهما)) إلى ((قال اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم فى الأرض مستقر ومتاع إلى حين)) (الأعراف- من 19- 24) ثم كرّر نفس المعنى فى سورة طه من 116- 123. والفرق أنّ المُحرَض على الغواية والأكل من الشجرة المُحرّمة فى التوراة هى الحية، بينما هو الشيطان فى القرآن . ولكن المغزى واحد والنتيجة واحدة . تحريم الأكل من الشجرة المُحرّمة (فى التوراة شجرة معرفة الخير والشر. وفى القرآن شجرة الخُـلد) ثم الغواية والعصيان إلى مرحلة الطرد. وحتى فى مسألة الاختلاف بين المُحرّض (الحية أم الشيطان؟) فإنّ ذلك الخلاف حسمه ابن عباس (رضى الله عنه) وغيره من الذين توسعوا فى شرح تلك المُعضلة فكتب الرازى أنهم اختلفوا فى أنه ((كيف تمكن إبليس من وسوسة آدم عليه السلام ، مع إنّ إبليس كان خارج الجنة وآدم كان فى الجنة. فذكروا فيها وجوهًا ، أحدها قول القصاص وهو الذى رووه عن وهب بن منبه اليمانى والسدى عن ابن عباس رضى الله عنهما وغيره. أنه لما أراد إبليس أنْ يدخل الجنة منعته الخزنة (= الحراس) فأتى الحية وهى دابة لها أربع قوائم... فابتلعته الحية وأدخلته الحية خفية من الخزنة. فلما دخلتْ الحية خرج إبليس من فمها واشتغل بالوسوسة. فلا جرم لــُعنتْ الحية وسقطتْ قوائمها وصارت تمشى على بطنها وجعل رزقها فى التراب وعدوًا لبنى آدم)) (لمزيد من التفاصيل انظر: رسالة الدكتوراه للدكتور محمد أحمد خلف الله- الفن القصصى فى القرآن الكريم- دار سينا للنشر- ودار الانتشار العربى- عام 99ص61) وما لم يذكره الرازى ولا خلف الله : هل كان ابن عباس (رضى الله عنه) أحد شهود تلك الواقعة؟ وكيف حدث ذلك رغم الفارق الزمى بين عصره وعصر الخلق الأول بفرض صحته؟
ثم يتكرّر التشابه بين التوراة والقرآن فى قصة المعركة التى دارتْ بين ابنىْ آدم وانتهتْ بأنْ قتل أحدهما الآخر مع اختلاف فى بعض التفاصيل . والحكاية أنّ آدم وحواء أنجبا ولديْن : هابيل (راعى غنم) وقايين = قابيل (يعمل بالزراعة) فقدّم كل منهما قربانـًا للرب ، فتقبّل قربان راعى الغنم (دون تفسير) ورفض قربان الزارع (دون تفسير) وتمضى الحكاية فيقول كاتبها أنّ قابيل ((اغتاظ جدًا وسقط على الأرض)) فلماذا انحاز الرب للراعى ضد الزارع؟ سؤال من بين أسئلة عديدة مسكوت عنها فى الثقافة المصرية السائدة البائسة والمنحطة. ثم انتقل الكاتب لحكاية القتل فقال أنّ ((قايين قام على أخيه وقتله. فقال الرب لقايين أين هابيل أخوك ؟ فقال لا أعلم . أحارس أنا لأخى؟)) (تكوين - الإصحاح الرابع) وهنا نلاحظ أنّ بداية النسل العبرى تبدأ بأنْ يقتل الأخ شقيقه. ليس ذلك فقط وإنما يؤكد النص على أنّ القاتل كذاب. ثم جاء القرآن فحكى نفس القصة مع الاختلاف فى بعض التفاصيل فقال ((واتل عليهم نبأ ابنىْ آدم بالحق إذْ قربا قربانـًا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك)) (المائدة/ 27) وفى تفسير الجلاليْن لهذه الآية ((واتل يا محمد علي قومك نبأ ابنىْ آدم هابيل وقابيل إذْ قربا قربانـًا إلى الله. وهو كبش لهابيل وزرع لقابيل . فتقـبّـل من أحدهما وهو هابيل ولم يتقـبّـل من الآخر وهو قابيل)) (تفسير الجلاليْن لسورة المائدة – مصدر سابق) أما الطبرى فكتب أنّ أهل العلم اختلفوا فى السبب الذى من أجله قتل قابيل أخاه فقال بعضهم عن فلان... إلى أنْ وصل لابن مسعود وعدد من أصحاب الرسول. فقالوا ((كان لا يولد لآدم مولود إلاّ وُلد معه جارية هذا البطن . فكان يُزوّج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر حتى وُلد له ابنان يُقال لهما قابيل وهابيل . وكان قابيل صاحب زرع وهابيل صاحب ضرع . وكان قابيل أكبرهما وكانت له أخت أحسن من أخت هابيل . وأنّ هابيل طلب أنْ ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال هى أختى وُلدتْ معى وهى أحسن من أختك وأنا أحق أنْ أتزوّجها. فأمره أبوه أنْ يُزوّجها هابيل فأبى وأنهما قرّبا قربانـًا إلى الله أيهما أحق بالجارية. وقال آخرون أنّ آدم كان يولد له من حواء فى كل بطن ذكر وأنثى فإذا بلغ الذكر منهما زوّج منه الأنثى التى وُلدتْ مع أخيه الذى وُلد فى البطن الآخر. فرغب قابيل فى توأمته عن هابيل . وعن ابن عباس قال نهى أنْ تنكح المرأة أخاها توأمها وينكحا غيرها من إخوتها وكان يولد فى كل بطن رجل وامرأة فولدتْ امرأة وسيمة وولدتْ امرأة قبيحة فقال أخو الدميمة أنكحنى أختك وأنكحك أختى قال لا أنا أحق بأختى فقربا قربانـًا فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله. ولم يزل ذلك الكبش محبوسًا عند الله عز وجل حتى أخرجه فداء إسحق)) ويستمر الطبرى فى نقل (الخوارق) عن العرب المسلمين فذكر أنه ((كانت حواء فيما يذكرون لا تحمل إلاّ توأمًا ذكرًا وأنثى فولدتْ حواء لآدم أربعين ولدًا لصلبه من ذكر وأنثى فى عشرين بطنـًا. ثم يرتفع سقف (الخوارق) فقال آخرون أنّ حواء ولدتْ لآدم عشرين ومائة بطن أولهم قابيل وتوأمته قليما وآخرهم عبد المغيث . أما ابن إسحق فذكر أنّ حواء ولدتْ أربعين من ذكر وأنثى فى عشرين بطنـًا)) (تاريخ الطبرى المعروف بتاريخ الأمم والملوك- ج1- من ص 92- 101- مؤسسة الأعلمى- بيروت- لبنان- عام 1983)
وهذا النص (وقد اختصرتُ منه الكثير من الخوارق والخرافات) يضع أمام العقل الحر الأسئلة التالية :
• إذا كانت الشعوب القديمة التى لم يكن لديها رسول يوحى إليه من السماء ، معذورة فيما روته من أساطير عن قصة الخلق ، فلماذا تكرّرتْ القصة فى الديانة العبرية (اليهودية/ المسيحية/ الإسلام)؟ فالعهد الجديد ذكر ((بالإيمان قدّم هابيل لله ذبيحة أفضل من قايين . فبه شهد أنه بار إذْ شهد الله لقرابينه)) (الرسالة إلى العبريين – إصحاح11) أى ذات الانحياز للراعى ضد الزارع وهو ما تأكد أكثر فى موضع آخر للتأكيد على أنّ قايين (الزارع) من الأشرار ((لأنّ أعماله كانت شريرة)) (رسالة يوحنا الرسول الأولى – الإصحاح الثالث) فهل هناك تفسر آخر غير أنّ الديانة العبرية بشعبها الثلاث أسفرتْ عن موقفها العدائى ضد أبناء المجتمعات الزراعية؟ وأنّ هذا الموقف يُساعد العقل الحر على معرفة الأسباب الحقيقية لما ورد فى تلك الديانة من عداء سافر، وغير مُبرّر على المستوييْن الإنسانى والتاريخى ضد جدودنا المصريين القدماء.
• فى النص الذى نقله الطبرى وصف الأنثى توأم الذكر ب (الجارية) فكيف تكون شقيقة توأمها وجاريته فى نفس الوقت ؟ ألا يُفصح هذا النص عن نظرة التراث العبرى/ العربى إلى المرأة بتلك النظرة الدونية ، حتى بين الشقيق وشقيقته ؟
• حاول ابن عباس وابن مسعود (رضى الله عنهما) وغيرهما من العرب الخروج من المأزق الذى وضعتْ الديانة العبرية نفسها فيه عندما جعلتْ أنّ التناسل فى ذرية العبريين بدأ بزواج الأخ من أخته، أى بدأ بزواج المحارم الذى نصّتْ عليه تلك الديانة. فكانت الحيلة الساذجة أنّ زواج أبناء آدم كان يتم على أساس أنه لا يجوز زواج الأخ من توأمته. ولكن يجوز أنْ يتزوّج من أخته من (بطن آخر) غير البطن الذى وُلدتْ معه. وتصوّر هؤلاء الفقهاء أنهم بهذه الحيلة أنقذوا المأزق الذى وقعتْ فيه الديانة العبرية ، وتغاضوا عن أنّ النتيجة واحدة ولا تـُغيّر من الموقف حيث أنّ الأب واحد (آدم) والأم واحدة (حواء) وهذا ما دعا الشاعر أبو العلاء المعرى لأنْ يكتب ((إذا تذكرنا قصة آدم وفعاله/ وتزويجه ابنيه لبنتيه فى الخنا / لعلمنا أصل الخلائق/ وأنّ جميع الناس من أصل الزنا)) ولأنّ العبريين والعرب رفضوا التمدن والحضارة كتب ((والعرب خالفتْ الحضارة ، وانتقتْ / سكنى الفلاة ورُعْلــُها وصُفـُارها / كانت إماؤهم زوافر مورد/ فالآن أثقل نـَضْرُها أزفارَها)) وكتب ((تمر حوادثٌ ويطول دهرٌ / ويفتقر المُجيز إلى المُجاز/ لعل الرافديْن ونيل مصر/ يَحـُرْنَ ، فينتقلنَ إلى الحجاز))
فإذا كانت الشعوب التى لم تتعطف عليها السماء بكتاب مُـنزل معذورة فى أساطيرها المُـنافية للعقل ، فلماذا كان التطابق مع تراث تلك الشعوب فيما يتلق بقصة الخلق؟ وكيف تكون الحية - كما ذكر ابن عباس (رضى الله عنه) – ذات قوائم ثم غضب عليها (الله) وجعلها تزحف على بطنها وتعيش على أكل التراب ، لأنها هى التى ابتلعتْ إبليس وأدخلته الجنة ليقوم بدور الغواية؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معوقات الحداثة المصرية
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية (5)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (4)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (3)
- صناعة النجوم والميديا المصرية (2)
- صناعة النجوم فى الميديا المصرية
- المتعلمون المصريون و(الورم) العروبى
- الزواج الثانى للمسيحيين المصريين
- الُمُتنبى بين الشعر والنفاق
- رد على الأستاذ يحيى توتى
- تحرير فلسطين وتحرير إسبانيا
- الصحابة الأثرياء : المال والسلطة
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (3)
- ماذا فعل الصحابة ببعضهم البعض ؟ (2)
- ماذا فعل صحابة محمد ببعضهم البعض ؟
- مجابهة الأصولية الإسلامية (2)
- مجابهة الأصولية الإسلامية (1)
- شجاعة الشيخ على عبد الرازق وتناقضاته
- العداء الإسلامى/ العروبى للقومية المصرية
- الفرق بين (الجهل) و(الأمية)


المزيد.....




- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الديانة العبرية وأساطير الشعوب القديمة (1)