أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)















المزيد.....

مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4550 - 2014 / 8 / 21 - 22:44
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تغافل مؤلف (صدق العمر) عن الكثير من المعلومات التى أدّت لهزيمة بؤونة/ يونيو67، فضيّع على نفسه فرصة دخول التاريخ فى كتابة الدراما التليفزيونية ، من ذلك شهادة عبد الناصر الذى قال لثروت عكاشة أنه بعد الهزيمة ظلّ يبحث عن حكيم فلم يجده. وعندما علم أنه فى مرسى مطروح أرسل له بعض زملائه ((ليستطلعوا رأيه فى عدوله عما اتفقنا عليه. فعادوا وهم يحملون إصراره على رأيه فى الاستقالة. فحاولتُ بعد هذا أنْ أجد حلا وسطــًا فأجعل منه المسئول عن القوات المسلحة فى مجلس الرياسة. غير أنه أصرّ على ألاّ يترك القوات المسلحة وأنْ يكون نائب القائد الأعلى ، فرضيتُ واجتمعتُ وإياه لنختار قائدًا عامًا للقوات المسلحة. فأبى وأصرّ على أنْ يكون له اختصاصات القائد العام منضمة إلى توليه وزارة الحربية)) (مذكراتى فى السياسة والثقافة- دار الهلال- يناير88- ج2- ص394) فشهادة عبد الناصر تؤكد على أنه (حتى بعد الهزيمة) انحاز لتلك (الصداقة) المشبوهة ضد مصلحة مصر. ووصل التدليل لدرجة أنّ عامر رفض عرض عبد الناصر أنْ يكون حكيم النائب الأول لرئيس الجمهورية ما لم يكن مقرونـًا بعودته للقوات المسلحة (396)
وفى جلسة مجلس الوزراء بتاريخ 26 يوليو67 قال عبد الناصر ((لاحظتُ أنّ البعض منا لا يتكلم داخل المجلس بما قد يقترحه وهو خارجه)) وهذا الكلام يعنى أنه يُـشجّع الوزراء على الصراحة وعدم الخوف من إبداء الآراء ، ولكنه تناقض مع نفسه وشطب ما قاله عندما أضاف ((كما أنّ مبدأ التصويت داخل المجلس غير مقبول)) وكانت حجته الساذجة ((فليس مجلس وزرائنا منتخبًا كغيره كما هو الحال فى بريطانيا)) فكأنه يخاطب مجموعة من الأطفال المُعاقين ذهنيًا. أما أهم ما قاله ناصر فى ذات الحديث ((لقد سقط نظامنا يوم 9يونيو. ولا أوافق من يقول بأنّ المظاهرات التى خرجتْ كانت إعرابًا عن الثقة فى النظام)) (404) فهذا النص على لسان عبد الناصر فيه الدليل الأكيد على أكذوبة (حبيب الملايين) وأكذوبة (يا جمال يا مثال الوطنية) إلى آخر كل تلك الأكاذيب ، والأهم – كما ورد فى ذات النص – أنّ عبد الناصر كان – فى لحظة صدق مع النفس – هَدَمَ أسطورة 9يونيو عندما خرج شعبنا ليقول لمهندس الهزيمة استمر فى الحكم بعد كل الخراب الذى سببته لمصر. وإذا كان شعبنا له العذر- بسبب قوة الميديا الناصرية ، وبسبب الطــُعم الذى دسّه هيكل فى الخطاب (ترشيح زكريا محيى الدين لرياسة الدولة بمراعاة رضا أميركا عنه) فليس للمتعلمين المصريين المحسوبين على الثقافة السائدة البائسة والمنحطة أى عذر. ولكن عبد الناصر الذى كان صادقــًا فى قوله السابق ، إلاّ أنه كان متناقضًا مع نفسه عندما قال فى ذات الجلسة ((إنى لم أسمع خلال رئاستى لهذا المجلس أى نقد ذاتى . ولم ينبر أى وزير يتحدث عن أخطائه فى دائرة اختصاصه)) فمن السبب فى تلك الظاهرة ؟ وهل لو كان الوزراء يعملون مع رئيس دولة يؤمن بالديمقراطية كانوا سيخافون منه ويتملقونه أم كانوا سينتقدون سياسته كما هو الحال فى النظم الديمقراطية ؟ كما أنه ركز على (النقد الذاتى) ولم يتعرّض لنقد منظومة الحكم ككل ، خاصة وأنه فى جلسة 2 أغسطس 67 بمجلس الوزرء قال إنّ ((المعارضة فى مجلس الأمة جبانة)) والأكثر فداحة (وهو ما يدخل فى باب الكوميديا السوداء) قوله ((فلقد ثبتَ لى بما لا يقبل الشك فشل تجربة تعلق النظام بشخص واحد)) (407) فمن الذى أرسى قواعد (تجربة التعلق بشخص واحد) ؟ أليس هو الزعيم الواحد الأوحد الذى أقصى ونفى واعتقل وقتل كل من اعترض على سياساته التخريبية ؟ حتى من بين المؤمنين به مثلما حدث مع المناضل المثالى شهدى عطية الشافعى؟ ورغم كلام ناصر عن ضرورة وجود (معارضة) داخل مجلس الوزراء ، فإنّ الواقع كذبه باعتراف الضابط / الوزير/ المثقف ثروت عكاشة الذى كتب أنه حين أراد الاطلاع على مضابط مجلس الوزراء فلم يتمكن من ذلك وقال له زبانية النظام ((ممنوع)) (408) وكان تعقيب عكاشة ((إنّ الظروف الماضية خلقتْ مؤسسة كبرى ذات فروع هى مؤسسة الخوف : الخوف من إبداء الرأى ، الخوف من مغبة عدم إبدائه ، الخوف من مجرد نقل رأى الآخرين خشية أنْ يُصاب هؤلاء بضرر، أو أنْ تمتد إليهم يد الملاحقة ، وكانت النتيجة أنْ آثر الناس العافية ولجأوا إلى الصمت المُريح)) بينما الناس العاديون ((يتكلمون علنـًا فى المقاهى والجامعات والمنتديات.. عن فساد القوات المسلحة والقطاع العام وأجهزة الحكم عامة. وأشار البعض إلى سيطرة غير المؤهلين من العسكريين على عديد من المؤسسات والشركات وأجهزة الحكم . ولما تقدم زكريا محيى الدين بالاستقالة تساءل الناس عن السبب ولماذا لم يذكر الإعلام هذا السبب؟ كما يؤمن الناس بعدم فاعلية مجلس الأمة وعدم قدرته على محاسبة المسئولين أولا بأول مما جعله جهازًا مقطوع اللسان (411) فمن الذى جعل هذا الجهاز(مجلس الأمة) مقطوع اللسان؟ أليس هو رئيس المجلس أنور السادات الذى وضع مؤلف صديق العمر الكثير من مساحيق التجميل على دوره فى المسلسل ؟ ومن الذى عيّن السادات ليكون رئيس مجلس الأمة ؟ أليس هو عبدالناصر الذى اختاره (أيضًا) ليكون نائبه تمهيدًا لخلافته بعد وفاته وليكون هو البديل عن زكريا محيى الدين ، لأنّ أميركا – وفق نص عبد الناصر- عاوزه واحد ترضى عنه (أى أمريكانى) والدليل على ذلك أنّ السادات قال بعد أنْ صار هو رئيس مصر أنّ (99% من أوراق الشرق الأوسط فى يد أميركا))
وكان من بين أهم ملاحظات ثروت عكاشة أنه رغم مرارة الهزيمة – ورغم بقاء عبد الناصر فى الحكم بخدعة (التنحى) فإنّ المثقفين وأهل الثقافة لا يؤمنون بأنّ الوضع تغير رغم فداحة الهزيمة. والأكثر فداحة- التناقض بين الشعارات والواقع : فبينما النظام الناصرى طنـْطنَ بشعارات (الاشتراكية العربية) و(تذويب الفوارق بين الطبقات) فإنّ الواقع كان نقيض ذلك بشهادة عكاشة الذى كتب ((هناك إحساس بأنّ الأغنياء يزدادون غنى والفقراء يزدادون فقرًا وأنّ الفوارق بين الدخول ما زالت واسعة فى (مجتمع اشتراكى) بالإضافة إلى نشوء طبقة جديدة لم تـُمس أو تـُحاسب)) كما كان عكاشة شجاعًا عندما نصح عبد الناصر بأنه لما ((كانت الريبة سيفـًا مُسلطــًا على رقاب الشرفاء ، فأرجو أنْ يتفضل السيد الرئيس بأنْ يعطى الضباط الذين خرجوا ليلة 23يوليو أسبقية فى فحص إقراراتهم (المالية) قبل أى فئة أخرى حتى لا تظل الشكوك تحوّم حولهم فتـُنصف الشريف وتحاسب غير الشريف)) فكان الرد التقليدى من ناصر بأنْ قال إنّ ((ظهور الطبقة الجديدة هى ظاهرة حتمية)) وعندما سأله : هل تمّ الحصول على طائرات أكثر تقدمًا من الميج 17 أو 19 يكون مداها مكافئـًا لطائرات العدو (الفانتوم)؟ رد عليه عبد الناصر: ولماذا تسأل هذا السؤال ؟ قال : كى أستنير. فكان رد (نبى العروبة) : مش ضرورى تستنير. وضجّ المجلس بالضحك وكان تعليق عكاشة ((ولقد دُهشتُ لتلك الإجابة التى لم أفهم لها سببًا ، كما عجبتُ لضحك الزملاء الذى بدتْ فيه روح المجاملة للرئيس.. ولم أعد أشك فى أنّ هيبة الرئيس قد أسهمتْ فى صنع حاجز بينه وبين بعض وزرائه ومعاونيه ، فقد كانوا يخشون ردود فعله حتى إنْ جاءتْ على نحو ما حدث معى . ولم يعد البعض يتحدث أمامه إلاّ بما يعرفون أنه يرضيه وصمتوا على مثالب لو جرأوا على مناقشتها معه لأمكن تلمس سبيل الخلاص منها)) وعن التناقض بين كلام عبد الناصر والواقع كتب ((على أنّ ما كان عبد الناصر ينتقده ظلّ باقيًا على حاله ، فلم يقف طموح (الطبقة الجديدة) عند حد حتى غدتْ سرطانـًا داخل أجهزة الدولة. واستمرتْ مؤسسات الدولة اقطاعيات حقيقية يسود فيها ما وصفه عبد الناصر نفسه ((منطق الشِلل والعصابات)) وهو الوضع الذى استمرّ بعد وفاته بل زاد واستفحل مُـتخذا أشكالا جديدة مُـتطورة ومُبتكرة)) (من 412- 417)
وعندما استدعاه عبد الناصر لينضم إلى (التنظيم السرى الطليعى) فى خريف عام 63 فإنّ عكاشة وافق ورغم ذلك كتب ((ما هو الغرض من جعل التنظيم سريًا طالما أنّ نظام الحكم هو الذى أنشأه؟)) و((كيف ينشأ تنظيم من أعلى إلى أسفل؟ بينما يقتضى المنطق العكس)) فهل انتبه مؤلف (صديق العمر) لتلك الفانتازيا (الواقعية) التى يتمنى المُبدعون الحقيقيون العثور على مثلها ؟ ولما علم عكاشة أنّ (جهازًا خفيًا) كان يكتب التقارير لعبد الناصر(عن التنظيم السرى الطليعى) وأنّ ((بعض أعضاء التنظيم من الخلايا الأخرى تضم شخصيات مشهود لها بالإنحلال أو الانتهازية أو الجهل أو الفساد ، وإذا هو(ناصر) على علم بهذا كله. فكان رد (نبى العروبة) على عكاشة ((أنت سقطت فى امتحان التنظيم ورفتوك (إحنا المصريين بننطقها بالدال – رفدوك) إنت وأعضاء خليتك)) (من 422- 424) فهل انتبه المؤلف لتلك الكوميديا الساخرة ؟ خاصة وأنّ النظام الناصرى/ البوليسى واجه مظاهرات العمال والطلبة يوم 21 فبراير68 احتجاجًا على الأحكام (المُخفــّـفة) والهزيلة التى صدرتْ على قادة سلاح الطيران بعد هزيمة يونيو67 بإطلاق الرصاص عليهم . ثم تستمر المأساة / الملهاة عندما أنكر وزير الداخلية إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين، بينما كان عكاشة أحد شهود العيان على المذبحة التى تعرّض لها العمال والطلبة. وأنّ سعد الدين وهبة (أحد رموز النظام) تعرّض للإصابة. وأنّ من بين شعارات المُـتظاهرين ((ما فيش تغيير بالمره.. والعيشه بقت مره)) وأنّ عبد الناصر سمع هذه الهتافات وتأثر بها ثم كان تعقيب عكاشة الكارثى ((كان عبد الناصر شديد الحساسية بانفعالات الجماهير والتأثر بصوتها الصادق)) (424، 425) فهل انتبه المؤلف إلى تلك المفارقة التى تصنع الدراما (من قلب الواقع) : عكاشة الذى كتب عن دكتاتورية عبد الناصر والذى يضيق صدره بأى نقد لسياساته والذى كان يأمر بالتجسس على مكالمات المواطنين بما فيهم الوزراء، ورغم ذلك يتناقض مع نفسه ويصف الدكتاتور بأنه ((كان شديد الحساسية بانفعالات الجماهير))
ولو أنّ المؤلف استجاب لنداء الدراما الراقية ، كان عليه التعامل مع واقعة الاضطهاد الذى تعرّض له ثروت عكاشة (الذى شغل منصب وزير الثقافة مرتيْن فى عهد عبد الناصر) والتقارير التى كان يكتبها وزير الداخليه ضده ويُقدّمها لعبد الناصر ومنها (كمثال واحد) ما تعرّض له بعد عرض مسرحية (ثورة الزنج) تأليف الشاعر الفلسطينى معين بسيسو، والتقارير التى كتبها زبانية مباحث النظام ضدها ، فما كان من عبد الناصر إلاّ أنْ قال لعكاشة ((هل لك أنْ تـُريحهم وتوقف مسرحية ثورة الزنج التى أصابتنى تقارير وزارة الداخلية والاتحاد الاشتراكى عنها بالصداع ، ألم يكفنا زنجى واحد دوّخنا إلى أنْ تخلصنا منه ؟ فعليك أنت الآخر أنْ تـُخلصنا من ثورة الزنج)) (427) هذا هو ما نزل به الوحى على رأس نبى العروبة : 1-السخرية من ثورة الزنج 2- التخلص من ثورة الزنج 3- مؤلف المسرحية فلسطينى والمسرحية بها اسقاط (فنى) عن نضال الشعب الفلسطينى ، خاصة أنّ مؤجج الثورة على بن محمد صاحب الزنج وقام بثورته ضد الدولة العباسية واستمرتْ الثورة لمدة أربع سنين . وهنا كشف نبى العروبة نفسه وعرى أكاذيبه وشعاراته عن (تحرير فلسطين) والعداء لإسرائيل. وكان تعقيب عكاشة أنّ الوزراء راحوا يُقهقهون بصوت مرتفع مجاملة لعبد الناصر وسخرية من عكاشة. وكتب ((وإذا كان الموجودون من الوزراء يومذاك تجمعهم مع وزير الداخلية رابطة واحدة فلم يكن لى أنْ أستشهد وأنا أكتب هذه السطور إلاّ بالأستاذ صلاح الشاهد الذى لم يكن من بينهم فعرضتُ عليه ما كتبتُ لأضمن أنى لم أبعد عن الحقيقة وإذا هو يُعزّز صدق ما كتبتُ ويُدون شهادة هذا نصها ((أشهد أنّ هذه الوقائع صادقة. على أنى أضيف أننى كنتُ أتعمّد مجيىء الدكتور ثروت عكاشة إلى المطار فى هذا اليوم بالذات لأنى كنتُ أتوقع الحديث الذى دار بين الرئيس عبد الناصر والسيد وزير الداخلية لأنه فى صباح اليوم كنتُ أعاتب الرئيس على وضعى تحت المراقبة التليفونية بأمر من سامى شرف فإذا به يقول لى مداعبًا : أتشكو من المرافبة التليفونية بينما تصلنى عنك يوميًا تقارير من سامى شرف تودى بك إلى حبل المشنقة))
وبينما أفرد المؤلف للسادات دورًا لا يستحقه فإنّ عكاشة ذكر أنّ السادات ((فى لقاءيْن متكرريْن مُستْ فيهما كرامته)) وكان تعقيب عكاشة ((وقد عجبتُ عندها كيف لم ينبس ببنت شفة. بل افترّ ثغره عن ابتسامة عريضة وكأنه يتلقى إطراءً أو يُـقلد وسامًا ، كان أولهما فى استراحة برج العرب مع عبد الناصر والثانى فى جنازة أحد الأصدقاء مع عبد الحكيم عامر، وقعا فى حضورى عرضًا ولن أذكر عن تفاصيلهما شيئـًا ، إذْ كم تمنيتُ إنى لم أكن شاهدهما ، فلا أحب أنْ أشهد مشهدًا فيه إذلال لإنسان ما ، فلسوف يجر علىّ كراهية لا داعى لها ممن يُذل فى حضورى . وثمة وقائع أكثر أهمية أعتقد أنها تركتْ أثرًا فى نفسه ، منها أنه وصلنى تقرير من مدير المخابرات العامة فى الرابع من ديسمبر58- ولا يزال هذا التقرير فى يدى – يُـشير إلى محاولة أنور السادات – وكان رئيسًا للمؤتمر الإسلامى آنذاك – الاستيلاء على قطعة أرض فى هضبة الأهرام وإصراره على بناء استراحة بها رغم مخالفة ذلك للقانون. إذْ كان الموقع من أرض الآثار المُحرّم البناء فوقها . وقد أبلغنى مدير المخابرات العامة أنه بالاتصال بالسيد السادات طمأنهم بأنه سيبحث حلا للمشكلة مع وزير الثقافة. وعندما اتصل بى حاولتُ جهدى أنْ أبين له فى لطف وكياسة عجزى عن التصريح له بالبناء فى هذا الموقع لأنّ القانون لا يُبيح البناء فى هذه المنطقة على الاطلاق ، وأنّ أية مبانٍ تـُـقام عليها تـُزال بحكم القانون ، فإذا هو يفاجئنى بقوله : إذن سأبنيها للمؤتمر الإسلامى . فكرّرتُ له اعتذارى عن هذا أيضًا لأنّ البناء محظور على أى نحو كان . وقد أحسستُ أنّ ردى هذا قد أغضبه. وفى لقاء آخر بيننا وقع فى الفترة بين وفاة عبد الناصر وانتخابه رئيسًا للجمهورية. ولم يكن لقاء مواجهة بل عن طريق سكرتيره السيد محمد أحمد الذى اتصل بى تليفونيًا ليُخطرنى بأنّ السادات أصدر أمرًا بإخلاء متحف محمد محمود خليل وحرمه من مقتنياته على الفور. وإيقاف عمليات البناء فى (قصر الفنون) الذى كان يُـشيد منذ سنوات فى حديقة قصر محمد محمود خليل بعد أنْ اشترتها وزارة الثقافة من الورثة ، لأنه تقرّر استخدام المتحف وقصر الفنون ثكنة عسكرية للحرس الجمهورى ومكاتب لرياسة الجمهورية ، نظرًا لوقوعهما عبر الطريق الفاصل بينهما وبين منزل السادات بالجيزة. وكان وقع هذا فى نفسى مذهلا خاصة أننا كنا فى وزارة الثقافة نعانى نقصًا فى تمويل مشروعاتنا إذْ كانت وزارة الخزانة شديدة التقتير علينا كما كنا نحن فى حرج شديد من الإلحاح عليها ونحن نعلم أنها مثقلة بأعباء تدبير شئون الدفاع لرد العدوان والثأر لهزيمة67. ومع ذلك كنا تواقين إلى إقامة منارة للفنون. وقد أوضحتُ للسيد محمد أحمد وجهة نظرى بوصفى الوزير المسئول بأنّ إخلاء المتحف يعد خرقــًا للوصية التى أؤتمنتْ الدولة على تنفيذها. وكان أول إجراء للدولة بعد خروجى من الوزارة فى نوفمبر70 هو نقل محتويات متحف محمد محمود خليل وحرمه والاستيلاء على ما تمّ تشييده من قصر الفنون وتحويلهما إلى ثكنة ومكاتب لرياسة الجمهورية)) وبعد أنْ تولى السادات الرئاسة قال لعكاشة ((هناك من يقول بصعوبة التعامل معك)) ولما سأله من الذى قال ذلك ؟ ذكر له اسم سامى شرف فكان تعليق عكاشة ((لم أدهش . فعلمى عن سامى شرف وصحبه أنهم عاشوا لتدبير المكائد وهم وغيرهم من مراكز القوى على اختلاف نزعاتهم وتنافرهم)) (من 454- 457) وما لم يذكره عكاشة أنّ السادات عيّن الناقد الكبير بدر الدين أبوغازى وزيرًا للثقافة الذى أصرّ على إخلاء أسرة السادات والموظفين من متحف محمد محمود ، فكان مصيره الطرد من الوزارة بعد عدة شهور، فخرج مرفوع الرأس بصفته أحد العظماء الذين تحدوا بطش سلطة السادات الذى اختاره ناصر ليخلفه فى رئاسة مصر. وهكذا فوّت مؤلف صديق العمر فرصة الإبداع الفنى الصادق ، خاصة وأنّ عناصر الدراما مستمدة من الواقع ، ولم يبق إلاّ الخيال لمزجه بالواقع ، كما فعل المبدعون الحقيقيون فى أوروبا وأميركا الذين أبهروا العالم بالأفلام والمسلسلات التاريخية.
وفات المؤلف التركيز على تناقض السادات الذى قال بعد توليه رئاسة مصر((اليوم أضع حياتى ثمنـًا للاستمرار فى كل ما بناه جمال عبد الناصر وبلا تردد)) وبعد أسابيع قليلة تمّ القبض على كل من له (شبهة) الارتباط بعبد الناصر، فى مذبحة (مايو71) حسب وصف الناصريين الذين أطلقوا تعبيرهم الساخر أنّ السادات ((ماشى على خط عبد الناصر بالأستيكة)) وكيف فوّت على نفسه فرصة التعرض (دراميًا) لتاريخ السادات الذى عمل مع الألمان بحجة أنهم سوف يطردون الإنجليز من أجل سواد عيون شعبنا (بالضبط كما كان مصطفى كامل يتصوّر أنّ فرنسا ستطرد الإنجليز من مصر ولعًا بحب المصريين) كما أنّ السادات عمل مع (الحرس الحديدى) الذى أنشأه القصر الملكى بهدف ملاحقة القوى الوطنية. وكتب محمد نجيب أنّ عبد الناصر بعد أن تخلص من معظم زملائه (المشاغبين) من وجهة نظر ناصر، ((فلم يبق من ضباط (الثورة) سوى السادات الذى كان يعرف بدهائه كيف يتجنب الأهواء والعواصف.. وكان يقول على كل شيىء صح)) (كنتُ رئيسًا لمصر- المكتب المصرى الحديث – عام 84- ص 69، 202) فلماذا غامر المؤلف برسم صورة للسادات تتنافى مع الواقع؟ ولماذا لم يقرأ كتاب السادات (يا ولدى هذا عمك جمال) الذى هو عبارة عن قصيدة مديح ممجوجة عندما كان بعيدًا عن السلطة ؟ وبعد أنْ مات عبد الناصر تغيّر الموقف فى كتابه (البحث عن الذات) الذى كان على النقيض من كتابه الأول ، وسطــّر فيه لنفسه (وبالأدق من كتب له الكتاب) أدوارًا عن علاقته بعبد الناصر، تتنافى مع وقائع التاريخ . فلماذا وقع مؤلف (صديق العمر) فى هذا الفخ ؟ هل لأنه لم يقرأ تاريخ المرحلة التى يكتب عنها ؟ واكتفى بالكتاب الأوحد المقدس (البحث عن الذات) كما اكتفى الناصريون بقراءة كتابهم الأوحد (كتاب العروبة الناصرى / المقدس) أم قرأ وانحاز ل (سوق التوزيع) على طريقة السينما الهابطة التى تنظر إلى (شباك التذاكر) من خلال إرضاء كل (الأذواق) على حساب التاريخ وضد الفن.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أحزان السياب السبعة
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (7)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (6)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م


المزيد.....




- تونس: إلغاء الاحتفال السنوي لليهود في جربة بسبب الحرب في غزة ...
- اليهود الإيرانيون في إسرائيل.. مشاعر مختلطة وسط التوتر
- تونس تلغي الاحتفال السنوي لليهود لهذا العام
- تونس: إلغاء الاحتفالات اليهودية بجزيرة جربة بسبب الحرب على غ ...
- المسلمون.. الغائب الأكبر في الانتخابات الهندية
- نزل قناة mbc3 الجديدة 2024 على النايل سات وعرب سات واستمتع ب ...
- “محتوى إسلامي هادف لأطفالك” إليكم تردد قنوات الأطفال الإسلام ...
- سلي طفلك مع قناة طيور الجنة إليك تردد القناة الجديد على الأق ...
- “ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل ...
- مسجد وكنيسة ومعبد يهودي بمنطقة واحدة..رحلة روحية محملة بعبق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (8)