أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)















المزيد.....


مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4539 - 2014 / 8 / 10 - 14:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)
طلعت رضوان
أعتقد أنّ غضب الناصريين من مسلسل (صديق العمر) ليس له إلاّ تفسير وحيد ، وهو أنهم يرفضون التعامل مع الوقائع التاريخية أو (وهو الاحتمال الثانى) أنهم رفضوا قراءة الكتب التى أرّختْ لتلك المرحلة الكارثية من تاريخ شعبنا. فبعد كارثة هزيمة الجيش المصرى عام 56 بعد تأميم القناة وتدمير ثلاث مدن ، جاءتْ الكارثة الثانية بعد الأولى بسنتيْن (الوحدة المصرية السورية عام 58) ورغم تجربة تلك الوحدة البائسة التى انتهتْ بالانفصال فى الأسبوع الأخير من سبتمبر 61، إذا بنبى العروبة (عبد الناصر) يُصر على إغراق شعبنا المصرى فى مستنقع جديد بعد عام واحد من تاريخ الانفصال ، وهو المستنقع الذى أخذ اسم (بالوعة اليمن) وفى تلك البالوعة أو ذلك المستنقع العديد من التفاصيل المُذهلة والمُـفجعة (بالنسبة للشعبيْن المصرى واليمنى) وهى التفاصيل التى تجاهلها مؤلف (صديق العمر) وربما (يجهلها) الناصريون والماركسيون / العروبيون ، أو (ربما الثانية) أنهم أعداء للقراءة المتنوعة ولا يقرأون إلاّ كتابًا واحدًا (كتاب الناصرية المقدس)
وفى مكتبتى عشرات المراجع عن تلك المتوالية الكارثية الجديدة (إرسال الجيش المصرى لليمن) منها شهادة الضابط عبد اللطيف البغدادى الذى كتب ((اتصل بى جمال تليفونيًا يوم 21 نوفمبر62وتكلم معى عن الاعتمادات الإضافية التى تطلبها القوات المسلحة لمواجهة العمليات الحربية باليمن ، ولتعزيز باقى القوات أيضًا وهى استكمال فرقتيْن مشاه (الفرقة السادسة والسابعة) وكانت اللجنة الدائمة المُـتفرغة من مجلس الدفاع الأعلى قد سبق لها مناقشة هذه الاعتمادات المطلوبة ورأتْ تخفيضها وتقــدّم عبد الحكيم عامر بطلب لإعتماد مبلغ أربعة عشر مليونـًا من الجنيهات لمقابلة مصروفات العمليات فى اليمن وذلك حتى فبراير 63، هذا بالإضافة إلى المبالغ الأخرى المطلوبة للتعزيز. كما طلب مبلغ سبعة ملايين من الجنيهات لمواجهة مصروفات هذه العمليات إنْ امتدتْ بعد فبراير. وكان عبد الناصر فى البداية قــدّر أنّ نفقات اليمن لن تزيد عن مليون ونصف ولكنها ظلتْ تتزايد حتى وصلتْ إلى خمسة عشر مليونـًا وإذا به يرفع المبلغ إلى واحد وعشرين مليونـًا من الجنيهات المصرية (مذكرات البغدادى – ج2- المكتب المصرى الحديث- عام 77- ص191،192) وأرجو من قارئى ملاحظة وتذكر أنّ الجنيه المصرى فى ذاك الوقت كان أغلى من الدولار (الدولار= 36 قرشًا) أما قبل يوليو52 الكارثى فكان الجنيه المصرى = خمسة دولارات (الدولار= 20 قرشًا) ولمن يريد أنْ يتأكد من ذلك عليه التركيز مع المشهد الثالث من فيلم (المليونير) لإسماعيل ياسين الذى أدى شخصية مزدوجة (المليونير عاصم الاسترلينى والمونولوجست جميز، إنتاج الأربعينات من القرن العشرين)
وكان من بين الكوارث ما اعترف به عبد الناصر الذى قال أنّ عبد الحكيم عامر طلب منه إصدار ((قرار يمنحه سلطات رئيس الجمهورية فى اليمن وقد رأيتُ أنْ أوافقه عليها.. الخ)) (المصدر السابق- 193) ولفك الشفرة التى رسمتْ العلاقة بين عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، قال الأول أنّ ((حكيم غير مقتنع بالقيادة الجماعية. وضرب ستارًا حول الجيش. وأنا – هل يُعقل أنْ أعمل بطريقة سرية حتى أحصل على معلومات عن الجيش ؟ وهل نسمح أنْ يقود الجيش على شفيق ؟ وهل نقبل أنْ يُعيّن الهريدى مساعدًا للملحق العسكرى بواشنطن بعد الذى حدث فى سوريا عند الانفصال)) ثم تكلم عن تصرفات المشير عامر فى اليمن (دون التعرض لتفاصيل هذه التصرفات) وأنه أصرّ على منحه سلطات رئيس الجمهورية منفردًا دون اللجنة الجماعية بمجلس الوزراء (198) وهذا النص يتضمّن كوميديا كافكاوية سوداء : عبد الناصر يتهم عبد الحكيم عامر بأنه (يرفض القيادة الجماعية) فهل كان عبد الناصر من المؤمنين بتلك القيادة الجماعية ليكون (قدوة) لمن يعملون تحت رئاسته ؟ ولماذا رضى عبد الناصر لنفسه (فرض ستار حوله عن أحوال الجيش) ؟ ثم حكاية غضبه من (على شفيق الذى يقود الجيش) ؟
ضيّع مؤلف (صديق العمر) كل عناصر الدراما الكافكاوية / العبثية / الواقعية خصوصًا أنّ على شفيق استمر فى الحكم ، إلى أنّ تمّ العثور على جثه (فى عهد السادات) فى شقة بلندن ووجد البوليس الإنجليزى فى الشقة مبلغ مليون جنيه استرلينى (عملة سائلة) وبعد ذلك كتبتْ الصحف والمجلات الأوروبية عن أرصدته فى البنوك غير الأسهم والسندات ومشاركته فى الكثير من المشروعات ، بخلاف علاقته بمطربة وممثلة مصرية مشهورة ، حيث أنّ عبد الناصر أجبره على الزواج منها بعد علاقة عبد الحكيم عامر بتلك الممثلة (وهى غير برلنتى عبد الحميد التى ركز المؤلف عليها وحدها) فلو أنّ المؤلف أراد (خلق التوتر الدرامى) كان يتعيّن عليه تجميع كل عناصر الصورة من واقع مذكرات ضباط يوليو، وما كتبه بعض المؤرخين عن تلك الفترة الحالكة من تاريخ شعبنا المصرى.
والعلاقة المُـلتبسة بين عبد الحكيم وعبد الناصر تحتاج لمحلل نفسى على مستوى سيجموند فرويد خاصة مع ما ورد (بشهادة البغدادى والسادات) أنّ عبد الناصر قال أنه يُقــدّم حكيم على المجموعة رغم عيوبه)) ومع ذلك أضاف أنه أخطأ فى هذا (ص200) وكان تبرير ناصر لخضوعه وصبره على كل أخطاء حكيم أنه قال إنّ ((حكيم طفل مدلل يُدمر ويكسر ما تقع عليه يداه عندما يُحرم من شىء له رغبة فيه ، لأنه لم يسبق له أنْ تعوّد على الحرمان)) وعندما قال له البغدادى أنّ الخطأ ((هو الخلط بين الصداقة والعمل)) قال ((أنا أعلم ولكن لم يخطر بذهنى فى يوم من الأيام أنْ يصل حكيم إلى ما وصل إليه اليوم)) (208)
من بين فصول تراجيديا تورط مصر فى اليمن ، الخطاب الذى أرسله الرئيس الأمريكى جونسون إلى الأمير السعودى فيصل وأبلغه فيه ((أنّ اليمن ستكون مصيدة لعبد الناصر)) (د. عاصم الدسوقى – مجلة الهلال- يوليو2002) والصحيح أنّ اليمن كانت مصيدة لمصر لتبديد مواردها وقتل جنودها وضباطها بسبب إصرار نبى العروبة (عبد الناصر) على ما يوحى إليه فى (كتاب القومية العربية المقدس) والدليل على ذلك ما أضافه د. الدسوقى ((وهكذا بدأ برنامج إطالة الحرب (فى اليمن) لاستنزاف قوة مصر بعد أنْ كانت التسوية قد تمّتْ فى إبريل 63 (أثناء عهد الرئيس الأمريكى كيندى) وآنذاك كانت الترتيبات تتم لتوريط الجيش المصرى فى مواجهة مع إسرائيل بعد إنهاكه فى اليمن ، وهذه أمور معروفة لمن يريد أنْ يستخدم العقل ووثائقها الأمريكية مكشوفة)) وهذه الشهادة من د. الدسوقى لها أهميتها الخاصة بمراعاة ميوله العروبية / الناصرية أى (كما يُقال) شهادة غير مجروحة ومن العسير الشك فيها. أى أنّ حرب اليمن لم تكن (مصيدة لعبد الناصر) والدليل أنه استمرّ فى الحكم ليُجهز لهزيمة يونيو67.
ووصل إنهاك الجيش المصرى فى اليمن وفق كلام عبد الناصر (نبى العروبة) للصحابى الأول (هيكل) أنّ عدد الجنود المصريين فى اليمن وصل إلى أربعين ألفـًا (حرب الثلاثين سنة : الإنفجار1967- ص168) واستشهاد أكثر من خمسة عشر ألف إنسان مصرى من الجنود والضباط . أما عن تبديد أموال شعبنا (المصرى) فإنّ حرب اليمن وحدها ، وفق الصحفى المُعتمد من مؤسسة الناصرية / العروبية (هيكل) كلــّـفتْ ((الخزينة المصرية كل سنة ما بين أربعين إلى خمسين مليون جنيه. أو ما يوازى مائة مليون دولار سنويًا وقتها. وأنّ عبد الناصر قال أنّ هذا المبلغ كان من الممكن أنْ نشترى به كل احتياجات مصر من القمح)) (هيكل – الإنفجار- ص185) وفى محضر اجتماع القيادة السياسية المُوحدة لل (ج.ع.م) والعراق بقصر القبة يوم 19/5/65 قال عبد الناصر((إحنا بنصرف فى اليمن 30 مليون جنيه نقدًا ، والإجمالى 45مليون جنيه. يعنى إجمالى إيه؟ يعنى استهلاكنا فى السلاح والمعدات والبنزين إلى آخر العمليات دى)) ورغم هذا التبديد لموارد مصر، ورغم قتل أولادنا فى اليمن ، فإنّ بعض اليمنيين انتقدوا نظام عبد الناصر، فقال فى نفس المحضر ((اليمنيين النهاردا متصورين إنهم همّ اللى بيساعدونا . يعنى انقلب الوضع ولازم نترجاهم عشان يساعدونا)) وفى هذا المحضر اعترف عبد الناصر بالحقيقة التى تغاضتْ عنها الثقافة المصرية السائدة البائسة والمنحطة ، وهى أنّ القبائل اليمنية كانت تأخذ الأموال من مصر ومن السعودية فى وقت واحد . وقد عبّر عبد الناصر عن تلك الحقيقة قائلا ((القبائل حتى الجمهورية بتاخد مننا فلوس وأيضًا بياخدوا من السعودية فلوس . وعندنا معلومات عن ناس جمهوريين واخدين من السعودية فلوس على إنهم مش ح يحاربوا الملكية)) واعترف عبدالناصر بما هو أهم من ذلك فقال ((ناس من اللى همّ أصلا مشتركين فى الثورة هربوا ولجأوا للإنجليز)) (نقلا عن ضابط المخابرات المصرى فتحى الديب ، المؤمن بالعروبة والمُـتيّم بالناصرية فى كتابه : عبد الناصر وتحرير المشرق العربى- مركزالدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام - عام 2000- ص507، ومن 520- 522) وإذا كان ما حدث هو توريط مصر فى حروب لا شأن لشعبنا المصرى بها ، وإذا كان عبد الناصر اعترف بأنّ المبالغ التى أنفقتْ على اليمن (وحدها) كان ((من الممكن أنْ نشترى بها كل احتياجات مصر من القمح)) فإنّ السؤال هو: لماذا لم يفعل؟ ولماذا كان البديل مغامراته الطائشة (بفرض حُـسن النية) ولماذا رضى على نفسه أنْ يضع مصر (بتاريخها العريق) وهى تتسول القمح من دولة الأرجنتين ، فكانت فضيحة عالمية حيث أنّ الأرجنتين تعاقدتْ مع الصين لتوريد القمح لمدة خمس سنوات ، ولكن الوفد المصرى (حوالىْ مائة شخص ما بين وزراء وسفراء وموظفيهم) ظلّ يُـلح على المسئولين الأرجنتينيين ، فما كان من الأخيرين إلاّ أنهم أنذروا السفارة المصرية بضرورة مغادرة الوفد المصرى للأرجنتين خلال ثلاثة أيام.. وكان الوفد المصرى يرفض مغادرة الأرجنتين خوفـًا من عبد الناصر ((لأنهم لم ينجحوا فى مهمتهم لإنقاذ مصر من الجوع)) (لمن يود معرفة التفاصيل عليه الرجوع لكتاب " أول حكاية حكايتى مع الدبلوماسية- تأليف جميل مطر(وهو ناصرى – أى أنّ شهادته غير مجروحة) كتاب الهلال- إبريل2002- من ص39- 44، 52، 83) وأنا أهدى تلك الكوميديا العبثية السوداء (تسول القمح) لكتاب السيناريو ، لو آمنوا برسالة الفن الرفيع .
وذكر الضابط / المثقف (ثروت عكاشة) أنّ عبد الناصر (فى لحظة صدق مع النفس) قال له أنه تورّط فى اليمن (طبعًا الأدق أنّ مصر هى التى تورّطتْ لأنّ شعبها هو الذى تحمّل النفقات المالية ، وأنّ من مات فى اليمن أولاد الفقراء البسطاء من الجنود والضباط) وذكر عكاشة أنّ عبد الناصر سأله : متى نخرج من هذه الورطة؟)) وكان تعقيب عكاشة ((إنّ حرب اليمن كان الأوفق تفاديها أو على الأقل أنْ يكون تدخلنا فيها تدخلا محدودًا حتى نحتفظ بقواتنا المسلحة الرئيسية متأهبة لما هو أهم وهو أمن مصر فى مواجهة العدو الإسرائيلى.. لأنّ اليمن كانت فى ظنى أحد العوامل ذات التأثير فى الهزيمة الفادحة التى تكبّدتها القوات المسلحة المصرية عام 67. ولعلنا اليوم فى حاجة لمؤرخ يكشف لنا عن خبايا حرب اليمن وعمّن أوقعنا في شراكها فيتعقب خيوطها ويُحدّثنا كيف بدأتْ ، ويُزيح الستار عن تلك الأصابع الخفية التى استدرجتنا إليها – مصرية كانت أو أجنبية - والتى تضافرتْ معًا على الزج بالقوات المسلحة المصرية النظامية فى حرب عصابات تختلف طبيعة ميدانها الاختلاف كله عن طبيعة مسرح العمليات الحربية فى سيناء الذى يتقرّر على ساحته أمن مصر، فإذا قواها قد أستنفدتْ ، وطاقاتها قد أعتصرتْ ، وأسلحتها قد أستهلكتْ ولم تـُدّخر لتواجه بها عدوها الرئيسى (جيش إسرائيل) فقد التقتْ به وهى منهكة قد أضنيتْ تعبًا وكدًا لتتجرّع مرارة الهزيمة. أليس هذا مطلبًا جديرًا بالبحث الدقيق والاستقصاء النزيه من أجل مصر؟)) (مذكراتى فى السياسة والثقافة- ج2- دار الهلال- يناير88- ص 163، 164) وذكر أيضًا أنّ ((ما يزيد عن ثلث الجيش المصرى المُدرب كان فى اليمن على بعد ثلاثة آلاف كم من سيناء ، غارقــًا فى حرب عصابات غير نظامية. ولم تكن القيادة العسكرية قادرة على أنْ تخوض حربيْن رئيسيتيْن فى جبهتيْن متباعدتيْن فكانت فرصة لإسرائيل لتوجه ضربتها التى طالما تحينتها)) (371) لقد تعمّدتُ نقل شهادة عكاشة كاملة نظرًا لأنها صادرة عن أحد ضباط يوليو52 وحاول تجميل صورة عبد الناصر فكتب عنه أنه ((كان شديد الحساسية بانفعالات الجماهير والتأثر بصوتها الصادق)) (ص425) أى أنّ شهادته غير مجروحة ، وأنّ تجميل صورة عبد الناصر تتنافى مع ما ذكره فى مذكراته عن دكتاتورية عبد الناصر وعن رعبه من النكت التى أبدعها شعبنا ، وبدلا من تأمل تلك النكت واستخلاص معانيها والعمل على تفادى ما فيها من انتقادات للحكم الناصرى ، كان يأمر بالتجسس على المواطنين وباعتراف عكاشة نفسه الذى كتب ((عن ضيق السلطات بأى نكتة تقال بين شخصيْن فى جلسة ودية داخل جدران البيوت عن طريق استراق السمع بالأساليب البوليسة المختلفة)) ونقل شهادة شعرواى جمعة (وزير الداخلية) فى التحقيق الذى تمّ معه فى أغسطس 71 من أنّ تسجيل المكالمات (بما فيها مكالمات الوزراء) كانت بأمر عبد الناصر (من 461- 463) فكيف يكون عبد الناصر شديد الحساسية بانفعلات الجماهير (كما كتب عكاشة) وهو يتجسس على مكالماتهم ولا يطيق سماع نبضهم الحقيقى الذى عبّروا عنه فى إبداعهم العفوى الصادق فى شكل نكت مفعمة برؤاهم الاجتماعية. والخلاصة أنّ شهادة عكاشة عن اليمن (غير مجروحة) نظرًا لدفاعه عن عبد الناصر، ومن هنا اكتسبتْ شهادته مصداقيتها .
وشاء حظى الطيب أنْ يقع فى يدى كتاب غاية فى الأهمية ، عبارة عن شهادات 12 ضابطـًا مصريًا كانوا فى اليمن منذ عام 62 وتمّ شحنهم إلى سيناء فى مايو67. وتعود أهمية هذا الكتاب إلى أنّ محرره زار الضباط الإثنى عشر (كل على حدة) ومع ذلك جاءتْ شهاداتهم متطابقة عن المجزرة التى تمّت لجنودنا وضباطنا فى اليمن من ناحية ، وعن جرائم الجيش المصرى فى حق الشعب اليمنى من ناحية أخرى . الكتاب بعنوان (ضباط يونيو67 يتكلمون) صادر عن دار المنار للصحافة والنشر- عام 89- تحرير عصام درّاز الذى كتب فى المقدمة ((هذا الكتاب ليس من كتب تصفية الحسابات ، ولكنه من الكتب القليلة التى تبحث عن الحقيقة , وكل من تكلم هنا صادق وهذه مسئوليتى أمام الله وأمام شعبى ، منهم من دفع سنوات من عمره بين قضبان السجن ثمنـًا للكلمات التى نطق بها بعد الهزيمة ، أو الآراء التى عبّر عنها أو مشاعر الألم التى شعر بها . ورغم مأساة الهزيمة التى تعرّض لها جيش مصر ظلمًا فإنّ بعض عناصره المتميزة تعرّضتْ للاضطهاد)) وسوف أرجىء شهاداتهم عن كارثة 67 لحديث آخر.
فى شهادة ضابط الإشارة (محمد أحمد خميس) قال ((كان إحساسى بأنّ عبد الناصر بعد كارثة الإنفصال سوف يتجه لمصر وإلى شعب مصر، ولكنه لم يكن يهتم بمصر. وفوجئنا بعكس ذلك.. حرب اليمن التى بدأتْ عام 62 وتدخل الجيش المصرى فيها. والحقيقة التى أومن بها هى أنّ الهزيمة العسكرية بدأتْ بحرب اليمن)) وعن أسباب كراهية الشعب اليمنى لمصر قال ((فى اليمن شاهدتُ الطائرات المصرية وهى تقصف القرى اليمنية وتعود دون الاضطرار للهبوط .. طائرات قاذفة بعيدة المدى .. وشاهدتُ نموذجًا لهزيمة 67 فى اليمن عام 63، شاهدتُ قواتنا وهى تدخل العمليات الحربية بالدبابات والعربات كأنها فى طابور استعراض فى القاهرة. ولا توجد عمليات استطلاع ولا قوات للحماية ولا تغطية جوية (بالضبط كما حدث فى سيناء) والغريب فى الأمر أنّ اليمنيين المدنيين كانوا يُحاربوننا وكانوا يتعلمون ويتطورون بسرعة. وكنا نوجه مدفعيتنا الثقيلة والصواريخ ضد هؤلاء الأفراد فلا نصيب منهم أى فرد رغم ما يحدث فينا من خسائر كبيرة. وحدث أنْ أصدرتْ لنا القيادة أمرًا للتحرك بإتجاه السعودية لتأمين الحدود اليمنية. وبالفعل تحركتْ قواتنا إلى الحدود السعودية واحتل اللواء الذى أخدم به مواقعه فى منطقة الحدود . وفعلا تحركتْ هذه الكتيبة وبعد 24ساعة بالضبط فوجئنا بعودة أفراد الكتيبة من الضباط والجنود سيرًا على الأقدام دون عربات ودون أسلحة ولا مدافع ولا أى شىء.. انسحاب وانهيار كامل.. تركوا أسلحة الكتيبة ومعداتها بالكامل.. لقد تعرّضوا لكمين أثناء تحركهم وحوصروا فاضطروا للإنسحاب وتركوا أسلحتهم.. كان مشهد هذه الكتيبة والانهيار التام هو نفس ما حدث بعد ذلك فى سيناء عام 67. إنّ مشاعر67 عشتها فى اليمن.. عشتُ تأثير هذا الحدث.. الانهيار المعنوى لأفراد الكتيبة بعد أنْ تركوا أسلحتهم الخفيفة والثقيلة. كان معهم صواريخ ومدفعية وهاونات وكانت صدمة لهم وصدمة لى شخصيًا.. لقد سقط الوهم بأننا قوة لا تـُهزم . كانت آثار حرب اليمن كبيرة. كان لها وجه مادى فقد حاولتْ القيادة إرضاء القوات التى تـُحارب فى اليمن بصرف مرتبات كبيرة جدًا.. والوجه المعنوى كان خطيرًا لأنّ القوات كانت تعود من اليمن منهارة معنويًا رغم المرتبات الكبيرة.. كان هناك جنود المفروض تسريحهم لإنتهاء الخدمة عام 62 فظلوا بالخدمة بسبب حرب اليمن إلى ما بعد 67. هناك من أمضى بالجيش تسع سنوات. لقد قيل لنا إنّ حرب اليمن بروفة لتحرير فلسطين.. وأنا كمقاتل عاش هذه الأحداث أقول العكس تمامًا.. منذ حرب اليمن كنتُ أشعر أنهم يشترون الولاء بالنفوذ والامتيازات.. كانت القيادة السياسية والعسكرية تريد جيلا من العسكريين ينتمى لهم شخصيًا وليس إلى الوطن . والذين رفضوا الولاء سجنوا بعد هزيمة 67 لأنهم اكتشفوا الحقيقة. وعندما بدأتُ أمارس (حرية الكلمة) تمّ اعتقالى بتهمة محاولة قلب نظام الحكم فى يناير70))
وقال ضابط الاستطلاع (حسن بهجت) تجربتى بدأتْ فى اليمن.. وما حدث فى يونيو67كان ((جزاء من الله على المذابح التى ارتكبناها هناك ضد سكان القرى اليمنية)) وكان المسئولون المصريون يرشوننا بعلب الكمبوت والسجائر الأمريكانى والجنيهات الاسترلينية. وكان الجنود يسألون عن معنى كلمة (كمبوت) وكان اليمنيون يكرهوننا لأننا كنا نمثل لهم الموت والدمار)) وقال للمحرر((تخيل شعورنا ونحن نرى القرى اليمنية التى تم تدميرها. كانت قوات المدرعات والصاعقة المصرية تـُدمّر وتنسف القرى وإبادة كل ما هو حى على وجه الأرض من حيوان أو إنسان.. من نساء لأطفال لشيوخ عزل من السلاح.. تقوم قواتنا بتحزيم بيوت القرية بالمتفجرات ثم تدميرها كاملا.. كانت هناك جرائم تـُرتكب فى اليمن باسم الاشتراكية والحرية. كنا نقتل النساء والأطفال بلا رحمة من أجل هذه المبادىء.. التى تخلو من أى مبادىء إنسانية))
وأكتفى بما سبق من شهادات الضباط المصريين (12ضابطـًا) خشية التكرار، ولكن شهادة الضابط (محمد عبد الحافظ) لها خاصية مُـتميّزة ، حيث ذكر معلومة أصرّ الإعلام العروبى / الناصرى على دفنها إذْ قال أنّ عبد الناصر أصدر قرارًا بأنّ الضباط والجنود المصريين الذين قتلوا فى اليمن ، يتم دفنهم فى اليمن وكذلك الجرحى يظلون فى اليمن ولا يعودون إلى مصر، بحجة الحفاظ على السرية (سرية الخسائر الحقيقية) وحتى يظل الشعب المصرى على جهل بهذه الخسائر، بينما الإعلام وخطب عبد الناصر كلها تـُعلن عن انتصارنا الساحق هناك)) وذكر أنه كثيرًا ما حدث أنّ قبيلة موالية لمصر، تنقلب وتصبح موالية للملكيين (ص 136)
وهكذا أضاف عبد الناصر إلى سجله الإجرامى جريمة ذبح جنودنا وضباطنا فى مجزة اليمن (بخلاف الأموال والمعدات وإنهاك الجيش المصرى) والجنود والضباط الذين عاشوا جحيم اليمن من عام 62- 67يتم شحنهم إلى سيناء فى مايو67، ولم يكتف بذلك وإنما أمر بدفن جنودنا وضباطنا فى اليمن ، وهى الجريمة التى تغافل عنها مؤلف (صديق العمر) ويتغافل عنها الناصريون والماركسيون العروبيون . والسؤال الذى يلح على العقل الحر: لماذا لا يوجد سيناريست واحد (واحد فقط) يقرأ سجل عبد الناصر الإجرامى ويتفاعل معه ليُبدع فنـًا راقيًا ، بعيدًا عن مساحيق التجميل والابتذال وتشويه التاريخ ؟
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (4)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (3)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (2)
- مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (1)
- الفكر الأحادى وأثره على البشرية
- التعريف العلمى لمصطلح (العامية)
- رد على الأستاذ طاهر النجار
- لماذا يتكلم العرب بالمصرى ؟
- القوميات بين تقدم الشعوب وتخلفها
- جريمة تأسيس أحزاب دينية
- الإسلاميون والماركسيون والأممية
- مرجعية الإرهابيين الدينية والتاريخية
- متى يدخل الإسلام مصر ؟
- جريمة الاحتفال بمولد النبى
- فى البدء كان الخيال
- شخصيات فى حياتى : ع . س . م
- شخصيات فى حياتى : الأستاذ المنيلاوى
- شخصيات فى حياتى : ثابت الأسيوطى
- العلاقة بين العروبة والبعث
- الصراع بين الوحدة الإسلامية والوحدة العربية


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - مسلسل صديق العمر والغضب الناصرى (5)