أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الصراع القطبي














المزيد.....

الصراع القطبي


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 4558 - 2014 / 8 / 29 - 02:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم يفاجأ أحد بفشل انعقاد مؤتمر تسوية في الصراع السوري الدائر. كانت ستكون مفاجأة لو نجح مثلاً مؤتمر جنيف ولو في تحويل الصراع العسكري "التصفوي" إلى صراع سياسي. لو استطاع أن يستبدل في سوريا التصفية المادية بالتصفية السياسية. ولكن ما كان له أن يحقق ذلك لأن الصراع في سوريا تحول مع الوقت وبسعي حثيث وواع إلى صراع قطبي لا حل سياسياً له، والحل الوحيد فيه هو الدحر المادي لأحد قطبيه ومن ثم استسلامه، أو تحطم الإطار السياسي للصراع بما يعني استقلال كل قطب عن الآخر في إطاره الخاص.
في الصراعات القطبية لا يوجد حلول وسط، لا مجال فيها للتقدم باتجاه تأليفٍ ما، كما يمكن أن يكون الحال في الصراعات الاجتماعية "الطبيعية" حيث يكون من الممكن أن ينتهي الصراع بنشوء علاقة جديدة بين أطرافه تعكس ميزان قوى جديد. أما الصراع القطبي فهو تشويه "متعوب عليه" للصراع الطبقي في المجتمع. حين تحدثت الماركسية عن الصراع الاجتماعي تناولته في إطار مفهوم "وحدة وصراع الأضداد"، وفق هذا المفهوم تتصارع الأضداد في وحدتها التي لا يمكنها الخروج عنها. هنا الصراع هو حياة الأضداد وشكل وجودها. مثلاً، لا وجود للطبقة البورجوازية من دون طبقة العمال، لا وجود لأي منهما بمعزل عن الأخرى، وهما في وحدتهما الضرورية هذه في صراع يمنح للمجتمع تقدمه، حتى لو اتخذ هذا الصراع طابعاً دموياً من حين إلى آخر، غير أنه يبقى صراعاً مضبوطاً ومعقولاً في الغالب، أي صراع غير تصفوي. ولكن حين يُستقطب الصراع بين ماهيتين مستقلتين كأن يكون بين قطب شيعي وآخر سني مثلاً فإن هذا الصراع يغدو صراعاً قطبياً، وهو يشكل تفريغاً مدمراً لطاقة الصراع الطبقي في المجتمع، وغالباً ما يتخذ شكلاً وحشياً وتصفوياً. لا ينتج عن الصراع القطبي أي تغيير تقدمي وقد يسبب نكوصاً إلى أشكال أشد من الاستغلال وبدائية الحكم وفساده.
في الحرب الباردة تصارع قطبان هما الرأسمالية والشيوعية، وكان هذا الصراع تدميرياً طوال مساره. وربما لا يُسجل لهذا الصراع من مساهمة تقدميه في تاريخ البشرية سوى ما أنجزته البشرية خلال سباق التسلح من إنجازات علمية تحت ضغط السعي الحثيث لحماية الذات ودحر العدو (القطب الآخر). ما عدا ذلك دفعت البشرية الكثير من الدماء في خضم صراع عقيم وسطحي رغم شدة عنفوانه ورغم اتساع رقعته. وهو صراع عقيم لأنه صراع جبهي لا يقبل الانفتاح على آفاق جديدة. ربما ساعد التوازن الدولي الذي تحقق في حقبة الحرب الباردة على نجاح حروب تحرر وطنية في البلدان المستعمرة ولكنه أنتج حكومات لا تقل نهباً ووحشية عن الاستعمار نفسه.
إن الصراع القطبي رغم كل حدته صراع محافظ من زاوية نظر تاريخية وإنسانية. وقد أحال هذا الصراع الخارجي (أي صراع بين قطبين على شكل كتلتين من الدول منفصلتين جغرافياً وسياسياً "الكتلة السوفييتية مقابل الكتلة الغربية أو حلف وارسو مقابل حلف الناتو") كل الصراعات الداخلية (أي الصراعات ضمن كل دولة على حدة) إلى صورة مصغرة عنه، فكان الصراع الداخلي يفقد كل تلاوينه السياسية المحلية الممكنة لصالح لونين شديدي الوضوح وشديدي التعمية والتعميم هما الشيوعية أو الرأسمالية، الشرق أو الغرب. الأمر الذي أحال الصراعات الداخلية إلى صراعات قطبية أيضاً تجعل من تصفية القطب الآخر الحل الوحيد في الصراع. باتت تهمة الشيوعية عنصراً ماصاً لكل المواصفات السياسية الأخرى. وبالمقابل بات الاتهام بالتبعية للغرب أو لأمريكا بالخاصة عنصراً ماصاً يلغي جميع الفروقات الفردية الممكنة.
الواقع أن هذا الصراع القطبي الذي قسم العالم بالفعل، في مرحلة الحرب الباردة، إلى "فسطاطين" واستهلك الكثير من العقول هنا وهناك، عقول "ماركسية" وسمت العصر بأنه عصر الانتقال إلى الاشتراكية (التي كانت تختنق ببطء) وأخرى "حرة" هجت بقسوة الاستبداد الشيوعي ومجدت الليبرالية الرأسمالية (التي كانت تعيش على بؤس ودماء وحقوق الشعوب في العالم الثالث)، نقول إن هذا الصراع القطبي قد غطى على الصراع الحقيقي بين أقليات حاكمة تستغل وتنهب وتسيطر وأغلبيات محكومة تكدح وتعيش البؤس والذل. كان يكفي أن يبتعد زعيم عالمثالثي عن البوصلة الأمريكية (كعبد الناصر مثلاً) حتى يتهم بالشيوعية ويلقى عليه الحرم الغربي بالتالي. لا توجد مناطق وسطى في الصراعات القطبية، إما معنا أو ضدنا. الصراعات القطبية هي سمة عالم ديكتاتوري بالفعل. على هذا يصبح مصدق والقذافي وعبد الناصر وصلاح جديد شيوعيين. وفي الوقت نفسه تمتص التهمة الرأسمالية الغربية كل الفروقات الممكنة بين السياسيين وزعماء الدول التي لا تمنح الولاء للاتحاد السوفييتي. هذه القطبية الخارجية انعكست أيضاً على الصراع الداخلي داخل كل قطب. أي درجة من المعارضة الداخلية للنظام السوفياتي كانت تعني الخيانة التي تنتهي بصاحبها إلى المصحات العقلية. وكذا الحال في أمريكا المكارثية. الصراع القطبي يميت السياسة ويحيل غنى الصراع الاجتماعي إلى صراع فقير سياسياً لونين متعاكسين متعاديين.
انتهت الحرب الباردة كما يتوقع أن تنتهي الصراعات القطبية بأن تفكك القطب الشرقي وسيطر القطب الغربي الرأسمالي، وكان يمكن، بعد ذلك، أن تتخذ الصراعات الداخلية والعالمية شكلاً أقرب إلى حقيقة آلام الناس ومكامن خلل العلاقات الداخلية والدولية، غير أنه سرعان ما تم ملء الفراغ الذي خلفه "العدو الشيوعي" بعدو جديد غائم الملامح سُمّي الإرهاب، وبات هناك خانة جاهزة تحشر فيها عند اللزوم كل أشكال المعارضات غير المرغوب فيها، من الحركة الانفصالية في الشيشان إلى الحركة الكردية في تركيا إلى الجيش الحر في سوريا ..الخ. الأمر الذي يغلق على الصراعات أي أفاق سوى التصفية المتبادلة. وذلك بتجريد الحركة المعارضة من أي حق وكأن ما يولدها هو مجرد نزوع مرضي إلى التخريب (منذ زمن بعيد تسمي اسرائيل الناشطين الفلسطينيين بالمخربين) والطمع بالسلطة.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النظام السوري: افتراق السياسة عن القيم
- في علمانية اللاعلمانية
- عقدة نقص الدولة الفلسطينية
- العلمانية والديمقراطية وفك الاحتكارات
- عن العلمانية والديموقراطية
- لماذا الصحوة الإسلامية؟
- تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ف ...
- في شأن إعدام صدام حسين
- حول اعتقال علي الشهابي
- حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
- سوريا السوريالية
- عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
- الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
- الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6


المزيد.....




- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...
- بلينكن يأمل بإحراز تقدم مع الصين وبكين تتحدث عن خلافات بين ا ...
- هاريس وكيم كارداشيان -تناقشان- إصلاح العدالة الجنائية
- ما هي شروط حماس للتخلي عن السلاح؟
- عراقيل إسرائيلية تؤخر انطلاق -أسطول الحرية- إلى غزة
- فرنسا تلوح بمعاقبة المستوطنين المتورطين في أعمال عنف بالضفة ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الصراع القطبي