أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - العلمانية والديمقراطية وفك الاحتكارات















المزيد.....

العلمانية والديمقراطية وفك الاحتكارات


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1926 - 2007 / 5 / 25 - 12:05
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في السياسة كما في الاقتصاد هناك نزوع دائم نحو الاحتكار، وإذا كان الميل الاحتكاري في الاقتصاد يتأتى أصلاً من صيانة حق الملكية الخاصة وما يبنى على ذلك من قوانين اقتصادية داخلية تدفع في منطقها نفسه باتجاه المزيد من تمركز رأس المال والمزيد بالتالي من الاحتكار لحصد المزيد من الأرباح، فإن الميل الاحتكاري الحديث في السياسة يبدأ باستعارة فكرة الملكية من الاقتصاد وتكريسها في السياسة. ولئن تجاوز العالم المتقدم هذه الممارسة من خلال تكريس استقلالية المؤسسات وتداول السلطة، فإن فشل مجتمعاتنا في تمييز المستوى الاقتصادي فيها عن المستوى السياسي هو المسئول فيما يبدو عن مد الظاهرة هذه (الاحتكار السياسي) بأسباب استمراريتها. فتصبح مراكز اتخاذ القرار السياسي "المناصب" سلعاً يعمل على الاستيلاء عليها واحتكارها وتثميرها. وكلما علا الموقع كلما زادت حساسية العلاقة بين الموقع وشاغله حتى تتجاوز علاقة المالك بالمملوك إلى أن يتحول موضوع الملكية - مركز اتخاذ القرار - إلى "حرمة" تستفز لدى "سيدها" ليس فقط غريزة الحماية بل حتى مشاعر الغيرة.
الاحتكار في الاقتصاد يشل المنافسة الاقتصادية التي من المفترض أن تنعكس إيجاباً على جودة السلع وسعرها بشكل يخدم في المحصلة المستهلك النهائي، لذلك نرى في البلدان الصناعية المتقدمة تدخلاً من خارج الاقتصاد (تدخلاً سياسياً) لحماية المنافسة عبر فرض قوانين لمحاربة الاحتكار. والاحتكار في السياسة، على غرار حاله في الاقتصاد، يبطل المنافسة السياسية التي من المفترض أن تنعكس إيجاباً على المواطنين من حيث احترام وسيادة القانون والسعي إلى تحقيق إنجازات حقيقية تعود على عامة الناس بالرفاهية وعلى أبطالها بالشعبية الواعية والحرة وبزيادة رصيد الاتجاه السياسي الذي يمثلونه. غير أن الاحتكار هنا وهناك يبطل آلية المنافسة مما يجعل "المحتكرين" في مأمن حصين فلا يأبهون كثيراً بما يقترفون. وإذا كان الاحتكار الاقتصادي يحمى بقوة رأس المال فإن الاحتكار السياسي يحمى بتكييف العقول وصناعة القناعات التي ترضى بهذا الاحتكار وتحميه من جهة (حماية غير مباشرة) وبالعنف الصريح المتعدد الأشكال من جهة أخرى (حماية مباشرة).
وعلى هذا نفهم العلمانية والديمقراطية على أنهما عمليتان متكاملتان لفك الاحتكارات السياسية المباشرة منها وغير المباشرة، نقصد بالأولى إقصاء الآخر بالعنف عبر وسائل القسر المختلفة وعلى رأسها جهاز الدولة، ونقصد بالثانية إقصاء الآخر "بالشرع" واحتكار الحق في تفسير المقاصد الإلهية وتدشين مرجعيات لها قداستها التي تسمو على العقل أو لا تخضع له وتمارس فعلها في السياسة [وهاتان بالمناسبة عمليتان متكاملتان أيضاً، فالعنف يحمي احتكار الجهات المرجعية لحق الوصاية الشرعية، وهذه الجهات بدورها "تفتي بشرعية" هذا العنف]. ولا تكتمل عملية فك الاحتكار السياسي المباشر وغير المباشر إلا بتكامل العمليتين الديمقراطية والعلمانية، والعمل على خط دون الآخر يفضي إلى تدشين أنواع جديدة من الاحتكارات. فمثلاً علمانية الاتحاد السوفييتي التي نمت في كنف نظام شمولي انتهت إلى دين من نوع جديد، إلى دين دنيوي إذا صح القول، له قداساته الخاصة وكهنته و"عقلانيته" التي تحيل أية عقلانية أخرى مخالفة إلى نوع من الكفر. لم تكن "العقلانية" السوفييتية الممتلئة بذاتها والغارقة بالرضا والطمأنينة الذاتية تختلف عن الإيمان والتسليم الدينيين، ولم تكن قادرة بالتالي على تصور عقلانية أخرى مغايرة، فكان من الطبيعي أن تلجأ، بتقليد ديني مكرس، إلى "تكفير" ما سواها ورمي الآراء المغايرة بالضلالة وإيداع أصحابها في "مصحات عقلية"، وهو إجراء يليق بدين عقلاني دنيوي يصنع "مطهره" على الأرض، بنفس القدر الذي يتصور أنه يصنع جنته أيضاً. لقد كشفت التجربة السوفييتية بوضوح كيف تتحول العلمانية إلى دين مضاد للدين حين تنشأ بعيداً عن الديمقراطية في وسط دولة شمولية واحتكار سياسي كالذي ساد في الاتحاد السوفييتي السابق.
ومن ناحية أخرى فإن الديمقراطية اللبنانية غير العلمانية كرست ديكتاتوريات داخل الطوائف لا تقل قبحاً عن الديكتاتوريات المرذولة الشائعة، واستدعت رجال الدين من كل الألوان إلى ساحة العمل السياسي المباشر. فغياب العلمانية عن الديمقراطية اللبنانية أحالها إلى ديمقراطية طوائف حولت السياسة في لبنان إلى فن اقتطاع أكبر قدر ممكن من سلطة الدولة لصالح الطائفة ثم لصالح ممثلي الطائفة ثم وبخط مستقيم لصالح زعيم/زعماء الطائفة. على هذا لا تمت الديمقراطية اللبنانية لمفهوم الديمقراطية (التي تقوم على فكرة المواطن) بصلات قوية، والحال إن اللبنانيين وغير اللبنانيين يعبرون عن فرادة الديمقراطية اللبنانية، الديمقراطية التي يسمونها توافقية والتي تقوم في الحقيقة، أكثر مما تقوم على التوافق، على توازن الرعب بين الطوائف. هذه الديمقراطية، وعلى خلاف ما يفترض بالديمقراطية، تكرس انقسام اللبنانيين بدلاً من أن تصهرهم، إذ بدلاً من أن ترسي قانونياً مبدأ المواطنة فإنها تفتت مفهوم المواطن إلى تلاوين عديدة بتعدد الطوائف والمذاهب وتفتت بالتالي البلد إلى بلدان بعدد هذه التلاوين. والحق أن هذه الفرادة هي خلطة متفجرة صمام أمانها الوحيد هي الوصاية الخارجية التي ما أن تضعف حتى يبدأ المرجل اللبناني بالغليان ويعلو ضجيج "الشركاء في الوطن" بحثاً عن وصاية جديدة. فضلاً عن أن ديمقراطية لبنان غير العلمانية هذه لا تحمي حرية الفرد فهي إذ تبعد عنه ثقل يد الدولة، تدنيه أكثر إلى عملية تنميط سياسي طائفي تتوفر على كل أساليب القسر التي تتوفر عليها الدولة؛ كما أنها لا تحمي وحدة الوطن بل على العكس تضعه دائماً على حافة الانقسام وتشرع ثغوره لمختلف أشكال التغلغل الخارجي.
المثال الإيراني يلقي الضوء أيضاً على تجربة عدم مجاورة العلمانية للديمقراطية. الديمقراطية الإيرانية تخص تيارات رجال الدين فهي لا تحرر المجال السياسي، كما يفترض بالديمقراطية، بل تفتحه فقط أمام لون سياسي محدد يتباين بين متشدد ومنفتح. ديمقراطية تفشل في جعل الجميع عرضة للمساءلة بل تخضع هي ذاتها لقيود مرجعيات عليا وتمر هي ذاتها عبر فلترات "مجلس أوصياء" يسمح بترشيح هذا ويرفض ترشيح ذاك بمنأى عن أية مساءلة.
ضد ممارسة احتكار السلطة المعرفية أو احتكار الحق أو "المعصومية" في السياسة وضد احتكار السلطة السياسية تقوم الديمقراطية العلمانية، وهي لا تقوم على الإطلاق لتهدم سلطات روحية لها مكانتها في نفوس الناس ولها وظيفتها الاجتماعية الحيوية، كما لا تقوم لتفرض "دينها" على الجميع بل لتفتح الباب للجميع على قدم المساواة. وهي تناضل اليوم لتنتزع حقها ليس فقط في نزع القيود التي تطالها كما تطال غيرها بل، وربما الأهم، في نزع التشويهات العالقة بها والتي تثقل على فكرتها وتحد من حركتها.
في النهاية، لا بد من السؤال: هل يعبر الجدل الدائر اليوم حول العلمانية عن فكاك بين الفكر والواقع، بمعنى هل المشكلة المتناولة حقيقية أم مصطنعة، وهل وجعنا السياسي اليوم نابع من غياب أو حضور العلمانية، وما هو تفسير تزايد الحديث في هذا الموضوع إذن؟ ربما نحاول معالجة هذه الأسئلة، التي تستحق المعالجة برأينا، لاحقاً.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن العلمانية والديموقراطية
- لماذا الصحوة الإسلامية؟
- تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي ف ...
- في شأن إعدام صدام حسين
- حول اعتقال علي الشهابي
- حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
- سوريا السوريالية
- عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
- الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
- الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راتب شعبو - العلمانية والديمقراطية وفك الاحتكارات