أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - مفهموم الوطنية..مقاربة عامة















المزيد.....

مفهموم الوطنية..مقاربة عامة


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1419 - 2006 / 1 / 3 - 06:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


رغم ما يتميز به مفهوم الوطنية من بعد معنوي أو نفسي ما وراء نظري، وهو بعد يستقي نسغه من الحساسية الأزلية المعقدة للعلاقة بين الذات والآخر، فإنه يمكن مقاربة هذا المفهوم نظرياً عبر السعي إلى تلمس خيوطه الموضوعية التي تمنحه مشروعيته كمفهوم وتلمس السياق الذي ترعرع فيه. وسنقول سلفاً إن هذا البعد المعنوي الذي يشترك فيه مفهوم الوطنية مع كل المعتقدات التي تقوم بوظيفة خلق الانتماءات ورعايتها، يعتقل اليوم قدراً غير قليل من طاقات القوى المعارضة للأنظمة ولاسيما في منطقتنا. فكما تحتكر الدولة العنف المشروع كذلك تحتكر العلاقة مع الخارج (الآخر) وتجسد (ذات) الأمة في وجه هذا الآخر في الوعي العام، وتحوز بالتالي على البعد المعنوي لمفهوم الوطنية الذي ذكرناه للتو. ولا أحد مثلنا يعرف كيف تلتهم "الوطنية" الحقوق وتسوغ الانتهاكات الفظيعة والإفقار وتجعل من الديموقراطية مؤامرة ومن النقد خيانة وما إلى ذلك.
ربما يجوز الحديث عن مفهوم قديم وآخر حديث للوطنية، القديم القائم على التحرير السياسي (نضال ضد قوات احتلال)، والحديث القائم على التحرير الاقتصادي (نضال ضد يد السوق الخفية). رغم أن سياق العولمة الرأسمالية يعيد اليوم إحياء المفهوم القديم كما نشهد في العراق وأفغانستان. واللب من المفهومين هو استعادة السيطرة على تاريخ البلد.
خلفية
يشهد العالم، بفعل آليات التوسع الدائم لعلاقات الإنتاج الرأسمالية، أي بفعل القوانين التي تحكم تجدد علاقات الإنتاج الرأسمالية نفسها، نزوعين متعارضين هما: النزوع نحو حت واضمحلال سيادة الدول وتكريس قوانين عالمية لها الغلبة على القوانين "الوطنية"، قوانين فوق الدول لها مؤسساتها العالمية؛ والنزوع المقابل إلى تكريس الحدود السياسية وحتى الإمعان في التجزيء السياسي في المناطق الواقعة خارج مراكز رأسالمال العالمي. فنحن نشهد حركة تعولم (توحيد) وحركة تجزؤ (تفتيت) في الوقت نفسه، أو لنقل حركة تعولم تولد وتستدعي حركة تجزؤ. وهذه الحركة المركبة تعكس في الواقع التناقض الذي يسكن علاقة الإنتاج الرأسمالية في طورها العالمي الحالي، التناقض بين التركز الشديد لرأسالمال من جهة والانبساط الشديد لعملية الإنتاج من جهة أخرى.
بكلام آخر: إن علاقة الإنتاج الرأسمالية التي اكتسحت الحواجز الماقبل رأسمالية وتجاوزتها ودشنت نشوء السوق القومية (حرية حركة عناصر الإنتاج) والدولة-الأمة كتعبير سياسي عنها، فاضت عن الأسواق القومية دون أن تتمكن من نسخ ما قامت به في الإطار القومي على إطار عالمي، بفعل الحدود السياسية القائمة غالباً على تمايزات قومية من جهة، وبفعل ما ينطوي عليه قانون الإنتاج الرأسمالي في بعده العالمي من ميل إلى المركزة والتهميش في آن من جهة ثانية. فجاء توحيد العالم على يد العلاقات الرأسمالية توحيداً تقسيمياً إذا جاز القول، اتخذ شكل انقسام العالم إلى شطرين متكاملين، شطر متطور صناعي مولّد (مركز) وآخر متخلف خدمي تكميلي (هامش). إذ تم فتح الحدود أمام الرساميل ووسائل الإنتاج (الشركات والمؤسسات الرأسمالية) مع الحفاظ على وتكريس التقسيم السياسي (أي الحد من حرية حركة اليد العاملة). ما جعل من البلدان في الشطر المهمش من العالم منفى لأزمات العلاقات الرأسمالية، أو مكباً لنفاياتها (الإفقار والبطالة والتهميش والفساد السياسي...الخ)، وأفقد المجتمع في هذه البلدان تماسكه.
تلك هي الخلفية العميقة التي يتحرك عليها مفهوم الوطنية، والتي قادت إلى جعل التحرر الاقتصادي أساس مفهوم الوطنية، بعد أن تبين أن التحرر السياسي (خروج جيوش المستعمر) لم يؤسس لاستقلال حقيقي، وأنه كان كما اتضح في الواقع اسماً على غير مسمى. وإذا كان التحرر الوطني من الاستعمار المباشر عملاً واضحاً بغاياته ووسائله، ما جعل منه فعلاً سياسياً يمتلك قدرة هائلة على التأثير والحشد والنجاح (انظر التجارب الحديثة في لبنان وفلسطين والصومال والعراق، الملاحظ أن جميعها تجارب عربية)، فإن السعي إلى التحرر الاقتصادي يبدو، لغياب الوضوح في الهدف والوسائل، وربما بسبب الخلل في طرح إشكاليته أصلاً، نضالاً معاقاً وحائراً وعقيماً. لقد تمحور فهم التحرر الاقتصادي، كمحتوى أصلي لمفهوم الوطنية الحديث، على الانفكاك من أسر العلاقة مع السوق الرأسمالية من موقع التابع وبناء اقتصاد متمركز على ذاته وغير "مندلق إلى الخارج" حسب تعبير سمير أمين، أحد أبرز أنصار هذا التوجه. وقد جهد الفكر الاقتصادي في البحث عن معنى لهذا التحرر الاقتصادي (الانفكاك) وعن السبيل إليه، وما تزال هذه المهمة شاخصة وعصية. الأمر الذي يصب في صالح دوام السلطات القائمة، ويفسر إلى جانب عوامل أخرى تعطل المعارضة السياسية لهذه السلطات، واقتصار برامجها على الديموقراطية السياسية. من المهم، والحال هذه، تلمس حدود مفهوم الوطنية اليوم بعد سير العولمة شوطاً طويلاً في مرحلة ما بعد الاستعمار المباشر.
إشكالية المفهوم
إن إشكالية مفهوم الوطنية تنشأ في الشطر المهمش الذي يعيش مشكلة استلاب اقتصادي، بمعنى فقدانه السيطرة على اقتصاده ومقدراته (على تاريخه) بفعل ارتهانه إلى شبكة العلاقات الاقتصادية العالمية من موقع تابع - دون وجود أفق للتحرر من هذا الاستلاب ولاسيما بعد انهيار التجربة السوفييتية ومشتقاتها التي كانت تشكل فيما مضى سنداً للاستقلال عن السوق العالمية أو لوهم الاستقلال عنها- وهذا الاستلاب يغذي نزوعاً سياسياً استقلالياً "وطنياً" معاقاً لم ينجز له برنامج سياسي اقتصادي إلى اليوم وقد لا ينجز، وقد يكون طرح المشكلة على هذا النحو خاطئاً في الأصل. أما في الشطر المسيطر من العالم الرأسمالي فيقتصر مفهوم الوطنية على الدفاع عن الوطن على غرار قانون (patriot act) في أمريكا مثلاً، أي المشكلة ثمة مغايرة جملةً.
تنبع الإشكالية من أن بلداننا، لأسباب تاريخية، انخرطت في السوق الرأسمالية من موقع ضعيف وتابع بآليات تعيد إنتاج هذا الضعف والتبعية، وباتت الدولة في هذه البلدان هي الشكل السياسي المعبر عن هذه التبعية، تحميها وتجددها وتجد في ذلك وظيفتها، أي باتت الدولة في هذه الحال تنتمي من حيث الوظيفة إلى الخارج المسيطر أكثر مما تنتمي إلى الداخل "الوطني". ولا غرو أن بعض الحركات الثورية اعتبرت السلطات المستبدة في بلدانها استعماراً يجب تحرير البلاد منه (ثورة الساندينيين في نيكاراغوا مثلاً). وبين إدراك هذا الواقع (التبعية والتهميش) والعجز عن إدراك المخرج السياسي - الاقتصادي منه يعيش مفهوم الوطنية مأزقه الذي هو مأزق المعارضة الوطنية عينه.
إن طاقة الرفض التي يولدها هذا الواقع، وبسبب غياب النهج الاقتصادي التحرري وانغلاق أفق الحل، تتصعد – إذا استعرنا المفهوم الفرويدي - في المستوى السياسي على شكل نزعة ليبرالية/ديموقراطية تتماشى مع الوضع العالمي الجديد أحادي القطب، أو على شكل حركات سياسية إسلامية شعبوية لا توجد الوطنية في منظومتها المفهومية أصلاً، وهي أشكال تهرب من وجه المشكلة، بآلية غير مدركة غالباً. فنشهد اليوم بالتالي حركات سياسية غير متمفصلة على مشكلتها الحقيقية، تعاني من انزياح في الوعي يعطل آلية الحوار ويعطل آلية إحداث تغيير مهم على مستوى الواقع الاقتصادي.
وبديهي أن الرفض الذي يتجلى على شكل من هذه الأشكال لا يعي ذاته إلا كذلك، أي لا يعي أنه رفض مصعّد يبحث عن حل خارج إطار المشكلة، وأنه يهرب بشكل غير موعى من مشكلة مستعصية. في سورية مثلاً تثير قضية مصافحة الرئيس السوري لنظيره الإسرائيلي من ردود الفعل "الوطنية" أكثر مما يثيره القانون رقم عشرة لعام 1991 والذي يعطي الرأسمال الأجنبي نفس امتيازات الرأسمال السوري والعربي. وهذا تعبير عن الفشل في مواجهة ما يفترض أنه قانون ينخر السيادة الوطنية ولكن لا يمكن الوقوف في وجهه لأنه ضروري لإنعاش اقتصاد راكد، وتفريغ طاقة الإحباط هذه، بدلاً من ذلك، على حركة رمزية لا تبلغ أهميتها وخطورتها لدى التحليل جزءاً يسيراً من أهمية وخطورة القانون المذكور وتعديلاته.
خصوصية سورية
يوصلنا هذا إلى خصوصية موضوع الوطنية في سورية نظراً إلى تزامن أو تعايش المشكلة الوطنية القديمة والحديثة لدينا، فهناك أرض سورية محتلة (الجولان) وتعتبر الدولة السورية هي الممثل الشرعي (الدولي) لها وصاحبة الحق في العمل على استعادتها. وهذا ما يجعل الدولة، في غياب أي جهة غير رسمية تتولى قضية الجولان، تستولي على مشروعية حركة تحرر وطني، بمعناه القديم، وهي الدولة التي بحكم موقعها في الشطر التابع والمهمش من العالم الرأسمالي تشكل التعبير السياسي عن علاقات اقتصادية متسقة مع السوق الرأسمالية العالمية، وجزءاً مكوناً مما يمكن اعتباره دولة عالمية تقوم على إعادة إنتاج الواقع الاقتصادي العالمي وحمايته. وهذا الموقع المزدوج يعطي الدولة السورية قدرة على المناورة في الداخل والخارج.
أخيراً وبالمناسبة، إن من اللافت ضعف حضور قضية الجولان في السياسة السورية سواء الرسمية أو الشعبية، قياساً بما ينتظر أن تمثله قضية كهذه على مستوى البلد الأم. وهذا ينسحب على المعارضة كما على النظام ويحتاج إلى نظر لأنه بالفعل يطرح سؤالاً يحرض على التفكير.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- بيان من -حماس-عن -سبب- عدم التوصل لاتفاق بشأن وقف إطلاق النا ...
- واشنطن تصدر تقريرا حول انتهاك إسرائيل استخدام أسلحة أمريكية ...
- مصر تحذر: الجرائم في غزة ستخلق جيلا عربيا غاضبا وإسرائيل تري ...
- الخارجية الروسية: القوات الأوكرانية تستخدم الأسلحة البريطاني ...
- حديث إسرائيلي عن استمرار عملية رفح لشهرين وفرنسا تطالب بوقفه ...
- ردود الفعل على قرار بايدن وقف تسليح
- بعد اكتشاف مقابر جماعية.. مجلس الأمن يطالب بتحقيق -مستقل- و- ...
- الإمارات ترد على تصريح نتنياهو عن المشاركة في إدارة مدنية لغ ...
- حركة -لبيك باكستان- تقود مظاهرات حاشدة في كراتشي دعماً لغزة ...
- أنقرة: قيودنا على إسرائيل سارية


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - مفهموم الوطنية..مقاربة عامة