أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - راتب شعبو - إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون















المزيد.....

إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1371 - 2005 / 11 / 7 - 04:37
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


أحدث إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي حركة لافتة فكرية وسياسية تحسب له، واستطاع لم شمل أوسع طيف معارض شهدته سورية ربما منذ 1963، كما حاز على اهتمام إعلامي داخلي وخارجي غير قليل. المعارضة السورية تسعى إلى امتلاك القدرة على ملء فراغ سياسي محتمل وإثبات أن سورية ليست "قوقعة فارغة سياسياً"، وهذا مسعى مطلوب ومهم. بيد أن هذا التقدم البادي ينطوي في الواقع على تراجع في سوية الفكر السياسي الذي ينتظم الإعلان.
كان سياق إنتاج إعلان دمشق كتيماً، أقيم فيه اعتبار لأفراد (على أهميتهم) - دون أن نعرف سر مساهمتهم دون غيرهم في إنتاج هذا الإعلان - وأهملت أحزاب لها تاريخها النضالي الطويل في المعارضة السورية من اليسار ـ كحزب العمل الشيوعي مثلاً ـ ومن اليمين ـ كالإخوان المسلمين ـ (مع أن صياغة الإعلان وطريقة تعامل هؤلاء الأخيرين معه تالياً لا توحي بأنهم كانوا مستبعدين على أي حال، واستطراداً أقول هناك مشكلة إذا كانوا مستبعدين فعلاً، وإذا لم يكونوا فهناك مشكلة لا تقل أهمية نظراً إلى أن مثل هذا السلوك يمثل خداعاً للجمهور أكثر منه خداعاً لأجهزة الأمن، وهو على كل حال سلوك لا يعد بحياة سياسية أفضل).
يحاول الإعلان أن يقدم برنامجاً عاماً، أو خطة عمل، وبتعبيره "خطاً واضحاً متماسكاً" للمرحلة القادمة، ولكن بالتدقيق لا يستقر الفكر على ملامح واضحة لهذا البرنامج. هناك لغة قديمة (الوطنية، الديموقراطية، التغيير) تحتاج إلى "صيانة" مفهومية إذا أريد لها أن تستأنف عملها بفاعلية في الحقل السياسي. وهناك لغة "جديدة" (المنظومة العربية، المتحد الوطني، مكونات المجتمع، الدولة السياسية)، وهي في الواقع لغة مقلقلة ومقلقة، غير واضحة وتحتاج أيضاً إلى تعريف لكي تتخذ لنفسها موقعاً موعى في هذا الحقل.
التغيير الوطني الديموقراطي بات كلاما كالماء. فمفهوم الوطنية هو اليوم محط جدال ربما أكثر مما هو محط توافق. إذ تخلخلت دعائم كثيرة كان يقوم عليها هذا المفهوم، تخلخل مثلاً مفهوم فك التبعية بما يتضمن من العمل على بناء اقتصاد متكامل متمركز حول ذاته يسند سياسة مستقلة ويستند إليها. والفكر السياسي يواجه اليوم معضلة عويصة هي إشكالية العلاقة بين الداخل والخارج، الداخل (التخلف الاقتصادي والاستبداد السياسي) والخارج (التقدم والقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان... ولكن الذي يحمل في تضاعيفه أيضاً بذور قل ثمار الهيمنة والإلحاق).
كما بات مفهوم الديموقراطية، في ظل ما نلمس اليوم من تدرك مفهوم المجتمع لدى الكثيرين إلى مجرد كتل بشرية مستغرقة في انتمائاتها الطبيعية "الدينية والعرقية" ومستلبة إلى حساسياتها وربما عداواتها القائمة على هذا الفرز العضوي "الطبيعي"، أقول بات مفهوم الديموقراطية يحتمل اليوم العودة إلى "المكونات" الأولية للشعب ومساواتها في اقتسام السلطة والثروة حسب النسب العددية مثلاً أو غيرها من المعايير الديموقراطية "الحديثة"، أي بات هذا المفهوم يحتمل أن ينطوي على خطر الانقسام وتبرير استمرار حشر الفئات الشعبية في الدرك الأسفل من السلم الاقتصادي الاجتماعي عبر تشويه الوعي السياسي العام وحتّ الرابطة الوطنية الجامعة ووضع المفقرين من كل الأديان والمذاهب والأعراق في صراع مفتعل وعبثي فيما بينهم، صراع عبثي يدمر كل شيء ولا يبني شيئاً سوى المقابر الجماعية والزعامات المأفونة، بدل أن تكون الديموقراطية، كما نفهمها، وسيلة لنقل الثقل الاجتماعي والاقتصادي لهؤلاء المفقرين إلى المستوى السياسي وفتح أفق بالتالي للحد من آلية الإفقار التي تطحنهم جميعاً وبوتيرة لا تني تتسارع. كما أن التغيير، هذا التعبير الأعمى والمعمي، قد لا يعني شيئاً أكثر من الاستبدال.
الحق أن هذه المفاهيم تحتاج إلى شرح وتبيين لأنها باتت ملتبسة وغير هادية بأي حال، ولا أدل على ذلك من أن إعلان دمشق (الذي يحمل عنوان التغيير الوطني الديموقراطي) لا يجد موجباً "وطنياً" لذكر موقف من الحضور الأمريكي الطاغي والمباشر في منطقتنا ومن مشروعها الذي يتوالى فصولاً في بلداننا في ظل سلبية شبه مطلقة من جانب مجتمعاتنا وتعبيراتها السياسية، أو من الواقع الكارثي المتفجر في فلسطين. ولا يجد في ديموقراطيته غضاضة من استخدام تعبير مكونات المجتمع السوري مرة "كتيارات فكرية وطبقات اجتماعية وأحزاب سياسية وفعاليات ثقافية واجتماعية واقتصادية" ومرة "كانتماءات دينية". طبيعي أن المتحد يتألف من مكونات، وهذه المكونات قد تتحد في شكل آخر فتشكل متحداً جديداً وقد تستقل بذاتها فتشكل ربما متحدات جديدة، من يدري. صفوة القول إن الفكر السياسي ركيك وملتو وفقير في هذا الإعلان.
يصف إعلان دمشق التغيير المنشود بأنه "جذري ويرفض كل الأشكال الترقيعية أو الجزئية الالتفافية". ثم يعتبر أن "إقامة النظام الوطني الديمقراطي هو المدخل الأساس في مشروع التغيير والإصلاح السياسي. ويجب أن يكون سلمياً ومتدرجاً ومبنياً على التوافق". إقامة النظام الوطني الديموقراطي هو المدخل للتغيير والإصلاح، هذه خطة ثورة (الإصلاح من فوق)، والتدرج السلمي والتوافق، هي عناصر خطة إصلاحية، كيف يتعايشان في خطة عمل واحدة؟
ويضمن الإعلان "حق العمل السياسي لجميع مكونات الشعب السوري على اختلاف الانتماءات الدينية والقومية والاجتماعية". حق العمل السياسي بالتعريف يتمتع به مواطنون وليس أتباع أديان أو طوائف اجتماعية. ويتنافر وجود هذا القول في الإعلان نفسه الذي يؤكد أن "المواطنة معيار الانتماء".
كما يلفت النظر تأكيد الإعلان على أن "الإسلام هو دين الأكثرية وعقيدتها". في وجه من هذا التأكيد النافل؟ هل في وجه أمريكا التي تحاول نسف ثقافتنا الإسلامية مثلاً؟ (الإسلام ديناً وثقافة يزدهر في قلب أمريكا وأوربا أكثر مما يزدهر لدينا، وأسطورة اقتلاعنا من ثقافتنا وقيمنا هي أسطورة ذات روح سياسية أصلاً). أم في وجه مسيحيي سوريا الذين يريدون مغالطة الحقيقة والزعم بكونهم الأكثرية أو يريدون فرض هيمنتهم على الأكثرية المسلمة؟! وما هو موقع هذا التأكيد في هذا السياق؟ لا مكان ولا معنى لهذا التأكيد النافل في سياق إعلان سياسي طبيعي. إذن ما مغزى وجوده في هذا الإعلان؟ إن هذا التأكيد يكتسب معناه السياسي فقط من مساهمته في بناء جسر تعبر عليه جماعة أو جماعات سياسية إلى مواقع هيمنية في المجتمع لا بفضل برامج سياسية تحملها بل لمجرد أنها إسلامية وبالتالي تمثل الأكثرية. هذا التأكيد الذي يظهر غيرة بريئة مشكورة على ديننا وثقافتنا وأخلاقنا وقيمنا وما إلى ذلك، يحمل بذرة الانقلاب على "الديمقراطية كنظام حديث عالمي القيم والأسس" التي يدعو إليها الإعلان. ويساهم في تشويه الوعي بالصراع الدائر في مجتمعاتنا وفي منطقتنا وفي العالم.
من المقلق أن تحاول بعض أطراف المعارضة، تحت ضغط الشعور بالعجز السياسي والبرنامجي، شحن آلة المعارضة السورية بوقود طائفي. لا شك أن إغلاق الطريق في وجه الحق يفتح الطرق أمام الباطل. فمصادرة الحياة السياسية حطمت المعارضة السورية وحرمتها من تشكيل وزن جماهيري ومن تطوير ذاتها فكرياً وسياسياً، هذا واقع عشناه ونعيشه في سورية ويجب تجاوزه وتفكيك عناصر استمراريته، هذا حق جوهري، لكن لا يجب أن يتم العمل على تحصيل هذا الحق بوسائل باطلة حتى وإن كان إغراء ذلك شديداً، لأنه ليس من مصلحة أحد التخلص من الاستبداد بثمن هو التفكك المجتمعي وتكريس الانقسامات العمودية في المجتمع وما ينطوي عليه ذلك من فضائل "الفوضى (الأمريكية) المبدعة". لا يغير من هذا الكلام القول إن النظام السوري هو الذي يفكك ويكرس الانقسام، وإلا سندخل في حلقة معيبة لا يسهل الخروج منها، حلقة مدمرة من الفعل والفعل المضاد ذي النوعية نفسها. ثمة سبل أخرى أكثر صعوبة ربما ولكن أرسخ ويمكن لها أن تخرج بنا إلى حياة سياسية أفضل مبنية على أسس سليمة.
إن العمل السياسي النزيه والوضوح في الطرح وحفظ الفوارق بين الفاعلين السياسيين وممارسة النقد السياسي والبرنامجي الصريح فيما بين الأطراف المتشاركة وغير المتشاركة (دون الخشية من "زعل" هذا الطرف أو ذاك) وتطوير الوعي الديموقراطي والتخلص من اللغة السياسية الملتبسة والعمل على تحرير السياسي من العقيدي والكف عن اعتبار البراغماتية بطاقة بيضاء تجيز القيام بكل شيء. إن هذا الأدب أو التقليد السياسي (الضعيف عندنا) هو ما يمكن أن يساعد على الخروج بنا من دائرة الفعل ورد الفعل، والخروج بالعمل السياسي بالتالي إلى أفق جديد لمصلحة الجميع، اللهم سوى من يرى أن العمل السياسي المقبول هو فقط ذاك الذي يمر من تحت عباءته.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- زيلينسكي يقيل رئيس حرسه الشخصي بعد إحباط مؤامرة اغتيال مزعوم ...
- شوّهت عنزة وأحدثت فجوة.. سقوط قطعة جليدية غامضة في حظيرة تثي ...
- ساعة -الكأس المقدسة- لسيلفستر ستالون تُعرض في مزاد.. بكم يُق ...
- ماذا بحث شكري ونظيره الأمريكي بأول اتصال منذ سيطرة إسرائيل ع ...
- -حماس- توضح للفصائل الفلسطينية موقفها من المفاوضات مع إسرائي ...
- آبل تطور معالجات للذكاء الاصطناعي
- نتنياهو يتحدى تهديدات بايدن ويقول إنها لن تمنع إسرائيل من اج ...
- طريق ميرتس إلى منصب مستشار ألمانيا ليست معبدة بالورود !
- حتى لا يفقد جودته.. يجب تجنب هذه الأخطاء عند تجميد الخبز
- -أكسيوس-: تقرير بلينكن سينتقد إسرائيل دون أن يتهمها بانتهاك ...


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - راتب شعبو - إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون