راتب شعبو
الحوار المتمدن-العدد: 1482 - 2006 / 3 / 7 - 11:13
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في نشرة 24 شباط 2006 من "كلنا شركاء" عقب السيد بشر سعيد على مقال لي كنت ناقشت فيه مقال سابق له بعنوان (الفصل بين الدين والدولة/الإسلام السياسي) يتناول موضوع الإسلام السياسي ويبسط فيه آراء ذات طابع قطعي فحواها العام أن الدعوة إلى فصل الدين عن الدولة تكافئ الدعوة إلى التخلي عن الدين. ولا يخفى على أحد أن المكافأة بين هذه وتلك لا تخدم فتح نقاش لأنها تضع صاحب الرأي الآخر في خانة معاداة الدين وما يتبع ذلك من تبعات. ولا أعتقد أن السيد سعيد ، انطلاقاً من طريقة عرضه ونقاشه وعقلانيته، قصد ذلك، بيد أن النوايا السليمة لا تنجي من جهنم.
جاء تعقيب السيد سعيد هادئاً وعقلانياً وهو مما يحسب له، لكن ثمة ثلاث مشاكل أساسية، يثيرها تديين السياسة أو تسييس الدين، طرحتها في مقالي الذي يعقب عليه، ابتعد التعقيب عن مناقشتها. وسأذكر بإيجاز النقاط الثلاثة (وهي نقاط محورية برأيي):
1. الإسلام (الشريعة) لم يأت بنظام حكم محدد، وما جاء من أنظمة حكم "إسلامية" هي من باب الفقه (الفهم البشري للشريعة)، أي من باب الثقافة الإسلامية وليس الشريعة الاسلامية. ما هو نظام الحكم الذي يتكلم عنه الإسلاميون؟ وما هي حلولهم للمشاكل المزمنة والمعقدة التي تعيشها مجتمعاتنا؟
2. السياسة شأن دنيوي يقبل الاختلاف والنسبية، وحين يكون الدين مصدر السياسة فسوف يضفي عليها من صفات الثبات والإطلاقية والقداسة ما يزرع فتيل العنف العاري في ميدان الصراعات السياسية.
3. الكلام عن حكم ديني في سورية الغنية بالانتماءات الدينية والمذهبية، هو كلام عن حكم طائفي أي تقسيمي. كما أن الحكم الديني ينقض الحكم الديموقراطي من حيث أنه يتطلب جهة ما تقرر تماشي السياسة المتبعة مع الشرع، وهذه الجهة هي من خارج الجهات المنتخبة، كما أنها من قسم من الشعب السوري دون غيره، فمن هذا القسم فقط يمكن أن يخرج علماء إسلاميون يحق لهم الفتوى في موافقة السياسة للشرع. وبالتالي هناك لا بد شرخ مناف للديموقراطية على مستوى رسم السياسة واتخاذ القرار.
تناول التعقيب النقطة الثانية بالقول: "وماذا لو أضفى السياسي الإسلامي صبغة دينية قدسية.. فليناد بما يشاء، ما دام يمثل من انتخبوه".
مرة ثانية يغلق السيد سعيد باب النقاش، مطمئناً ربما إلى رصيد شعبي حقيقي أو موهوم. تريد أن تناقش معه مشكلة إقحام المجال القدسي في المجال السياسي فيبتعد عن النقاش بالقول هكذا يريد الناخب. ولكن إذا كان من يحظى بالأكثرية (كما يقول السيد سعيد نفسه) ليس هو الحق بالضرورة، وإذا كانت "الديموقراطية هي الخيار الأفضل لا لأنها تكشف الحقيقة بل لأنها تبين رأي الأغلبية"، فكيف يمكننا أن نجعل رأي الأغلبية أقرب إلى "الحق والحقيقة"؟ أليس بنقد الأفكار المطروحة واختبار مدى صلاحيتها؟ وهل يعقل بمن يطرح على نفسه مهمة "تثقيف الأمة" أن يستنكف عن مناقشة فكرة بالقول إنها خيار الأكثرية من "دراويش وعوام"؟
لا خلاف مع السيد سعيد في قبول النتيجة التي تسفر عنها الانتخابات أياً تكن، وجدير بالاحترام حسه الديموقراطي هذا، ولكنا بصدد مناقشة الأفكار التي تتنافس للفوز بالأكثرية، بصدد "تثقيف الأمة" بالطروحات الأفضل لحاضرها ومستقبلها. هذا هو الشق الأهم في العملية الديموقراطية وتأتي نتائج التصويت ثمرة لهذه العملية، فقبل الرماء تملأ الكنائن، كما يقال. وتكون هذه الثمرة أنضج كلما كانت العملية السابقة لها أكمل.
ويتابع السيد سعيد قطع حبال النقاش بالقول "ناهيك عن أن الدين ليس وحده المصبوغ بالقدسية.. فالديمقراطية والحرية وحتى العلم أمور باتت تحاط بقدسية رمزية يتم توظيفها لمختلف الغايات، اللهم إلا عند بعض يسير".
الفكرة المطروحة هي تحرير المستوى السياسي من المرجعيات القدسية، والدين هو أهم هذه المرجعيات، فإذا كان هناك من يقدس الديموقراطية أو العلم أو.. فإن ذلك يندرج في الإطار نفسه ولا يشكل مبرراُ أو تسويغاًُ بأي حال.
كما تناول التعقيب النقطة الثالثة بالقول: "إنني أرى وصف المواطنة حسناً لعلاقة الفرد بالدولة دون أن أرى مانعاً من وجود صفات التوجه السياسي فلنقل مثلاً يساري يميني، أو اشتراكي.. قومي.. إسلامي.."
لا شك أن المواطنة لا تتعارض مع بل تغتني بالتوجهات السياسية للمواطنين، وحين يكون المرء يسارياً أو يمينياً، إسلامياً أو قومياً في ظل دولة علمانية فإن ذلك لا ينتقص من مواطنيته شيئاً، ولكن حين نكون في ظل دولة إسلامية تختلف المعايير. فليس للمسيحي نفس حقوق المسلم، إذ لا يمكن للمسيحي أن يفتي في التشريع الإسلامي وهو المصدر الرئيسي للتشريع. ولا يمكنه أن يكون، مهما علت كفاءته، رئيساً للدولة. إذن هو مواطن منقوص المواطنة. وكذا الحال بالنسبة لأتباع المذاهب الإسلامية المغايرة للمذهب السني الذي يشكل في سورية التربة الدينية، الوحيدة حتى الآن، للتيارات السياسية الإسلامية.
إذن الهدف الذي يبتغيه السيد سعيد من المقتطف الذي أوردته للتو هو التعمية، فهو يمتدح وصف المواطنة كعلاقة بين الفرد والدولة دون أن يحدد صفة هذه الدولة، وكلامه لا يستقيم إلا باعتبار هذه الدولة علمانية، يمتدح دولة لا يريد أن يصفها لأن وصفها يخلخل ما يسميه المشروع الإسلامي. ثم يدرج صفة إسلامي بين التوجهات السياسية الأخرى دون أن يفصح عن أن هذا التوجه يقوم على نسف فكرة المواطن، مستعيضاً عنها بتعريف الرعايا حسب انتماءاتهم الدينية والمذهبية. على هذا فإن السيد سعيد يظهر احتراماً لعلاقة المواطنة في حين يضمر تهديماً لها.
إن النظر إلى الإسلام في هذا المجال، أقصد المجال السياسي، كثقافة وليس كدين، يقودنا إلى تجاوز كل هذه المشاكل التي نناقشها هنا. سواء من حيث تحرير المستوى السياسي من المرجعيات المقدسة أو من حيث تحرير المواطنة وبالتالي الديموقراطية من قيودها، فيعود الفقه الإسلامي مصدراً مهماً للتشريع، دون أن يكون المصدر بألف ولام العهد، ودون أن يشحن المجال السياسي بطاقة قدسية ما.
أخيراً كتب السيد سعيد: "لقد نشر التوضيح الذي طالب به السيد راتب شعبو بخصوص عنوان نقاشه، لكن لم يوضح الإشكال!!" أتمنى عليه أن يوضح لي مشكوراً ما هو الأشكال الذي لم أوضحه.
#راتب_شعبو (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟