أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي في سوريا















المزيد.....

تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي في سوريا


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1840 - 2007 / 2 / 28 - 07:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


السمة الأبرز في مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي، الذي نشرته نشرة كلنا شركاء في 30 و31 كانون الثاني الماضي، هي انعدام التجانس. ولا يمكن فهم هذا اللاتجانس إلا بمعرفة الأرضية السياسية التي يتحرك عليها المشروع. المنطق الفكري المجرد لا يصلح حجة على البرامج السياسية، فللعمل السياسي منطقه الذي لا يرضخ دائماً للمنطق العقلي ولا يقبله حكماً عليه. وفي كل الأحوال يبقى هذا اللاتجانس "ضرورة سياسية" يجب نقدها أي فهم دواعيها. السؤال إذن ما هي الضرورة السياسية أو المنطق السياسي الذي يستدعي هذا اللاتجانس؟
لكن قبل هذا أين يكمن عدم التجانس في المشروع أو كيف يتبدى؟
المشروع يتحدث عن الديموقراطية كشعار اهتدى إليه التجمع "منذ تأسيسه، ورأى فيه مدخلاً للارتقاء بالعلاقات السياسية إلى مستوى الدولة الوطنية". أي منذ أواخر 1979 وبدء اتخاذ الصراع السياسي في سورية شكلاً عنفياً واندياح موجة العنف البغيض واللامسؤول والذي دفع ضريبته الشعب السوري بمجمله ولا يزال، والذي لم ينج من تخريبه حتى الأمل في التغيير. وهذه محطة من تاريخ سورية تتطلب بحق الكثير من الدراسة والتأني، لكن الثابت برأينا أولاً أن الطرف المعارض الرئيسي في ذاك الصراع المسلح (الأخوان المسلمون)، من خلال طروحاته (التقسيمية على أسس طائفية) ومن خلال ارتباطاته وجهات دعمه آنئذ (الأنظمة في العراق والأردن والسعودية)، لم يكن يمثل تطلع ومصلحة الشعب السوري أكثر من الطرف الآخر في الصراع (السلطة)، ولاسيما أنه تحرك صراحة على أرضية طائفية تقسيمية لا خلاف على أنها تمثل خطراً كبيراً، وربما الخطر الأكبر، على المجتمع. ثانياً أن هذا الصراع أمضى للسلطة السورية شيكاً زمنياً على بياض لا تزال تصرف منه إلى اليوم.
التجمع يتكلم اليوم عن "تغيير وطني ديموقراطي بالطرق السلمية، وبطريقة عقلانية متدرجة". ويتكلم عن "بناء الحياة السياسية في البلاد على أساس المواطنة التي لاتقبل التفاضل والتفاوت". لا بأس، نحن نعرف رأي التجمع في سلوك السلطة آنئذ ونشاطره الرأي في إدانة القمع المنفلت اللاتمييزي الذي مورس والذي أعاد الحياة السياسية في سوريا سنوات إلى الخلف. لكن ما قوله في الجهة السياسية التي أقدمت في لحظة ما من تاريخ سورية (ما تزال لحظة حية وطازجة تماماً في ذهن الشعب السوري) على محاولة التغيير بالعنف المسلح وعلى أساس طائفي؟ ألا يستحق الأمر منه نقداً يخلق نوعاً من الوعي السياسي المدني لدى الجمهور ويرعى بذرة التمييز السياسي لديه ويراكم نوعاً من الثقة تجاه التجمع نفسه؟ وإذا كان موقف التجمع حينها هو غض النظر عن طبيعة هذا الطرف من باب أنه قد يحدث تغييراً يكسر الركودة السياسية ويفتح الباب أمام تطورات إن لم تكن أفضل فلن تكون أسوأ مما كان قائماً حينها، فإن الضرورة السياسية، وليس فقط النزاهة، تستدعي منه نقد تلك المرحلة من تاريخه من منظور لاحق.
هذه إحدى النقاط التي يغيب فيها الانسجام. وهو لا يغيب لأن التجمع غافل، بل لأن تصوره السياسي يتطلب ذلك. فالتجمع هو الآن في "حلف" مع الأخوان المسلمين في "إعلان دمشق" ولا يريد ممارسة نقد قد يضعف الحلف كما يظن، حتى أن المشروع حين ينتقد لجوء الأخوان المسلمين إلى سبيل العنف المسلح لا يسميهم بل يقول "انتهجت المجموعات الإسلامية المتطرفة سبيل العنف المسلح". المشروع يرى أن الأولوية هي لنقد "السلطة"، وربما من هذا المنظور يبدو اللاإنسجام المنطقي انسجاماً سياسياً. لكن لمن لا يرى من منظور التجمع هذا (ويفترض أن التجمع أو غيره يسعى لكسب الجمهور المحايد أو العاطل لا بل إلى كسب جمهور التوجهات السياسية الأخرى) يبدو له الأمر غريباً ونافراً أو ببساطة غير مقنع، إذ كيف تكون الديموقراطية وفق رأي التجمع مدخلاً لحل مشاكلنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولا يمارسها في حياته السياسية اليومية بين أطرافه ومع الأطراف الأخرى؟
الديموقراطية هي النقد الحر واليومي وغير الموارب للذات قبل الحليف وللحليف قبل الخصم، وإلا فهي ديكتاتورية مقنعة. والآن وقد باتت الديموقراطية هي اليافطة الجامعة – لفظياً على الأقل – لقوى المعارضة، وهي نقطة الثقل الأساسية في عمل المعارضة، فإن أي تعامل غير نزيه وأي جبن وتردد و"براغماتية" في ممارسة الديموقراطية يطعن في صدقية من يرفع شعارها، وبالتالي يضر في مسعى "التغيير الديموقراطي" نفسه.
يرى المشروع أن "السياسة فاعلية اجتماعية ومجتمعية وتعبير عن توافق الفئات الاجتماعية ذات المصالح المختلفة". ثم يرى "أن عملية التغيير الديموقراطي تواجه مقاومة مختلفة الأشكال من القوى التي أثرت على حساب الشعب ... مما يطرح ضرورة تعاضد جميع القوى الوطنية صاحبة المصلحة في التغيير الوطني الديموقراطي". السياسة إذن تعبير عن توافق (وليس صراع) فئات لها مصالح مختلفة، ثم يقول المشروع إن هناك فئات أثرت على حساب الشعب تقاوم التغيير بأشكال مختلفة مما يفرض ضرورة تعاضد القوى الوطنية (تعاضد للتوافق أم للصراع مع هذه الفئات؟). بين حقيقة أن الصراعات السياسية تعبير عن صراع مصالح وكلام المشروع عن الصراع السياسي كتعبير عن "توافق الفئات الإجتماعية"، غرابة ولاإنسجام.
كيف يمكن أن يكون الصراع تعبير عن توافق؟ السؤال التلقائي هو ما المعضلة التي تعبر عن نفسها بهذه المفارقة؟ الحقيقة أن المعضلة التي تجد المعارضة السورية نفسها غارقة فيها هي التالية: القبول بالحال القائم مشكلة لما يتصف به هذا الحال من احتكار للسلطة السياسية وتقييد للنشاط السياسي المستقل وسيطرة الأمني على السياسي ومن فساد عام وتهميش وفقر..الخ (فضلاً عن أن مثل هذا القبول يلغي مسوغ المعارضة أصلاً)، والخروج السافر على الحال القائم يشبه الانتحار الأمني نظراً لغياب المعارضة السياسية القادرة ونظراً للقوة الأمنية الكاسحة التي تتمتع بها الدولة. المعارضة السورية عاجزة حتى الآن عن إحداث تغيير ما بأدوات داخلية "وطنية"، وتعمل السلطات القمعية بشكل حثيث على إعادة إنتاج هذا العجز وتعميقه. هذه هي اللوحة التي تتحكم بخطاب مشروع التجمع بإجمال.
كان يمكن فهم قول المشروع لو أنه استخدم مفهوم "تعايش" بدلاً من "توافق" إذا كان يود أن ينأى بنفسه عن مفهوم "الصراع" الذي ربما يراه منفراً في لحظة تلتهم فيها الصراعات العبثية في منطقتنا البشر والآمال معاً. فالسياسة هي أيضاً حل للتعارضات القائمة في المجتمع بما يسمح بتعايش الأطراف المتعارضة والمتصارعة المصالح تحت سقف وطني واحد. هذا فهم صحيح وغير ملتبس. لكنه يختلف كثيراً عن التوافق من حيث أن هذا الأخير يغطي أو يغفل وجود صراعات، في حين يدل التعايش على الاعتراف أولاً بوجود صراعات والقبول بآليات تعايش سلمية من شأنها أن تعكس توازن القوى فيما بينها موضوعياً. الصراعات تتعايش ولكنها لا تتوافق.
يبدو إذن في لوحة الصراع السياسي أن هناك أفقاً مغلقاً أمام التغيير، بصرف النظر عن طبيعه هذا التغيير، طالما بقي مستقلاً عن السلطة وعن الخارج. ويبدو أن التغيير ممكن فقط من قبل القوى الخارجية (الدول الكبرى) أو من قبل أطراف (مراكز) داخل السلطة. هذه معضلة تعيشها المعارضة السورية بشيء لا يخفى من الذل، ولكن هذا بدوره يطرح المشكلة من زاوية أخرى. فأية قوى خارجية وأية مصالح. وما هو التغيير "الوطني" الذي يمكن أن ترعاه مصالح من خارج "الوطن". هذه بداهات "شعبية" تحرق من يتجاهلها. لذلك أسقطت المعارضة السورية الوطنية من برنامجها خيار التغيير بمعونة مباشرة من الخارج، وحسناً فعلت بهذا، وفتحت باباً لمعونة "أهل النظام" (وهو باب ملتبس على أي حال لأنه غير مبني على رؤية سياسية واضحة، فهناك رفع مبالغ فيه للتغيير بصفته تغييراً دون مراجعة ودراسة للوسائل والأهداف). ولما كان أهل النظام هم من يمثلون من أثرى على حساب الشعب ومن "يقاومون التغيير بأشكال مختلفة"، أي هم القطب الآخر المضاد في الصراع من أجل "التغيير الوطني الديموقراطي"، حسب لغة المشروع نفسه، فإن فتح الباب لهم للمشاركة في التغيير يعني إلغاء علاقة الصراع لصالح علاقة التوافق، ويعني بالنهاية تشويش الوعي العام والعوم على سطح الحياة السياسية في البلد.
وهذه اللوحة ذاتها تستدعي العامل الخارجي ليس من باب استغلال التعارضات والتقاطع الموضوعي مع الخارج بل تستدعي العامل الخارجي بصفته عاملاً رئيسياً. ولا شك أن قمع السلطات وعجز المعارضة – والعلاقة متبادلة بين الأمرين – هما المسؤولان معاً عن حضور العامل الخارجي بهذه الصورة. نحن والحال هذه ضحايا حلقة معيبة، فتزايد قمع النظام وتقييده للعمل السياسي يؤدي إلى ضعف المعارضة المنظمة القادرة على التغيير البناء من جهة، وضعف المعارضة يزيد من إحكام قبضة النظام أكثر وبالتالي يقود إلى المزيد من التقييد من جهة أخرى، فيبدو العامل الخارجي وكأنه الملاذ الوحيد لمن يطمح بالتغيير.
وما بين عجز العامل الداخلي (قدرة المعارضة على التغيير "الوطني" بقوى داخلية "وطنية") والصورة السلبية بل الكارثية للتدخل الخارجي في التجارب التي يشهدها العالم اليوم، تنكفئ لغة المشروع إلى لغة توافقية تفتقر إلى التمايز. ففي المشروع نقرأ مثلاً: "فلتتضافر الجهود في سبيل التغيير الوطني الديموقراطي لمصلحة الجميع". هل هناك تغيير اجتماعي لمصلحة الجميع؟ هل يمكن أن يستقر وضع اجتماعي دون وجود فئات ذات مصلحة تحمي وتكرس وتعيد انتاج هذا الوضع على حساب مصالح فئات أخرى؟ إن أي تغيير اجتماعي هو بداهة ضد فئات وشرائح وطبقات ذات مصلحة في ديمومة العهد القديم. وما العيب في أن يكون الخطاب السياسي واضحاً في تحديد ذلك؟ إن العقلانية واللغة السياسية المسؤولة ليست لغة تعمية وتعميم بل لغة تنوير مدروسة وهادفة إلى زرع بذور التمييز السياسي لدى الجمهور.
ما نفتقد إليه بالفعل هو اللغة السياسية الواضحة المتمايزة الواعية لما تريد مهما يكن ما تريده بسيطاً ومحدوداً، المهم أن يكون واضحاً ومتسقاً ومفهوماً وبعيداً عن اللغة الكليلة العاجزة الغارقة في عموميتها. ولغة المشروع هي للأسف من هذا النوع. فمثلاً حين يتكلم المشروع عن السياسة العربية والدولية يقول: "بضرورة إنتاج علاقات إقليمية متميزة مع دول الجوار". دون أن يشرح هذا القول العام جداً إلى حد فقدان الأهمية. دول الجوار تنضوي تحت مشاريع مختلفة، فأي مشروع نريد أن ننتج معه علاقات متميزة؟ هل محور إيران أم السعودية مثلاً؟ هل محور "المعتدلين" حسب لغة الخارجية الأمريكية أم "الممانعين" حسب لغة جديدة تدل على من يخالف الأجندة الأمريكية؟ هل علاقات متميزة مع حماس أم مع فتح في فلسطين؟ هل مع مشروع تكتل 14 آذار أم مع المشروع المعارض له في لبنان؟ دول الجوار الإقليمي ذات سياسات تتعارض لذلك يجب أن يوضح المشروع ما هو الناظم الذي يحكم تميز علاقته بطرف دون آخر. ما من دولة أو جهة سياسية يمكن أن تقول إنها لا تريد حسن الجوار، فجميع الدول والجهات تصرح على الأقل بأنها مع علاقات حسنة مع الجوار. لذلك الاكتفاء بالتأكيد على هذا القول هو بمثابة عدم قول أي شيء.
الديموقراطية مجدداً
يقول المشروع إن " التجمع كان سباقاً إلى تبني الديموقراطية أساساً للعمل الوحدوي". ويقول: "تشكل الديموقراطية السياسية بكل مستلزماتها الشرط اللازم للبدء بأي عملية إصلاح اقتصادي حقيقي". هل هذه الأحكام مفكر بها؟ هل الديموقراطية هي حقاً أساس للعمل الوحدوي وللإصلاح الاقتصادي؟ لم تكن الديموقراطية هي التي حافظت على وحدة اليمن، ولم تكن الديموقراطية هي التي حافظت على وحدة الاتحاد السوفييتي، بل هي التي فككته بالأحرى. كما أن الامتناع عن الولوج في طريق البيروسترويكا مكن الصين من الدخول في عملية إصلاح اقتصادي عجز عنه الاتحاد السوفييتي صاحب تجربة البيريسترويكا.
إن الديموقراطية السياسية التي تعني بداهة تداول السلطة تعني أنه ما من حزب سياسي لديه خطة إصلاح اقتصادي عميق يمكنه الشروع بها وتنفيذها خلال دورة انتخابية فاز بها، فالاصلاح الاقتصادي يتميز بصفتين أساسيتين: أولاً الكلفة الاجتماعية الكبيرة التي تهدد شعبية أي حزب يباشر به، وثانياً المدة الزمنية التي يحتاج إليها والتي تستغرق ربما دورات انتخابية عديدة لن يكسبها الحزب الحاكم على الأرجح بسبب التكاليف الباهظة التي ستنعكس سلباً على سوية حياة الناس جراء هذا الاصلاح وستنعكس بالتالي سلباً على شعبيته، بما يدفعه إلى سلوك طريق السلامة وهي طريق الترقيع الاقتصادي والسعي للحفاظ على سلطته. إن الاصلاحات الاقتصادية الجذرية ترافقت دائماً بأنظمة حكم غير ديموقرايطة لأنها استدعت دوراً اقتصادياً مركزياً للدولة يستدعي ويستجر تلقائياً دوراً سياسياً مركزياً احتكارياً.
ليست الديموقراطية سحراً. وما من داع لتوصيفها كذلك حتى نبرر طرحها وتبنيها. فالديموقراطية قيمة بذاتها تستحق الدفاع عنها وتبنيها والنضال من أجلها، دون تسويغ ذلك بأنها طريق إلى الوحدة أو إلى الرفاه الاقتصادي أو إلى غير ذلك. بديهي أن الديموقراطية تكفل توزيعاً أعدل (وليس عادلاً) للسلطة والثروة في المجتمع، وتعيد خلق مجال الأمن الفردي المفتقد تحت وطأة الأمن العام (دون أن تخل بالضرورة بهذا الأخير)، وتعيد للمجتمع تماسكه المغيب عمداً وقسراً لتبرير "إمساكه" الإرادي الفوقي بيد سلطة سياسية تستبد وتحتكر "لتحميه من التفكك والفوضى". وبالمناسبة: إن كل الطروحات التي تخاطب الانتماءات التقسيمية في المجتمع تصب مباشرة في خدمة هذا الاستبدلد السياسي وهذا الاحتكار قبل أن تخدم وأكثر مما تخدم طارحيها.
إن الأهداف الثلاثة التي يطرحها التجمع ويدعو إليها "جميع المواطنين رجالاً ونساءاً وشباباً وشابات" أهداف مشوشه وتائهة. مجمتع حر، دولة وطنية، نظام ديموقراطي. على التجمع أن يشرح هذه الأهداف بكل دقة قبل أن يطرحها ويدعو إليها. المجتمع الحر يذكر بالعالم الحر الذي يعني العالم الرأسمالي الغربي. هل هذا هو المقصود؟ أين هذا الهدف إذن من "أفكار العدالة الاجتماعية والإشتراكية في السياق العالمي الجديد" التي يصبو المشروع إليها؟ لا بد من الشرح إذ لا يوجد اليوم في معمعة المتغيرات هذه التي جعلت اللغة أكثر من أي وقت مضى حمالة أوجه، شيء مفهوم بذاته دون شرح.
ماذا يقصد بالدولة الوطنية؟ هناك أسئلة كبيرة وعميقة طالت وتطال مفهوم الوطنية القديم بعد دخول العالم عصر العولمة، هل هي الانفكاك عن النظام الاقتصادي العالمي أم الاستقلال السياسي عن مراكز القوى العالمية أم بناء القدرة العسكرية التي تتكفل بحماية تراب الوطن أم ماذا؟ وما هي الدولة القائمة الآن؟ هل هي دولة لا وطنية مثلاً؟ كيف نصنف وفق مقياس الدولة الوطنية هذا دولة صدام حسين عن دولة المالكي والجعفري مثلاً؟
النظام الديموقراطي يحتاج بدوره إلى توضيح، هل ديموقراطية على أساس المواطنة أم على أساس الطوائف والمذاهب والمناطق. ليس هذا سؤالاً نافلاً، فالنظام الديموقراطي الذي طلعت علينا به المعارضة "الديموقراطية" السورية في أمريكا، نصيرة الديموقراطية، تكشّف عن نظام فيدرالي طائفي أخيراً. إذاً من غير النافل أبداً تحديد المقصود بالنظام الديموقراطي حين يرد ذكره. ولاسيما أن التجمع لا يتجرأ حتى الآن على نقد منطلق الأخوان المسلمين، الحليف السياسي له في "إعلان دمشق"، في تناول الناس على أساس طائفي يعلو على الأساس الوطني.
أخيراً
هناك حاجة حقيقية للتفكير في هذا الاشتباك الحاصل بين الوطني والديني أو المذهبي أو الطائفي. النصر الذي حققه حزب الله في لبنان مثلاً هو نصر وطني من حيث انتصاره على كيان استعماري يعمل على نسف الأسس الوطنية للدول المجاورة، وهو نصر مذهبي من حيث أنه انتصار، بصورة مباشرة، لفئة لبنانية وبتعبئة مذهبية أشد منها وطنية، أو قل إن تعبئتها الوطنية تمر تحت عباءة التعبئة المذهبية. السيد حسن نصر الله مثلاً يخاطب مقاتليه إبان الحرب بأنهم أحفاد الحسين وما إلى ذلك من شحن مذهبي (وليس وطني بحصر المعنى). لا يمكن أن يشعر اللبناني السني أو المسيحي أو الدرزي بأن هذا النصر يخصه كما يخص اللبناني الشيعي. فهو انتصار وطن على يد فئة ذات لون واحد منه، انتصار وطن على يد طائفة (وهذا تعبير عن مأزق). وقد توج هذا الاشتباك بين الانتمائين حين سادت أعلام حزب الله في مهرجان الانتصار على العلم اللبناني بشكل كاسح. إن هذا التداخل ساهم ويساهم في توليد الصراع الناشب حالياً في لبنان وسلب ويسلب من النصر الكبير والتاريخي بحق عمقه الوطني إذا صح القول. والمفارقة أن النصر الذي حققه حزب الله يترك صدى رائعاً لدى المعادين للسياسة الأمريكية في كل مكان من العالم أكثر مما يتركه لدى اللبنانيين من الطوائف الأخرى، ذلك أن هؤلاء يفكرون وهم يثمنون النصر بالأثر السياسي الداخلي الذي سيولده الرصيد المعنوي والسياسي الذي حققته الطائفة الشيعية "حزب الله". ومهما تمتعت قيادة حزب الله بروح وطنية وأخلاقية سياسية فإنها في النهاية تكرس، من حيث اعتمادها أساساً مذهبياً في التنظيم والتعبئة، ودون قصد منها الانقسام اللبناني، وهذه قاعدة تنطبق على جميع القوى السياسية التي تعتمد الدين في بنيتها التنظيمية وتعبئتها، في مجتمعات تتعدد فيها الأديان والمذاهب. قيادة حزب الله في النهاية، بالرغم من صدق النوايا ونزاهة الغرض، تكرس النزعة التقسيمية، وهي تحاربها في الوقت نفسه، بفضل نزاهة غرضها، وهذا أحد جوانب المأزق الذي تعيشه ويعيشه لبنان.
هذا الاشتباك بين الديني والوطني يجب تحريره، ولا يمكن ذلك إلا بإعلاء انتماء على آخر. يجب أن لا تغري المرء هذه الطاقة الكامنة في ثنايا الانتماءات دون الوطنية، فإنها تخرب من حيث يظنها المرء أنها تبني ومن حيث يخيل إليه أنها تحمله إلى تحقيق مراميه.
المثال اللبناني يلقي الضوء على خطورة رفع الانتماءات الدينية إلى مستوى الانتماءات السياسية. وعليه فإن أي مشروع سياسي يسعى إلى الحياة سيجد نفسه أمام هذه المعضلة وعليه المحاولة في حلها بدلاً من إدارة الظهر عليها "براغماتياً".



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في شأن إعدام صدام حسين
- حول اعتقال علي الشهابي
- حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية
- سوريا السوريالية
- عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
- الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
- الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- بيومي فؤاد يبكي بسبب محمد سلام: -ده اللي كنت مستنيه منك-
- جنرال أمريكي يرد على مخاوف نواب بالكونغرس بشأن حماية الجنود ...
- مسجد باريس يتدخل بعد تداعيات حادثة المدير الذي تشاجر مع طالب ...
- دورتموند يسعي لإنهاء سلسلة نتائج سلبية أمام بايرن ميونيخ
- الرئيس البرازيلي السابق بولسونارو يطلب إذن المحكمة لتلبية دع ...
- الأردن يرحب بقرار العدل الدولية إصدار تدابير احترازية مؤقتة ...
- جهاز أمن الدولة اللبناني ينفذ عملية مشتركة داخل الأراضي السو ...
- بعد 7 أشهر.. أحد قادة كتيبة جنين كان أعلن الجيش الإسرائيلي ق ...
- إعلام أوكراني: دوي عدة انفجارات في مقاطعة كييف
- الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض هدف جوي فوق الأراضي اللبنانية


المزيد.....

- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد
- تحرير المرأة من منظور علم الثورة البروليتاريّة العالميّة : ا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - تعليق على مشروع البرنامج السياسي للتجمع الوطني الديموقراطي في سوريا