أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية















المزيد.....

حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1643 - 2006 / 8 / 15 - 08:39
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما يجري في لبنان اليوم يزعزع أسساً، لم تكن راسخة على كل حال، كان بعض الفكر السياسي قد حاول لوقت طويل أن يسوقها على أنها مرتكزات بعيدة الأمد في المسار السياسي للمنطقة. هذه الأسس هي أن إسرائيل في المحصلة تريد أن تجد لها "مكاناً تحت الشمس"، حسب تعبير رئيس وزرائها الليكودي الأسبق بنيامين نتنياهو، وأن تلعب دوراً اقتصادياً رائداً في منطقة الشرق الأوسط الكبير أو الجديد أو الواسع، شرق أوسط تتبعه أية صفة أخرى لا تحمل دلالة على أية هوية. وأن كل ما يجري من "نزاعات" ما هي إلا مصاعب على هذا الطريق (أسمتها مؤخراً وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس آلام مخاض!).
وقد ترك هذا التصور العام أثره على العمل السياسي في المنطقة إجمالاً فولد في الوعي الرسمي والمعارض تفكيراً سياسياً "عقلانياً" تطبيعياً يحاول التعاطي مع هذه المعطيات (إسرائيل، الاحتلالات، الأحداث العدوانية، الانحياز الدولي..) بواقعية، ويحاول تسويغ ما هو غير مقبول (شعبياً أو حسياً) على أنه مقبول (نخبوياً أو عقلانياً) بصفته ربما بوابة الدخول إلى العصر الأمريكي الجديد السعيد. واليوم تقدم إسرائيل بكل ثبات وبلا مواربة، ومن خلفها أمريكا بشكل أكثر ثباتاً، على ضرب هذه الأسس لتعيد العقل السياسي "العقلاني" إلى دوامة البحث عن المرتكزات مجدداً.
ويجب القول على أية حال إن علة هذه "العقلانية" السياسية لا تكمن فيها ، فهي، مأخوذة بذاتها وباستقلالية، لها مسوغات ومنطق سياسي متسق ومبرر. لكن الفاعلين الرئيسيين (الطرف الإسرائيلي الأمريكي بشكل اساسي) يعملون بدأب على حشر هذه العقلانية في الزاوية فتبدو مجرد غطاء لممارسات تمييزية ولاإنسانية، أو حتى مجرد تواطؤ أو عجز أمام الطرف القوي. أصبح على المحك فكرة أن إسرائيل هي مجرد حل لمشكلة يهود العالم في إيجاد دولة لهم، وأن الصراع الدائر منذ تأسيس هذه الدولة هو صراع ضد رفض المحيط لهذا الجسم الغريب، وأن العدوانية الإسرائيلية هي دفاع عن وجود من جهة وهجوم لتحقيق مكانة إقليمية قائدة من جهة أخرى. في هذه الحرب تكشف إسرائيل عن وجه جديد، أكان كامناً في فكرة إنشاء الدولة الإسرائيلية أم تبلور في سياق الصراعات، نقاش تجاوزه الزمن.
بين الاجتماع الأول والثاني لوزراء الخارجية العرب خلال هذه الحرب، اجتماع القاهرة واجتماع بيروت، تغير الكثير في الموقف العربي. تحول الانقسام الذي وسم اجتماع القاهرة إلى إجماع في بيروت، وتحول مجلس الأمن من جهة محايدة ونزيهة ويجب الانصياع لها إلى جهة "لا تفقه في الوضع اللبناني" وتحتاج إلى إدخال تعديلات على مشاريع قراراتها التي إذا مررت قد "تؤدي إلى حرب أهلية لبنانية". ويقف وراء هذا التغير عنصران أساسيان: الأول هو الصمود القوي للمقاومة اللبنانية (تسمي نفسها إسلامية)، والثاني، الذي لا يقل أهمية عن الأول، هو الأداء الإسرائيلي الفاشل من الناحية العسكرية والمشين من الناحية الأخلاقية والإنسانية.
المجازر التي تقوم بها إسرائيل اليوم في لبنان، كما المجازر التي أقدمت عليها عام 1996 في عملية عناقيد الغضب التي هندسها أحد أبرز دعاة الدور الاقتصادي لإسرائيل (شمعون بيريز)، لها منطق مختلف عن المجازر التي ارتكبتها تاريخياً اليد الإسرائيلية. اليوم تقدم إسرائيل، وحسب تقارير وتحقيقات هيومن رايتس ووتش، على تعمد قصف المدنيين. فالقوات الإسرائيلية تقصف ليس فقط البيوت المدنية – التي ترينا الكاميرات في أنقاضها ألعاب أطفال وليس منصات إطلاق صواريخ أو معدات حربية - بل وتقصف قوافل النازحين وتقصف المدارس التي يلتجئ إليها النازحون وتقصف الجموع التي تعمل على انتشال الجثث وإغاثة الجرحى وتقصف مواكب تشييع الموتى. لهذا دلالات. فإذا كان هدف المجازر الرهيبة التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في بداية تأسيس دولة إسرائيل (دير ياسين وقبية وكفر قاسم...) تهدف إلى قتل وترويع السكان وتهجيرهم لكسب الأرض لدولة إسرائيل ومستوطنيها، وإذا كانت المجازر التي ترتكب في فلسطين بشكل شبه يومي تهدف إلى فرض واقع سياسي على الطرف الفلسطيني يحرم الفلسطينيين من الأرض التي أقرها لهم المجتمع الدولي (مجلس الأمن)، أي فرض واقع سياسي يكسب الإسرائيليون فيه المزيد من الأرض، فإن المجازر في لبنان اليوم ليست لتهجير السكان بهدف كسب أرض، وليست لنسف قرارات دولية وفرض واقع سياسي يتم من خلاله كسب أرض، بل هي ممارسة عقابية تطال المدنيين الذين خرجت المقاومة من بين ظهرانيهم والذين يحتضنون المقاومة من حيث أنهم يرون فيها صاحبة حق، هي ممارسة قتل وتهجير المدنيين وتدمير البنية التحتية للضغط على المقاومة وعلى الحكومة اللبنانية وعلى القوى السياسية المختلفة في لبنان من أجل تحصيل مكاسب سياسية المعلن منها هو التخلص من حزب الله أو من تهديد حزب الله على الأقل. هذا التهديد الذي تبدو الوسيلة الطبيعية والبسيطة للتخلص منه هي إعادة الأسرى اللبنانيين والانسحاب من الأرض اللبنانية التي لا تزال تحت الاحتلال الإسرائيلي وتسليم خرائط الألغام والكف عن الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية كما تطالب الحكومة اللبنانية، هذا إذا كانت إسرائيل تريد حقاً العيش السلمي مع محيطها. لكن هذه الحرب تعيد التأكيد على عكس ذلك.
وإذا كان تعريف الإرهاب هو استهداف المدنيين لتحقيق مكاسب سياسية، فإن معظم العمل العسكري الإسرائيلي في هذه الحرب يندرج في هذه الخانة. بصرف النظر عن أنها تقدم على ذلك جراء العجز العسكري أمام مقاومة حزب الله، وسعياً منها إلى إثارة النقمة الشعبية على المقاومة التي "تسببت" بكل هذا البلاء، وعقاباً للبلد الذي شكل لها تحدياً وخدش غطرستها. وقد شرع رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت استهداف المدنيين حين قال إن ليس بمقدور إسرائيل أن تمنع قصف الصواريخ البعيدة المدى ولكنها أظهرت للجميع الثمن الذي يترتب على مثل هذا السلوك.
ويبرز الآن على السطح السؤال البديهي: هل تقدم دولة تفكر في التطبيع والتعايش مع محيطها على مثل هذه الأعمال الإجرامية؟ الجواب البديهي هو النفي. وعليه ألم تظهر إسرائيل في هذه الحرب أن التعايش مع الجوار والتطبيع ومن ثم تغليب الاقتصادي على العسكري لا يشكل أولوية بالنسبة لسياساتها واستراتيجيتها؟ إن من الطبيعي أمام الأداء الإسرائيلي في هذه الحرب، أن تعكس الصحافة الإسرائيلية تخوفاً مما يجري في صيغة القول إن أمريكا ارتكبت بالفعل مجازر في فيتنام ولكنها في النهاية رحلت، في حين أن إسرائيل محكومة بالبقاء في المنطقة التي تمارس فيها مجازرها. ويشدد من المفارقة أن إسرائيل تكرر الشكوى في إيديولوجيتها لسياسية من أن محيطها لا يتقبلها.
الديموقراطية الإسرائيلية في هذا السياق لا تعمل لصالح ترميم الفجوات الكبيرة في جدار الثقة بين إسرائيل ومحيطها لأنها تضع العبء على المجتمع الإسرائيلي الذي، وفق قواعد الديموقراطية، يختار الحكومة ويراقب سياساتها. بكلام آخر، ليست مشكلة السياسة الإسرائيلية الإجرامية تجاه محيطها مرتبطة بديكتاتور اغتصب السلطة وفرض سياساته وأحال الجمهور إلى مجرد وقود وشهود على ممارساته، بحيث تتحول النظرة ما أن يتم خلع الديكتاتور محملاً بكل الجرائم التي ارتكبها ضد شعب مجاور، وتستعيد الشعوب المتجاورة علاقات طبيعية تعايشية، كما يمكن أن يكون الحال عليه بين العراق والكويت مثلاً.
ما يبدو هو أن السياسيين القادة في إسرائيل يعتقدون في العمق أن لا مستقبل لإسرائيل في هذه المنطقة. ويتصرفون وفق هذه القناعة. أو على الأقل ليس التعايش السلمي مع المحيط من الغايات التي ينشدونها حقيقة. والأسوار الإسمنتية والعسكرية التي تحيط إسرائيل نفسها بها تفشي هذه القناعة. ولو كانت لديهم قناعة أخرى لتزعزعت ربما العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. لكن هذه القناعة، هي قناعة صحيحة برأيي، تجعل من إسرائيل قابلة لأن تكون، كما سماها البعض، دولة وظيفية، أي نشأت لتقوم بدور يخدم مصالح مغايرة لمصالحها الخاصة.
هذا ما كشفت عنه هذه الحرب من الجانب الإسرائيلي، أما من الجانب العربي فقد كشفت عن بروز "عقلانية" جديدة. "عقلانية" ظهرت من خلال دخان العقلانية السابقة وتجاوزت القول بأن مقتضى القوة الإسرائيلية والعلاقة العضوية لها مع أمريكا تفرضان ضرورة التعاطي "السلمي" مع دولة إسرائيل، إلى مباركة القوة الإسرائيلية في استئصال إحدى بؤر المقاومة (هذا من جانب الأنظمة العربية)، وإلى التشكيك في كون المقاومة اللبنانية - وهي تخوض الحرب ضد القوات الإسرائيلية المدججة بأفظع الأسلحة وأفظع أشكال العدائية - تعبر عن إرادة وتطلعات الشعب اللبناني، وإلى تحميل هذه المقاومة مسؤولية الدمار الذي أصاب لبنان (هذا من جانب بعض المعارضة). هذه "العقلانية" الجديدة لدى بعض المعارضة التي سبق أن تميزت بموقف حازم تجاه السياسة الإسرائيلية والأمريكية في المنطقة، هي ثمرة المأزق الذي تعيشه اليوم بين الانحياز لصالح الديموقراطية التي ترفع أمريكا رايتها، دون الخوض غير المفيد هنا بين العامل الداخلي والعامل الخارجي في تحقيق أشكال الحكم الديموقراطية، وبين رفض ما يجري من جرائم مريعة تحت هذه الراية وباليد التي تحملها عينها.
ويبقى الثابت أن الطبيعة الديكتاتورية للأنظمة العربية شكلت وتشكل وستشكل ما بقيت سلاحاً إضافياً ضد أهلنا في لبنان وفي فلسطين وفي العراق وفي أي مكان محتمل آخر. وقد أظهرت الحرب هذه أن شكل الحكم في المجتمعات العربية ينعكس بصورة مباشرة على ميزان القضية الوطنية، وأن هذه القضية تستدعي كسر احتكار السلطة السياسية وقد تشكل مدخلاً لإنجاز هذه المهمة. ومن جانب آخر يسئ إلى المطلب الديموقراطي أن ترفع رايته أمريكا وهي التي لا تحترم أبسط بنود حقوقنا كشعوب وكحكومات وكأفراد.
هذه الحرب على لبنان التي تجاوزت الشهر حتى الآن ستشكل ولا شك مفصلاً في تاريخ المنطقة، من حيث أنها بينت محدودية القدرة العسكرية الإسرائيلية على الردع وعلى التفوق في مثل هذه المواجهات، وبينت المدى اللاإنساني الذي يمكن أن تصله "الديموقراطية الوحيدة" في المنطقة. وأياً يكن الموقف من الإيديولوجيا التي يحملها حزب الله، فإن ما أنجزه على الأرض سيترك أثره لجهة ثقة المواطن العربي بقدرته ولجهة التفكير الإسرائيلي في شؤون المنطقة، وربما يزعزع العلاقة الاسرائيلية الأمريكية حيث بدا من جهة إسرائيل كما لو أنها تخوض حرباً بالوكالة، ومن جهة أمريكا أن إسرائيل غير كلية القدرة على تنفيذ المهام المستعصية في محيطها.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا السوريالية
- عن الداخل والخارج مساهمة في الحوار الجاري
- الخارج وفق محددات الداخل - المثال السوري
- الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- بالتعاون مع العراق.. السعودية تعلن ضبط أكثر من 25 شركة وهمية ...
- مسؤول إسرائيلي حول مقترح مصر للهدنة في غزة: نتنياهو لا يريد ...
- بلينكن: الصين هي المورد رقم واحد لقطاع الصناعات العسكرية الر ...
- ألمانيا - تعديلات مهمة في برنامج المساعدات الطلابية -بافوغ- ...
- رصد حشود الدبابات والعربات المدرعة الإسرائيلية على الحدود مع ...
- -حزب الله-: استهدفنا موقع حبوشيت الإسرائيلي ومقر ‏قيادة بثكن ...
- -لا استطيع التنفس-.. لقطات تظهر لحظة وفاة رجل من أصول إفريقي ...
- سموتريتش يهاجم نتنياهو ويصف المقترح المصري لهدنة في غزة بـ-ا ...
- طعن فتاة إسرائيلية في تل أبيب وبن غفير يتعرض لحادثة بعد زيار ...
- أطباق فلسطينية غيرتها الحرب وأمهات يبدعن في توفير الطعام


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - حرب لبنان ومأزق -العقلانية- السياسية