أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - راتب شعبو - الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية















المزيد.....

الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 1510 - 2006 / 4 / 4 - 10:05
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


للسلطة في كل مكان منطق واحد، منطق استعلائي وعنفي. وهذا المنطق، المستقل عن المنطق العقلي، يسخر لخدمته كل شيء، مثل النار التي تحيل كل شيء في طريقها إلى وقود. تصبح المبادئ والانتماءات بأنواعها والعلم والحب والجمال والحق والباطل والخير والشر... مجرد أدوات، أدوات لاستمرارية السلطة وتكريسها وتوسيعها اللامتناهي. يندفع هذا المنطق في بلداننا إلى حد قصووي لغياب المنطق المعدل (منطق المجتمع المدني). وحين يتم تحويل أي قيمة إلى أداة تخدم منطق السلطة فإنها تفقد الكثير من عمقها الوجداني، لا بل تصبح قيمة "مشبوهة" في الوعي العام. ربما كانت الحرية هي القيمة الوحيدة التي لا تصلح أداةً بيد السلطات، اللهم سوى حرية العمل على إضعاف وتهميش وإلغاء وسحق...الخ كل ما يعرقل آلية هذا المنطق السلطاني من قريب أو بعيد.
وأمام هذا المنطق الكاسح المسلح بكل جبروت آلة الدولة تتخذ القيم والانتماءات وضعيات مغلوبة له، بما تنطوي عليه الهزيمة من ميل للمصانعة والنفاق وتمثل الأقوى (المنتصر) والتماهي به. والحق أن التاريخ الطويل من الاستبداد قد ولد لدينا قيماً خاصة به، ولئن صح القول إنه كما تكونون يولى عليكم، فصحيح أيضاً انه كما يولى عليكم تكونون. العلاقة ليست في اتجاه واحد، وقد ولي علينا استبداد شامل مزمن إلى حد باتت السلطة تنعكس في الوعي كما لو أنها علة وجود المجتمع وأن المجتمع مخلوق لها. استبداد أنبت فينا عبادة القوة "السلطة"، بل وإلى ذلك اعتبارها مصدر الحق.
هذا، لبؤسنا، صحيح ولكن رغبة الانتصار لا تفارق مخيلة المهزوم، ولا تبقى ثاوية بل قلقة تبحث عن تحققها عبر ما يمكن من المسارب، مسارب قد يصعب استطلاعها، وقد يصعب ضبطها والتحكم بها. ففي الصراع الاجتماعي لا يوجد منتصر نهائي، وفي السياسة لكل نصر باب واسع مفتوح على الهزيمة. وإما أن تفرض هذه الحقيقة ذاتها عشوائياً وعنفياً أو يتم تأطير النصر والهزيمة في الصراع السياسي ضمن إطار قانوني سلمي حضاري يفعّل ويغني الحياة السياسية والاجتماعية بدلاً من أن يدمرها.
وهذا الأمر، استطراداً، يحتاج إلى إنجاز استقلالين مترابطين: الأول هو استقلال السلطة عن الدولة والثاني هو استقلال الحاكم عن السلطة، بحيث تكف السلطة عن النظر إلى الدولة كمستعمرة لها ويكف الحاكم عن النظر إلى السلطة كـ"حرمة" له. والباب الذي يمكن الولوج منه إلى تحقيق هذين الاستقلالين هو الديموقراطية السياسية.
وجهان للعملة ذاتها
في الوعي العام أن السلطة السياسية في سورية ذات طابع طائفي "علوي" طالما أن الرئيس من الطائفة العلوية وهي طائفة أقلية، وما يستتبع ذلك من امتيازات تخص أبناء هذه الطائفة دون غيرها. وفي بعض الوعي الأقل عمومية أن هذه الصبغة هي علة مشاكلنا الأمر الذي يعني ضرورة العمل أولاً على تغييرها (الصبغة). من جهتها السلطة السورية وتحت وطأة الشعور بأنها تستولي على ما ليس لها "طائفياً" (الحق أنها تستولي على ما ليس لها سياسياً من حيث فرضها السيطرة على المجال السياسي وقطع الطريق على نشوء وتشكل التعبيرات السياسية والمدنية المستقلة)، تكثر من الحديث عن الوحدة الوطنية لكي تغطي على استيلائها هذا الأقلي "طائفياً"، أي لكي تسد الباب في وجه هذا المطعن. وبالتالي فإن الحديث عن الوحدة الوطنية يغدو، بذلك، وسيلة لاستمرار السلطة، أي يغدو حقاً يراد به باطل، وتفقد هذه القيمة بذلك الكثير من عمقها الوجداني وفاعليتها.
ومع استمرار الحكم بالوسائل القديمة والبطء في تغيير وسائل الحكم تنشأ لدى المعارضة السورية، بشكل صريح حيناً وضمني أحياناً، حالة من نوع مغاير أو معاكس لحال السلطة، أقصد توسل الباطل لبلوغ الحق. الباطل هو اعتماد الانتماءات الطائفية أرضية للتحليل وما ينطوي عليه ذلك من تشويه وضلال في الوعي، والحق هو كسر احتكار السلطة وما ينطوي عليه من مفردات الديموقراطية السياسية. مما لا شك فيه أن عجز المعارضة عن تحصيل هذا الحق بسبب القدرة الهائلة للدولة الشمولية في تهميش المعارضة وضبط المجال السياسي يكمن في أساس مسعى بعض المعارضة السورية إلى ما سميناه توسل الباطل لبلوغ الحق. ولكن مهما يكن فإن الحالين (من جانب السلطة والمعارضة) هما وجهان للعملة ذاتها.
آلية مشابهة جرت في لبنان، فالجيش السوري غير الراغب بالانسحاب من لبنان، والذي يغطي استمرار وجوده بشعارات وطنية وأخوية وشعب واحد في بلدين وما إلى ذلك، دفع اللبنانيين، تحت وطأة الشعور بالعجز عن الوصول إلى هدف خروج الجيش السوري بسبل ودية، إلى الكفر بهذه الشعارات وتوسل سبل غير "وطنية" لإنجاز مطلب "وطني". وما انتهى إليه الوضع هناك، من حدوث شرخ ليس فقط بين الحكومتين بل وبين البلدين، هو في الأصل نتيجة الإنكار المزمن لهذا الحق على اللبنانيين. صحيح أن هذا الحق يقوم، كما يقوم لبنان نفسه وسورية، على اتفاق سايكس بيكو، ولكن في السياسية يكون التعامل مع واقع ومعطيات محددة على الأرض وهذا الاتفاق مكون أساسي في واقعنا السياسي، ألا نلمس اليوم في الوعي السياسي السوري بذور تشكل أمة سورية تقوم على الاتفاق المذكور إياه؟
إن السلطة التي تصادر الحياة السياسية وتقمع كل نشاط مدني أو سياسي مستقل، إنما تهدم الوحدة الوطنية، ولاسيما أن هذه المصادرة والقمع لا تتمان في خدمة قضية وطنية لها أولويتها (لنقارن مثلاً مع الحال في ظل مرحلة بناء الاتحاد السوفييتي أو حتى مرحلة عبد الناصر حيث كان المشروع الوطني يغطي على غياب المشروعية الديموقراطية، بصرف النظر الآن عن موقفنا من التعارض بين الوطني والديموقراطي) بل في خدمة استمرار سلطة بلا مشروع ولا مشروعية. ومن جهة ثانية فإن المعارضة التي تعتمد التحليل الطائفي (العددي) إنما تمارس التفتيت الوطني بصورة مباشرة، وتكمل الدور الذي مورس من قبل السلطة في هذا المجال.
منزلق واقتراح
المنزلق إذن هو أن يميل سياسيون ومثقفون معارضون، كفراً بالسلطة وسياساتها، إلى استساغة المدخل الطائفي للطعن بها، ولاسيما بعد تكشف ضعف المداخل الأخرى في التعبئة و"نخبويتها"، ومن ثم السعي إلى التنظير للتحليل الطائفي بصفته تحليلاً "واقعياً" و"ممراً إجبارياً"، وتحويل مفهوم الشعب بالتالي إلى مجموع مجموعات أو مكونات. وهذا المنزلق ينطوي على خطر يهدد الوحدة الوطنية، فالمدخل الطائفي للطعن بسلطة ما يفضي حكماً إلى مخرج طائفي منها. من الطبيعي أمام هذه التنظيرات "الواقعية" الملموسة لدى أكثر من جهة كتابة أو شفاهة، ومن أجل الواقعية أيضاً، أن نطرح الفكرة التالية:
ليتم إجراء مسح أو استطلاع عام أو سبر أو ما شابه لمعرفة نسبة المسيحيين أو المسلمين السنة أو العلويين أو الدروز أو الاسماعليين ..الخ في سورية الذين يودون تمثيلهم في الدولة بما هم كذلك وليس بما هم مواطنين بالدرجة الأولى؛ أو بطريقة أخرى، الذين يتعرفون على أنفسهم كمسيحيين أو كسنة أو علويين أو دروز أو اسماعليين..الخ بدرجة أبدأ من كونهم مواطنين سوريين. عندئذ يمكن أن يتعرف المحلل على موضوع تحليله بصورة أقرب إلى الواقع كي لا يحلل موضوعاً افتراضياً أو كي لا يتخذ بداهة ما هو ليس كذلك.
إن تحديد دين المسؤول في الدولة كشرط لتوليه المسؤولية إنما يتعارض مع فكرة الوطن أصلاً، عدا عن كونه يخلط مستويات الانتماء ويضعها بتعارض من حيث هي لا تتعارض. لا ضير في أن يكون المرء منتمياً إلى أي مذهب أو دين أو عقيدة وأن يشعر بهذا الانتماء بكل عمق ويمارسه ويعيشه وفق مستواه، فللمرء جهات ومستويات انتماء غير محدودة تبدأ من انتمائه لأسرته الصغيرة وتصل إلى انتمائه للجنس البشري، وهي ليست مما يراد التخلص منه، وتعدد جهات الانتماء هذه وكثرتها في البلد إنما تغنيه ولا تشكل أي تهديد لوحدته، ولكنها قد تدمره إذا أريد وضع مستويات الانتماء (العقيدية والوطنية السياسية) في تعارض وبالتالي في صراع. بكلام آخر: يمكن لهذه الانتماءات أن تدمر البلد إذا تم إقحام هذه الانتماءات في المجال العام، في المجال السياسي المستقل عنها بالتعريف.
إن تدين المرء واحترامه مذهبه أو عقيدته لا علاقة له أبداً مع ميله إلى اختراق المجال السياسي بهذا الانتماء، أي مع ميله لخلط مستويات الانتماء وممارسة انتماءاته اللاسياسية (الدينية أو المذهبية) في الحقل السياسي. معروف مثلاً أن إدارة الأوقاف السورية (بصفتها شأناً عاماً) كانت عام 1945 في يد رئيس الوزراء الذي كان يومها فارس الخوري (مسيحي)، ولم يكن في ذلك غضاضة بالنسبة للمسلمين، حتى أن زعيم الكتلة الإسلامية في البرلمان حينها الشيخ عبد الحميد الطباع لم يصوت ضد هذا الأمر حين طرحه للتصويت في البرلمان بل قال إننا نثق بفارس الخوري في إدارة شؤون أوقافنا كما نثق بأنفسنا. الشأن العام إذن شيء والعقائد الدينية والمذهبية شيء آخر لا يتعارضان ولا يجوز إقحام أحدهما في مجال الآخر أو افتعال التعارض بينهما.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل الرماء تملأ الكنائن
- أية علمانية وأي إسلام؟
- مفهموم الوطنية..مقاربة عامة
- مفارقة السياسة الامريكية في المنطقة
- إعلان دمشق ..تقدم في الشكل وتراجع في المضمون
- دنيا الدينالاسلامي الأول - 6
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 5
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 4
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 3
- دنيا الدين الاسلامي الأول - 2
- دنيا الدين الاسلامي الأول 1 من 3
- في مسألة الأخوان المسلمين في سورية


المزيد.....




- الخارجية الأمريكية: سيطرة إسرائيل على معبر رفح تبدو بمثابة - ...
- طريق التطبيع وحسابات الدور الأميركي.. هل يختار نتانياهو رفح ...
- الخارجية الإسرائيلية تفحص تقارير حول -مقتل رجل إعمال إسرائيل ...
- الرئيس الصيني يتعهد بـ-عدم نسيان- قصف الناتو لسفارة بلاده في ...
- وزير الخارجية الفلسطيني لـ-يورونيوز-:نتنياهو يريد إطالة أمد ...
- استطلاع: الاحتجاجات الطلابية الداعمة لفلسطين قد لا تفقد بايد ...
- وسائل إعلام: مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر
- اجتياح رفح.. رد إسرائيل على قبول حماس للهدنة
- بوتين.. استقرار روسيا وإعادة الغرب إلى صوابه
- مصر تنفي توليها مسؤوليات أمنية في غزة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - راتب شعبو - الوحدة الوطنية بين السلطة والمعارضة في سورية