أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ع (ألم، كهيعص2):















المزيد.....



سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ع (ألم، كهيعص2):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4529 - 2014 / 7 / 31 - 01:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فواتح السور (الحروف المقطعة)، آيات الله البينات المحكمات XV:

مقدمة:
في نهاية موضوعنا السابق أكدنا أن البشارة قد تمت كاملة، بعد أن بلغت إضاءات الآية الكريمة "ألم" غايتها فيما يتعلق بالمسيح عيسى عليه السلام، وبينت الآيات التي خلت بأنه ليس من ذرية آل عمران، على الرغم من أن جَدَّهُ من أمه "عِمْرَآنُ" هو آخر إصطفاءات آل عِمْرَآنَ، وبيَّنَا مبرر الإستحالة في أن يكون نبياً ولا رسولاً من ذرية آل عِمْرَآنَ إن تذوجت مريم العذراء من أي شخص آخر من البشر، لأن الولد يجب أن يكون أبوه من الذرية وليس أمه.

وتحدثنا عن إستجابة الله تعالى لقول إمرأة عمران ونذرها ما في بطنها، ولكن على الرغم من مجيئه بغير ما أرادت إلَّا أن الله تعالى، لم يخيب أملها كما ظنت. وقلنا إن المسيح عيسى مجرد خلق من خلقه، لقول ربه فيه: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ-;- عِندَ اللَّهِ « كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ » ثُمَّ قَالَ لَهُ «« كُن فَيَكُونُ »» 59). لا أكثر من ذلك من حيث الخلق ولا أقل. وإنَّ زكريا قد تحققت له أمنية حياته،، فبشره الله المُجِيْبُ "بيَحْيَ"، وأعطاه ما لم يخطر بباله أو يحلم به من الفضل والمكانة السامية لهذا النبي المبشر به. وأخيراً قلنا إن الملائكة جاءت بالبشرى للعذراء المصطفاة على نساء العالمين، بأنها ستلد نبياً لبني إسرائيل.

ومن ثم وعدنا بأننا سننتقل مباشرة إلى سورة "مريم" لنرَ كل هذه البشارات تتحقق، وتتحول هناك من مجرد بشارات إلى حقيقة شاخصة بميلاد "يحي" لزكريا، و "عيسى" لمريم، الذي سيقول حينئذ بنفسه عبارة « فَاعْبُدُوهُ هَٰ-;-ذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ »،،، (... ع ص),

والسورة الثانية المقصودة هي مريم العذراء البتول أم الحبيب عبد الله ورسوله ونبيه المسيح عيسى عليه السلام،، فصحح الله فيها مسار قصة ونسب وفضل هذه الصديقة وبين لماذا إصطفاها على نساء العالمين،، ولماذا يستحيل أن يكون لعيسى أباً من البشر أو غيره، وأنَّ خلقه تماماً كخلق آدم "من تراب". ولأن أهل الكتاب عُرفوا باللجاجة والمغالطات والمماحكة، فقد شَفَّرَهَا أيضاً بحروف مقطعة هي الآية الكريمة (كهيعص).

فالآن،، لم يبق أمامنا – في موضوعنا هذا – سوى وضع النقاط على الحروف التي باتت ظاهرة ومحددة المعالم من خلال التحليل الذي عرضناه بكل شفافية أمام القراء الكرام،، ولا شك في أن الموضوع سيزداد وضوحاً بفكرهم الثاقب وحسهم العالي وتدبرهم القاصد،، إلَّا من أبى، فأحاط به عمله فجعله الله به كصفوان عليه تراب، أصابه وابلٌ فتركه صلداً،، والله المستعان على ما يصفون.

سور مريم :
هذه السورة الكريمة أيضاً من السور التي بدأت بالحروف المتقطعة، وقد أسلفنا بأن هذه الحروف هي آيات بينات غاية في الإحكام والوضوح وكثافة المعنى ووضوح البيان. وهي تشير إلى إحكام بليغ غاية في الدقة لذلك وردت في مطلع السور (تشفيرٌ)، ليظل الذهن متيقظاً أثناء تدبر أياتها ومترقباً بشغف إلى ما ترمز إليه بداخلها من آيات معجزات تدل على إحكام هذا الكتاب الذي "فيه آيات بينات هن أم الكتاب وأخر متشابهات" وقد رأينا ذلك في سور كثيرة من هذا النوع أولها سورة "البقرة" وقد عرفنا ما رمزت إليه أحرف "ألم ..." ، وكيف أنها بمثابة الروح لتلك السورة بكاملها. وكيف أنها إمتداد طبيعي ومنطقي لسورة "الفاتحة".
بدأت سورة مريم هذه بآية مركبة فقط من خمسة أحرف متقطعة "إسم حرف" يليه "صوتا حرفين" ثم "إسما حرفين" آخرين هكذا: ("كآفْ" ، "هَـ" ، "يَ" ، "عِيْنْ" ، "صَآدْ") ذلك في قوله تعالى (كهيعص 1).

على الرغم من أن اسم السورة "مريم"، وأنَّ الحروف "ك هـ ي" تشير مباشرة إلى قصتها عليها السلام وتحكي بالتحديد أغرب فصل منها، ذلك الفصل الذي يبين الله فيه فضله ورحمته بها وقدرته على فعل كل شيء يكون مستحيلاً على كل مَنْ كان دُونَه "فهو عليه هين"، إلَّا أنَّ السورة قد أَخَّرت قصتها وقدمت عليها في الترتيب "منطقياً" وموضوعياً قصة شبيهة بقصتها ولكنها أغرب منها لنبي الله "زكريا"، وهي أيضاً تتضمن نفس المعاني واستخدم لها أيضاً نفس الترميز بالحروف الثلاثة الأولى "ك هـ ي" من الآية الكريمة ومن ثم فهي تستحق الصدارة لأكثر من وجه نسوقه لاحقا بعد تدبر الآيات البينات بهذه السورة الرائعة الشيقة البديعة.

هناك أسئلة بديهية ومنطقية وملحة تستدعي الوقوف عندها ومحاولة الإجابة عليها ومعرفة أسرارها وإعجازها، منها مثلاً:
• ما قصة زكريا عليه السلام في هذه السورة؟ وما الذي يؤرقه ويرجوا من الله تعالى أن يحققه له؟
• وما هي أوجه الإستحالة المركبة تركيباً معجزاً لِمَا يطلبه هذا النبي الكريم من ربه؟
• وكيف كانت الإستجابة لرجائه، وتحقيق مراده بأكثر مما كان يرجوه وينتمناه بكثير جداً؟
• وهل هذا الطلب المستحيل بكل المقاييس المادية والإستجابة إليه بهذه السهولة يستحق فعلاً أن يرمز الله تعالى له بأحرف من نور في مطلح هذه السورة الكريمة ليلفت الأنظار إلى هذا الإعجاز البياني البيِّن المضيء؟
• لماذا سميت السورة بإسم (مريم)، هل هي حقيقةً محور كل هذه الأحداث الغريبة دون سواها؟
• ولماذا أُخِّرَتْ قصة مريم وقُدِّمَتْ عليها قصة زكريا وجاءت قصتها معطوفة على قصته؟
• هل من علاقة ما بين الأحداث التي بسورة آل عمران التي رقمها بالمصحف "3" وهذه السورة الرتي رقمها "19"؟؟ فإن كان ذلك كذلك،، فما هي هذه العلاقة؟ وما الحكمة من ذلك؟ ولماذا لم تأت القصة كاملة في سورة آل عمران وقد بدأت هناك وتتناول نفس الأحداث؟ ..... أم أن هناك أحداث خلال الفترة التي تلت البشارة وحتى تحقيقها مادياً بميلاد النبيين الكريمين « يحي » و « عيسى » عليهما السلام؟؟ أم أن هناك أسباب أخرى منطقية؟؟؟

لعل الله تعالى أراد أن يلفت إنتباه قاريء هذه السورة إلى صورة بديعة من الإحكام والإعجاز كأنما يقول له فيها (ألق بالك جيداً لمواطن هذه الحروف "كهيعص")، التي تشير إلى مدى رحمة ربك بزكريا الذي كان له طلب من ربه، كان في نظره هو نفسه مستحيلاً وبكل المقاييس،، وكأنما يقول الله لك أيها المتدبر تتبع حيث تشير آية الحروف المقطعة لتعرف كيف كانت رحمة ربك بعبده زكريا وبمريم أيضاً، وبآخرين من الأنبياء.

قبل أن نواصل في دراسة وتدبر هذه الآيات الكريمات البينات،، دعونا نمهد قليلأ بلفت النظر إلى حرف العطف (و) الذي عطف قصة مريم على قصة زكريا،، وحتى يظهر لنا هذا العطف دعونا نضعه بهذه الكيفية: (كهيعص-;- «1- ذكر رحمة ربك عبده زكريا ........... » ،، «2- و-;- أذكر في الكتاب مريم ....... ،، «3- و-;- أذكر في الكتاب إبراهيم ....... الخ »). إذن علينا أن نتحرى (كهيعص في القصتين معاً وليس في قصة واحدة)، ثم في خمس قصص لأنبياء أخر، إمَّا معاً أو كل قصة منهما على حدة. فلنتابع الآيات بتسلسلها وأحداثها لنرى هذا الجمال والكمال والروعة في البيان.

يلفت الله تعالى نظر المتدبر إلى القصة من بدايتها بقوله: (كهيعص 1)، على أنها تشير إلى تلك الآيات في داخل هذه السورة التي تحكي قصتين غريبتين إحداهما لزكريا والثانية لمريم العذراء، أما زكريا،، فقد توجه إلى ربه يشكوا إليه همه وأرقه وضعفه الذي لن يخرجه منه سوى ربه السميع البصير فصور الله تعالى تفاصيل حالته تلك التي كان قد أجملها في سورة آل عمران، بقوله (... هنالك « دعى زكريا ربه »...)، فقال عنه هنا: (إِذْ « نَادَىٰ-;- رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا » 3)، يشكوا إليه حاله وظروفة التي كلها لا تبعث على الأمل في نفسه لتحقق له ما يريد فشكى ظروفه لربه ليس مباشرة ولمن عبر مقدمات وتبريرات "كأنه حيي من طلبه ذلك: (قَالَ رَبِّ « إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي »....).

فأنا في هذه الحالة لن تكون لي القدرة على الإنجاب إذا تزوجت من إمرأة أخرى ولود، وعليه، فأنا لا أجد سبيلاً لمجرد المحاولة، لأن مشكلتي بالإضافة إلى "أنني ضعيف بدنياً واهناُ هيكلياً، فهناك مانع طبيعي لا يسمح لي بذلك مما يجعلني أستبعد مجرد المحاولة، ليس فقط وهن العظم، بل: (... وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ...) أيضاً،، وهذا يعني أنني حتى لو مكنتني قدرتي الجسدية على الإنجاب فمن أين أجد إمرأة في سن الخصوبة والإنجاب ترضى بي في هذا الوضع الصحي الذي أنا فيه وبجانب ذلك قد "إشتعل الرأس شيباً"، وهذا بدوره زاد الأمر صعوبةً وتعقيداً وإستحالةً.

ولكنك مع ذلك يا ربي قد عودتني دائما الإستجابة لدعائي فلم تخزلني أو تخزني يوماً دعوتك فيه أو رددتني خائباً: قال: (... وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا 4)، كل ذلك كان بمثابة مقدمات وعرض لحاله الذي يعرف يقيناً أن الله تعالى أعلم بحاله منه،، وحتى هذه اللحظة لم يذكر طلبه صراحةً،، فكأنه يقول بهذا العرض التمهيدي: هذا طلبي وما أرجوه منك ولا أشك في إستجابتك ولكن لا يمكنني أن أتصور الكيفية التي ستتم بها هذه الإستجابة.

ثم يقول « مبرراً أسباب طلبه المستحيل في نظره »، مبيناً أنَّ مشكلته ليست نزوة أو هوىً دنيوي لذاته ولشخصه ولكن همه هو الوريث الذي سيرث عنه النبوة وشئون المؤمنين وخشيته من سلوك الذي سيرثونه بعد موته أنْ يُضَيِّعُوا هذا الإرث الكبير فقال معللاً: (وَإِنِّي خِفْتُ « الْمَوَالِيَ » مِن وَرَائِي ...)، والإستحالة التي في الأصل تلازمني ولا تزال كذلك، وهي عدم وجود أمل في إمرأتي لأنها كانت عاقراً في وقت خصوبتها وصِبَاها فلم تنجب لي وريثاً، فما بالك بها الآن!! وقد كبرت هي الأخرى فصارت عجوزاً عقيماً، وقد فاتها قطار الإنجاب، وتوغل في بيداء عمرها سن اليأس.

لذا واصل تبريراته قال: (... وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ...)، فكل الأبواب موصدة أمامي وبكل المقاييس إلَّا بالطبع « بابك يا ربي » الذي لا يوصد في وجه سائل أو مستغيث أو مضطر،، فأنت تفعل ما تشاء وتختار ولا يعجزك شيء في الأرض ولا في السماء: (... فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا 5)، وأنا ياربي "كما تعلم عني" أريده وريثاً ليحافظ على ما سأتركه له وما تركه لي آل يعقوب من دين وأمانة، قال: ( يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ ...)، ولكنني أريده قادراً على القيام بهذه المهمة خير قيام وأن لا يرهقني ويرهق والدته خاصة وأننا قد صرنا زوجاً من شيخ واهن وعجوز عاقر، قد بلغا من العمر عتياً: (... وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا 6).

هذا قضية "زكريا" عليه السلام التي أجملها الله تعالى في سورة آل عمران بقوله: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ 38)، ولكن الله تعالى قد فصلها هنا تفصيلاً دقيقاً. وكانت مطالبه من الله تعالى محددة ودقيقة ومبررة. فالإعجاز المذهل أن يحقق الله تعالى له هذه المطالب بدقة بل بأكثر مما طلب وتمنى فتأتيه البشارة منه سبحانه مباشرة وفوراً بقوله له وبإسمه: (يَا زَكَرِيَّا « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَىٰ-;- » ...)، من تلك العجوز العاقر ومِنْك أنت "يا من وهن العظم منه وإشتعل رأسه شيباً"، وهذا الغلام خلقاً فريداً لم يخلق الله خلق بمواصفاته تلك من قبل يمكن أن يحمل مُسَمَّاه، قال: (... « لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا » 7). فزهل « زكريا » عليه السلام من هذه الإستجابة العاجلة السريعة. وتذكر بأن الله تعالى قال في سورة آل عمران: (« فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ » وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ - « أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ-;- » - « مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ » 39),

يعلم زكريا أن وعد الله حق، "إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون"، وأنَّ الغلام "يحي" أصبح حقيقة ماثلة، وهو آتٍ لا محالة. ولكن ورطة « زكريا » الآن كبيرة ومعقدة، إذ وجد نفسه مقبلاً على مشكلة إجتماعية وعاصفة لا قبل له بها فكيف يرد على تساؤلات بني إسرائيل وملاحقتهم له بنظرات وأسئلة التشكك لأنهم يعرفون عنه وعن إمرأته ما يعرفه هو عن نفسه فكان بديهياً أن يلجأ إلى الله تعالى ليمده بحل لهذه القضية الكبيرة، التي لم يحسب لها حساب من قبل، ليس ذلك فحسب بل لا تزال فكرة الإستحالة في إستيعابه هذا الإعجاز قائمة رغم عدم تشككه فيها:

لذا: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ ...)؟ والناس يعرفون عني كل شيء، فهذه قضية غريبة ومحيرة، بل: (... وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا ...)، يعرف عنها ذلك القاصي والداني، وهذه قضية أيضاً أغرب وأعقد من الأولى، بجانب هذا وذاك: (... وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا 8) وهذه قضية ثالثة لا تقل غرابة وعجباً عن سابقاتها. نحسب أن حال زكريا هنا شبيه بحال إبراهيم عليه السلام حين طلب من الله أن يريه كيف يحي الموتى، كما جاء في سورة البقرة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ-;- قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَىٰ-;- وَلَٰ-;-كِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ...), فجاءته الإستجابة من ربه فوراً: (... قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَىٰ-;- كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ 160).

هنا تأتي اللحظة الحاسمة والرد على زكريا بقوله: "أنى يكون لي غلام...)، والموقف الذي يستحق أن يخصص الله تعالى له أية كاملة في مطلع هذه السورة "ترميزاً" لهذا الإعجاز فيرد الله عليه بحسم لا مجال فيه للأخذ والرد: ( قَالَ كَذَٰ-;-لِكَ قَالَ رَبُّكَ...)، فالمسألة عنده ليست مستحيلة أو صعبة، بل هي كلمة فيخلق الله بها الكون كله ومثله معه،، فما بالك بهذا الطلب الزهيد المتواضع بالنسبة لله تعالى، لذا قال له مؤكداً: ( ... هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ...)، فهل غاب عنك ما فعلته لك من قبل، وهو أصعب وأعقد من طلبك هذا؟ (... وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا 9).

فما وجه الغرابة في أن أخلق غلاماً من إمرأة عجوز عاقر ورجل ضعيف واهن العظم مشتعل الرأس شيباً؟؟ وبالتالي فالأمر لديه أهون من خلقه من العدم أو من نطفة أمشاج. إذن الحروف الثلاثة الأول من الآية "كهيعص" هي كالآتي:
1. الحرف "ك" من كلمة « كَذَٰ-;-لِكَ » قال ربك،
2. والحرفين (هـ ي) هما من كلمة هو علي « هَيِّنٌ »،

ألا تستحق هذه القصة وهذا الإحكام أن يضع الله تعالى له هذه الأحرف الثلاثة ليساعد العبد على التدبر ليقف على هذه الصورة الوضاءة والمنيرة التي تشهد لله على عظم رحمته بعباده وسرعة إستجابته (المجيب)، لرغباتهم المشروعة وقدرته المطلقة التي لا يحدها مستحيل ولا يؤخرها تخطيط وتدبير وإستعداد. والتأكيد على أن الله ليس أمامه مستحيل أو صعوبة في شيء (كذلك ... هين).

القضية الآن أصبحت واقعة لا محالة وبالتالي فهو في أمس الحاجة إلى عون الله ليحل له المعضلة الإجتماعية التي سيواجهها فهو يحتاج إلى برهان قوي يقنع الناس ويجاوب على تساؤلاتهم، لذا: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ...) تؤيدني بها في ردي على أسئلة وتعليقات ونظرات الناس عن هذا الأمر الغريب،، أيضاً جاءته الإستجابة فوراً: (... قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ « ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا » 10).

هنا لدينا بعض الملحظات:
أولاً: لا يحتاج المتدبر إلى كبير عناء حتى يلاحظ الترابط والتناغم ما بين سورة "آل عمران" وسورة "مريم" هذه، فقد شاهدنا في السابق كيف كان الإجمال في طلب زكريا من ربه الذرية، فهناك كان الطلب "ذرية"، قال فيها (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ « رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً » - إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ 38)، ولم يتضمن هذا الطلب أي تفاصيل، أو تفنيد للمبررات كما جاء هنا بسورة "مريم"،

ثانياً: لاحظ أنه في سورة آل عمران الذي كان من ذكريا وصفه الله بأنه "دعاء"، قال: (هُنَالِكَ « دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ » قَالَ ...)، أما هنا في سورة مريم فقد وصفه بأنه "نداء خفياً"، قال: (إِذْ « نَادَىٰ-;- رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا » 3)، فالدعاء لم تحدد درجة وشدته، لذا يمكن أن يكون سراً أو جهراً أو ما بين ذلك قواماً، بينما "النداء الخفي" فيه تفصيل وتمييز ظاهر للحال، رغم أن المعنى في السورتين لم يختلف أو يتضارب،

ثالثاً: وفي سورة آل عمران، وصف الله تعالى حال زكريا عند دعائه قال: (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ « وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ » ...)، ولكنه هنا في سورة مريم لم يذكر المحراب بل قال له ربه مباشرة: (يَا زَكَرِيَّا « إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ » اسْمُهُ يَحْيَىٰ-;- لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيًّا). بينما البشرى في سورة آل عمران كانت مناداة من الملائكة قالت له فيها: (... « أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ-;- » ...), دون أن يذكر نوع المبشر به صراحةً، بل إكتفى بإسمه فقط، فدل الضمير على أنه ذكر، ثم عدد مواصفاته ودوره قال فيه: (... مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ 39).

عمران قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰ-;-لِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ
مريم قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا

رابعاً: هناك في آل عمران، بعد البشرى: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ ...), وهي نفس العبارة التي قالها في سورة مريم: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ ...),

وفي سورة آل عمران قال زكريا: (... وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ...)، فهنا يحكي حاله الراهن وحال إمرأته، فهو يشير إلى نفسه بأنه قد أصبح غير قادر على الإنجاب "وهذه حقيقة مؤكدة"،، وأن حال إمرأته في الأساس هي عاقر حتى في زمن خصوبتها لم يكن هناك أمل في إنجابها، فالحالتين ميئوس منهما، لذا جاءه الرد من الله تعالى، بأن هذه الحالات لا تعني شيء عنده: (... قَالَ كَذَٰ-;-لِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ)،،
أما هنا في سورة مريم فهو مستغرب مندهش، فقال: (... وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا)، فبعد أن تأكد له مجيء يحي منه ومن إمرأته بغض النظر عن علتيهما،، فكان الإستغراب، وكانت الدهشة في الكيفية التي سيأتي بها يحي لأن إمرأته "كانت عاقراً"، والآن موعودة بالإخصاب والحمل، وهو قد بلغ من العمر ما يجعل مجرد تفكيره في الإنجاب أمراً مستهجناً غريباً ولكن لدهشته وإستغرابه فهو الآن موعود بأنه سيكون أباً ليحي بإخصاب طبيعي. فالتعبير هنا للدهشة والإستغراب وليس للإنكار أو التشكك.

خامساً: وفي طلب زكريا آية في سورة آل عمران: (قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً ...), وهي نفس العبارة التي قالها في سورة "مريم".
فالآية في سورة آل عمران التي رد الله عليه بها: (... قَالَ آيَتُكَ « أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا » ...)، (... وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)،
بينما ذكر الله الآية هنا في مريم: (... قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا),
لاحظ العلاقة الوثيقة بين السورتين:
1. فالآية في السورتين معاً هي ثلاثة أيام بلياليها، فجعل الآيام في سورة آل عمران، وجعل الليالي في سورة مريم. وهذا يعني أن القصة واحدة وأحداثها واردة بكيفية إعجازية في سورتين مشفرتين لخطورة الموضوع الذي تناولتاه.
2. تدبر ودقق جيداً في كلمة "سَوِيًّا " الواردة في عبارة (ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا)، فهي تلقائياً تضمن الأيام بين الليالي، لأنه "منطقياً" لا يمكن أن تكون الليالي "سوياً" إلَّا إذا تضمنت الأيام لدورة كل ليلة بيومها لتلتقي مع الليلة التالية لها،
3. ذكر الأيام في سورة آل عمران يدل على أن الآية قد بدأت بيوم وإنتهت بليلة (يوم، ليلة، يوم، ليلة، يوم، ليلة)، إن كانت البشرى قد جاءته نهاراً،، أو العكس هكذا: (ليلة، يوم، ليلة، يوم، ليلة ، يوم)، إن كانت البشرى قد جاءته ليلاً، لأن الآية بدأت في أول القصة في آل عمران.

سادساً: خروج زكريا من المحراب في آل عمران بعد البشرى لم يذكر الله فيها عنه شيئاً هناك سوى قوله له: (... وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ),، ولكن هنا في سورة مريم فصل ذلك فقال: (فَخَرَجَ عَلَىٰ-;- قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَىٰ-;- إِلَيْهِمْ أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا 11).
ولك أن تقارن ما بين عبارة: (... وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، وبين عبارة (... أَن سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) بهذه السورة. فستجد أنها تنسجم مع توقيت الآية في السورتين:
1. ففي سورة آل عمران كانت الآية: (... قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُر رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، فعبارة " بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ" مع الأيام، توحي بتضمين اليل مع اليوم، لأن التسبيع فيها من غياب الشمس وحتى بزوغ الفجر،
2. وفي سورة مريم كانة الآية: (... قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ « ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا »)، فجاءت عبارة التسبيح في الآية التالية: (... فَأَوْحَىٰ-;- إِلَيْهِمْ أَن « سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا »)، فعبارة " بُكْرَةً وَعَشِيًّا " مع الليالي سوياً توحي بتضمين اليوم مع الليلة، لأن التسبيح سيكون من بزوغ الفجر وحتى مغيب الشمس.
فهذه روعة الإحكام مع التفصيل لإيحاء زكريا إلى قومه بأن يسبحوا الله ثلاث أيام بلياليها، وأن يكون التسبيح متواصلاً ليلاً ونهارا بدون إنقطاع (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)، ثم (بُكْرَةً وَعَشِيًّا)، ثم (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ)،،،، الخ.

واضح التقابل والتجانس في القصد والمعنى، ولكن الإختلاف في التركيب يقتضيه الإختلاف بين المخاطب في كل من الآيتين:
1. ففي سورة آل عمران: كان القائل هو الله تعالى والمُخَاطَبُ هو زكرياً،
2. وفي سورة مريم: كان المتكلم "إيحاءً" من بشر، هو زكريا، والمخاطبين هم الناس من قومه،

أرأيتم روائع هذا القرآن الكريم الذي لا تنقضي عجائبه؟ أرأيتم كيف التناغم ما بين السورتين،، حيث بدأت القصة من أولها في سورة آل عمران، التي تناولت الأساسيات والعموميات حتى أصبحت كل الأحداث المفصلة في سورة مريم قد حسم أمرها تماماً مسبقاً في سورة آل عمران، فالشيخصات هي نفسها: (إمرأة عمران، وزكريا وإمرأته، ودعائه لربه مجملاً، ويحي في مرحلة البشرى، ومريم إصطفاءً وتطهيراً ثمن إصطفاءً على نساء العالمين، وعيسى بشرى،، وقول وبشرى الملائكة بصفة عامة)،، هي نفسها في سورة مريم تفصيلاً،، بإستثناء إمرأة عمران التي لا دور لها مباشر في سورة مريم، وإن كانت كل الأحداث نتيجة لقولها "الم".

إستجابة الله لنداء زكريا:
1. طلب من الله الوريث فأعطاه إياه وسماه بإسم لم يجعل له من قبل سمياً،
2. إشتكى من عدم القدرة على الإنجاب وعقر إمرأته فأزال عنهم هذا وذاك فأنجب من تلك العجوز العاقر العقيم غلاماً رضياً،
3. طلب من الله تعالى أن يخرجه من الورطة الإجتماعية التي سيواجهها فأخرجه منها بسلام،
4. طلب زكريا من الله تعالى أن يكون الغلام رضياً فأعطاه ذلك الغلام الرضي وحباه بصفات أكثر من تلك التي طلبها أو كان يتوقعها، فجاء بيان ذلك تفصيلياً في الآيات الأربع التالية:

(‌أ) ها قد جاء يحي حقاً وحقيقةً،، فقال تعالى مخاطباً له مباشرة بعد أن أصبح واقعاً ماثلاً أمام والديه وها هو ذا يتلقى النبوة والكتاب من ربه الذي قال له: (يَا يَحْيَىٰ-;- خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ...)، وكان آنذاك لا يزال صبياً ومع ذلك آتاه الله الحكم مع الكتاب، قال: (... وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا 12)،
(‌ب) كما آتاه من لدنه كل صفات الكمال البشري من زكوةً وتقى وحناناً وبر بوالديه، قال تعالى: (وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا 13)،
(‌ج) وقد كان رَضِيَّاً بالفعل (إسم على مسمى)، قال: (وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُن جَبَّارًا عَصِيًّا 14)،
(‌د) وتعهده الله تعالى بالسلام في كل مراحل حياته في الدنيا والآخرة حيث قال: (وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا 15).

هذه قصة زكرياً كاملة، منذ أن وجد عند مريم رزقاً، كلما دخل عليها المحراب، لم يعهده من قبل وليس في بلدها ولا حولها مثله، فإنفتحت شهيته لطلب (حلم حياته) – ألذرية - وإلى أن جاءه الولد بأكثر مما كان يطمع فيه ويطمح إليه. وقد برزت أهمية الحروف "ك هـ ي" وأنها تشير إلى شيء عظيم وليست مجرد حروف هجائية كما يقال في كثير من الكتب.

وأذكر في الكتاب مريم:
مع كل هذا الوضوح والبيان شاء الله تعالى أن يُضَمِّنَ هذه السورة الكريمة قصةً أخرى شبيهة بقصة زكريا عليه السلام وتقاربها في الغرابة وقدرة الله المطلقة على كل شيء. بل وتكاد تكون أغرب منها، وهي أيضاً تدور حول نفس الموضوع وهو "إنجاب الولد" بصورة تعتبر مستحيلة بكل المقاييس فربط الله تعالى هاتين القصتين بواو العطف حيث قال (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ « عَبْدَهُ زَكَرِيَّا » 2) ......... (وَ « اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ » ... 16) لتعرف كيف فعل الله الرحمة ذاتها مع تلك الصديقة المباركة المصطفاة على نساء العالمين والتي كانت قد نذرتها أمها للرحمن وهي لا تزال جنيناً في بطنها، والتي تقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتاً حسناً وكفلها زكريا.

هناك إختلاف بين غاية زكريا الذي طلب "الولد" وغاية إمرأة عمران التي أيضاً طلبت "الولد" لنفس الغاية تقريباً، وهي إستمرارية ذرية آل عمران. وقد إستجاب الله تعالى لها وهي لا تدري، لذا فإن أصل القصة وأساس محركات الأحداث تدور حول مريم "النذيرة" التي تعتبر محوراً فريداً لما حدث وما سيحدث مع تتابع الأحداث وتطورها وتداخل حلقاتها في السورتين الكريمتين معاً.

فمريم العذراء التي جاءتها الملائكة ببشرى "الولد" وهي لم تكن تتوقع ذلك ولم تطلبه ولكن هذا كان إستجابةً لقول أمها الصالحة، ومراد الله تعالى الذي خرق به كل النواميس التي عرفها الناس في حياتهم العادية، فلا رَآدَّ له ولا مُبدِّلَ لكلماته. و "لعلها" هي أيضاً لا تدري كيف كان رجاء أمها من الله أن يحفظ لها أمنيتها ورجاؤها منه في ذرية إبنتها مريم، مادام أنه لم يتحقق ما كانت تصبوا إليه بنذرها ما في بطنها للرحمن لأنَّ ذلك الجنين جاء أنثى، وهي تعرف أن الأنثى لا تصلح للنبوة ولن تكون إمتداداً لذرية آل عمران بعد موت زوجها عمران الذي هو آخر ذرية "عمران والد موسى وهارون"، لذلك إنتقلت تطلعاتها إلى تحقيق ذلك في أحفادها من بنتها مريم.

تفاصيل ما حدث مع مريم وحملها المؤكد:
بدأت قصة السيدة مريم الصديقة البتول في سورة آل عمران بالبشرى بالإصطفاء على نساء العالمين، ثم بالبشرى بالمسيح عيسى عليه السلام. ولكن لم تدخل السورة في تفاصيل ذلك الحمل بل جاء الأمر إليها إجمالاً حيث إنحصر في البشرى بكل مراحلها، قال فيها: (وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ-;- نِسَاءِ الْعَالَمِينَ 42), وإنتهت بقوله لها: (مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ 43). هذا كل شيء هناك عن مريم.

أما تفاصيل هذه البشرى وما سيترتب عليها،،، كل ذلك كان غيباً محضاً،، لم يطلع الله تعالى عليه أحدُ من العالمين سوى نبيه ورسوله الخاتم محمد بن عبد الله آخر الإصطفاء الثالث "الوسط" (آل إبراهيم) الذي بدأ بإبراهيم الخليل وإنتهى بآخر ذريته وهو محمد الخليل،، عليهما الصلاة والسلام، حيث قال تعالى في ذلك لرسوله الخاتم: (ذَٰ-;-لِكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ - «« نُوحِيهِ إِلَيْكَ »» - وَ « مَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ » وَ « مَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ » 43).

وباقي السورة الكريمة كله إختص الله تعالى به نبيه محمد، حيث حكى له في كل دقائق تفاصيل التفاصيل، فكانت مرآت كاشفة،، فضحت كل ما حاول بنوا إسرائيل والنصارى من بعدهم ومعهم إخفاءه وتحريفه وإضافته وتزويره، فكانت بحق "الفاضحة"، و"المصححة المقومة" لتجاوزات وتخرصات هذا الإصطفاء الجريح. بدأها تعالى بقوله له: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ « إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ » - بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ - « اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ » - « وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ » وَ « مِنَ الْمُقَرَّبِينَ » 45)، إلى قوله: (إِنَّ هَٰ-;-ذَا « لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ » وَ «« مَا مِنْ إِلَٰ-;-هٍ إِلَّا اللَّهُ »» وَ « إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ » 62). وسنتطرق إلى هذه الجزئية في وقتها،، أما الآن فعلينا التركيز على قصة مريم ما بين سورتي "آل عمران" و "مريم".

تفاصيل تحقيق البشرى لمريم ومجيء المسيح عيسى إبنها:
تبدأت تفاصيل قصة مريم هنا في السورة معطوفةً على قصة زكريا ويحي، بعد أن فرغت منها بمجيء يحي وتنصيبه نبياً. ولنتذكر أن الله تعالى في فاتحة سورة مريم قال مصوراً هذا العطف بكل وضوح هكذا:
قال: (كهيعص 1)، هذه الآية تشير في آيات هذه السورة إلى: («« ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا »» 2)، وبعد الفراغ من تفاصيل قصة زكريا حتى نهايتها،، بين أنها تشير إيضاً إلى قصة أخرى معطوفة عليها (بواو العطف)،، قال:(«« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ »» ...)، بالإضافة إلى قصص خمس أنبياء معطوفة مثلها.

فهذا العطف "إذا تدبرناه جيداً"، نلاحظ: كأنما أراد الله أن يقول إن كهيعص ليست فقط فاتحة لقصة زكريا، وإنما هي أيضاً فاتحة لقصة مريم العذراء، كما يلي:
1. (كهيعص 1)، تلك تتناول: («« ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا »» 2) ........
2. (كهيعص 1)، تلك ........ :(«« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ »» ...)،،،،، الخ،
وهذا يجلنا نتحرى "كهيعص" مرة أخرى في تفاصيل قصة مريم هنا أيضاً.

فالعذراء مريم "بعد البشرى" في سورة آل عمران قررت أن تبتعد عن أهلها بقدر المستطاع، وليكن ذلك من جهة الشرق من المحراب، لذا قال عنها: (... إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16). ولكنها لم تكتف فقط بالجهة والبعد وإنما إحتجبت عنهم حتى لا يراها أحد، قال: (« فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا » ...), ظناً منها أن هذا الحجاب سيكون كافياً ومؤدياً للغرض الذي إتخذته من أجله، ولكن ألله تعالى له معها شأن آخر لم تحسب حسابه،، قال: (... فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا ...), وهو الملاك جبرائيل عليه السلام، جاءها برسالة من الله وكان في صورة بشر، قال: (... فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا 17).

تفاجأت العذراء البتول بجبريل شاخصاً أمامها، فخافت منه وتوجست، لأنها ظنه بشراً يريد أن يلحق بها أذى فذكرته بمخافة الله وتقواه حتى لا يتسبب لها في أي ضرر أو مضايقة: (قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَٰ-;-نِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا 18). وهي بلا شك واثقة من أن الله تعالى قادر على أن يحميها منه ومن غيره إن لم يكن تقياً وقصد بها شراً، ولكن جبريل عليه السلام طمأنها بأنه على غير ما تصورت،، فلم يكتف فقط بتسكين روعها وخوفها منه وإنما أعلمها بمهمته وقصده وأنه مكان ثقه لأنه جاءها بأمر ربها: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ...) لمهمة محددة ومقضية ولا راد لها: ( ... لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا 19).

أظهرت دهشتها وإستنكارها لإمكانية إنجابها بدون زواج "دون إعتراض أو تكذيب" وإنما عدم قدرتها على إستيعاب الكيفية التي سيتم بها أمر ربها، لذا (قَالَتْ « أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ » وَ «« لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ »» ...) لا زواج شرعي، ولا بدونه، إذ أنها طاهرة نقية عفيقة، ليس عندها مصدر آخر غير الشرع، قالت: ( ... وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20)، إذن كيف سيكون ذلك الغلام وليداً لها؟؟
فالموقف هنا شبيه بقول الله تعالى لزكريا (إنا نبشرك بغلام إسمه يحيا ...)، ولإدراك نبي الله زكريا أن أمر الله وكلامه واقع لا محالة: (قال رب أنى يكون لي غلام ...).

هنا أيضاً تأتي اللحظة الحاسمة والموقف الذي يستحق أن يخصص الله تعالى له أية كاملة في مطلع هذه السورة "ترميزاً" لهذا الإعجاز فرد الله تعالى عليها بطريقة حاسمة جازمة لا مجال فيها للأخذ والرد: (قَالَ «« كَذَٰ-;-لِكِ قَالَ رَبُّكِ »» ...)، قولاً مباشراً من الله هذه المرة وليس عبر جبريل، فلا راد لقوله فالمسألة هينة سهلة عنده، لذا قال لها: (... هُوَ عَلَيَّ «« هَيِّنٌ »» ...) فهذا عندنا ليس مستحيلاً أو صعباً،، فقد أوجده الله تعالى بهذه الصورة لأكثر من غاية وهدف:
أولاً إستجابةً منه لرجاء وطلب إمرأة عمران والدة مريم التي تقبلها ربها بقبول حسن، فهو لا يخلف الميعاد،

ثانياً لقوله لها: (... وَلِنَجْعَلَهُ « آيَةً لِّلنَّاسِ » وَ « رَحْمَةً مِّنَّا » ...)، فلا فكاك منه ولا مهرب من مرادنا، ولا رجعة فيه، لذا قال لها مؤكداً: (... وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا 21). لا راد له من الله،، إذن الحروف الثلاثة الأول من الآية "كهيعص" هي كالآتي:
1. إسم الحرف "كاف" من كلمة « كَذَٰ-;-لِكِ » قال ربك،
2. وصوتي الحرفين (هـ ، ي) من كلمة هو علي « هَيِّنٌ » ،

ألا تستحق أيضاً هذه القصة وهذا الإحكام ما استحقته القصة السابقة عن زكريا وأن يضع الله تعالى لها تلك الأحرف ليساعد العبد على التدبر ليقف على هذه الصورة الوضاءة والمنيرة التي تشهد لله على عظيم رحمته بعباده وقدرته المطلقة على المستحيل بكل المقاييس والتأكيد على أن الله ليس أمامه مستحيل أو صعوبة في شيء. فالأمر منه نافذ لا محالة ولا خيار فيه، وإستجابته لعباده الصالحين لا تتأخر أو تتأجل، أو تتبدل.

ملاحظات هامة:
ما الذي قالته مريم عندما بشرتها الملائكة في سورة آل عمران، وبشرها جبريل في سورة مريم؟؟؟
أولاً: لما جاءتها البشرى:
1. في سورة آل عمران: (قَالَتْ رَبِّ « أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي وَلَدٌ » وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ...), بصيغة التعميم المطلق أياً كان ذلك البشر وأياً كانت صفته بالنسبة لها، لأن هناك عند البشرى إحتمال الزواج وارد لأن المَلَكُ لم يقل لها عبارة "بدون أب". فالولد يشمل الذكر أو الأنثى لأن كليهما يعتبر ولد, فالذي إستنكرته لم يكن نوع الولد، وإنما عملية الإنجاب نفسها،
بينما في سورة مريم: (قَالَتْ « أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ » وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا ...)، فهنا كان التفصيل لنوع ومصدر الولد، الذي أصبح حقيقة وليس مجرد بُشرى، وحُدِّدَت معالمها لذا قالت تحديداً "ولم يمسسني بشر" بالزواج الشرعي، وكذلك لم يمسسني" سفاحاً وبغاءاً. خاصة وأن كلام المَلَكِ لها كان قد حدد فيه النوع صراحةً بقوله لها: (... لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا). فلا تطلق كلمة غلام على الأنثى مطلقاً.

2. رد الله عليها في آل عمران: (... قَالَ كَذَٰ-;-لِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ...)، فعلمت أن الولد سيكون "خلقاً بكيفية غير التناسل والتلاقح الطبيعي.
أما هنا في سورة مريم: (قَالَ كَذَٰ-;-لِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ ...), لأن الأمر أصبح واقعاً ولا يحتمل الجدال أو المراجعة بعد أن قال الله،

3. في آل عمران قال: (... إِذَا قَضَىٰ-;- أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)، دون أي تبرير،، أما هنا في سورة مريم فقد بين أن الأمر ليس كحال ولد زكريا "تلبية لطلبه"، وإنما المسألة بالنسبة لمريم قد تجاوزت هذا المفهوم وأصبحت خلقاً لغاية أكبر وهي "آية ورحمة للناس"، لذا قَالَ لها: (... وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا ...), وبالتالي لم يترك لها مجال للخيار.

4. في آل عمران قال: (... « إِذَا قَضَىٰ-;- أَمْرًا » فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ), وهذا يدلل على أن سهولة تحقيق الأمر لا يزيد عن كلمة "كن" فيكون ذلك الأمر مهما بلغ حجمه وقدره ونوعه.
أما في "مريم" قال: (... « وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا » 21). مما يؤكد من أن أمر الله لن يستطيع كائنٌ مَنْ كان أن يعترضه أو يوقفه، لأن أمر الله دائماً وأبدا "أمراً مقضياً" لا محالة,
ولا بد لنا هنا من التدقيق والتدبر لعبارة « إِذَا قَضَىٰ-;- أَمْرًا » من آل عمران، التي توحي فقط بالبشارة بعيسى قبل خلقه، بينما عبارة « وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا » في سورة مريم. توحي بأن البشارة قد صارت واقعاً لا رجعة فيه والأمر قد قُضِيَ،، والولد قد خُلِقَ في رحمها.

أرأيتم كيف يكون الإحكام؟؟ أيستطيع مخلوق من البشر أو غيره أن يأتي بمثل هذا الإحكام المعجز؟ وهذا التدبير الذي حير العلماء والباحثين والمستشرقين وغيرهم ودوخهم للوصول إلى "سر هذه الحروف المقطعة التي إقتضت حكمته أن تكون بهذا التفصيل الدقيق، وأمام العدو والصديق والمتدبر والمؤول والخائض والمعجز والمتربص، فلم يستطع أحد أن يثبر غورها قبل أن يأذن الله تعالى، وهي في واقعها وحقيقتها (غايةً في التفصيل بعد إحكام معجز مفحم ومُشَفَّرٍ).

هناك سؤال ملح ووجيه،، لماذا لم يُضَمَّن هذا الجزء من سورة مريم بسورة آل عمران وبدلاً عن ذلك خصصت له سورة مستقلة (مشفرة) إسمها سورة مريم؟؟

هذا سؤال قد يفرض نفسه على فكر العامة من الناس أو الذين لا يتدبرون القرآن جيداً ليعرفوا السبب الوجيه الذي لا يمكن تجاوزه،، مثلاً:
1. سورة آل عمران إقتضت تسميتها بهذا الإسم لعله بسبب كل تلك الأحداث التي جاءت بكل غرائبها وعجائبها ومعجزاتها. تلك التي دارت في الإصطفاء الرابع وهو (آل عمران) "تحديداً"، وهو الإصطفاء الذي كان مسئولاً عنه أهل الكتاب من يهود ونصارى، حيث لم يتركوا شيئاً على حاله وقلبوا كل الأمور رأساً على عقب، وخاضوا في الأنساب وكتموا ما أرادوا أن يكتموه، كالبشارة "بأحمد" خاتم الأنبياء والمرسلين، والعبث في نسب السيدة العذراء البتول فغيروا أبوها بآخر يستحيل أن ينتمي إلى جيلها.

بل وزوروا في نسب عيسى عليه السلام ليتناسب مع أهواء أنفسهم وأشركوه إلها شريكا شراكة كاملة مع الله لدرجة أنهم قالوا عنه (الله الخالق الديان)، (تعالى الله عن قولهم وفعلهم وإدعائهم علواً كبيراً).
ولعلاقة مريم بأمها "إمرأة عمران" تلك الصالحة التي نذرت ما في بطنها محرراً لله تعالى، فتقبلها ربها بقبول حسن، فكان ما كان من شأن مريم في ضوء هذا النذر،

2. الرابط بين كل من زكريا ومريم فيما يتعلق بالمعجزة الكبيرة وهي مجيء الولد الذي أتى خارج النواميس الكونية التي تقتضي أن يكون من أبوين في خصوبتهما وقدرتهما الكافية للإنجاب، وليس من عقم ووهن أو من أم بدون أب،، فكان لا بد من وجود هذا الرابط،، ولكن لم لا تكون كل القصة في سورة آل عمران بدلاً من أن تكون تكملة فصولها في سورة أخرى مشفرة أيضاً؟؟

3. سورة مريم – هي سورة خاصة بالسيدة مريم وقصتها بالكامل،، ولكن لأن الجزء الإعجازي المجمل في سورة آل عمران والذي يشاركها فيه زكريا،، كان لا بد أن يكون مدخلاً لسورتها لأن (كهيعص) يشاركها فيها زكرياً وخمسة أنبياء آخرين، لذا كانت قصته في سورة مريم لها السبق وهذا ترتيب منطقي وضروري،، وقد رأينا في التحليل السابق كيف كانت دقة الربط والتناظر بين السورتين،،

4. أما لماذا (التشفير) لكلتا السورتين،، فلعل هذا بديهي، لأن كل الشرك ولجاجة مشركي النصارى إنما تنطلق وتتمحور حول شخصيات هاتين القصتين وكل الأحداث التي جاءت في السورتين معاً، فكان التشفير ضرورة لكشف زيف هؤلاء اللاهوتيين الناسوتيين الثالوثيين الذين جعلوا من عيسى عبد الله ورسوله إلهاً من دونه،، ثم جعلوا من أحبارهم ورقة بن نوفل ورهبانهم بحيرا أرباباً من دون الله تعالى.

5. بعد هذه النقطة تنفرد السيدة مريم بباقي الأحداث المتعلقة بها في هذه السورة مع وليدها نبي الله ورسوله عيسى عليه السلام لتأكيد نسبه ودوره وعبوديته ورفعه وتنزيهه من الصلب أو القتل،، ثم إعترافه بنفسه بأنه عبد لله ورسوله... الخ. وهناك جزء آخر لنبي الله الخاتم، سنتعرض إليه لاحقاً كلما إقتضت الضرورة ذلك.

الحمل بالمسيح عيسى وما تبع ذلك من أحداث:
و مأساتها ("في نظرها") - ووفق ما صورته هذه السورة الكريمة - بدأت منذ أن، قال الله تعالى لها: (... « وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا »)، علمت بعده أن الأمر أصبح حقيقةً وواقعاً سيتبلور خلال أشهر معدودة، فبدأت تقلب الأمور وهي تحاول أن تتصور ما تنتظرها من تداعيات. فمجرد التفكير فيها مخيف ومفزع لها، قال تعالى في ذلك: (فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا 22). بعيداً عن الأعين وقد خشيت من تعرضها للمضايقات ونظرات الشك في أعين الناس وفضولهم فاختارت مكاناً قصياً بعيداً عنهم وعن أهلها، خاصة وأنها لا تملك أي برهان مقنع تدافع به عن نفسها.

كما أن قصة زيارة المَلَكِ جبريل لها والبشرى،،، إلى آخر هذه الرواية لن يصدقها فيها أحد لأنها غيب وخارج المألوف، وخارقة للنواميس. بالإضافة إلى ذلك، لم تترك أي أثر مادي سوى ذلك "الحمل" الذي بلا أدنى شك سيشهد ضدها، بل وسيؤكد الظن بها، وليس له عند الناس بصفة عامة وعند بني إسرائيل بصفة خاصة سوى تفسير واحد ونتيجة واحدة، فصور الله معاناتها وورطتها وتوجسها، وها هو ذا الجنين قد أصبح واقعاً في بطن مريم البتول، فقررت أن تبتعد عن الناس تفادياً للقيل والقال والأسئلة التي لا تعرف لها إجابة مقنعة للسائلين المتشككين المعروف عنهم اللجاجة والمماحكة والصيد في الماء العكر، والمتربصين دائماً بالأنبياء والرسل والصالحين، وقد أصبحت في حالة نفسية صعبة وهي تشعر بحركة الجنين داخل أحشائها تشتد وتقوى وتعرف أنها إن عاجلا أم آجلاً سيكون الغلام ماثلاً بين يديها ولا تدري حينئذ ماذا ستفعل، ولا كيف ستتصرف، فظل حالها كذلك يزداد تأزماً وتحرجاً إلى أن جاء وقت الوضوع وأذن الله به.

قال تعالى مؤذناً بدخول مريم في المرحلة الحرجة، لدرجة أنها تمنت لو وافتنا المنية لتتخلص من ذلك الشعور القاتل بالأسى والحزن، قال تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ ...) ليدخلها ذلك في حلقة جديد من المعاناة فيها أحداث جسام، لا تجربة لها فيها من قَبْل ولا قِبَلَ لها بها بالإضافة إلى أنه ليس بجانبها من له تجربة سابقة حتى يوجهها بما عليها فعله في مثل هذه الظروف الحرجة الخطيرة والموجعة، ولكن الله تعالى كان معها يرتب لها الأمور ويعد لها مقتضيات اللحظة الحاسمة ومتطليات الموقف دون علم منها بذلك، فوجهها سبحانه إلى جزع نخلة فيها كل ما يلزمها للمرحلة الوشيكة وذلك قبل أن تدخل في المخاض بمراحله الأخيرة فوجهها "تحديداً" ( ... إِلَىٰ-;- جِذْعِ النَّخْلَةِ ...). ولكن هذا لا يمنع بلوغها أقصى درجات الأسى والحزن حتى أنها: (... قَالَتْ « يَا لَيْتَنِي مِتُّ » - قَبْلَ هَٰ-;-ذَا - وَ « كُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا » 23).

قبل أن نواصل فصول هذه القصة، لنا بعض الملاحظات منها:
1. لا بد من الوقوف والتأمل ملياً أمام عبارة: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ)، مما يدل على أن هذا المخاض لم يكن طبيعياً ذاتياً وإنما جِيْءَ به إليها، لأنه لو كان طبيعياً وذاتياً لكان التعبير هكذا: (فَجَاءَهَا الْمَخَاضُ). كأن تقول مثلاً توعكت صحتها، (فجاءها الطبيب) ليفحصها، هذا التعبير يختلف عن قولك (تأزمت حالتها الصحية فأجاءها الطبيب)، وهذا يعني أن الطبيب لم يجيء إليها من تلقاء نفسه وإنما جِيْءَ به إليها.

2. كثير من المتربصين الغوغائيين المحبطين وقفوا عند ذكر جزع النخلة،، فظنوا أنهم قد جاءوا "بالذيب" من ديله، فأثاروا بذلك زوبعة في فنجان لعلهم يجدون فرجةً يدخلون منها لتكذيب القرآن الكريم أو التشكيك فيه فإدعوا بأن المنطقة ليس فيها نخل وأن ذكر النخل يعني أن القرآن كتبه بشر لا يعرف جغرافية المكان الذي ولد فيه المسيح،،، إلى آخر هذه الخزعبلات البائسة اليائسة التي تخصص فيها أبو جهل فطاشت كل سهامه إن لم تكن قد إرتدت إليه حقيقةً، وقد خاض خائب الرجاء فرعون آخر الزمان وأبي جهل العصر، ومعه تلميذه الخائب المرتد وبقية الرهط. يلوكون في هذا السخف ويروجون له بين أقرانهم من الجهلاء المجهَّلين،، فكأنه وبعض أهل الكتاب كانت لديهم إحصائية بكل شيء خلقه الله في كل ملمتر مربع من السماوات والأرض والكواكب والنجوم والبحار.

علماً بأنهم حتى هذه اللحظة يبحثون عن أصل توراة موسى ويداومون في التنقيب ليل نهار، تحت الأرض وفوق الأرض حتى يوم العرض، وفي أتون الشمس وهم يعرفون سلفاً ألَّا وجود لهذا ويشهد على ذلك الرجل الصالح "عزير"، الذي بلغ الأمر ببعضهم أن إعتبروه "إبن الله" كما أخبر الله تعالى بذلك الخبل، لأنه كان يحفظ شيئاً من توراة موسى بعد أن بلغ ببني إسرائيل اليأس من الحصول على شيء مما يريدون.

3. إذا كان الله تعالى قد خلق عيسى عليه السلام بدون أب، وقضى أن يولد نبي الله "يحي" عليه السلام من واهن وعجوز عاقر عقيم، أيصعب عليه أن يخلق أو يوجد نخلة بثمارها خالصة لمريم الصديقة، وقد كانت عنايته بها أزهلت زكريا حتى فتحت شهيته لطلبه وأمنية حياته التي كان يراها مستحيلة. فإذا كان كلما دخل على مريم المحراب وجد عندها رزقاً ليس له وجود في عرفهم وبلادهم، أفليس الأمر يكون أهوناً عليه أن يعد لها نخلة بثمارها ليتم ميلاد آية الله عيسى عبده ورسوله؟
ولنتذكر قول الله تعالى: (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَىٰ-;- جِذْعِ النَّخْلَةِ)، فعبارة إلى جزع النخلة تدل على توجيهها "قصداً" إلى جزع النخلة، وإلَّا لكان التعبير "فجاءها المخاض عند جزع النخلة".

على أية حال،، قد أشتدت مأساة مريم، وهي وحيدة في ذلك المكان وليس لها تجارب سابقة فتمنت الموت قبل أن تلاقي ما تلاقيه الآن وما ينتظرها بعده من قومها، لذا تمنت لو أنها ماتت حتى لا تواجه ما هي عليه الآن من ورطة.
ولكن رحمة الله وعنايته بها كانت تلازمها دون إنقطاع أو فتور، وقد تولى وليدها أمر توجيهها وطمأنتها وتبشيرها بالفتح، قال تعالى عنه: ( فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا ...) وهي تلده مواسياً ومطمئناً لها قائلاً لأمه: (... أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 24). إن مسألة الأكل والشرب بالنسبة لك محسومة وأشياء أخرى ستعرفينها في وقتها فكوني مطمئنة، لا تشغلي بالك بشيء الآن هدئي من روعك: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا 25)، فمعروف أن الرطب يساعد المرأة الحامل في عملية تقوية الطلق وتيسير الوضوع.

فكأنما قال لها، الآن ركزي إهتمامك في ضروريات اللحظة من أكل وشرب وأحرصي على الراحة اللازمة للنفساء: (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا ...)، ولا تشغلي بالك بالموقف الإجتماعي الذي يقلقك لأن هذا الآخر أيضاً محسوم من عند ربك فقط نفذي ما يقال لك وأتركي الباقي له سبحانه، لذا قال لها موضحاً البرنامج الذي ستمشي عليه في المرحلة التالية للوضوع، فقال لأمه: (... فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا « فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَٰ-;-نِ صَوْمًا » - فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا 26).

هذا الحديث من وليدها وتوجيهه إياها قد أكد لها أنها على خير فإطمأنت له وإلتزمت بكل ما طلبه منها واستعدت لمواجهة بني إسرائيل بثقة، قال تعالى في ذلك: (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ...)، فبدأت المشكلة التي كانت تخشاها من إستنكار وتشكك وإتهامات: (... قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا 27), إتهام مباشر من البداية قبل التريث لمعرفة الحيثيات، (فالطبع غلب التطبع)، رغم أن الموقف الظاهري لا يمكن تصوره خارج إطار التشكك أو التوجس. لذا قالوا لها ما معناه "لم يكن أحد يتوقع منك مثل هذا العمل القبيح، فأنت من أسرة فوق الشبهات، فمعروف أن أبوك كان رجلاً صالحاً، وأمك كانت كذلك بالإضافة إلى أنها كانت طاهرة عفيفة، فمن أين جئت بهذا العمل القبيح؟، قالوا لها: (يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا 28)،

ولكن من هو هارون هذا الذي نسبوه أخاً لها بقولهم لها (يَا أُخْتَ هَارُونَ ...) ؟ وما هو لغط أهل الكتاب وتخرصهم حول هذه الشخصية الجدلية لديهم؟
قلنا في موضوعنا السابق إن هناك لدى أهل الكتاب (هارونان):
1. هارون، أخو موسى (وَلَدَاْ عِمرانَ)، الذَيْنِ هما بداية إصطفاء آل عمران وذربتهما والذي يعتبر "عمران" والد العذراء هو آخر هذه الذرية،

2. وهارون آخر، كان معاصراً لنبي الله زكريا وعمران والد مريم العذراء،، فهو إما أن يكون أخ لمريم "من جهة الأم" إن كان حياً أو من جهة الأب والأم إن كان ميتاً قبل موت أبيه والحمل بمريم، أو قبل ميلاد مريم العذراء، وذلك حسب إحدى الروايات، والرواية الأخرى تقول إن هارون هذا كان رجلاً فاسقاً يضرب به المثل، لذا وصفوها أختاً له لظنهم أنها أتت بمنكر يجعلهم يشبهونها به فهي أخوة في السلوك وليست أخوة نسب.

ولكن الذي يهمنا هنا هو إستحالة إنصراف الفكر إلى "هارون" أخو موسى عليهما السلام لأن البعد الزمني بين النبي هارون بن عمران وبين مريم العذرء أكثر من (واحد وأربعين جيلاً)،، حوالي 1500 سنة، فلا يعقل أن ينسب بني إسرائيل مريم في ذلك الموقف بالنبي هارون بن عمرا لإستحالة وجود أي قرينة تربط بين الشخصيتين إطلاقاً.

وقد كانت مريم محقة في ثقتها بأن قومها لن يصدقوها مهما أتت إليهم من مبررات أو براهين لأنها تعرف أنهم جبلوا على التصعيد ولا يطيقون التهدئة أو الإزعان للحق خاصة إذا كان ذلك الحق سيخفف من حدة ذلك التصعيد السلبي البغيض. لذا قد علم الله مسبقاً أن ردها عليهم لن يفيدها في شيء أمام هؤلاء القوم المتربصين بكل صالح وتقي ونبي. لذا طلب منها – عبر وليدها - عدم الكلام مع أي سائل، بل تعلن للجميع انها صائمة عن الكلام.

لذا فهي الآن صائمة للرحمن عن الكلام نذراً - كما طلب منها - وعليه لم ترد عليهم بل إلتزمت الصمت وإكتفت بالإشارة إلى الوليد، قال تعالى: (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ ...) طالبةً منهم أن يوجهوا أسألتهم إلى الصبي الذي تحمله ليرد على اسئلتهم ويجاوبهم على إستفساراتهم وتلميحاتهم وإتهاماتهم وتشككهم بدلاً عنها، فجاء ردهم عليها مستنكرين: (... قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا 29)؟؟؟

فكانت المفاجأة أن بادرهم الصبي على الفور معلناً عن نفسه: ( قَالَ ...):
1. (... « إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ » ...)، ليس كما تظنون وتتشككون،
2. الله الذي: (... آتَانِيَ الْكِتَابَ ...)، وهو "الإنجيل" من لدنه،
3. (... وَجَعَلَنِي نَبِيًّا 30)، إلى بني إسرائيل،
4. ليس ذلك فحسب، بل: ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ...),
5. وكلفني بمنهج محدد: (... وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا 31)، عبادةً له وتوحيداً وإجلالاً،
6. (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا 32). ظالماً للناس وقاسياً عليهم،
7. وجعل السلام علي في كل مراحل حياتي ومماتي وحتى بعد بعثى حياً بعد الممات، قال: (وَالسَّلَامُ عَلَيَّ « يَوْمَ وُلِدتُّ » وَ « يَوْمَ أَمُوتُ » وَ « يَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا » 33).

لنا بعض الملاحظات هنا:
أولاً: هذه القصة الثانية الغريبة والمعجزة التي حكاها ربنا لنبيه مبيناً مدى رحمته وفضله وقدرته وإستجابته لعباده الصالحين وعنايته بهم وقيوميته عليهم. والآن إمرأة عمران قد إستجيب لنذرها فنالت الحفيد الذي تمنته،، وأكثر بكثير مما كانت تتوقعه وتتصوره ولكنه بالطبع ليس إمتداد لذرية آل عمران ولكنه من إصطفاء لعله يكون مضمناً فيه ومصححاً له لذلك جاءت رسالة عيسى مصدقاً لما بين يديه من التوراة، بالإضافة إلى كتاب آخر معه وهو "الإنجيل".

فرمز الله تعالى للقصتين معاً بالأحرف الثلاثة الاول "ك هـ ي" من الآية الكريمة "كهيعص" بالإضافة إلى (ألم) التي تشير إلى كلمات إمرأة عمران (إني... لك .... محرراً).
أما ترتيب هاتين القصتين حسب الأولوية بأن تأتي قصة زكريا أولاً مع العلم أن السورة بكاملها بإسم "مريم" فهناك أكثر من سبب يبدوا ظاهراً والله أعلم،
أولاً: زكرياً نبي بينما مريم صِدِّيْقَة، رغم أنها مصطفاة لذاتها، ولكن إصطفاءها يختلف عن الإصطفاءات الأربع الأخرى، مثلاً:
1. إصطفاء آدم عليه السلام لذاته، ليس له أبوان، ولا "آل"، ولكن له ذرية، منها أنبياء،
2. إصطفاء نوح أيضاً لذاته، وله أبوان وذرية، ولكن ليس له "آل"،
3. إصطفاء آل إبراهيم يبدأ بنبي ورسول هو إبراهيم الخليل نفسه، وله ذرية، وآل أُخَرَ من آلِهِ آخرها "آل محمد"، الذي هو نبي ورسول وآلٌ قائم بذاته، من آل إبراهيم،
4. إصطفاء آل عمران،، فعمران،، فهذا ليس نبياً ولا رسولاً ولكنه جَدٌّ لأنبياء ورسل، يبدأ أولاً بموسى وهارون، وينتهي "بعمران" والد العذراء الصديقة مريم، الذي أيضاً ليس بنبي ولا رسول،
5. إصطفاء مريم العذراء فهي ليست نبي ولا رسول ولا ينبغي لها ذلك لأنها أنثى، إصطفاها الله لذاتها حتى يلبي قول ورجاء إمرأة عمران"، ثم إصطفاها مرة أخرى بعد تطهير "لتكون إصطفاءاً خاصاً ملحقاً في إطار وتضمين إصطفاء آل عمران ولكن ليس إمتداداً له عبر الذرية. فإصطفاءها شبيه بإصطفاء عمران والد موسى وهارون لأن كليهما ليس بنبي ولا رسول، وتختلف هي عنه في أنها أنثى وفي أنها ليس لها آل. ولكن الله تعالى إختار إبنها المسيح عيسى عليه السلام نبياً ورسولاً ووجيهاً في الدنيا والآخرة ومن الصالحين،

ثانياً: الإستحالة والتعقيد في قصة سيدنا زكرياً كاملة ومتينة وطلبه من الله تعالى كان فيه تفصيل وكانت الإستجابة لكل ما طلب بدقة متناهية، أما بالنسبة للسيدة مريم بالرغم من أنها لم تطلب من الله الغلام إلا أن الطلب كان من أمها دون أن تدري هي عن ذلك شيئاً، وبالتالي كانت مشكلتها الكبيرة والأساسية هي الموقف الإجتماعي الذي ستواجهه من قومها،

ثالثاً: إن إنجاب الغلام بالنسبة لها ليس مستحيلاً إستحالة كاملة كحالة زكريا عليه السلام، لأنها ببساطة يمكن أن تتزوج وتنجب الغلام بصورة طبيعية خاصة وأنها لم تذكر إنها عاقر أو كبرت في السن بل مشكلتها أنه لم يمسسها بشر (بالحلال) ولم تك بغياً، وهذا هو الطريق الوحيد للولد.

رابعاً: أنها لم تطلب برهاناً كما فعل زكريا بل كان همها منصباً في إيجاد دليل على براءتها وطهرها وعفتها وعذريتها. ولكن مع ذلك فقد إحتفظ الله تعالى بالبرهان عنده وجعله غيباً بالنسبة لها فكان أعظم من برهان زكريا،، فقد أنطق الوليد نفسه ليبريء والدته ويعلن عن نفسه بنفسه "نبياً ورسولاً إلى بني إسرائيل".

خامساً: قصة زكريا كانت تمهيداً مهماً لما فيه من إرهاصات وخوارق ومعجزات هيأت المناخ لتقبل إنجاب ولد بدون أب وهو أمر جلل صعب على الناس إستيعابه مباشرة بدون مقدمات كافية، فميلاد غلام من أم عجوز عاقر وأب بلغ من العمر عتياً وقد وهن عظمه وإشتعل رأسه شيباً أمر لا ينسى بسهولة وسيظل عالقاً بالأذهان لحين ظهور الحدث الثاني الذي ستكون له سابقة غريبة أيضاً.

سادساً: في نهاية هذه القصة أن عيسى عليه السلام، الذي أصبح الآن حقيقة ماثلة ومعروفة تفاصيل قصته وأسبابها ومقتضياتها وأهدافها. فلا مجال لأي إضافات أو إدعاءات من هنا أو هناك، وخاصة أنه قد أعلن عن نفسه قائلاً إنه"عبد لله تعالى الذي جعله نبياً" يقول تعالى: (ذلِكَ عِيسَى « ابْنُ مَرْيَمَ » - «« قَوْلَ الْحَقِّ »» الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ 34)، من أين جاء هؤلاء الناس من مشركي النصاري الممترين بإدعاءاتهم تارةً بأنه الله، وأخرى بأنه إبن الله تارةً ثالثة بأنه ثالث ثلاثة، وهو مجرد قول لله «« الحق »» سبحانه؟؟؟

هنا يؤكد الحق سبحانه وتعالى،، خالق الخلق بقوله صراحةً: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ ...) - تنزه عن ذلك وعلا علواً كبيراً – ( ... سُبْحَانَهُ ...) وتعالى أن يكون له ولد أو شريك أو ند أو مثيل، فهو: ( ... إِذَا قَضَىٰ-;- أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ 35)، فقضى بأمر المسيح عيسى، فقال كلمته للعذراء، وكان المسيح عيسى عبده ورسوله ليس إلَّا. فهذه الآية تقضي نهائياً على كل الإدعاءات والأكاذيب التي فيها يمترون. سواءً أكان ذلك بإتخاذ إحباره ورهبانهم أرباباً من دون الله تعالى، أو بالتحريف الخبيث بإستخدام جدول (أبحد هوز...) المرقم الضال المضل وبمعاونة طريقة حساب الجمل الفاشلة.

أليس بعد ورود هاتين القصتين العجيبتين وبعد التأكيد على أن عيسى بن مريم الذي يمترون فيه ويؤلهونه وأمه إنما هو "عبد لله ونبيه ورسوله"،، وأنه ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه، أليس كل هذا كافياً لقضية بهذه الخطورة أن يرمز لها الله تعالى بالحرفين الأخيرين من الآية الكريمة (ك ه ي « ع ص »)، فإذا كانت الحروف الثلاثة الأولى قد أكملت القصتين معاً بالتمام والكمال، فما هو دور هذين الحرفين الأخيرين من هذه الآية الكريمة؟

الآن سيعترف المسيح عيسى بنفسه على أنه لا يزيد عنهم في العبودية لله تعالى بل هو عبد مثلهم تماماً، لذا قالها لهم صراحةً مدويةً مبينةً: ( وَإِنَّ اللَّهَ - «« رَبِّي »» - وَرَبُّكُمْ ...)، فكلنا عبيده وله علينا إخلاص العبادة لذاته وحده لا شريك له، فهذا هو الصراط المستقيم الذي ينبغي علينا إتباعه والتمسك به ما حيينا، لذا قال: ( ... « فَاعْبُدُوهُ » هَٰ-;-ذَا « صِرَاطٌ » مُّسْتَقِيمٌ 36). فتضمنت هذه الآية الكريمة كلمتين أمر بهما عيسى قومه "لعبادة" الله لذاته وحده لا شريك له، وبين لهم بأن هذا التوحيد فقط هو "الصراط" المستقيم الذي تُوْصِلُ إليه هذه العبادة وبهما معاً يتحقق النجاح والفلاح في الدارين الدنيا والآخرة.
1. فكان الحرف "ع" من كلمة « فَاعْبُدُوهُ » ،
2. وكان الحرف "ص" من كلمة « صِرَاطٌ » مُّسْتَقِيمٌ 36).

وهما الحرفان (ع ص) المكملان للآية (كهيعص) التي هي (ك ه ي ...) + (... ع ص) الثانية الخاصة بقصة مريم وعيسى. أما (ك ه ي ...) + (... ع ص) الأولى الخاصة بقصة زكريا ذكرنا منها فقط الحروف الثلاثة الأولى ولا يزال الحرفان الأخيران معلقان لم يذكرا حتى تكتمل (كهيعص) المتعلقة بقصة زكريا،، ولكن إذا تدبرنا الآيات نجد الله تعالى قد ذكرها في الآية 65، عند قوله تعالى: (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا « فَاعْبُدْهُ » وَ «« اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ »» هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا 65):
1. فكان الحرف "ع" من كلمة «... فَاعْبُدْهُ ...»
2. وكان الحرف "ص" من كلمة «« وَاصْطَبِرْ »» لِعِبَادَتِهِ،

ولكن السؤال البديهي والمنطقي: ما هو دور الآيات التي بين الآية (37) والآية (64) من هذه السورة؟ ولماذا لم تأتِ الآية المتضمنة للحرفين (ع ص)، بعد كمال القصتين المعنيتين مباشرةً؟؟؟
لنعرف الجواب علينا أن نتدبر هذه الآيات لتحكي عن نفسها بنفسها، فنلاحظ الآتي:
قال تعالى: (كهيعص 1)، التي جاء ترميزها إلى عدة قصص لأنبياء وإصطفاءات، فقال:
1. في قصة زكريا: (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا 2)،، وقد فصل فيها قصته حتى بلغ: (قَالَ « كَذَٰ-;-لِكَ » قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ « هَيِّنٌ » وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا 9)، التي تضمنت فقط (ك ه ي)، ولم يأتِ أي ذكر للحرفين الآخيرين (ع ص)،
2. في قصة مريم، قال: («« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ »» - إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا 16)، إلى قوله تعالى: (قَالَ « كَذَٰ-;-لِكِ » قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ « هَيِّنٌ » وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا 21)، التي تضمنت الحروف (ك ه ي)، ولكن واصلت الآيات تكملة القصة بحروف (كهيعص) الخمس، وذلك بقول المسيح عيسى لقومه: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ - «« فَاعْبُدُوهُ »» هَٰ-;-ذَا «« صِرَاطٌ »» مُّسْتَقِيمٌ 36).

بالنسبة للآية (كهيعص)، لم تعطف قصة مريم إلى قصة زكريا وحدها،، بقوله تعالى: ((« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ »)، والتي لها خصوصيتها فأكملت بقول عيسى لقومه: («فَاعْبُدُوهُ » هَٰ-;-ذَا « صِرَاطٌ » مُّسْتَقِيمٌ)،، بل هناك مزيد من القصص أيضا معطوفة وهي:
1. قصة نبي الله إبراهيم التي قال الله تعالى أيضا: (« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ » - إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا 41)،
2. وقصة نبي الله موسى، قال: («وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَىٰ-;- » - إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا 51)،
3. وقصة نبي الله إسماعيل، قال: (« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ » - إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا 54)،
4. وأخيراً قصة نبي الله إدريس، قال: (« وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ » - إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا 56)،

فواضح أن الله تعالى قد ضَمَّنَ قصص هؤلاء الأنبياء الكرام في معطيات الآية الكريمة كهيعص، فبعد أن فصل قصصهم أجملهم في المدح والإشادة، قال: (أُولَٰ-;-ئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَىٰ-;- عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَٰ-;-نِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا 58)، ولكن للأسف خلفوا رماداً بقيعة لا يشبهونهم في شيء، قال: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا 59).

لاحظ أن هؤلاء الأنبياء بقصصهم هذه التي كلها بدأت بقوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ .... » تماماً مثل قصة مريم لم يذكر فيها ما تشير إليه الحرفان (ع ص)، لذا تأخرت إلى نهاية قصصهم جميعاً لتشملهم جميها حتى قصة زكريا نفسه، والتي وقفت عند الحروف (ك ه ي) فقط، ومن ثم فمن البديهي أن تأتي الآية التي تغطي هذين الحرفين المكملين لكل قصة نبي على حدة (بإستثناء قصة مريم التي قد إكتملت بما قاله لقومه بنفسه).
لذا قال الله تعالى: (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا « فَاعْبُدْهُ » وَ « اصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ » - هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا 65).

الخلاصة:
أولاً: جاءت الحروف (ك ه ي) من الآية (كهيعص) مرتين:
1. حين بشر زكريا بالغلام: (قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا 8)،، فرد الله عليه (قَالَ كَذَٰ-;-لِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا9)،
2. حين بشرت مريم بالغلام: (قَالَتْ أَنَّىٰ-;- يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا 20)، جاءها الرد: (قَالَ كَذَٰ-;-لِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِّلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا 21)،

ثانياً: جاء الحرفان الأخيران (ع ص) من الآية (كهيعص) مرتين أيضاً:
1. في مخاطبة المسيح عيسى لقومه أكد لهم حقيقته، بقوله لهم صراحةً وبكل وضوع: (وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ « فَاعْبُدُوهُ » هَٰ-;-ذَا « صِرَاطٌ » مُّسْتَقِيمٌ 36)، فكانت هذه تكملة للآية (كهيعص) المتعلقة بمريم،
2. بالنسبة لزكريا وباقي الأنبياء المضمنين، في "كهيعص" كانت قصصهم مغطاة مع زكريا في الحروف الثلاثة الأولى: ك ه ي،، ثم جاءت فيما بعد الإشارة إلى الحرفين "ع ص" في قوله تعالى: (رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا 65)، فإذا عبرنا عن ذلك بالأقواس نجد أن قصة مريم عبارة عن قوس في داخل قوس قصة زكريا مع قصص الأنبياء الآخرين هكذا:
}زكريا ومعه أنبياء آخرين: ك ه ي ... (مريم: ك ه ي ... ع ص) ألأنبياء مع زكريا:... ع ص {.

ثالثاً: ما الفرق ما بين يحي وعيسى عليهما السلام؟
1. من حيث غرابة الخلق، فيحي جاء ببشرى وكذلك عيسى مثله جاء ببشرى من الملائكة،
2. يحي جاء من الله بإسمه وتلبية لطلب نبي، وعيسى كذلك جاء بإسمه وتلبية لطلب صالحة هي إمرأة عمران،
3. يحي كان ميلاده معجزة لإستحالة إنجابه من أبوين أحدهما واهن والآخر عجوز عقيم عاقر، وكذلك عيسى جاء من عذراء بتول بدون أب فكلاهما جاء "بكلمة من الله تعالى" (كن فيكون),
4. كلهما جاء نبياً، وله مواصفات خاصة عالية للغاية،، ولكن المسيح كان رسولاً نبياً، لبني إسرائيل مكلف بالتوراة والإنجيل والبشارة بأحمد الخاتم.
5. كلاهما سعى المجرمون إلى قتله، فذبحوا يحي وشقوا أبيه زكريا، والآخر أنجاه الله منهم ورفعه إليه وشبَّهَ الله خصمه به فصلبوه بدلاً منه ظناً منهم أنهم تمكنوا منه ولكن هيهات.

السؤال البديهي الموجه إلى النصارى: لماذا إتخذتهم عيسى إلهاً ولم تتخذوا يحي إلهاً مثله،، وهو يشاركه في كثير من الخوارق التى إفتتنتم بها؟ فما هو دليلكم المادي أو المعلوماتي الذي بنيتم عليه هذا المعتقد الواهي الذي ليس هناك ما يؤيده ولا حتى من كتابكم المقدس؟ لماذا تزهدون في مصيركم الحتمي مقابل كلام لم يستطع الذين يروجونه لكم أن يثبتوه لأنفسهم قبل أن يثبتوه إليكم؟؟؟ واجهوهم الآن فلا تعطلوا عقولكم فإن إستجابوا لكم، وكان دليلهم مقنعاً لعقلائكم فبها وإلَّا،، فتكونون قد أضللتم أنفسكم بأنفسكم، ولن تضروا إلَّا أنفسكم عن علم، والله تعالى مستغنٍ عنا وعنكم وعن الخلق كله فهو قادر على أن يخلق مثله بل أفضل منه.

أخيراً، وبعد أن رددنا على فرية الباحث جيسس، فيما يتعلق بالآيات (كهيعص و حم عسق)، لم يبق لنا فيها سوى الآية الأخيرة المجنى عليه وهي: (حم عسق) فاتحة سورة الشورى، التي سنناقشها لاحقاً في موضوع خاص منفصل، بعد أن فرغنا من الآية الكريمة المعجزة (كهيعص)، وقد ناقشنا النذر اليسير منها وكان تركيزنا على حقيقة عيسى عليه السلام نسباً وخلقاً ودوراً وعبوديةً ونبوة ورسالة وبشارة.

تحيتنا وإحترامنا للقراء الكرام

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13س(ألم، كهيعص1):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ن (آل عمران):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (رد على تعليقات):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (طس، طه):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ل):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ك) رد على تعليقات بعض القر ...
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (ياء):
- حوار العقلاء2 (ردود):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ط):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ح):
- حوار العقلاء:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ز):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(و):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ه):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (د):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ج):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ب):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(أ):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ج):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ب):


المزيد.....




- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن اغتيال قيادي كبير في -الجماعة الإسلامي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13ع (ألم، كهيعص2):