أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (طس، طه):















المزيد.....



سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (طس، طه):


بشاراه أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 4509 - 2014 / 7 / 11 - 23:14
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


فواتح السور (الحروف المقطعة)، آيات الله البينات المحكمات XI:


ألآن،، سنواصل عرض فصول "السرقة الكبرى" بالرد على إفتراءات ذلك الباحث، الشاذ الذي عكس صورة مأساوية بغيضة للتجني على الآخرين بدم بارد.

وسنواصل تعقبنا وتفنيدنا ثم ردنا على إفتراءات ذلك الباحث المعتدي وزمرته، وقد وقفنا في موضوعنا السابق (سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13«ل»)، على جزء من إدعاءات الباحث في مجموعته (السادسة) المفتراة على آيات الله البينات ("يس" و "طس" و "طه")، وقد تناولنا هناك الحديث عن الآية الكريمة المعجزة (يس)، وإستمعنا فيها لشهادة سورة "يس" نفسها، التي شهدت للنبي الكريم محمد بأنه من المرسلين، وأقامت الدليل على ذلك وضمنته بتحدٍ معجزٍ مفتوح مفحم.

إذاً،، فلنستأنف الحوار مع "سورة النمل"، أيضاً لتخبرنا عن بعض ما عندها من بيان وإبيان عن "فاتحتها" تلك الآية الكريمة (طس)، ليرى القاريء الكريم بنفسه ضحالة الفكر، وبشاعة الإفتراءات وخزيها وعارها على أصحابها المحبطين.

***************************( ب ) ********************************

طبعاً قبل أن ندخل في حوارنا مع السورة الكريمة، علينا أن نلفت النظر إلى ما قاله أهل الكتاب أنبيائهم:
أولاً: عن نبي الله داود عليه السلام، بما لا يليق بمكانته وقدره وفضله،
ثانياً: عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام، خاصة وأن سورة النمل هذه لها علاقة مباشرة بما قالوه في حقه ظلماً وعدواناً وإفتراءاً وتحريفاً، فبرأه الله مما قالوا، بل وكشف عظيم إيمانه وكريم فضله وورعه ومقامه وقربه من ربه وخالقه.

لقد أخذنا على عاتقنا عهداً بألَّا نأتي بالنصوص إلَّا موثقةً ومن مصادرها التي ليس عليها خلاف لدى أصحابها،، فبالنسبة لنا فإن مصدرنا الأساسي هو القرآن الكريم مباشرةً، بجانب ما صح من سنة نبينا الخاتم، صلى الله عليه وسلم. أما بالنسبة للأطراف الأخرى التي نحاججها فإننا نعتمد على نصوص (كتبهم المقدس)، لأنه "حسب ظننا" هي المرجع المتفق عليه لديهم إلى حد ما،، ولن نتعامل مع أي مرجع آخر من كتب لاهوتهم إن إعتمدوه وإقترحوه هم بديلاً أو موازياً لكتابهم المقدس لديهم. وأعتقد أن هذا يمثل قمة الإنصاف والتوازن المنطقي.

أولاً: لنر ماذا قالت كتبهم المقدسة لديهم عن نبي الله داؤد عليه السلام؟
1. خيانة الجار بالتلصص على عورته و الطمع في عرضه:
جاء في سفر صمويل ثاني، إصحاح 11: (1- وَكَانَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ، فَأَخْرَبُوا بَنِي عَمُّونَ وَحَاصَرُوا رَبَّةَ. وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ،، 2- وَكَانَ فِي وَقْتِ الْمَسَاءِ أَنَّ دَاوُدَ قَامَ عَنْ سَرِيرِهِ وَتَمَشَّى عَلَى سَطْحِ بَيْتِ الْمَلِكِ، فَرَأَى مِنْ عَلَى السَّطْحِ امْرَأَةً تَسْتَحِمُّ. وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ جَمِيلَةَ الْمَنْظَرِ جِدّاً.).

2. الغدر وفعل الفاحشة مع حليلة جاره، فحملت منه "سفاحاً" ... (حاشاه عليه السلام):
(3- فَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَسَأَلَ عَنِ الْمَرْأَةِ، فَقَالَ وَاحِدٌ: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَثْشَبَعَ بِنْتَ أَلِيعَامَ امْرَأَةَ أُورِيَّا الْحِثِّيِّ؟» ،، 4- فَأَرْسَلَ دَاوُدُ رُسُلاً وَأَخَذَهَا، فَدَخَلَتْ إِلَيْهِ فَاضْطَجَعَ مَعَهَا وَهِيَ مُطَهَّرَةٌ مِنْ طَمْثِهَا. ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى بَيْتِهَا،، 5- وَحَبِلَتِ الْمَرْأَةُ، فَأَرْسَلَتْ وَأَخْبَرَتْ دَاوُدَ وَقَالَتْ: «إِنِّي حُبْلَى».)،

3. الخسة والإحتيال والغدر بالجار الغافل ومحاولة نسبة حمل السفاح إليه:
(6- فَأَرْسَلَ دَاوُدُ إِلَى يُوآبَ يَقُولُ: «أَرْسِلْ إِلَيَّ أُورِيَّا الْحِثِّيَّ». فَأَرْسَلَ يُوآبُ أُورِيَّا إِلَى دَاوُدَ،، 7- فَأَتَى أُورِيَّا إِلَيْهِ، فَسَأَلَ دَاوُدُ عَنْ سَلاَمَةِ يُوآبَ وَسَلاَمَةِ الشَّعْبِ وَنَجَاحِ الْحَرْبِ،، 8- وَقَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: «انْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ وَاغْسِلْ رِجْلَيْكَ». فَخَرَجَ أُورِيَّا مِنْ بَيْتِ الْمَلِكِ، وَخَرَجَتْ وَرَاءَهُ حِصَّةٌ مِنْ عِنْدِ الْمَلِكِ،، 9- وَنَامَ أُورِيَّا عَلَى بَابِ بَيْتِ الْمَلِكِ مَعَ جَمِيعِ عَبِيدِ سَيِّدِهِ وَلَمْ يَنْزِلْ إِلَى بَيْتِهِ،،

4. المكر والخداع والتحايل:
10- فَقَالُوا لِدَاوُدَ: «لَمْ يَنْزِلْ أُورِيَّا إِلَى بَيْتِهِ». فَقَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: «أَمَا جِئْتَ مِنَ السَّفَرِ؟ فَلِمَاذَا لَمْ تَنْزِلْ إِلَى بَيْتِكَ؟»,، 11- فَقَالَ أُورِيَّا لِدَاوُدَ: «إِنَّ التَّابُوتَ وَإِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا سَاكِنُونَ فِي الْخِيَامِ، وَسَيِّدِي يُوآبُ وَعَبِيدُ سَيِّدِي نَازِلُونَ عَلَى وَجْهِ الصَّحْرَاءِ، وَأَنَا آتِي إِلَى بَيْتِي لِآكُلَ وَأَشْرَبَ وَأَضْطَجِعَ مَعَ امْرَأَتِي! وَحَيَاتِكَ وَحَيَاةِ نَفْسِكَ لاَ أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ»,، 12- فَقَالَ دَاوُدُ لِأُورِيَّا: «أَقِمْ هُنَا الْيَوْمَ أَيْضاً، وَغَداً أُطْلِقُكَ». فَأَقَامَ أُورِيَّا فِي أُورُشَلِيمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَغَدَهُ.)،

5. معاقرة الخمر (أم الكبائر) يسكر هو ومن معه:
(13- وَدَعَاهُ دَاوُدُ فَأَكَلَ أَمَامَهُ وَشَرِبَ وَأَسْكَرَهُ. وَخَرَجَ عِنْدَ الْمَسَاءِ لِيَضْطَجِعَ فِي مَضْجَعِهِ مَعَ عَبِيدِ سَيِّدِهِ، وَإِلَى بَيْتِهِ لَمْ يَنْزِلْ.)،

6. العزم على التخلص منه وتصفيته جسدياً، لستر الفضيحة (تنزه نبي الله داود عن كل ذلك الإفتراء):
(14- وَفِي الصَّبَاحِ كَتَبَ دَاوُدُ مَكْتُوباً إِلَى يُوآبَ وَأَرْسَلَهُ بِيَدِ أُورِيَّا,، 15- وَكَتَبَ فِي الْمَكْتُوبِ يَقُولُ: «اجْعَلُوا أُورِيَّا فِي وَجْهِ الْحَرْبِ الشَّدِيدَةِ، وَارْجِعُوا مِنْ وَرَائِهِ فَيُضْرَبَ وَيَمُوتَ»,، 16- وَكَانَ فِي مُحَاصَرَةِ يُوآبَ الْمَدِينَةَ أَنَّهُ جَعَلَ أُورِيَّا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي عَلِمَ أَنَّ رِجَالَ الْبَأْسِ فِيهِ,، 17- فَخَرَجَ رِجَالُ الْمَدِينَةِ وَحَارَبُوا يُوآبَ، فَسَقَطَ بَعْضُ الشَّعْبِ مِنْ عَبِيدِ دَاوُدَ، وَمَاتَ أُورِيَّا الْحِثِّيُّ أَيْضاً.)،

7. إتمام فصول الجريمة النكراء وأركانها التي لا تليق بأنبياء الله ورسله:
توالت الأحداث البشعة،،، إلى أن ققالوا: (27- فَلَمَّا سَمِعَتِ امْرَأَةُ أُورِيَّا أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أُورِيَّا رَجُلُهَا نَدَبَتْ بَعْلَهَا،، 28- وَلَمَّا مَضَتِ الْمَنَاحَةُ أَرْسَلَ دَاوُدُ وَضَمَّهَا إِلَى بَيْتِهِ، وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً وَوَلَدَتْ لَهُ ابْناً. وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ.).

ربــــــي!!!!!! قد أعلمتنا بأنك (الصَّبُوْرُ)، فعلمنا وشهدنا... فتجليت بالصبر فأبهرتنا، فما أصبرك على مثل هذا الإفك والجور على أصفيائك وكرام خلقك؟؟؟ ..... وماذا أعددت لهؤلاء السفهاء السفلة المجرمين؟؟؟

إذاً،، فلنستمع لبعض ماذا قاله الله تعالى عن نبيه داود في القرآن الكريم؟
أيُعقل "بأي حال من الأحوال" أن يسكت الله تعالى عن مثل هذه الأفعال والإفتراءات الخسيسة الخبيثة،، دون أن ينزه عبده ونبيه وصفيه عن مثل هذه الإتهامات البشعة، ويبين فضله ويرفع قدره؟؟؟ ..... لا والله لم يسكن عليها، فأنظر مثلاً إلى ما جاء عن نبيه الكريم "داود" عليه السلام في سورة ص، حيث قال تعالى لنبيه محمد "الذي تعرض أيضاً لما تعرض له أخوته نوح، وإبراهيم، ولوط، وموسى، وداود، وسليمان، وعيسى"، وأمره بالصبر على قومه، فقال له: (اصْبِرْ عَلَىٰ-;- مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ «« إِنَّهُ أَوَّابٌ »» 17)، ليس ذلك فحسب، بل ومؤكدا على عظيم فضله فقال:

1. (إِنَّا « سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ » يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ 18)،
2. (وَ « الطَّيْرَ مَحْشُورَةً » - كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ 19)،
3. (وَ « شَدَدْنَا مُلْكَهُ » وَ «« آتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ »» 20).

فماذا قال الله تعالى عن حكمته وعدله وورعه؟
قال في ذلك، مخاطباً نبيه الكريم محمد: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ 21)؟ لم يدخلوا عليه من باب المحراب، بل دخلوا عليه من فوق السور فأفزعوه، قال: (إِذْ دَخَلُوا عَلَىٰ-;- دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ « خَصْمَانِ بَغَىٰ-;- بَعْضُنَا عَلَىٰ-;- بَعْضٍ » - فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَىٰ-;- سَوَاءِ الصِّرَاطِ 22)، نحن لا نريد أن نلحق بك ضرراً، وإنما جئناك نحتكم إليك في الخصومة التي بيننا، وهي: (إِنَّ هَٰ-;-ذَا أَخِي « لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ » - فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا - « وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ » 23). فأحدهم (المعتدي) قد أخذ نعجة أخيه الوحيدة، ولم يكتف بما عنده من نعاج كثيرة، بل لقد شدد عليه وأغلظ في الخطاب معه.

فأصدر نبي الله داود حكمه في القضية، على الفور، هكذا: (قَالَ « لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَىٰ-;- نِعَاجِهِ » - « وَ إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىٰ-;- بَعْضٍ » « إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ » « وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ » ...), ولكن لعل ورع داؤد عليه السلام جعله يتشكك في هذا الحكم المتسرع، فخشي ألَّا يكون قد وفق في حكمه، وخشي مغبة ذلك أمام الله تعالى، فقال تعالى مصوراً هذا الموقف الذي أصبح فيه نبيه داود: (... وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ 24)، لمجرد الظن فقط لجأ إلى الإستغفار، والركوع، والإنابة إلى الله تعالى، فأثنى الله تعالى عليه وقال: (فَغَفَرْنَا لَهُ ذَٰ-;-لِكَ «« وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ-;- وَحُسْنَ مَآبٍ »» 25).

أيعقل أن يأتي هذا النبي "الورع، الأواب، كثير الركوع إلى ربه،،،" أو يصدر منه مجرد التفكير العابر في قصة جاره " أُورِيَّا"، التي جسدت كل أنواع الخسة والغدر والفجور والظلم؟ .... لا والله،، حاشاك يا نبي الله داؤد، يا من قال فيه أخيه وإمامه محمد الخاتم (رحم الله أخي داود، فإنه كان يأكل من عمل يده)، على الرغم من أنه ملك تحت يده كنوز الذهب والفضة والأموال، ومع ذلك كان يعمل "حداداً"، تعففاً وزهداً في مال الرعية، فرحمه الله تعالى بأن "ألان له الحديد"، فأصبح في يده كالصلصال.

ثانياً: وماذا قال كتابهم المقدس أيضاً عن نبي الله سليمان بن داؤد عليهما السلام؟
لقد وصفوف بصفات لا تليق بأنبياء الله الكرام، وبلغ بهم التجني عليه حتى أعلنون كافراً بالله تعالى، ومن بين هذه التهم المفتراة عليه ما يلي:
1) الوله بالنساء والجري وراءهن والإفتتان بهن:
جاء في سفر ملوك أول، إصحاح 11: (1- وَأَحَبَّ الْمَلِكُ سُلَيْمَانُ نِسَاءً غَرِيبَةً كَثِيرَةً مَعَ بِنْتِ فِرْعَوْنَ: مُوآبِيَّاتٍ وَعَمُّونِيَّاتٍ وَأَدُومِيَّاتٍ وَصَيْدُونِيَّاتٍ وَحِثِّيَّاتٍ)،،

2) معصيته لرب بني إسرائيل والعمل بعكس ما أمر به:
2- مِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ قَالَ عَنْهُمُ الرَّبُّ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: "لاَ تَدْخُلُونَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ لاَ يَدْخُلُونَ إِلَيْكُمْ، لأَنَّهُمْ يُمِيلُونَ قُلُوبَكُمْ وَرَاءَ آلِهَتِهِمْ". فَالْتَصَقَ سُلَيْمَانُ بِهَؤُلاَءِ بِالْمَحَبَّةِ،، 3- وَكَانَتْ لَهُ سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ. فَأَمَالَتْ نِسَاؤُهُ قَلْبَهُ،،

3) ميل القلب إلى الشرك وعبادة آلهة أخرى من دون الله تعالى - (حاشاه أن يفعل هذا):
4- وَكَانَ فِي زَمَانِ شَيْخُوخَةِ سُلَيْمَانَ أَنَّ نِسَاءَهُ أَمَلْنَ قَلْبَهُ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى، وَلَمْ يَكُنْ قَلْبُهُ كَامِلاً مَعَ الرَّبِّ إِلَهِهِ كَقَلْبِ دَاوُدَ أَبِيهِ، 5- فَذَهَبَ سُلَيْمَانُ وَرَاءَ عَشْتُورَثَ إِلَهَةِ الصَّيْدُونِيِّينَ وَمَلْكُومَ رِجْسِ الْعَمُّونِيِّينَ،،

4) المجاهرة بالشر وإتباع الهوى وعدم مخافة مقام ربه:
6- وَعَمِلَ سُلَيْمَانُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَلَمْ يَتْبَعِ الرَّبَّ تَمَاماً كَدَاوُدَ أَبِيهِ،، 7- حِينَئِذٍ بَنَى سُلَيْمَانُ مُرْتَفَعَةً لِكَمُوشَ رِجْسِ الْمُوآبِيِّينَ عَلَى الْجَبَلِ الَّذِي تُجَاهَ أُورُشَلِيمَ، وَلِمُولَكَ رِجْسِ بَنِي عَمُّونَ،، 8- وَهَكَذَا فَعَلَ لِجَمِيعِ نِسَائِهِ الْغَرِيبَاتِ اللَّوَاتِي كُنَّ يُوقِدْنَ وَيَذْبَحْنَ لِآلِهَتِهِنَّ،، 9- فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ،،
10- وَأَوْصَاهُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ،، 11- فَقَالَ الرَّبُّ لِسُلَيْمَانَ: "مِنْ أَجْلِ أَنَّ ذَلِكَ عِنْدَكَ، وَلَمْ تَحْفَظْ عَهْدِي وَفَرَائِضِيَ الَّتِي أَوْصَيْتُكَ بِهَا، فَإِنِّي أُمَزِّقُ الْمَمْلَكَةَ عَنْكَ تَمْزِيقاً وَأُعْطِيهَا لِعَبْدِكَ،، 12- إِلاَّ إِنِّي لاَ أَفْعَلُ ذَلِكَ فِي أَيَّامِكَ، مِنْ أَجْلِ دَاوُدَ أَبِيكَ، بَلْ مِنْ يَدِ ابْنِكَ أُمَزِّقُهَا،، 13- عَلَى أَنِّي لاَ أُمَزِّقُ مِنْكَ الْمَمْلَكَةَ كُلَّهَا، بَلْ أُعْطِي سِبْطاً وَاحِداً لاِبْنِكَ، لأَجْلِ دَاوُدَ عَبْدِي، وَلأَجْلِ أُورُشَلِيمَ الَّتِي اخْتَرْتُهَا.

لم يسلم نبي ولا رسول من كيد هؤلاء المرضى المعتوهين،، فجرأتهم على الله وأنبيائه ورسله وكتبه لا يحدها حد ولا يعترضها منطق. فكان إتهامهم لنوح وإبنه، ولوط وبناته، وموسى نفسه، وعيسى وأمه، وزكريا وإبنه يحي، وكذلك النبي الخاتم محمد وهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم. ولكن الله تعالى لهم بالمرصاد، وقد وعد الله تعالى أنبياءه ورسله بالإنتصار لهم وتعزيزهم وتكريمهم، وشاءت حكمته أن يكون ذلك في أعلى قمته على لسان خاتم أنبيائه ورسله محمد بن عبد الله وذلك بما أوحاه الله تعالى له من قرآن أكمل به للبشر دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام ديناً لا يقبل من أحد غيره، من الكتب السابقة التي نسخها فأنسهاها لما لحقها من إعتداءات وتحريفات وحذف وإضافة ودس وتدنيس وتدليس,,, الخ.

ترى!! هل يستقيم عقلاً أن يسكت الله تعالى عن هذه الإفتراءات على هذا النبي الكريم (سليمان بن داؤد) عليهما السلام؟؟؟ هل يعقل أن يدع الله هذا السفه والإفتراء على أصفيائه يمر هكذا دون أن يبطله وينسخه وبيبن زيفه؟؟؟ ...... لا والله لا يمكن ذلك أبداً أبداً.

ماذا عن ورع سليمان وإيَابِهِ الغريب العجيب؟؟؟
فلننظر ماذا حكى الله في سورة ص عن نبيه الكريم سليمان، قال: (وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ « نِعْمَ الْعَبْدُ » - « إِنَّهُ أَوَّابٌ » 30). فقدم الله بهذه الآيات صورةً عمليةً تطبيقيَّةً لهذا النوع الغريب من الإياب المدهش المذهل، فحكى عن ذلك قال: («« إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ »» 31). تلك الجياد العربية الأصيلة، التي لا يمكن لملك في مقام وقدر سليمان، (يعرف قيمتها وفضلها وأهميتها لملكه) أن يُفرِّطَ في واحدٍ منها بأي ثمن، فقد كانت كثيرة العدد، كريمة النوع وأصيلة المنبت، وقد وصفها الله تعالى إجمالاً بقوله "... الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ ..."، وهذه أهم العلامة المميزة لهذا النوع الجيد العالي الجودة من الجياد، ولأن هذا العرض المهيب والمفرح المغري قد إستغرق وقتاً طويلاً دخل فيه وقت عبادته وذكره لله (دون قصد أو تهاون) خشي أن يكون هذا التأخير محسوباً عليه، مؤاخذاً فيه من الله تعالى، فكره العرض برمته والمعروض كذلك، فإنقلب الفرح والسعادة حزناً وندماً وخوفاً، بل ولم يكتفِ بالإستغفار فقط، وإنما قرر التخلص من هذه الجياد كلها وعلى الفور لعلها تكون كفارةً مقبولةً من رب الأرباب سبحانه وتعالى،

كيف كان هذا الإياب، وكم كان الثمن والمقابل له؟؟؟
أنظر ماذا فعل نبي الله سليمان، بعد أن عاتب نفسه،، لم يكتفِ بذلك: (فَقَالَ «« إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي!!»» - حَتَّىٰ-;- تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ 32). فبعد أن إنتهى العرض وإختفت الجياه من أمامه وتوارت، أمر بأن يعيدوها عليه مرةً أخرى، قائلاً: («« رُدُّوهَا عَلَيَّ!!»» - « فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ » 33)، ذبحها كلها وقسم لحمها إلى الفقراء كفارة لتأخيره وقت ذكره لله تعالى.

ثم ماذا بعد؟،، وكيف كان حال سليمان أمام فتنة الله له؟؟؟
إختبر الله عبده سليمان، قال تعالى: (وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ-;- كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ 34)، فهو عادةً لا يتوانى في التوبة والإنابة إلى الله تعالى، كأبيه داود عليهما السلام: (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ 35)، والدليل على قربه من الله وفضله عنده أنه قد إستجاب له على الفور ووهب له الملك الذي طلبه،، فالله تعالى - مبيناً ذلك - قال:

1. (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ 36)،
2. (وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ 37)،
3. (وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ 38)،

وبعد كل هذا العطاء السخي غير المحدود، قال له أيضاً لا قيود عليك فيما أعطياك فالتصرف فيه موكول لك، وأنت غير مؤاخذ فيما تفعله فيه، قال: (هَٰ-;-ذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ 39)، هذا فقط عطاء الدنيا، وأما ما ينتظره في الآخرة من فضل وجزاء قد أجمله الله تعالى بقوله: (وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ-;- وَحُسْنَ مَآبٍ 40).

فالقرآن الكريم لم يقف عند حدود سورة "ص"، هذه فيما يتعلق بأنبيائه الكرام داود وسليمان عليهما السلام وإنما كرر ذكرهما في سور أخرى كلها تشهد لهما بالفضل والمكانة العالية السامقة. ومن هذه السور الكريمة ما جاء في سورة "النمل"، التي تناول فيها نبي الله سليمان من جانب آخر يؤكد قدر هذا النبي وورعه ومكانته عند الله تعالى،، بل وبين براءته مما وصفه به أهل الكتاب ظلماً وعدواناً.

***************************************************************

الآن إلى رحاب سورة النمل:
هذه السورة الكريمة التي تبدأ أيضاً بأحرف مقطعة في مطلعها، وهي أحرف من نور ساطع حيث أنها ترمز إلى آيات غاية في الإعجاز والعجب الذي تضمنته قصة الطير بصفة عامة والهدهد بصفة خاصة، فجاءت تلك الحروف المقطعة دليلاً على أن هذا القرآن من لدن حكيم خبير، وأن آياته أحكمت ثم فصلت من الخالق سبحانه وتعالى، ولان الحروف الكريمة مع ترميزها للآية/الآيات المقصودة فهي أيضاً تشير إليها منذ البداية بإسم الإشارة "تلك"، وأنها ليست آيات القرآن فحسب، بل ايضاً أيات كتاب مبين آخر، المقصود به (كتاب سماوي سابق). فإليك إنسياب أيات هذه السورة الكريمة من بدايتها وتتبعها إلى حيث تشير تلك الحروف المقطعة لنصل إلى قمة العجب وذروة الإعجاز.

ونُذَكِّرِ السادةَ القراءَ والسيداتِ بأننا قد أكدنا في موضوعنا السابق على أن السورة عبارة عن وحدة موضوعية ومنطقية متكاملة بآياتها، فلا يجوز أخذ الآية الواحدة أو بعض الآيات منفصلة (إذا أردنا الوصول إلى الهدف ألعام للسورة الكريمة)، لذا سأبدأ حواري مع سورة النمل هذه من بدايتها لأن الآية المعنية هنا (طس)، تقتضي ذلك حتى يمكن الوصول إلى (بعض إضاءات مدلولاتها) بالقدر الذي يسمح لنا به الله تعالى تفضلاً منه.

يقول سبحانه وتعالى (طس ...)، هي مكونة من (صوت الحرف "ط") و (إسم الحرف "سين")، التي نرمز بها ونشير إلى آية عظيمة ستجدها ضمن آيات هذه السورة، ( ... تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ ...) ليس هذا فحسب ، بل أيضاً (... وَكِتَابٍ مُّبِينٍ 1)، تلك الآيات من القرآن والكتاب المبين إنما هي: (هُدًى وَبُشْرَىٰ-;- لِلْمُؤْمِنِينَ 2) الملتزمين بأركان الإسلام، هم أولئك:

1. (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ...) ،
2. (... وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ...)،
3. (... وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ 3).
أولئك هم المعنيون بالهدى والبشرى.

ثم قال عن الكافرين والمكذبين بالمقابل: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ ...)، قد مكرنا بهم فاستساغوا أعمالهم السيئة، لذا: (... زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ ...) فهم يتخبطون في عالم الضلال والغفلة بلا هدى ولا بصيرة: (... فَهُمْ يَعْمَهُونَ 4). فأستحقوا على ذلك سوء العذاب في الدنيا، (أُولَٰ-;-ئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذَابِ ...)، والخسران المبين في الآخرة (... وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ 5).

فبعد هذا البيان المفصل قال لنبيه الكريم: (وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ 6) لا شك في ذلك. فحدد له من بداية السورة أصناف البشر من حيث الإيمان بالله ونقيضه، فحصرهم في نوعين وبين جزاء كل نوع:
1. المؤمنون به، فجعله هدىً وبشرى لهم،
2. وغير المؤمنين به، فبين أن لهم سوء العذاب في الدنيا، وأنهم في الآخرة هم الأخسرون،

قصة موسى مع الرسالة، ثم مع فرعون وآله:
بدأ الله تعالى القصص بنبيه الكريم موسى بن عمران عليه السلام، قال: (إِذْ قَالَ مُوسَىٰ-;- لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ...) فأبقوا في إنتظاري حيث أنتم، سأذهب لأرى خبر تلك النار لعلي أجد عندها ما يهديني إلى الطريق أو على الأقل أخذ قبس منها لكم للتدفئة من هذا الجو البارد، (... سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ 7) من البرد، فهو لا يدري ما الذي ينتظره عندها هناك، لذا قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ...)، (... وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 8﴾-;- هذا أول شيء سمعه هناك، ثم خاطبه ربه مباشرة قائلاً له بإسمه: (يَا مُوسَىٰ-;- إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 9).

وسأعطيك برهان على ذلك لتطمئن وتصدق، وكان يحمل عصىً، فقال له: (وَأَلْقِ عَصَاكَ ...)، ففعل ما أُمِرَ به وألقاها، فتغير حالها على الفور وتحولت إلى ثعبان ضخم، قال: (... فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ ...) خاف خوفاً شديداً، ثم هرب منها، قال الله عنه: (... وَلَّىٰ-;- مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ ...)، فقال له ربه مطمئناً: (... يَا مُوسَىٰ-;- لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ 10)، في الأساس، بإستثناء الظالم منهم، قال: (إِلَّا مَن ظَلَمَ ...) وأدرك نفسه واستقام بعد ذلك: (... ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ ...) فعسى أن أغفر له ظلمه ذاك، وهذا ليس بغريب: (... فَإِنِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ 11).

فالعصا كانت أول الأيات لك يا موسى، وإليك بالآية الثانية: (وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ ...)، فهذه هي الآية الثانية من تسع آيات سيعطيكها الله تعالى تأييداً لك، قال: (... فِي تِسْعِ آيَاتٍ ...) إذهب بها: (... إِلَىٰ-;- فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ ...) لتبلغهم رسالتي لهم: (... إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 12).

تكذيب فرعون وآله لموسى وكيف كانت عاقبتهم:
ولكن، لم يستطع موسى إقناع فرعون وآله بالرسالة التي كلفه بها ربه وقد عرض عليهم كل الآيات البينات المعجزات التي تؤكد صدقه ولكِنْ لمْ يُجدِ ذلك نفعاً معه، قال تعالى عنهم: ( فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً ...) واضحة للعيان، بينةً، لا لبس فيها،، لم يكذبوا ويعارضوا فحسب، بل: (... قَالُوا هَٰ-;-ذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ 13) ومع أنهم في قرارة أنفسهم قد صدقوا بالآيات وأيقنوا بأنها الحق من ربهم ولكنهم رغم ذلك جحدوا بها وأنكروها، أكد ذلك قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ...)، ليس لهم ما يبرر هذا الجحود، وإنما كان ذلك: (... ظُلْمًا وَعُلُوًّا ...)، لمجرد الظلم والكبر والفساد ليس إلا، ولكن الله تعالى لم يتركهم وظلمهم وجحودهم، بل عاقبهم على ذلك: (... فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ 14﴾-;- من العذاب الشديد والخسران الذي وقع بهم.

فما الغاية من ذكر قصة رسالة موسى من بدايتها؟ وما علاقة نبي الله سليمان بها؟ وما الإشارة أو الغاية التي ستقوم بها في سبيل الوصول إلى بعض مقاصد (طس)؟؟؟ ..... فلنز ذلك فيما يلي:

الآن جاء دور ذكر سليمان بن داود عليه السلام منذ أن ورث أبوه داود:
القصة الثانية تحكي عن غرائب قصة سليمان بعد أن ورث أبيه داوود عليهما السلام، ولما لهذين النبيين من فضل وحكم وعلم، ولما بهذه القصة من أحداث غاية في الغرابة والإعجاز كانت كافية لأن يرمز الله لها بحرفين اثنين من الحروف المقطعة، ويضعها فاتحةً في مطلع هذه السورة الكريمة.

صور الله تعالى هذه القصة بقوله: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا ...)، فلم يُضِنَّا على الله بالحمد والشكر: (... وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَىٰ-;- كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ 15). هذه هي الصفة الجامعة بين هذين النبيين الكريمين بعد الأبوة والبنوة التي تربطهما رحماً وغاية ودور، إلى أن توفى الله الأبِ داؤودِ، قال تعالى: ( وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ...) مُلْكَاً وعِلمَاً وحِكْمَةً وفضل ونبوة،

ما قصة الطير مع سليمان؟ ولماذا التركيز عليه بهذه الصورة المتكررة المتتابعة؟؟؟
1. خاطب سليمان الناس: (... وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ « الطَّيْرِ » ...)، بحيث نسنطيع مخاطبته وفهمه وتوجيهه حيث نشاء، ليس ذلك فحسب، بل: (... وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ...﴾-;- فضلاً كريماً كبيراً من عند الله ، (... إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ 16).

2. ولأن الطير كان عنصراً هاماً وفعالاً في كيان مملكة سليمان الواسعة، كان لا بد أن يذكر ضمن جنود الملك الفاعلين في جيشه الكبير، لذا قال تعالى عنهم: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ ...) من ثلاث أنواع:
(أ): (... مِنَ الْجِنِّ ...) عفاريت ومردة ، ثانياً
(ب): (... وَالْإِنسِ ...) على إختلاف مملهم ،
(ج): (... « وَالطَّيْرِ » ...) (... فَهُمْ يُوزَعُونَ 17).
وقد ذكر الله الطير للمرة الثانية، لأنه سيكون له دور مشهود في هذه القصة،

كل هذا الجيش المتنوع التكوين كان متحركاً في مهمة ما: (حَتَّىٰ-;- إِذَا أَتَوْا عَلَىٰ-;- وَادِ النَّمْلِ ...)، وكان عددهم كبير، خشي النمل من أن يهلكه هذا الجيش بإقدام جنوده وآلياتهم الحربية، ومن ثم: (... قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ ...) خشيةً عليهم من الخطر المقبل، حتى: (... لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ ...) ليس عمداً لأن سليمان نبي الله تعالى لا يمكن أن يفعل ذلك برعيته، لذا استدركت النملة قائلةً: (... وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ).

فسمعها نبي الله سليمان، وفهم ما قالت، وإستدراكها بإستبعاد إحتمال تحطيم النمل قصداً وعمداً: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِّن قَوْلِهَا ...)، (... وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ-;- وَالِدَيَّ ...) ليس ذلك فحسب ، بل (... وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ...) أيضاً (... وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ 19). فهنا أكثر من ملحظ نذكر منه ما يلي:
أولاً: لعل قول النملة الذي سمعه نبي الله سليمان من مقاصده الواضحة أن الله تعالى يريد أن يبين بطريقة عملية مدى سعة ملك سليمان، وأنه ليس فقط علم منطق الطير، بل في الحقيقة فهو يعلم منطق مخلوقات أخرى غيره، من ضمن ذلك الشياطين ومردة وعفاريت الجن،، فكان تعليمه منطق الطير إضافة إلى علمه السابق، وبالتالي لن يكون غريباً أن يتحاور مع الطير (الهدهد)،
ثانياً: كان شاكراً حامداً لله تعالى (على عكس ما بهته به بنوا إسرائيل)، دائم التقرب إلى الله تعالى،
ثالثاً: كان عظيم رجائه من الله تعالى أن يشمله في رحمته ويدخله بها في عباده الصالحين، وهذا يعني أنه كان قريباً من ربه ودائم التقرب إليه ويلهج لسانه بشكره وتمجيده،

ثم عاود الله ذكر الطير "بصفة خاصة" وللمرة الثالثة، فماذا يعني هذا التكرار والتركيز على الطير بالذات؟
لاحظ أن نبي الله سليمان، عندما تفقد كتائب الجيش المكونة من الطير لم يقع بصره على الهدهد "تحديداً"، فأزعجه ذلك كثيراً وتوعده بأشد العقاب الذي قد يصل إلى الذبح إن لم يكن العذاب الشديد، قال تعالى مبيناً هذا الموقف: ( وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ...) هل هو موجود ولكنني أنا الذي لم أستطع رؤيته؟ (... أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ 20)؟؟؟ ولم يأت للطابور صلاً، ودون إخطار أو إستئذان؟

فإذا كان من الغائبين فعلاً، لن أغفر له ذلك التقصير،، قال: (لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ ...)، إذاً هذا الهدهد ليس طيراً عاطلاً وإنما هو ذو شأن كبير، وفي إنتظاره مهمة كبيرة أيضاً يوشك الملك سليمان أن يكلفه بها ولضرورتها وأهميتها وإلحاحها لم يجد بداً من أن يتوعده بهذه العقوبة القاسية، ولن ينقذه منها إلَّا تقديم تبرير معقول ومقبول لدى سليمان، لذا قال: (... أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ 21).

لماذا كل هذا الإهتمام والتركيز على "الطير" من دون أصناف الجيش الأخرى؟ وما أهمية هذا "الهدهد"، لدرجة أنه أصبح الشغل الشاغل للملك هو معرفة تحركاته وأحواله بهذه الدرجة من الحزم؟؟؟ فهل يريد الله تعالى أن يلفت نظر المتدبر ويشوقه لمعرفة ما ستخلص إليه الأحداث عند ظهور هذا الهدهد أمام مليكه مرة أخرى، وهل سيستطيع تقديم ذلك (السلطان المبين) الكافي لإقناع الملك سليمان، أم سينفذ حكمه عليه إما بالعذاب الشديد أو بالذبح؟؟؟

في الواقع، أن نبي الله سليمان لم يدم إنتظاره لظهور الهدهد طويلاً الذي ظهر أمامه سريعاً، لقوله تعالى: (فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ ...) فظهر أمامه الهدهد شامخاً، واثقاً من نفسه غير خائف من العاقبة، خاطب مليكه سليمان بثبات وقوة: (... فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ...) من الأنباء الغريبة والخطيرة التي لم تحطها أنت نفسك علماً أيها الملك، بل: (... وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ 22). فقد وجدت أخطاءً كبيرة ترتكب في سبأ لا ينبغي السكون عليها ولن ترضى أنت نفسك عنها، لذا آثرت أن آتيك بالخبر اليقين حتى لو تعرضت إلى خطر العقوبة أو الذبح:
1. أولاً: (إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ ...)، وكانت مملكتها غنية وعظيمة: (... وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ...)، وكان سلطانها كبير: (... وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ 23),
2. ثانياً، وجدتها هي وقومها مجوساً، يعبدون الشمس ويسجدون لها، من دون الله تعالى، قال: (وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ ...)، وهذا أمر لا يمكن السكوت عليه، (... وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ ...) فأفسد عليهم فطرتهم وباعد بينهم وبين الحق والهدى: (... فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُو نَ 24)، وأنا أعلم أنك لن ترضى بهذا التجاوز ولن تسكن عليه أو تهادن فيه.
ملاحظة قبل المواصلة، ألا يلفت نظرك التركيز على ذكر الطير مراراً وتكراراً هكذا؟
1. ... وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ «« الطَّيْرِ »» ...
2. وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَ «« الطَّيْرِ »» ....
3. وَتَفَقَّدَ «« الطَّيْرِ »» فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ... ؟؟؟
ألم تلحظ التركيز على المهمة التي قام بها الطير (الهدهد)، والأحداث المتلاحقة والمتصاعدة التي أصبحت محوراً في هذا الجزء من السورة؟
أليست مملكة "سبأ"، هي موقع الأحداث المتصاعدة والمتلاحقة التي أصبحت محط إهتمام الملك نبي الله سليمان، ومحط أنظار الجميع؟ وقد أصبح أمرها يتصاعد وأهميتها تتعاظم؟

إذن ما هي قصة هذا الطير (الهدهد) في مملكة سبأ؟؟
قبل المواصلة، عليك عزيزي القاريء أن تستحضر معك ما إفتراه أهل الكتاب عن نبي الله سليمان بإتهامه بعشقه للنساء والإكثار منهن (700 إمرأة من الحرائر، و 300 إمرأة من الإيماء)، ثم إتهامه بأنه قد مال قلبه إليهن وإتبع أديانهن وعبد آلهتهن من الأوثان، بل بلغ إدعاءهم ذورته بقولهم (ولم يعد الله راضياً عنه)، بمعنى أنه كفر بالله: (طبعاً حاشاه أن يكون كذلك)، ولكن إستحضار هذه التهم الباطلة يلزمنا، لأن نبي الله سليمان عليه السلام على وشك أن يقابل وجهاً لوجه ملكةً ذات جمال ومال وسلطان، وهذا يعني أنها تتمتع بصفات مغرية لكل مهتم بمثل هذه المغريات، على الرغم من أن عيبها هو أنها مجوسية (تعبد الشمس)، فإذا كان نبي الله سليمان كما قال عنه أهل الكتاب لا يعبأ بهذا المأخذ، وأنه عبد آلهة نسائه،، إلى آخر هذه الخزعبلات، فما الذي يمنعه من أن يتغاضى عن مجوسية هذه المرأة "المغرية" بما تتمتع به من مناقب، وما دام أنها تتمتع بكلتلك المغريات التي تستهويه؟؟ وفي هذه الحالة "المنطق يقول" بأن سلوكه بالطبع سيكون مهادنة ومقاربة وتسامح. ولكن هل كان موقف نبي الله سليمان هكذا؟؟؟ .... فلنتابع لنرى.

لقد كان أمر ملكة سبأ وقومها مزعجاً مقلقاً مستهجناً من الهدهد، إذ كيف جاز لهؤلاء القوم أن يسجدوا لغير الله؟ ... قال: (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ 25)، وهل هناك غير إله واحد: (اللَّهُ لَا إِلَٰ-;-هَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 26)؟ هذا حال غير مقبول وغير معقول.

وها قد جاء الهدهد بالسلطان المبين الذي طلبه منه سليمان عليه السلام، ولكن سليمان أرجأ الحكم عليه أو له حتى يتأكد أولاً من صدق روايته التي أوردها: ( قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ 27).
المسألة ليست بهذه السهولة، على الرغم من أن الهدهد كان محل ثقة سليمان عليه السلام، بدليل أنه قد كلفه دون غيره بمهمة غاية في الدقة والحساسية، فقال له: (اذْهَب بِّكِتَابِي هَٰ-;-ذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ 28). إذاً نبي الله سليمان لم يكذبه لشخصه ولكنه اراد أن يتأكد من الحقيقة بنفسه ومن ملكة سبأ وقومها مباشرةً.
أليس الطير في هذه القصة له شأن عظيم لدى سليمان ؟

1) أول مرة يذكر فيها الطير في قول سليمان (... يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ ...) ،
2) ثاني مرة في قوله تعالى وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ،
3) ثالث مرة في قوله تعالى عن سليمان وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ ،

أليس هذا دليل قاطع على أهمية الطير وأهمية دوره ؟ لدرجة أن سليمان قد توعد الهدهد بأقصى درجات العقوبة التي قد تصل إلى القتل زبحاً لمجرد الظن في غيابه ساعة التمام، مما يدل على أنه كان يريده لمهمة عاجلة وهامة لا تتحمل التأخير أو التأجيل.
إن كان ذلك كذلك ، ألا يستحق هذا الطير الذي هو بهذه الأهمية والقدر أن يرمز له بحرف واحد من اسمه يوضع في مطلع السورة تنبيهاً للقاري المتدبر أن يتحرى أمره ويقف على عظيم سره ؟
أليست المهمة الخطيرة التي تصدى لها الهدهد كانت عناصرها كلها وأحداثها في مملكة سبأ باليمن؟ ولأهميتها وحراجة وقتها العاجل عرض ذلك الهدهد الشجاع نفسه للعقوبة والقتل إن لم يقدم برهاناً كافياً يرتضيه سليمان ويعتمده.
أليست "سبأ" بما فيها من أحداث ومخالفات عظيمة من ملكة سبأ وقومها لا بد من وقفة عندها؟
ألا تستحق أن يؤخذ من حروفها ليرمز به في مطلع السورة لموقع الآية التي تتضمن قصة الهدهد معها؟
إذن،، فقد أُخِذَ الحرف (طَّ) من كلمة (الطَّيْرَ) من الآية (وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ...) ، وأخذ الحرف (س) من كلمة (سَبَإٍ) من الآية (... وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ) فتكونت الحروف المقطعة (طس) التي لعلها تشير إلى عبارة (الطير في سبأ)، ثم وضعت في مطلع هذه السورة الكريمة المتضمنة هذه القصة الفريدة بأحداثها المثيرة ، وإحكامها المعجز.

هل تتابع الأحداث بهذه السورة الكريمة يؤكد هذا المعنى؟؟ فلنتابع معاً لنرى كيف تطورت:
لا شك في أن الهدهد قد قام بالمهمة التي كلفه بها مليكه، دليل على ذلك تصرف ملكة سبأ عندما ألقى إليها الهدهد بكتاب سليمان:
1) أخبرت ملئها بالكتاب الذي ألقي إليها: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ 29)،
2) ذكرت لهم مصدره، فقالت: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰ-;-نِ الرَّحِيمِ 30)،
3) ثم بينت لهم غايته، وهي أن سليمان في كتابه قال لهم: (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ 31)،
طرحت الموضوع الخطير على مجلس الأمة (البرلمان)، لتناقش وتدرس معهم الخيارات المتاحة والمخاطر المترتبة على كل خيار وتداعياته،، فبدأت حديثها معهم: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ-;- تَشْهَدُونِ 32).

فطمئنوها بأنها تستطيع الإعتماد عليهم، وبينوا لها جاهزيتهم لتنفيذ كل الخيارات التي تراها هي مناسبة: (قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ 33)، وواضح أنها كانت ذات حكمة وبعد نظر وحنكة سياسية تبعدها عن القرارات الثورية المتهورة: (قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰ-;-لِكَ يَفْعَلُونَ 34)، فقرار الحرب أو التصعيد ليس هو القرار الصائب، لمخاطره العالية،، فما دام أنكم أيها الملأ واثقون من أنفسكم وجاهزيتكم للتعامل مع الخيارات الصعبة،، علينا أن نبدأ أولاً بسلاح التروي والدبلوماسية لعلها تكفينا خطر المغامرة، لذا بينت لهم خيارها الأول بقولها: (وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ 35)، لمناقشته معهم وليحظى قرارها بمواقفتهم عليه فوافقوها فيما رأت، بل وشرعوا في التنفيذ، فأرسلوا بهديتهم لسليمان.

ولكن،، ما هو موقف سليمان من خيار ملكة سبأ وكيف كانت ردة الفعل على الطرفين:
واضح أن نبي الله سليمان قد أزعجه رد مملكة سبأ، وأنها قد إستهانت بخطورة المسألة وسوء الفهم، فقد كان طلبه منهم محدداً للغاية وهو قوله لهم (أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)، فليس في هذا الأمر تقديم هدايا ومغريات، فإما الإجابة الكاملة أو الرفض، وهذا يعني الإنتقال إلى المرحلة التالية التي يراها سليمان،، قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّا آتَاكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ 36)، هذه الهدية مرفوضة، فكان للهدهد الدور الأساسي هنا أيضاً، فهو على ما يبدوا يقوم بدور وزير الخارجية. فأمره مليكه سليمان بأن يحمل رده وتهديده لملكة سبأ وملئها، فقال له: (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ 37).

وقد أدرك سليمان أنهم هذه المرة لن يجدوا بداً من الإستسلام لأنهم يدركون عظيم ملكه وتنوع جيشه وقوته، فتوقع قدونهم إليه لا محالة، لذا أراد أن يختبر ذكاء الملكة ويفاجئها بعرشها ماثلاً أمام سليمان، فوجه أوامره لملئه: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ 38)؟ (قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ 39)، ولكن هناك في الملأ مَنْ هو أقوى من عفريت الجن وأسرع وأقدر: (قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَٰ-;-ذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ 40).

ثم بدأت مراسيم إستقبال وفد ملكة سبأ: (قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ 41)، (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰ-;-كَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ 42)، (وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍ كَافِرِينَ 43)، (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 44).

الخلاصة تنحصر في الملاحظات الآتية:
الآيات التي تخص نبي الله سليمان من قوله تعالى: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ-;- وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ ۖ-;- إِنَّ هَٰ-;-ذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ 16)، وحتى الآية (ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ 37). ثم إلى قوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُّمَرَّدٌ مِّن قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ 44). كل أحداث هذه القصة تتمحور في الآتي:

أولاً: التأكيد على أن نبي الله سليمان بريء مما قال المبطلون، فهو قمة الإيمان والورع وسريع الإياب وكثير الإستغفار من الله تعالى،

ثانياً: تضمت دراسة حالة a case study، كاملة الأركان ومستوفية البيان وعالية التفصيل، غايتها إثبان موقف نبي الله سليمان عليه السلام، وعدم تهاونه في مسألة التوحيد وسلامة العقيدة،، وأنه أبعد ما يكون من المغريات من نساءٍ ومال وجاه سلطان،

ثالثاً: بطل هذه الحالة هو الطير بصفة عامة والهدهد بصفة خاصة، ودوره الأساسي في كل هذه الأحداث، فهو الذي حرك الأحداث بوعيه الكامل وحرصه الشديد على القيام بواجبه على أكمل وجه، بل هو الذي عرض نفسه للقتل فلم يكترث للعاقبة ما دامت الغاية تستحق التضحية، فكان السبب في إسلام ملكة سبأ وقومها، إذ أن سليمان نفسه بكل قدراته لم يكن له علم بما كان يدور في هذه المملكة. فإستحق هذا الهدهد أن يكرم في شخصه، بل ويكرم بسببه كل أبناء جنسه (الطير)، فيكون ذكره في فاتحة سورة النمل بقوله تعالى (طس)، (الطير في سبأ).

رابعاً: هذه القصة على الرغم من أن القرآن هو الذي ذكرها، ولكنها قصة متعلقة بآل الكتاب وبالتالي كانت دقة الآية وإحمامها في قوله تعالى (طس تِلْكَ آيَاتُ « الْقُرْآنِ » وَ « كِتَابٍ مُّبِينٍ » 1).

خامساً: هذه القصة وردت في سياق سورة بها عدد من الأنبياء،
1) بدأت بقصة موسى عليه السلام مع عدو الله فرعون ذي الأوتاد،
2) ذكر فيها داود ووريثه سليمان عليهما السلام،
3) ثم ذكر نبي الله صالح، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ-;- ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ 45).
4) ثم ذكر نبي الله لوط عليه السلام قال: (وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ 53)،

فالسورة تزخر بما فيها من عبر ومعجزات ليس المقام مناسباً لحوارها، لذا سنكتفي بهذا القدر بعد أن بلغها ما قصدناه من بيان لما أشكل على الكثيرين وهذا ليس لنا فيه أي فضل بل الفضل لله تعالى الذي أنزل علينا القرآن محكماً، ثم فصله تفصيلاً فهنيئاً لأهل القرآن به ولعلها حسرة لمن زهد فيه وطلب الهدى في غيره.

***************************( ج )**** ****************************
سورة طه:
هذه السورة الكريمة أيضاً من السور التي تبدأ بحروف مقطعة تشير بوضوح ترميزاً لآية أو آيات معجزات داخل السورة الأمر الذي يقتضي أن توضع لها رموز دالة على مكانها لا يمكن تحقيق ذلك إلا عن طريق الدراسة الدقيقة لروح السورة وأهدافها العليا وذلك بالتفكر والتدبر الجادين .

تبدأ هذه السورة بمخاطبة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم مؤكدة له بأن الله تعالى لم ينزل إليه هذا القرآن ليشقيه ويتعبه ، وإنما لأهداف وغايات محددة وحتمية هي توفير فرصة التذكرة لكل من يخشى ربه . ويذكره بفضله على العباد ومقتضيات حقه عليهم، ثم يعرض عليه قصة موسى عليه السلام منذ أن رأي النار المقدسة ، ثم خاطب ربه وتلقى عنه الرسالة، ثم تتالي وتوالي الأحداث الكبيرة والغريبية بعد ذلك مما يوفر للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم تجارب الأنبياء الذين سبقوه من أولي العزم مثل موسى الذي يشبهه في ذلك، لأن فرعون وآله كانوا أكثر الناس عداوةً لله ورسله،، وكذلك الحال بالنسبة للنبي محمد في مواجهته للمشركين ومن هم أشرس منهم هم أهل الكتاب بصفة عامة واليهود بصفة خاصة.

يقول سبحانه وتعالى:
ستعرف ، يا محمد ، من مدلولات الآيات التي رمزنا لها بالحرفين ( طه 1)، أن القرآن الذي أنزلناه عليك لم يكن عبثاً أو لنشقيك به، سنؤكد لك أنه ليس لهذا أو لذلك، بل هو لغاية وهدف سامٍ، (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ-;- 2)، وسيتأكد لك أننا لم ننزله عليك: (إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ-;- 3)، لأنه جاء: (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى 4)، ثم بعد خلقهن: )الرَّحْمَٰ-;-نُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ-;- 5)، فهو مالك كل شي سوءً أكان ذلك الخلق ظاهراً أم خفياً: ) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَىٰ-;- 6)، فهو يستوي عنده الجهر بالقول أو السر أو ما هو أخفى من السر: ( وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى 7) لأنه يعلم كل شيء دون إستثناء: ( اللَّهُ لَا إِلَٰ-;-هَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى 8) فأدعوه بها.

هل سمعت يا محمد بقصة نبي الله موسى أو حدثك بها أحد من قبل؟
قال: ( وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ-;- 9)، عندما كان سائراً بأهله فرأي ناراً أمامه؟ ( إِذْ رَأَىٰ-;- نَارًا ...)، وهم حينئذ في أمس الحاجة للعون والمساعدة، فطلب من أهله أن ينتظروه في مكانهم حتى يرى ما شأن تلك النار التي قد يجد عندها من يدله على الطريق أو على الأقل يأتي منها بقبس لتدفئة أهله بها من البرد القارس الذي كانوا فيه: (... فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى 10)، وهو لا يدري حقيقة ما ينتظره عندها من عجائب وغرائب، فلما إقترب منها سمع من يناديه بإسمه: )فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ-;- 11(، ومن كان يناديه عرفه بنفسه، قال له يا موسى: (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى 12)، وقد أخترتك لتكون نبياً ورسولاً فأستمع لما سأوحيه إليك من توجيهات، (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىٰ-;- 13),

أولاً: ( إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰ-;-هَ إِلَّا أَنَا ...)، آمن بذلك، ثم أكد ذلك الإيمان وأتبعه بالعمل: (... فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي 14)،
ثانياً: إعلم يقيناً: ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ...)، ولكنني لن أظهرها للناس عياناً بياناً لأنني: (... أَكَادُ أُخْفِيهَا ...)، عن العباد قصداً، وإن أظهرت اشراطها، (... لِتُجْزَىٰ-;- كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَىٰ-;- 15)، فأحذر غواية الكافرين لك من الذين لا يؤمنون بها ويتبعون أهواءهم فتقع في المحذور وتهلك معهم: (فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لَّا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ-;- 16).

وهل علمت يا محمد من قبل بالحوار الذي دار بين الله تعالى وعبده موسى؟
لقد سأله تعالى عمَّا كان يحمله في يده قال: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَىٰ-;- 17)، ليركز إنتباهه إلى ما سيكون من شأن لتلك التي يحملها في يده، أجاب: (قَالَ هِيَ عَصَايَ - « أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا » وَ« أَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ-;- غَنَمِي » وَ « لِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى » 18).

فأمره الله تعالى أن يلقي بها إلى الأرض: ( قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَىٰ-;- 19)، فما أن نفذ ما أُمِرَ به حتى رآها قد تغيرت إلى شيء آخر مختلف عمَّا كانت عليه، قال: (فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَىٰ-;- 20)، لم يقل "كالحية" وإنما قال "حية تسعى"، فخاف موسى خوفاً شديداً لما رأها كذلك وهي تتحرك ولكن الله طمأنه وأمره أن لا يخاف لأنه سيعيدها إلى ما كانت عليه من قبل: ( قَالَ خُذْهَا وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَىٰ-;- 21)، وستكون لك آية تؤيدك في دعوتك: ( وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ-;- جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَىٰ-;- 22).

ولكن،، ما الغاية من كل هذه الآيات التي زود بها موسى؟؟؟
الغاية من هذه الآيات: (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى 23). فالآن خذها وأذهب إلى فرعون وبلغه عني ما أرسلتك به لأنه قد بلغ من الفساد ما لا يمكن السكوت عليه أكثر من ذلك، قال: (اذْهَبْ إِلَىٰ-;- فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ-;- 24). إذاً مهمة موسى الأساسية هي محارةب الطغيان،، (طغيان فرعون).

ظن موسى عليه السلام أن المهمة التي تنتظره صعبة ومعقدة، وأنها ستحتاج منه إلى أدوات ولوازم وقدرات ذاتية غير تلك الآيات، وهو يشعر في قرارة نفسه أنها غير متوفرة في شخصه، فتضرع إلى ربه أن يمده بها،
1. (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي 25)، فالأمر يحتاج إلى سعة صدر وقدر كبير من الصبر أكثر بكثير مما لديه،، فهو يعرف نفسه جيداً،
2. (وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي 26﴾-;-، فالأمر يحتاج إلى مساعدة وتيسير في نواحٍ كثيرة، لا أراها متاحة لي،
3. (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي 27)، فأنا عندي مشكلة في البيان باللسان لما به من إشكالية تحول دون ذلك، حتى يمكنني أن أبلغهم بلغة مفهومة للمبلغين عني فأحتاج ذلك كي: (يَفْقَهُوا قَوْلِي 28)، ليس ذلك فحسب ، بل المهمة التي كلفتني بها أكبر من قدراتي وبالتالي أحتاج إلى عون لي يدعمني وأتقوى به في مجابهة المكذبين:
4. (وَاجْعَل لِّي وَزِيرًا مِّنْ أَهْلِي 29)، ليدعمني ويساعدني ويقف بجانبي عند الشدائد، وأنسب شخص لهذه المهمة بالتحديد هو: ( هَارُونَ أَخِي 30)، لذا: (اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي 31)، فهو أهل لذلك، بل: (وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي 32)، لا أن يكون دوره ثانوياً بل شريكاً في كل شيء، فهذه الشركة ستوفر لنا كل ما يلزمنا: (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا 33)، بل: (وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا 34)، هذا أقل ما يمكننا تقديمه لك والتقرب به إليك: (إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيرًا 35).

كيف كانت إستجابة الله تعالى لكل هذه المطالب المتعددة؟؟؟
إستجاب الله له على كل ما طلب، رغم علمه بأنه لن يحتاج إلى كل ذلك لأنه هو بذاته معه يسمع ويرى: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَىٰ-;- 36)، بل: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ-;- 37). ألم تتذكر:
1. (إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ-;- أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ-;- 38)؟ ، فقلنا لها: (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ ...)،
2. وقد رعيتك رعاية تامة: (... وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ-;- عَيْنِي 39)، من أجل مهمة إخترتك لتنجزها كما ينبغي، ليس ذلك فحسب، بل مننت عليك أكثر فأكثر،
3. وتذكر: (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ-;- مَن يَكْفُلُهُ ...)، بعد أن حرمنا عليك المراضع، تمهيداً لإعادتك لأمك مرة أخرى رأفة بها: (... فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ-;- أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ...)،
4. ( ... وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا ...) ، (... فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ...) ، (... ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ-;- قَدَرٍ يَا مُوسَىٰ-;- 40).
5. (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي 41)، واخترتك للرسالة وأيدتك ودعمتك بأخيك.
ورغم كل هذه المخاطر التي كنت فيها قد أنجاك الله تعالى منها، بل ورباك في بيت عدوك وعدوه آمناً مطمئناً، ولم يكن يعلم فرعون أنك ستكون له حزناً، وستكون سببا في غرقه وهلاكه.

ما هي إذاً الغاية من إختيار موسى وتكفله بكل هذه العناية والإعداد، ودعمه بأخيه هارون؟
الغاية هي إرسالهما إلى فرعون الطاغية، الذي تكبر وتجبر وإستعلى، لذا قال الله تعالى لموسى وأخيه: (اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي)، فأول تكليف لكما مستعجل وخطير، هو التصدي للظلم والجبروت والطغيان: (اذْهَبَا إِلَىٰ-;- فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ-;- 42)، ولكن توخيا الحذر في دعوته، إذهبا إليه بلين وهدوء وترغيب: (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ-;- 43(. ولكن،، ولأنهم يعرفون طغيان فرعون وكبره وجبروته وعناده، وشراسته: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَىٰ-;- 44)،

ولكنه طمئنهما سبحانه وتعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ-;- 45)، لا تخافا، بل أثبتا: (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ ...)، فالمطلوب منك إطاعته في ما أمر: (... فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ...)، هذه هي الغاية الأساسية لمهمتنا، وسنقدم لك الدليل من ربك على صدقنا: (... قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ-;- مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَىٰ-;- 46)، إن تصدقنا وتطيعناً فهذا خير لك: (إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَىٰ-;- مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ-;- 47). فسأل فرعون موسى وهارون متهكماً: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ-;- 48)، فجاءه الرد من موسى: ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ-;- كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ-;- 49). فاستدرك فرعون على موسى: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَىٰ-;- 50)؟؟؟ ،،،، الخ.

1. أليست مهمة موسى الأولى والأساسية والخطيرة هي دعوة فرعون إلى طاعة الله تعالى وترك طغيانه وعدوانه على بني إسرائيل وتعذيبه لهم؟ .... لقوله تعالى لهما: (اذْهَبَا إِلَىٰ-;- فِرْعَوْنَ إِنَّهُ « طَغَىٰ-;- » 42)،
2. ألم يقل موسى وهارون لربهما: (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن « يَطْغَىٰ-;- » 44)،
3. ألم يقل موسى وهارون لفرعون (... قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَىٰ-;- مَنِ اتَّبَعَ « الْهُدَىٰ-;- » 46 )،
4. ألم يسأل فرعون موسى وهارون متهكماً: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ-;- 48)، فجاءه الرد من موسى: ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ-;- كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ « هَدَىٰ-;- » 49).
على هذا الأساس يكون الطغيان من جانب فرعون حيث ورد في عبارتين هما: (إنه طغى)، و (أن يطغى)، في مقابل الهداية من جانب موسى وهارن وقد وردت في عبارتين أخريين هما: (اتَّبَعَ الْهُدَىٰ-;-)، و (ثُمَّ هَدَىٰ-;-). وعليه نخلص من ذلك إلى كلمتين هما: (طغى و هدى) كما يلي:
1. أُخِذَ الحرف "ط" من كلمة طغى من قوله تعالى (اذْهَبَا إِلَىٰ-;- فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ-;- 42)،
2. وأُخِذَ الحرف "ه" من كلمة "هدى" من قوله تعالى: ( قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ-;- كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ-;- 49).
إذن الآية (طه 1) في سورة (طه)، إنما ترمز إلى آيتين كريتتين هما الآية رقم "42" والآية رقم "49".
وعليه يا محمد،، نذكرك بحال موسى قبلك، عندما أرسلناه إلى فرعون الطاغية المتجبر الشرس، أيضاً ظن أنه سيشقى بهذه الرسالة وطلب الدعم بأخيه وحتى مع أخيه كانا خائفين من أن يفرط عليهم وأن يطغى،، ولكن الله تعالى قد هداهما إلى بر الأمان،، ففرعون طغى ولكن الله هدى رسله (طه)، ولم يكن هناك مبرر لخوفهما وتوجسهما ولم يشقيا بالرسالة كما كانا يظنان،، وكذلك الحال معك يا محمد (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَىٰ-;-2)، كلا ليس الأمر كذلك وإنما هي: (إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَىٰ-;- 3)، وهي بالطبع: (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى 4).
نقف عند هذا الحد والله تعالى أعلم، ونسأله أن يقبله منا عملاً خالصاً لوجهه الكريم.

تحية طيبة للقراء الكرام

بشاراه أحمد



#بشاراه_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ل):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ك) رد على تعليقات بعض القر ...
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (ياء):
- حوار العقلاء2 (ردود):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ط):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ح):
- حوار العقلاء:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ز):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(و):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13(ه):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13 (د):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ج):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(ب):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 13(أ):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ج):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(ب):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء 12(أ):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء11:
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء10(ب):
- سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء10(أ):


المزيد.....




- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - بشاراه أحمد - سأصليه سقر... لواحة للبشر – جزء13م (طس، طه):