أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - صلب انطوان حنا














المزيد.....

صلب انطوان حنا


طوني سماحة

الحوار المتمدن-العدد: 4525 - 2014 / 7 / 27 - 10:22
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


وقعت الصورة تحت نظري صدفة و انا أقرأ الاخبار عبر مواقع التواصل الاجتماعي. رجل مصلوب يبدوعليه أنه فقد الحياة. وجهه مطلي بالدم و مائل على كتفه. ليس من السهل تحديد عمره بسبب الدم على وجهه و انحناء رأسه إنما قد يكون في نهاية العشرينات و بداية الثلاثينات من عمره. عرّفت عنه مواقع عدة بأنه "أنطوان حنا" أحد مواطني الشمال السوري و بالتحديد ريف حلب. و بحسب هذه المواقع تم صلب انطوان من قبل إسلاميين لأنه رفض تغيير دينه. طبعا هناك كالعادة من شكك في القصة و الصورة و هناك من أثبت صحتها.
لن أدخل في جدال تقليدي لإثبات الصورة أو عدمها. ليس مهما إن كان أنطوان حنا صاحب الصورة أم لا. لن أناقش بربرية الصالبين و لن أطالب حتى جمعيات حقوق الانسان و الدول الكبرى التي يبدو لا يعنيها أو يهمها من الشرق الاوسط سوى بتروله. لن أدخل في جدال تقليدي حول حرية العقيدة و احترام حياة الانسان. لا يهمني ان كان صاحب الصورة مسلما، مسيحيا، ملحدا أم يهوديا، بل كل ما يهمني أن ثمة رجلا معلقا على الصليب في منظر يشمئز منه أي إنسان لديه مقدار حبة خردل من الشعور فيما يقف حوله مجموعة من الرجال و الاطفال يتأملون المشهد و كأنه أمر طبيعي. و بين الأطفال الخمسة او الستة الذين تجمهروا حول الصليب لفت نظري صبيا ربما لم يتجاوز العشرة أعوام و هو يضحك و كأنه يشاهد عرضا للأطفال.
ترى ماذا يصنع هذا الطفل في هذا الجحيم؟ لماذا تراه يبتسم في مكان تطرق له قلوب الرجال العتاة؟ لماذا زالت عن وجهه الرهبة التي يفرضها الموت على المشاهد؟ أين أبوه و أمه منه؟ كيف سمحا له بالتوجه الى مكان مثل هذا؟ ما هو تأثير هذا المشهد على حياة هذا الصبي حاضرا و مستقبلا؟ ما الذي تعلمه من حضوره في هذا المكان؟ ما هي القيم التي حصل عليها هذا الطفل من خلال هذه الممارسة التي أقل ما يقال فيها أنها شاذة و حيوانية (و الحيوانات بريئة من هكذا عمل) ؟ هل نحن نرى في وجه هذا الطفل الذي يفترض أن يكون بريئا صورة مصغرة لابن لادن مستقبلي؟
قارات العالم الستة تشدد على ان مكان الطفل الطبيعي هو المدرسة و ان مستقبله يبنى على صفحات الكتب و ان ابداعه يبدأ بتعلمه اساليب الحوار و النقاش و النقد و المقارنة و التمييز و اتخاذ القرار الصائب... إلا في بلدي. ففي بلدي مكان الطفل الطبيعي هو ساحة المعركة و مستقبله يبنى على اصوات الدماء و بين اصوات المتفجرات و ابداعه يبدأ في تعلمه كيفية قتل الآخر و التفنن في طرق تعذيبه.
معظم سكان الارض يبدأون نهارهم مع أولادهم بإفطار صحي يليه أوتوبيس ينقلهم الى مقاعد الدراسة حيث يمضون ما لا يقل عن ست ساعات يوميا في مناقشات و مذاكرات و مشاهدة برامج و ثائقية و فكرية... إلا في بلدي. ففي بلدي يتتلمذ الطفل على أيدي أبي الجماجم و أبي الموت حيث النقاش و الحوار ينحصر في تكفير الآخر و رفضه و قطع رأسه أو صلبه.
في الكثير من بلاد العالم يتعلم الطفل احترام حق الآخر في الحياة أكان هذا الآخر رجلا أم امرأة، أسمر اللون أم أبيض، مؤمنا أم ملحدا، غنيا أم فقيرا... إلا في بلدي. ففي بلدي يتعلم الطفل أنه أفضل من الآخر أولا لأنه صبي، و ثانيا لأنه ينتمي لدين أفضل من سائر الأديان، و ثالثا لأنه ينتمي الى عرق أسمى من سائر العروق حتى يصل به الغرور و الجهل الى انفصام في شخصيته حتى يظن نفسه ظل الله على الأرض و مطبقا لشريعته.
معظم أطفال العالم يبدأون يومهم على مقاعد الدراسة و يتدرجون ليتخرجوا من مدارسهم أساتذة و أطباء وعمالا وتجارا... إلا في بلدي. ففي بلدي يبدأ الطفل يومه على أصوات التحريض الديني و الإثني و العرقي ليتخرج متعصبا يحمل في قلبه نارا من الحقد و رغبة في القتل و الانتقام.
يؤسفني يا أطفال بلادي أن تكونوا ضحية الاجرام و الحقد و اللامبالاة و الاهمال، لكنني أخشى في الوقت نفسه أن تكبروا جلادين و صالبين و قاطعي رؤوس و أميين.
طبعا أنا لا أكتب عن كل الاطفال في بلادي، إنما عن أولئك الذين لسبب أجهله تجمهروا ليشاهدوا صلب إنسان و هم ضاحكون. أما لأنطوان حنا ماذا تراني أقول؟ أحيانا يكون الصمت عبارة عن تواطئ في الجريمة، لكنه يكون أحيانا بليغا حتى تعجز الكلمات عن التعبير عنه. ذاك هو صمتهم و هذا هو صمتي



#طوني_سماحة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثداء البقر فتنة
- داعشية تبني مجتمعا
- سيدي الخليفة
- أضرب يا عباس
- اضرب يا عباس
- إسمحي لي بقتلك لأنني بلا خطيئة
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثالث
- امرأة بنصف عقل و رجل بعقل كامل
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الثاني
- بين كندا و لبنان
- سيدي فخامة الرئيس ساركوزي
- أهلا سادتي الدواعش
- الزواج في المسيحية بين النظرية و التطبيق- الجزء الأول
- ديانا الترك ضحية جريمة الشرف
- التحرش الجنسي بين الثقافة و القيم المعاصرة
- الموت لمريم
- رسالة الى سعادة القاضي الذي حكم على مريم بالشنق
- سامحينا يا مريم
- مات القمر
- أنقذوا الطفولة


المزيد.....




- بوتين: ليس المتطرفون فقط وراء الهجمات الإرهابية في العالم بل ...
- ما هي القضايا القانونية التي يواجهها ترامب؟
- شاهد: طلاب في تورينو يطالبون بوقف التعاون بين الجامعات الإيط ...
- مصر - قطع التيار الكهربي بين تبرير الحكومة وغضب الشعب
- بينها ليوبارد وبرادلي.. معرض في موسكو لغنائم الجيش الروسي ( ...
- الجيش الإسرائيلي يقصف مواقع وقاذفات صواريخ لـ-حزب الله- في ج ...
- ضابط روسي يؤكد زيادة وتيرة استخدام أوكرانيا للذخائر الكيميائ ...
- خبير عسكري يؤكد استخدام القوات الأوكرانية طائرات ورقية في مق ...
- -إحدى مدن حضارتنا العريقة-.. تغريدة أردوغان تشعل مواقع التوا ...
- صلاح السعدني عُمدة الدراما المصرية.. وترند الجنازات


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - طوني سماحة - صلب انطوان حنا