أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - أمكنة الشعر














المزيد.....

أمكنة الشعر


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 4512 - 2014 / 7 / 14 - 12:58
المحور: الادب والفن
    



أين تكتب القصيدة؟، هو سؤال نادراً ما يطرحه المبدع على نفسه، بل ونادراً ما يطرحه الآخرون على الشاعر، لاسيما من قبل هؤلاء الذين هم على اطلاع على آلية إبداع الشعر، مادام أن ذلك يتعلق بحالة الشاعر، بروحه، برهافة أحاسيسه، بثقافته، بحالة الكمون لديه، بعمق تجربته، بسطوة المؤثر الخارجي الذي يدفعه إلى كتابة نصه الشعري، وهو بهذا عملية معقدة، وإن كان الشاعر المتمكن يسلس الشعر بين يديه، ويتعامل مع أدوات بناء قصيدته، كما كتلة من العجين، أو الصلصال، يصنع بهما ما يريد من قصائد تنبض بالإبداع والحياة.

ضمن هذه الرؤية لكتابة القصيدة، فإننا نجد أن العوامل التي تقدح شرارة الإبداع الشعري، منها ما هو داخلي، يتعلق بعالم الشاعر الداخلي، ومنها ما هو خارجي أيضاً، وإن كان لا يمكن في الحقيقة الفصل بين هذين المكونين للحالة الشعرية، على اعتبار أنهما متداخلان، لا يمكن الفصل بينهما البتة، إلا على نحو مخبري مجازي، كنتيجة للمقاربات الممكنة من خلفية الحالة الشعرية، وفيها من الافتراض بقدر ما فيها من الوقائع، ما يجعل البحث في هذا المجال مفتوحاً، غير محسوم البتة، بمعنى أن هناك من قد يضيف ما يرتئيه من عوامل يتكهن بها، أو يستشعرها، مقابل من يحذف مثل ذلك من العوامل التي تطرح على نحو نظري.

وطبيعي، أن المكان أحد هذه العوامل الخارجنصية التي يمكن التوقف عندها، لاسيما أن أغلب النقاد والباحثين في مجال الشعر، القديم منه والحديث، بل والحداثي، لا يتجاوزون البعد المكاني في الشعر، وذلك ليس من خلال منظور جغرافي فقط، وإنما من خلال رؤى خاصة، تتعلق بالمكان الفني الذي تظهر تأثيراته كلما انبثقت القصيدة عن حالة شعرية ناضجة، من النواحي الفنية، والثقافية، وعمق التجربة.


ولعل الشاعر الأصيل لا تخذله قصيدته أنى كان، في المنزل، أوفي مكان العمل، أوفي المطعم، وفي الحديقة، أو السجن، أوفي القطار والطائرة، في حله، وفي ترحاله، فهي حاضرة أنى توافرت شروطها، وتفاعلت في حوجلة الشاعر، وهذا ما يقدم الموهبة كشرط رئيس في كتابة الشعر، ناهيك عن شرط المهارة الذي يمكن أن يتحقق فيما إذا اتسمت التجربة لديه بالديمومة، وهي شرط أي فعل إبداعي.

تفاعل القصيدة مع المكان لا يتم إلا لدى الناص المتمكن من أدواته الشعرية، حيث يشكل جزءاً رئيساً من الفضاء النصي، بل يمنحه الحيوية، و يرفده بدفء اللون المكاني، وهو مرتبة متقدمة من الحالة الشعرية، لأنها لا يأتي على نحو عفوي، إنما نتيجة المراس، بل التشرب بالتجربة الحياتية، والانبجاس عنها، وهوماجعل باشلار" " يشير إلى "جماليات المكان"، هذه الجماليات التي يستشعرها المبدع في قصيدته، كما يفعل ذلك الروائي في روايته، والقاص في قصته، والتشكيلي في لوحته، والسينمائي في فيلمه، بل وحتى الموسيقار في سمفونيته، لأن الأعمال الفنية الموسيقية الخالدة، تنبت من تراب مكان فني، تحيل إليه، و تتواشج ، وتتجذرفيه، وهو السر في أننا نجسر روحياً، عبر مقطوعات موسيقية كثيرة إلى تواريخ، ووجوه، تشرّش في مكان محدد، وإن كان المكان-بهذا المعنى-لا يضع حواجزه الجمركية التي أسقطها اللحن، كما أسقطها الرسم، شأن الابتسامة، أو الأنة بغض النظر عن حديها الزمكانيين.





القصيدة أمكنة متوالدة:


إن أية قصيدة منسلخة عن مكانها، هي أشبه ب"وردة الأصيص البلاستيكية"، لا نكهة فعلية لها، حتى ولو استعان صانعها بآلاف أنواع العطور المصطنعة، وهي نتاج عقم، لا نتاج عافية، وموهبة، و إمكانات، وقدرات، وحساسية، لأن أية قصيدة لا منتمية إلى المكان، هي نسيج لغوي، مجاني، يتبهرج في خواء الإنشاء، والمعاني الجاهزة التي لا قيمة لها-شعرياً-إلا من خلال تفاعلها في وجدان الشاعر.

وكما أن الأدوات الفنية التي يستعين بها المبدع تتطور، تدريجياً، بتطور تجربته، فإن انعكاس المكان، من منظوره الفني في قصيدة الشاعر، لا يتم الوصول إليه إلا عبر مراس طويل، وتجربة عميقة، وحساسية شديدة، و هو هنا، حتى وإن كان فضاؤه الأول مكاناً معيناً، أو عيانياً، بل معايناً-على وجه الدقة- فإن له فضاء أوسع، هو أمكنة شتى، معاينة، أو متخيلة، يشكل مكان ما، فتح عليه الشاعر عينيه، أو انبهر به، و تأثر به، نواته الرئيسة، وهنا، فنحن أمام سلسلة لا متناهية من الأمكنة التي هي حصيلة اكتناز المرئيات في مخيلته، يضاف إليه، ما تمنحه لها هذه المخيلة، من امتدادات مكانية لا متناهية.



#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- برقية في ذكرى استشهاد المفكرالكردي د. عبدالرحمن قاسملو
- مابعد العبث:
- فوضى العماء:
- تحت جناحي عامودا.....!
- مارس دوره التنويري على أكمل وجه المفكرالكويتي خلدون النقيب أ ...
- ارجومنكم نشرهذه بدلا عن المنشورة وشكرا
- داعش ترحب بكم.....!:
- أستعيدُ أبي......!
- وحدة الخير وحدة الشر
- طفرة داعش: الواقع والآفاق
- بعد أن طرق بوابات الكرد بيده الملطخة بالعار والدم هل تكون كر ...
- ميشيل فوكو ثلاثون عاماً على الرحيل
- بعدأن طرق بوابات الكردبيده الملطخة بالعاروالدم: هل تكون كردس ...
- ماقبل الجاهلية:
- استبصارالعماء:
- تهويمات المثقف الزائف
- من قتل الكواكبي؟:
- نحومواجهة فقاعات داعش:
- مركزية الثقافي:
- خاتيرا xat îra*........!


المزيد.....




- إرث لا يقدر بثمن.. نهب المتحف الجيولوجي السوداني
- سمر دويدار: أرشفة يوميات غزة فعل مقاومة يحميها من محاولات ال ...
- الفن والقضية الفلسطينية مع الفنانة ميس أبو صاع (2)
- من -الست- إلى -روكي الغلابة-.. هيمنة نسائية على بطولات أفلام ...
- دواين جونسون بشكل جديد كليًا في فيلم -The Smashing Machine-. ...
- -سماء بلا أرض-.. حكاية إنسانية تفتتح مسابقة -نظرة ما- في مهر ...
- البابا فرنسيس سيظهر في فيلم وثائقي لمخرج أمريكي شهير (صورة) ...
- تكريم ضحايا مهرجان نوفا الموسيقى في يوم الذكرى الإسرائيلي
- المقابلة الأخيرة للبابا فرنسيس في فيلم وثائقي لمارتن سكورسيز ...
- طفل يُتلف لوحة فنية تُقدر قيمتها بخمسين مليون يورو في متحف ه ...


المزيد.....

- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري
- نحبّكِ يا نعيمة: (شهادات إنسانيّة وإبداعيّة بأقلام مَنْ عاصر ... / د. سناء الشعلان
- أدركها النسيان / سناء شعلان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - أمكنة الشعر