أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جواد كاظم غلوم - ضياعُ ذاكرة المكان














المزيد.....

ضياعُ ذاكرة المكان


جواد كاظم غلوم

الحوار المتمدن-العدد: 4494 - 2014 / 6 / 26 - 08:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ضياعُ ذاكرة المكان


يكاد يعتصر الألم قلبي حينما ارى بناءً مشيّداً غريبا جديدا يزيح معلما تأريخيا خالدا في ذاكرتنا مع ان هذا الاجراء يتكرر دائما لمحو حواضرنا التي كنّا نعدّها خالدة وها هي الان تندرس تدريجيا مثل اطلال عفا عليها الزمن بسبب الجهل الواضح في اهمية المكان بالنسبة للاجيال الحالية واللاحقة وكم أسفت عندما ارى بغداد وبقية المدن الاثرية الراسخة في القِدم تفقد عمارتها وميراثها الحضاري يوما بعد آخر خاصة في مراكز المدن القديمة ، كل ذلك بسبب الجهل باهمية التراث المعماري العراقيّ والتوسع العشوائي في البناء دون النظر الى قيمة الموروث الحضاري في هندسة البناء الذي شيّده أجدادنا وآباؤنا عمرانا يعيش في نفوسنا ويخلد في ذاكرتنا الفردية والجمعية
ويبدو ان الموروث الحضاري لعاصمتنا ومدننا مهدد بالزوال نظرا للتوسع غير المدروس والتمدد العمراني الذي لايعبأ بأهمية المكان كقيمة حضارية سواء من المسؤولين في امانة العاصمة او بلديات المحافظات التي يهمها امر الحفاظ على ارث المدن وصيانة معالمها
ويؤسفنا القول ان اجيالنا الحالية لم يتغلغل في اعماقها حبّ التراث المعماري والبناء العتيد الذي شيّده اسلافهم وهي غير معنية ببقائه وصيانته والحفاظ عليه بقدر مايهمها انشاء غابات من الاسمنت ترقد على صدور ابنيتنا العتيدة فتضيق بخناقها حتى تموت انتحارا ثقافيا مزيلة كل ماهو جميل في صروحنا المعمارية الاثرية الخالدة في نفوسنا بعد طمرها وجعلها انقاضاً تُرمى خارج التاريخ وشيئا فشيئا يتمّ نسيانها ومحوها من الذاكرة
ألم يدر بخلَد هؤلاء الاجيال الضالة التي نسيت تاريخها واهتمت بحاضرها فقط ان الاثر القديم هو روح الامة وعنوان خلودها وبقائها ، فلتنظروا الى مدن العالم العميقة الجذور في التاريخ مثل روما وباريس ولندن وغيرها من مدن الشرق ايضا حيث يمنع فيها بناء ايّ صرح حديث مهما كانت اهميته العمرانية والاقتصادية اذا تطلب الامر ازالة معلم تاريخي قديم ويمنع ايضا اقامة الابنية الحديثة بجانب الآثار التاريخية كالمتاحف والقلاع والأسوار والقصور القديمة ، ففي مراكز هذه المدن ووسطها لاتوجد ابنية مشيدة حديثة تشوه معالم المدينة القديمة وماعلى المستثمرين في مجال تجارة العقار الاّ الابتعاد عن هذه المعالم التراثية القيّمة وتشييد مايريدون في الضواحي البعيدة لتكون بمنأى عن هذه الصروح القديمة التي تمثل روح الشعوب وعنوان مجدها التليد ورمز من رموزها الذي يريدونه ان يبقى خالدا معبّرا عن حالة الزهو والشموخ في ارثها العمراني
ورغم قدم هذه الاماكن واحتمال تعرضها الى التلف بفعل تقادم الزمن ومؤثراته السلبية نجد أنّ هؤلاء يشمّرون عن سواعدهم لاجل صيانتها بين مدة وأخرى لتعود الى سابق عهدها مع الحفاظ على سماتها التاريخية الخالدة ونقوشها وزخارفها ومعالمها التي تتميز بها ، وقد اتيحت لنا قبلا فرصة زيارة تلك المدن والتجوال في شوارعها الضيقة والاطلاع على اماكنها العريقة فتحسّ انك تمشي وسط متحف وتتطلع الى جلالة التراث المعماري وفنونه عبر اجيال سبقتنا عصورا طويلة لكنها ظلّت محافظة على تميزها وتشير الى مراحل بنائها بكلّ فخر واعتزاز
ولا أخفي جزعي وغضبي حينما ازور مدينتي العتيدة النجف الاشرف بين الفينة والأخرى وأجول في شوارعها القديمة وادور حول ضريح الامام علي / عليه السلام فأكاد استشيط غضبا من تشوهات البناء الذي خرّب معالم مدينتي القديمة واشعر اني غريب لا اعرف مداخلها ومخارجها والى اين اسير ، وانا ابنها البار مولدا ومحتدا ومنبتاً ولااعرف تلك الملامح التي عهدتها في ارض الغريّ السمحاء اذ امّحت تلك الاماكن الاثرية الخالدة التي كانت تحيط بالصحن الشريف وأسائل نفسي ؛ اين اختفت ادراج محلّة العمارة وسوقها الاثير وأزقّتها الملتوية في ذاكرتي ومامصير ذلك السور القديم الذي كان يحمينا ويحيط ببيوتنا أمنا وسلاما وخلودا وأنا هنا أؤكد اني لست ضد الرقيّ العمراني وتوسعة مداخل ومخارج الصحن الشريف لكن الاماكن الاثرية الخالدة في ذاكرتنا كان لزاما ان تؤخذ بنظر الاعتبار لتبقى بدلا من هدمها وجعلها نسيا منسيا
ايها المسؤولون المعنيون ، هونا على ارثنا المعماري التليد ، حافظوا على هويتنا التاريخية المعمارية ، ابقوا شيئا من عبق الزخرف العراقي المتمثل في الشناشيل والنقوش الجميلة البارزة على جدران ابنيتنا الموغلة في العراقة ، اجعلوها ظاهرة للعيان لتؤنس انظارنا ونستريح لبروز معالمها ويكفينا تراكم الخراب العائم في ارضنا ونفوسنا ولاتجعلونا نحزن على موروثنا المعماري الذي أوشك ان يُمحى فقد شبعْنا بكاءً على احوالنا المزرية ولم نعد نحتمل البكاء على اماكننا العريقة الجميلة قبل ان تحيلوها طلولاً وتجرفوها رميا في حاوية النسيان
جواد غلوم
[email protected]



#جواد_كاظم_غلوم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نعم انتخبوا السيد الرئيس المُقْعَد
- انقذوا مسرح الرشيد ، نقولها للمرّة الألف
- المعوّقون في أرض السّواد
- هل أوقفَ الربيعُ العربيّ زحفَه
- حاشيةٌ ومستشارون
- نوّاب البرلمان العراقيّ أمسِ واليوم
- ممنوعٌ الدخول
- قصةٌ قصيرة بعنوان (سيرةٌ لمحزون يُدعى جبر )
- لماذا نحفرُ في الماضي لنردمَ الحاضرَ والمستقبل
- الحبّ يصنعُ السلام
- قصيدةٌ بعنوان ( أيّها العمْر )
- CV لجسدٍ متعبٍ يبحثُ عن وظيفةٍ في مشفى
- مباذلُ السلطة المطلقة وصولجان السلطان
- أهزوجةٌ مصابةٌ باليأس
- شكرا لزيارتك ساعي البريد
- انطباعات عن الشعر الإيرانيّ الحديث
- الانسان الحرباء
- زيّنوا بغداد بالفنّ الغرافيتي
- قصيدة نثر - المالُ والمُجون -
- هل الحورُ العين فائقات الجمال ؟!


المزيد.....




- بايدن على قناعة بأن ترامب لن يعترف بهزيمة في الانتخابات
- قائد -نوراد-: الولايات المتحدة غير قادرة على صد هجوم بحجم ال ...
- أبرز مواصفات iPad Pro 13 الجديد من آبل
- سويسرا ترصد 11 مليون دولار للأونروا في غزة
- الجيش الإسرائيلي: معبر -كرم أبو سالم- تعرض للقصف من رفح مجدد ...
- -يني شفق-: 5 دول إفريقية قررت إنهاء عمليات الشحن البري مع إس ...
- جبران باسيل لـRT: الهزيمة ستكتب لإسرائيل في حال انتقالها إلى ...
- ?? مباشر: بايدن يهدد بإيقاف إمداد إسرائيل بالأسلحة إذا اجتاح ...
- بايدن: لن نزود إسرائيل بالأسلحة إن دخلت رفح
- بايدن: القنابل التي قدمناها لإسرائيل استخدمت في قتل المدنيين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - جواد كاظم غلوم - ضياعُ ذاكرة المكان