فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 4481 - 2014 / 6 / 13 - 21:43
المحور:
الادب والفن
"إن غابَ، بحثت عنه العيونُ التي في طرفِها حوَرٌ. وافتقدته الجفونُ المُجهداتُ التي قَدَّ نومَها السهَرُ. إن سافرَ، سألته المآقي التي خفُتَ بريقُها: كيف تسافرُ قبل أن يدركنا البصرُ؟
إن تاخر عن موعده، لاحقه العميانُ يضربون الأرض بعصواتهم، متخبطين في الأزقّة والطرقات، حتى يشعروا بظّل مِبضعه يسقط على رؤوسهم المتعبة، فيبتسمون في وهنٍ، ثم يستسلمون لمشارطه وكيميائه.
سألني ديوجين، فيلسوف الإغريق: أين كان طبيبك في القرن الرابع قبل الميلاد، لو وجدتُه، ما كنتُ حملتُ مصباحي كالمجنون في وضَحِ النهار؛ لأبحث عن الحقيقة بعمائي! وليتني قد وجدتها! فهل وجدها طبيبُ العيون؟
***
تلك عيناي
اخلعْهما برفقٍ
ودثّرْهما في رقعةٍ حريرٍ بيضاءَ
ثم خُذْهما إلى معملِك.
دقِّقْ بمنظارِكَ الطبيّ
أسفلَ القرنيةْ
وفي مركزِ العدسة
حدِّدْ
أين تختبئُ سنواتٌ لم أعشها
وأشجارٌ
زرعها أبي في رئتيّ
فأورقتْ في رأسي
وألقتْ ظلالَها الخضراءَ
فوق جفوني.
ابحثْ عن فساتيَن ملونةٍ
لم تلمسْني
وثوبِ زفافٍ
مازالتْ زهورُه في براعمِها
لم تتفتّحْ.
ابحثْ عن عذوبةٍ
سقطتْ
مع شرائطِ شعري
في صندوقِ طفولتي القديمْ.
سلِّطْ شعاعَ الضوءْ
في كهفِ البؤبؤ
وفتِّشْ
عن العشاقِ الذين وقفوا تحت بيتي
عقدين
يُعلِّقون قصائدَهم
على بابي
ويعزفون قيثاراتِهم
ليلةً بعد ليلةٍ
حتى أُطِلَّ من شرفتي.
اجمعْ عيونَهم
التي نثروها في جمجمتي
تتلصصُ على أفكاري،
والتي بذروها حول ثنايا جسدي
لتُفكِّكَ خيوطَ شرنقتي،
والتي زرعوها كأوتادٍ حول خيمتي
ترقبُ
وتطردُ الغرباءْ.
انتشلْ من قنواتِ الدمعِ
كشاكيلَ محاضراتِهم
غارقةً في ملوحتِها
تركوا بين أوراقِها رسائلَهم
وأسماءَهم
وورودًا حمراءَ
تحكي
عذاباتِهم
وعذابي.
احْصِ في مقلتيَّ
عددَ الأبوابِ التي غلَّقتُها
بابًا
في إثرِ بابٍ
كي أغلِّفَ وحدتي
بالبتوليةِ
والتوحّد.
إجمعْ من جفوني
أحرازَك تلك
ثم اسكبْها في كأسِ البلّورْ
وصبّ أكاسيرَك
وقطراتِك
ومحاليلَ كاويةً حارقةْ
حتى تفُّكَ تعويذتي.
هاك عيناي أيها الطبيبُ
هُما لك
بكلِّ أسرارِهما
وحقولِهما البُنيّةِ والخضراءْ
أما لهفةُ الحبِّ الأولِ
والخفقةُ التي تعصفُ بالقلبْ
قبل اللقاءْ
وارتعاشُ الأصابعِ قبل المصافحةْ
ورجفةُ الشفاهِ
عند اختلاسِ قُبلةٍ
عند بابِ المحاضرة
فجميعُها
لي وحدي؛
ليس بوسعِك أن تجدَها في عينيْ
لأنها
زحفتْ إلى صدري
فدسستُها في صندوقِ أسراري
لكيلا تراها.
***
* قصيدة "حكيم عيون" | فاطمة ناعوت
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟