أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -














المزيد.....

اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4445 - 2014 / 5 / 6 - 18:35
المحور: الادب والفن
    


موجاتٌ من الصور المتلاطمة على جدار مخيلته تُظلّل شيئاً ما في داخله الملتهب بحمّى الاسى،استوى على كرسيه يتأمل لوحةً عارية،سبابتهُ تمتد بتساؤلات مبهمة ،ترتعش في وجه الاضطراب ،ريشته الراقصة فوق ألوانهِ تطلق صيحات ولادةٍ قيصيريةٍ ، ألوانهُ الزيتية ، كلماتهُ الحبلى بالأمنيات تنهالُ ضرباًعلى الزوايا المعتمة للوحتهِ العارية..أطَّرَ لوحته باللون الأسود ،فجاءتْ صيحته الأولى غاصةً باللون الأصفر،راسمة أقنعة تعتلي وجوهاً غريبة ، تتمحور حول صراخ مغلّف بالخداع،تكمّم أفواهاً خرساء بفخذين عاريتين لامرأة فقدت جسدها عند منعطف الجوع والحرمان.ضربتان متتاليتان لريشته المنغمسة بألوان قاتمة ،تمطر فوقَ بقعةٍ غاصةٍ بالوقاحةِ صليلَ الجنسياتِ المتعددةِ ،تظهر له حناناً شفيفاً متكئاً على ظلال الراحلين نحو الشمس،لكنّهُ سرعان ما هشّمَ أطرافَ الصّليلِ بأمطار تشرين المعانقة لآثاث البيوت الباكية، لتطوفَ أزقةَ المدنِ المنكوبة...لم يتبقَ من مساحةِ لوحتهِ إلا بعضُ الفراغات المتبعثرة رسم عليها وجعَ عشر سنين مطعّمةً بوعود عرقوب، وفي بقعة أخرى خبّأ ماتبقى من أحزانهِ في حقيبةِ سفرٍ،تحوكَ أحلامَهُ بخيوط لعابها اللزج، فتفوح منها رائحةٌ مثل رائحة النفط الكريهة.وبعد أن ظلّلَ الفراغات المُلتفة حول وجع الصور المتداخلة ظهرتْ خارطة المدن المنكوبة متقلصةً ، لم يفقه من تضاريسها شيئاً سوى أنّها فقدتْ منطقتها المحايدة ،أما الأرض ذات السحنة السمراء بدأتْ وكأنّها تومضُ بألسنة ملتهبة بأحقاد موهومة......وحين رسم بكلماتهِ كلَّ طيوفِ الفقراء بين مقلتي قصته اختنقَ بالنهايات، ولم تُبدِ رشيتهُ رغبة ًبضربةٍ أخيرة لتنهي ما بدأه، وقبل أنْ يتركها جانباً وهو متأملاً اللمسة الأخيرة ،تدحرجَ على هتاف المتظاهرين ، لأسقاط البقع المظلمة من فوق نصب الحرية ، وإزالة خرائط العار.... كان الصمتُ يستقرفي خاصرة المارّين، اعترضهُ أحدهم بتساؤل مستعتباً إياه بترك موقعه :
- ما فائدة النداء، واذان الطرقات والجدران صمّاء، نامتْ على أمنيات لاتأتي أبداً؟ لم يأبه لكلامه،وانطلق ليلْحق المتظاهرين ،صوت آخر يعترضه :
-ما الذي أتى بك هنا ؟ لانريد أن تترك موقع الشهادة ، كنْ عيناً تلتقط بكلماتك صور التحدي .
- أريدُ إتمامَ قصتي ...
الطريق المارّ فوق مملكة الأحتراق يستعيد خطواته المنسيّة قرب المقاهي الصادحة بأصوات شجية ،المكتبات تمرّ حانية على ليله الغارق بقصصها الحزينة ، العربات المتجولة بدأتْ تستقر في أماكنها قرب دور السينما المتكأة على صدر الخوف ... كلُّ شيء فقد ملامحه إلّا حناجر الجراح نقشت فوق سواقي الزمان وفوق جغرافية المكان ممرّات عبور ،الذين عرفهم بالأمس أصبحوا أطيافاً ،خيطَ دخانٍ يعانق الفراغ ... بكى كثيراً حينما مرّ بالأماكن التي كانت تحيا بأسمارهم وتلتحف دفء السهر . كان يمشي بين المتظاهرين بألمِ امرأةٍ أحبّها ووجعِ نهايةِ قصتهِ ، وحين مرّ بالمكان الشاهد على وهج حبّهِ ، قلتُ لهُ :
- ألم تتزوجها ؟ أجابني بمنطقٍ هادىء:
-ما خرجتُ مع هذه الجموع إلّا من أجلها ، لقد أكل السجن أحلامنا....وحين التهبتْ عيناهُ ببريق أملٍ لاح له نهاية الطريق ، تقدّم الجموع يهتف برغبتهِ ، يلوّح بآهات خياله الخصب ، تنزاح قضبان الأنتظار شيئاً فشيئاً ، ولمّا لم يبقَ أمامهُ غير الفرح راح ينشد أغنية من خلف ألفي سنة :
( اطربْ مادمتَ حيّاً ، لاتستسلمْ للأحزانِ ،
واعملْ كثيراً لأنّ الحياةَ قصيرةٌ ،
وسرعانَ ما يداهمنا الموتُ ....... )
وما يدري أنّه يدورُ في فلكِ الأنتظار ليعصفَ به صراخُ الأقنعةِ التي تعتلي وجوهَ الغرباء،تطلقُ عليه غرائزَها اللزجة ، يتكررُ موتهُ ، تنتابهُ حيرة :
-إنّها مازالتْ تنتظرني .. وحينَ هبّتْ رائحةُ موتهِ الأخير تقبّلَ فكرة الوداع ، ولمّا لم تكنْ أنفاسُهُ قادرةً على وضعِ نهاية لقصتهِ الأخيرةِ ، جاءَ الموتُ ليشي بالخاتمةِ .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قلبُ أمّي لم تخنْهُ النظرة - قصة قصيرة-
- خطوة على الطريق - قصة قصيرة-
- فلنرجم كلّ الفاسدين بإصواتنا
- إنّهُ يرتّلُ أنفاسي - قصة قصيرة -
- ليلة احتضار النور - قصة قصيرة-
- ذاكرة معلّقة بصلعة الجحيم _ قصة قصيرة _
- كان الصوتُ ساخراً -قصيدة -
- ثقوب الذاكرة - قصة قصيرة -
- بقايا خطى عابرة - قصيدة -
- ( غرب الخوف ) - قصة قصيرة -
- ( حتّى متى ) - قصيدة -
- ثورة - قصيدة -
- الطريق الى المملحة... أو رسائل الموتى - قصة قصيرة -
- دهشة - قصيدة -
- بعدَ الغياب - قصيدة -
- كإنْ لم تكنْ أنت - قصيدة -
- بينَ الأمسِ والغد -قصيدة -
- أحلام يأبى لها أنْ تكتمل - قصة قصيرة -
- انتبه فقد تسرق الحناجر - قصيدة -
- كان يرتدي جسداً - قصيدة -


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - اللمسة الأخيرة - قصة قصيرة -