|
الطريق الى المملحة... أو رسائل الموتى - قصة قصيرة -
عبدالكريم الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 4411 - 2014 / 4 / 1 - 03:18
المحور:
الادب والفن
الطريق الى المملحة ... أو رسائل الموتى ______________________ قبل أن يلتهمه شبق الطريق الممتدّ نحو البحر ويسدل النهار ستار التلاشي ، رمقتْ عيناه غيمة شاردة في اللااتجاه ، خطواته التائهة ارتدت مئزر المجهول، خطوات بعثرها الخوف والحيرة يرافقها صدى صوت منبعث من انكسار طبقة الملح التي تغطي وجه الأرض ،كانت الأرض قطعة من ملح عالقة بغفوة أطلال منسيّة ، مترعة بالوحشة والغياب ، عيناه المكحّلة بالضباب والأحلام البائسة تستحم بأمل العثور على وحدته العسكرية الجديدة ، لاملاذ يرتجي غير خنادق يسكر الموت فيها ، كلّ شيء مفزع ، وحده الطريق يرافقه والغيمة الشاردة صوب المجهول، أصوات انفجارات ودوي المدافع ليس بعيداً عن مسمعه ، أصوات اختلطت بصفير الرياح الموحشة ، صفير يشجيه خوفاً خانقاً كلّما أوغل في تفاصيل الأحتمالات ، حُفرٌ كثيرة وعميقة منتشرة على امتداد المكان وكأنها بثورتشكّلت فوق خدّ صفعهُ الطاعون، حفرتها القنابل الآتية من شرق الأرض وغربها، حفرتها آلة الحرب والخراب بلا مبالاة ، شقوق الأرض الملتصقة بحافة الطريق تلوذ بأشلاء متناثرة هنا وهناك ، تتشكّل جسداً يشهق بأنين الموتى ، يفوح بعطر مُتخم برائحة الدخان والشواء، يصدح بهتاف بلّله العطش ، كان الجسد جندياً معمّداً بالموت تشكّل من أشلاء شتّى ، كان طرفه الأيمن يقبع في جيب بسطال أحمر، أقصر بقليل من طرفه الآخر الذي علّق به حذاءاً أسود، لوّح له بيدين غير متناسقتين كلتيهما يمين ، يخيل إليه أن الجسد جحافل من رفات تحمل رأساً ذا عيون كثيرة قابعة في محاجرها ، جسدٌ مخيف لايشبه إلا ظلّهُ الزاحف سعياً خلفه ،أطلق صوتاً محموماً مختنقاً بالجراح ، كان الجندي يرعى براري الملح وخوفه من المجهول قبل أن يدركه الصدى ، انتفض فزعاً يحتمي بخطواته المرتعشة بالرعب ، الطريق يضيق، أكوام الملح تخبط عينيه ، الحفر باتت مغارات تتستّر بقناع الفجيعة ، كان الصوت موشّى بتمائم النسيان تقطر منه دموع أطفأت مسامات الخوف وهشّمت الحجب الخفية ، تسفح ما تبقى من سنين العمر المعلّقة على هدب يحمل عويل المسافات ، فعبر الجندي أضلع الخوف ليعانق وجه التساؤلات التي أطلقتها جحافل الرفات، المسافة بينهما ساكنة اختزلت ضباب الضجيج ، كان البوح يرتدي نشيج الشوق الى أحلام معلقة في الهواء ، أحلام معتّقة بالنسيان ، مرتبكة بظلال الدخان المتصاعد من حرائق الحسرات والندم ، كانت التساؤلات تنتقل من العيون إلى عيني الجندي خبباً ، عيون تلعق وجه الأرض ،غائرة في زوايا من حجر تسلّقت مرايا الموت ، تؤطرها أقراص معدنية متدلية من عنق سلسلة فضية موشاة بقطرات دماء جفّفها ملح أديم الأرض ، أقراص تبرق بأسماء أصابها الصدأ بعدما أخذ الجسد شكل الماضي منفصلاً من ضلّه ، تحمله جحافل من الرفات، تمتْرسَ ببقايا وطن معلق برمش ارتجاف الأرض ، وطن يبحث عن رأسه : - تمهّلْ - أيها الجندي - إلى أين ؟ كان الصوت مخنوقاً بوجع الهزيمة . - ارتجي دليلاً الى وحدتي . - لاشيء غير الهاوية ، بروق الموت تعبث بضفتي النهر. - لابدّ من الرحيل أو الموت ،أنا مدرك أنّ فرقة الإعدام خلفي ، لاخيار لي . - تمهّل ، إنّك تسير على سطرٍ من الألغام وسطرٍ من الأجداث . الطريق يتناسل موتى ولم يعدْ لخطواتك معنى ، فكل الخطوات متشابهة عند شجيرات الحنّاء المتيبسة وبساتين النخل التي أصابها الظمأ . بدأ يتقبل فكرة الأنتظار، تسلّل من بين أنامل خوفه طيفاً يلوّح له عن بعد بكركرات أطفاله وضلّ عباءة امرأة هدّها القلق ، وشبح بيت تحمله أنقاض العوز والحرمان وهكذا لم يعد مواصلة الطريق أمراً مألوفاً لديه ، فربما يحمله الخطو الى مساءات مسكونة بالأمن فيغفو كطفلٍ تحت دثار الحكايات . تسوّرته أيدي الرفات بفرح وألقتْ إليه حقائباً مملؤة بالجراح وأسمال كان الموت معلقاً بها ، ورسائل توارت خلفها أسرار خفية بلّلتها دموع الفراق مطوّقة بالأقراص المعدنية وظلال صور مزّقت إطارها رصاصات تائهة تبحث عن مأوى ، فكانت هي المأوى . وقبل أن يتدارك موته همستِ الشفاه بصوت واحد : - لاتنسى ، إنّا كنّا لعبة الموت ، وبين كومة ملح وأخرى كان موتنا ، وإنّ أجسادنا مازالت هنا . وبعد إنْ يمّمتْ عيناه النهايات ونطقتْ خطاهُ بألم الثّرى وعُري البراري ، تساءلَ بدهشة : ( كيف يذعن الموت لكلّ هؤلاء القتلى ؟ . وكيف يمضي الضجيجُ ، بينما يبقى كلُّ هذا الألم ؟ ) .
#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دهشة - قصيدة -
-
بعدَ الغياب - قصيدة -
-
كإنْ لم تكنْ أنت - قصيدة -
-
بينَ الأمسِ والغد -قصيدة -
-
أحلام يأبى لها أنْ تكتمل - قصة قصيرة -
-
انتبه فقد تسرق الحناجر - قصيدة -
-
كان يرتدي جسداً - قصيدة -
-
ثمة شيء محبوس في الذاكرة - قصة قصيرة -
-
( الفجر كفيف ) -قصيدة -
-
( حين كانوا أو كنَّ ) - قصيدة -
-
عتاب الى مسقط الطفولة ( قصيدة )
-
( صوت ملوّث بالحيرة ) -قصيدة -
-
مرآة - قصيدة -
-
خطوات عالقة بصدأ الأرصفة - قصة قصيرة -
-
عندما كنت هناك ( قصة قصيرة )
-
صراخُ منسيّ فوق أرصفة الخواء- قصة فصيرة -
-
السيد الجُرذ
-
لحظة ناسفة - قصة قصيرة
المزيد.....
-
فنان إيطالي يتعرّض للطعن في إحدى كنائس كاربي
-
أزمة الفن والثقافة على الشاشة وتأثيرها على الوعي المواطني ال
...
-
-كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟
...
-
مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان
...
-
الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل
...
-
فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل
...
-
-سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال
...
-
مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م
...
-
NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
-
لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
المزيد.....
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
-
الهجرة إلى الجحيم. رواية
/ محمود شاهين
المزيد.....
|