أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - السيد الجُرذ














المزيد.....

السيد الجُرذ


عبدالكريم الساعدي

الحوار المتمدن-العدد: 4376 - 2014 / 2 / 25 - 15:05
المحور: الادب والفن
    


السيد الجُرذ
_______ ( قصة قصيرة)
نهض من رَمْسهِ كجرذ ٍ موبوء بالطاعون في غفلةٍ من إنتظار مخيف ، انتظار يرتجف بأشلاء العتمة ويتعثر بأضغاث المجهول ، همستْ في دواخلهِ محطاتُ الرغبة بالهروب نحو مرافىء تصدح ببسملة السكينة ودفء الظلّ ، أزال بكفّيه المرتجفتين بالخطيئة غبار الحيرة عن وجه مرآته الصدئة المعلقة في جوف الأرض ، مرآة لم تعكس سوى ملامح غراب أسود ينعق بالحكمة ، حكمة رشقته بدثار الأحجيات ودثّرت شقاء أحلامه بأكمام أديم الأرض ، تدثر بعقال كونهِ المشدود بأسلحة الترهات ورغبة تحفّز كوامن الفتنة ، فتنة تلفح حلكة طفولته بطلاسم مشنوقة على أعواد الفضيحة ، تنبعث كأنصالٍ بيد القبيلة ، تطلق وساوساً وأوهاماً تزلزل مآتم الذكرى ،ذكريات تسفح وجهه قيئاً ، خبّأها في معطف قلقه متجاهلاً وخزأشواك العار، حبس أنفاسه حيناً من الدهر، تؤرقه ملامح أبيه الذي لم يره ، ملامح غابت في غياهب صدى الظنون خلف بستان عمّه ، متأرجحاً بين بروق السماء ووجه الأرض، كانت قبلتهُ وجه عرش الأرض والمدى عشق موطن الحلم ، حلم يراوده مذ مضى وحيداً مكبّلاً بهمسٍ مكتوم يزأر بطقوس الحرب والخراب والجدب ، ينزّموجُ عيونهِ دماً عبيطاً ، رسمتهُ الخيبات وجهاً كالحاً بسحنة متجهمة ، وشفاه غليظة مكشّرة عن أنياب الخديعة والرعب، يبحث عن عشب يواري عورة زمنه الشاخب بنخب خؤون ، ويهفو لزخّة مطر تطفأ حرائق أفواه مختومة بظلال الفجر . وعبر سنوات عجفاء أرتدت فتيا الريح النتنة جدّ في عالم جنون أحلامه المفقوده في كون الحقيقة الباصق في وجهه القبيح ، سنوات أزهرتْ حقولها حجراً ولعق الزمان نسلاً بعد نسل ، واتشحت الأمكنة بأفخاخ وشظايا غزواته ، حينها كنّا كمن يمشي في حقل ألغام لا ندري متى تعانق أشلاؤنا السماء، نحلم بشهقة الأرض أوالعبور نحوشاطىء المنافي لتسحقنا الغربة بأشواك الحنين البرية ، كانت الأرض سجناً كبيراً تحاصرنا قضبانه بالرعب والخراب والهوان ، هتك حصون الذاكرة وفضّ بكارة الشمس بعدما كممّ شفاه مربد الشوق ومحا نياسمه ، بينما جوقته القابعة خلف أوكار الخديعة تعوي خاشعة بقصائد عشقها وقوافي التبجيل لمحاسن حكمته و نصره الموهوم ، ترتشف شهوة القتل وتلعق أصابع آلهة الحمقى ، ساجدةً لفُتاتِ موائد العهرغيرآبهة أن تعدّ من سقط المتاع .
كانت الدروب ومنعطفات الخواء وحناجرالغواية تلحس خطى أقدامه بشهوة عارمة ، كان طليقاً يحلّق بأجنحة الكبرياء في عوالم هَتكَتْ أستارَها نزواتُهُ الكسيحة ، يجترّ الأذى والخراب ، يبتسم للهيب الحرائق كما ابتسم نيرون لحرائقه ، ويغفو قرير العين فوق وطن يرتجف بأشلائه ، تؤنسهُ ممالكُ الأُنس ، ممالك تومض بطقوس زمن موبوء بالدمع وبصراخ نهارات ذبيحة واستغاثات نُحِرَتْ على معبد النسيان. نسوة ثكالى تهمس بالدعاء، الأنهار غادرت شواطئها عنوة ، تحلم خلسة بالمدّ ، ولمّا انصرمتِ السنون وأسدلتْ عوالم الشهوة أستارها لم يبق غير أمطار اللعنات تطارده بأذرعة مقطوعة ، متّشحة بالدم ، كان كسيراً تائهاً ، متأهباً للتيه ، كانت المقابرالمزروعة كالأشجار عند أطراف المدن التي مرّ بها تضحك لمشهده ، الصباحات المشرقة بنور الأمل ،وسحر الليل المتجمّل بنسيم القادم من الأيام تسلقت نوافذ الوجع ولم تأبه لقذائف حيرته وارتجافه بالخيبة والخذلان ، الأشجار والفيافي توارت خلف سحاب عابر، صيّرته يد الظنون تمثالاً من شمع يدور في فلك حطام منافي الموتى ضاع دونه المدى ، فسقط مغشياً عليه يلسعه الهذيان ، يستجدي صليل الخداع ، باسطاً ذراعيه بالهزيمة ، تنفس بقايا الأفول والتلاشي ، بعدما أنهكهُ لهاث الجنون :
- من أرّخ لفتوحات السماء غيري؟
ومن امتطى صهوة المجد والكبرياء حاسراً يغزو جهات الأرض ؟
أنا سيدكم المبجل تميلون حيث أميل،
صيّرتُ صمتَكم أناشيدَ حرب
أنا نبؤة الأقدار أسرج جيوشَ وحشتكم
انتظروا قليلاً سأزرع أرضكم سنابل قمح
وأطفأ حرائقَ خوفكم
وأطلق سراح حناجر الشعر و... و..
ولمّا أدرك أنّ الهتافَ لم يتجاوز شفتيه ولم يجد من يصغي إليه، وإنّ المدى أوصد أبوابه وانطفأت أوهامه ، ألقى جميع أسلحته وانحنى لنزوته الأخيرة كاشفاً عن عورته ، ليحتمي مثل جرذٍ بحفرةٍ تستصرخ غمائم الفضيحة والخراب .



#عبدالكريم_الساعدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لحظة ناسفة - قصة قصيرة


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالكريم الساعدي - السيد الجُرذ