أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شريف خوري لطيف - ما بين مارى سامح و مريم الحسيني، وطن جريح















المزيد.....

ما بين مارى سامح و مريم الحسيني، وطن جريح


شريف خوري لطيف

الحوار المتمدن-العدد: 4434 - 2014 / 4 / 25 - 21:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    




ما بين إغتيال مارى وبين إغتيال مريم وطن يتمزق وجرح غائر وشريان عصيِّ ينزف بلا توقف وقاتل مجهول معلوم واحدٌ. ما بين ماري سامح جورج و مريم الحسيني جريمة واحدة بلا ذنب إقترفوه. خلال ثلاثة أسابيع لا أكثر رحلتا الشهيدتان للسماء دون أن تعرفا لماذا لفظتهما الأرض ؟!

ماري تم إغتيالها مع سبق الإصرار لأنهم وجدوا في صليبها ما يثير غيظهم و نزعة شيطانهم العطشى للدماء، و مريم زهرة قطفها القتلة قبل الأوان، فهي ذات الواحد و العشرين ربيعاً، إبتسامتها صافية لم يغيِّبها الموت وعيونها تشرق بأمال وأحلام تستحق أن تعيش حياتها لتحققهم، مارى كانت على وشك إعلان خطوبتها بعد عيد القيامة ومريم كانت مخطوبة لإبن عمها الضابط،المريمتان خرجتا من منزليهما ولم تكونا تعلمان أنهما آخر مرة ترى فيها عيونهم والديهما وأحبائهم ولن تعودا لدفئهما الأسري ثانية. ماري لم تكن تحمل سيف لتقتل به أحد حين كانت بطريقها لعمل الخير و تقديم مساعدات إنسانية و أدوية للمحتاجين من المُسنّين، فقط حملت معها صليب إيمانها إشارة لحمل آلام المصلوب عليه، فتعذبت هي أيضاً عليه وسارت بدرب الألام فشاركت سيدها المسيح آلامه و أستشهدت لتسافر روحها البارة مخضبة بدماء صليبها لعريسها السماوي، فملامحها و ملبسها و شعرها المكشوف أغرى كراهيتهم لينتزعوها من شعرها ويجرجرونها خارج سياراتها ويوسعوها طعنا مبرحاً ويجهزوا عليها بأسلحتهم لتخرج في النهاية طلقة نارية تنتزع روحها من جسدها لتريحها من بين أيديهم.

و مريم أيضاً ربما كان سبب إغتيالها أنها إمرأة بل أيضاً غير محجبة، فقد أصبحنا نعيش بمجتمع يرزح تحت الطائفية وغرق لأذنيه في بِركّة من أوحال التعصب الديني المتطرف، مجتمع فقد ضميره الوطني و حسه الإنتمائي. مجتمع حمل ثقافة تمييز متعصبة بين المرأة على أساس ملبسها حين أنفتحت مصر على بلاد النفط الخليجية وأنخرطنا في أساليب معيشتهم هناك و أستقدمنا منهم مع الخلاط والمروحة والدِشّ روح البداوة بنفس أساليب حياتهم ومظاهر معيشتهم من عباءات خليجية للرجل و النساء، فبعد أن كانت المرأة المصرية ترتدي أحدث الموضات العالية من فساتين وتاييرات وملابس كاجوال أصبحنا نفتخر بالعباءة والحجاب الخليجي بل أعطوا أزيائهم شرعية دينية لتمييزالمرأة المسلمة عن المسيحية! و فقد المصريين حضارتهم الأصيلة ليتباهوا في النهاية بحضارة الرمال النفطية وتدريجياً فقد المجتمع روح الوعي و أصبح لا يستطيع التمييز أبعد من تمييزهم لزِيِّ المرأة المسيحية عن المسلمة! فكما أفرزوا ماري بسهولة داخل سيارتها وقتلوها لهويتها الدينية، ربما كذلك قُتلت مريم بطريق الخطأ لنفس السبب، لظنهم أنها مسيحية لأنها غير محجبة، فقد أصبحت حربهم شعواء ضد المرأة فصارت كائناً مطارداً ومستضعفاً بمجتمع أصيبت ثقافته الفكرية والحضارية في مقتل، فكلما طالت اللحية و قصر الجلباب القصير إنحسر دور المرأة ونُهبت مكتسباتها الحقوقية والمعيشية و مكانتها الأدبية، فهي ألد أعدائهم إلا فوق السرير و أداة للمتعة يبحثون عنها بين صفحات كتبهم وعن فتواهم المدفونة بين سطورهم البالية منذ قرن ونصف من الزمان لتغذية نصفهم التحتاني!.

لا أعلم الكثير عن مريم إلا من صفحات الأصدقاء الفيسبوكية الذين هم أصدقاء لأحد أشقائها الضباط فلم تُنشر جريمة إغتيالها بالصحف و بالمواقع الإخبارية الكبيرة ولم يثير مقتلها إنتباه أحدِ ربما لتكرر الحالات اليومية لخطف و قتل النساء خصوصاً غير المحجبات منهم، كل ما أعرفه عن مريم أنها زهرة صغيرة عمرها 21 ربيعاً فقط ، رُبما كانت ضحية إنتمائها لعائلة مرموقة كل أفرادها ينتمون لقواتنا المسلحة الباسلة، فشقيقيها ضابطان و خطيبها الذي هو إبن عمها أيضاً ضابط و والدها مستشار بالقضاء، عموماً مريم قتلت مع سبق إصرار وترصد، حيث أختطفت من أسفل منزلها بحسب رواية شهود العيان و بأن مجموعة مسلحة و أفرادها ملثمين هم من إختطفوا مريم وإقتادوها لمكان غير معلوم، وهذا دليل على أن القتلة كان يرصدون خروجها من البيت، وغابت مريم عن البيت لتجد قوات أمن الإسكندرية جثة مريم في برج العرب بكامل صيغتها ومحتويات شنطتها، فلم تكن الجريمة بغرض السرقة.

ماري كانت ضحية فتاوي تكفير برهامي لدينها و لصليبها، حد تكفيره لعلامة الشيفروليه وكل ما يشبه الصليب، فقد ساد المجتمع على مدار عقود منذ عهد الرئيس« المؤمن» أنور السادات حالة من الهوس الديني و فقه الكراهية فسادت هوجة التطرف الأعمى، ومريم كانت ضحية لفتاوي العنف ضد المرأة وآخرها فتوي برهامية و دعوة للدياثة و إغتصاب النساء والزوجات تحت أعين رجالهم وأزواجهم و لتسهيل الرذيلة للإرهابيين والمجرمين وقُطاع الطريق كما يحدث من الجيش الحر السوري ضد السوريات، فما أسهل عمليات الخطف و الإغتصاب و القتل في مجتمع الفتاوي لتصبح فيه الشرف و النخوة شبه منعدمة ! وأخشى أن تنعدم الرجولة ليصبح المجتمع بأسره من أشباه الرجال، مجتمع أصيب بالصمم و البكم والإنحطاط البرهامي كي لا يردون ولا يردعون مثل هذه الفتاوي التي تمهد الطريق بالورود للإرهابيين والقتلة ليمارسوا تلذذهم بشرعية في إغتصاب النساء كما يحدث الآن بنساء سوريا، ويستبق مخططهم بفتاوى تحريم دفاع الرجال عن أعراض نسائهم مقابل دفاعهم عن أنفسهم!

مريم الحسيني كانت ضحية فقه التكفير السلفي لتنظيم القاعدة و فتوى أيمن الظواهري لقتل وإستهداف أفراد قواتنا المسلحة، مريم راحت ضحية إرتداء أفراد عائلتها لزيهم العسكري الذي هو أشرف و أطهر من دناستهم وإنعدام شرفهم وعهرهم و دياثتهم. مقتل مريم كان مجرد تبليغ رسالة ليس لأفراد عائلتها فقط ولكن رسالة للجيش المصري وحماة الوطن لكي يخلعوا شارة العسكرية والشرطية لإقامة ولاية الفقيه الخمينية.

فأي مستقبل ينتظر شعباً شرب من ماعون التخلف والرجعية حتى الثمالة و رضع ثقافته من أفواه الشواذ و المخابيل و فتاوي تسهيل الدعارة لتجار الدين والمصابين بالهوس الجنسي، مجتمع غابت عنه أغلب قيمه ويستنزف الآن أخلاقياته تدريجياً عندما غابت سيادة القانون ومدنيته ليسود دستور الفقيه، فطغت فتاوي الكراهية والإباحية على قانونيته فسلبته هيبته القانونية ووقاره، وكانت النتيجة عصر جديد من الإنحطاط البرهامي، يرتع فيه عهارة فكر الشواذ و المخابيل و تجار الدين من المرضى بأحقاد الكراهية الدفينة ضد مجتمع تحزب وتتفتت طبقاته وطوائفه لمزيد من تفتت الإنتماءات الفردية التي أصيب عقلها بالتشويش الفكري وما بين ماهو ديني ودنيوي، فما أسهل تجارة الدين و بيع فتاويهم التكفيرية لتقسيم المجتمع لطوائف متناحرة وإحداث خراباً وتدميراً جزئياً ستؤول حتماً لحروب أهلية مستقبلية.

مريم الحسيني ليست الجريمة الأولى ولن تكون الاخيرة، طالما ما زال الوطن يحكمه شيوخ الفتاوي بأموال خليجية وتركية تضخ لإذهاب عقل المجتمع وتخدير ضميره بالشرعنة، وفمازال الوطن بحاجة لتنقية أجهزته الأمنية من العناصر المنتمية لفكرهم الديني المتطرف، فالخيانة من داخلنا أولاً قبل أن تكون من خارج الوطن!.

هنيئاً للمريمتين زفافهما للسماء. سافرت الشهيدتان للسماء تاركتان ورائهما دموع الأهل والأصدقاء وغصة ألم تدمي قلوبنا و تكبر الجراح كل يومٍ. رحلتا عن أرض لعنتها كثرة الدماء البريئة. رحلتا مخلّفتان ورائهما تساؤلات مذهولة بلا أجوبة و بأي ذنب ذُبحوا ؟! و وطناً مجروحاً و متألماً يتردى بين أيدي قتلة مسعورة تنهش لحمه حتى عظامه، فتنزف جراحه وهو مضرجا بحمامات دماء لم و لن تنتهي.



#شريف_خوري_لطيف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تبشرون بموتي، وتعترفون بقيامتي
- لعازر هلم خارجاً !
- كنيسة الله التي إقتناها بدمه
- يا إما تتفكك الدولة !
- صليبك يا ماري، محنة برهامي
- الشفاء بالطب الإنجيلي !
- ارفعي حجابك، هذه ثورة !
- متى تدُق أجراس الكنيسة بالسعودية ؟!
- صراع الآلهة، و دول الحريق العربي
- عندما تُغتال آدمية الإنسان مرتين !
- أنَصَافُنا تَتَآكل
- الفراعنة، و قصة حب خالدة
- نون النسوة لا تُريده ذكر وسيم !
- الترهيب الفيسبوكي
- أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ ال ...
- كنيسة العذراء الأثرية بدير المِحرَّق أول كنيسة تُدشن بمصر وا ...
- لقد وقعنا في الفخ الدستوري!
- القبطي كائن ساقط قيد دائماً !
- يقولون أن المرأة نجسة !
- باسم يوسف، انتقد ولا تبتذل


المزيد.....




- صابرين الروح.. وفاة الرضيعة التي خطفت أنظار العالم بإخراجها ...
- مشاهد مستفزة من اقتحام مئات المستوطنين اليهود للمسجد الأقصى ...
- تحقيق: -فرنسا لا تريدنا-.. فرنسيون مسلمون يختارون الرحيل!
- الفصح اليهودي.. جنود احتياط ونازحون ينضمون لقوائم المحتاجين ...
- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - شريف خوري لطيف - ما بين مارى سامح و مريم الحسيني، وطن جريح