مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -رواية-3-

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4419 - 2014 / 4 / 9 - 09:45
المحور: الادب والفن
    

مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -3- رواية
******************************
مائتي درهم في المغرب تعد ثروة ، وخاصة في مناطقه المهمشة . أرتال وجيوش من المعطلين والمخصيين عن العمل يتكدسون في أحياء منذ أن ولدوا لم يفارقونها ، ولم يغادروها الا للانحشار بين أربعة جدران استسلاما لسلطان النوم القاهر . لكن هؤلاء المدمنين القذرين الذين تفر من منظرهم المقزز القطط والكلاب ، يتدبرون ذلك المبلغ الكبير وأكثر عبر طرق ابتكروها بوحي الحاجة الى تلبية جوع الادمان . لاتهم الوسيلة المهم هو تدبير مبلغ يفي بالحاجات اليومية لاقتناء المادة المسمومة التي تقتل صاحبها دون أن ترديه قتيلا وتوصله الى مثواه الأخير .
حتى الموت صار في الأحياء الهامشية ينافس الرمز والاستعارة والبلاغة ، هل هي جمالية القبح ؟ ، ام هو ابدال الحياة بالموت ؟ . أم أن القبح فيه وفيه يا أومبرتو ايكو ؟ .
يصرفون أكثر من ذلك المبلغ يقول له نورالدين ، وهو يحكي لصديقه ما يعلمه عن تلك الفئة التي أصبحت تتوالد كالجرذان .هو ابن المنطقة وجل البائعين هم أصدقاء الحي ، بل كثير من المدمنين يسكنون أرض الدولة ، بعضهم كان رفيقا له في الطفولة ، وكانت أجسادهم ممتلئة وقوية ، قبل أن يخوروا جماعة كثيران مصابة بجنون البشر . أصبحوا يشبهون البهاليل . مصطفى الرايس كان عاملا بالبحر ، كان مفتونا بالملابس الغربية ، لا يقتني ملابسه الا من السوق الداخلي الذي كان وحده مشهورا في طنجة بعرض ملابس انجليزية وايطالية وغربية على العموم . ها هو الآن يجر صندلة ممزقة ، ووجهه أصبح شبيها بقطعة ثوب محروق ، ولباسه متسخ وقذر . علي ذلك الصبي كما يتذكره قبل أقل من عشر سنوات كان طفلا وسيما ،ذا بنية جسدية قوية ، طوله الفارع كان يقارع به ثلاثة من أقرانه ويطرحهم أرضا ، لكنه اليوم صار جانكيا عفنا ، انسلت منه صحته كما ينسل الانتفاخ من كرة بلاستيكية .
ورغم ذلك ، يضيف نورالدين بعد أن يأخذ نفسا طويلا من عود السبسي مخبئا رأسه بين صناديق الكرتون الفارغة ، وينفثه في الأرض تحاشيا لمنظر الدخان والسبسي أمام الباعة وخاصة النساء والبنات ، الذي قد يتسبب في تنفير الزبائن منه ومن بضاعته. لكنهن لسن عمياءات لا يبصرن شيئا فالدخان لاينحبس في الأرض ورائحة الكيف مزكمة وقوية . رغم ذلك يكرر ، فانهم يحضرون تلك المبالغ من السند أو من الهند ، يفعلون المستحيل الى أن يتدبروا مبلغ بورسيطة واحدة ، يستعملونها كل بطريقته ، فهناك من يدخنها عبر غليها على ورق الألمونيوم ، وهناك من يدخنها عبر مرورها بقليل من الماء في قاع قارورة ماء سيدي علي أو سيدي حرازم مثقوبة في الوسط ومخترقة بغشاء قلم الكتابة الفارغ أو قطعة قصب رقيق ، أو يذيبونها في ابرة طبية ويغرسونها في عرق من عروق جسدهم . ويسبحون في عالم الضياع الى ما شاء تأثير المخدر القاتل .
- لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ،،يتمتم صديقه .
-نعم الحمد لله أني لم أتعاط هذا النوع الشيطاني من المخدرات ، والا كانت حالتي الان أشبه بحالاتهم .
"أحيانا يضطر الانسان الى اتيان فعل شنيع ، لكن ذلك يتم على صعيد فردي ، اما أن تتحول الشناعة الى فعل جماعي ، فهنا تطرح الأسئلة نفسها . ظاهرة الجناكا صارت حالة اجتماعية مستقرة . تتزايد بطريقة جنونية في المجتمع . وهي لا تختص بطبقة المعوزين فقط ، وان كانت هي الطبقة المسلط عليها الضوء غالبا في جميع الآفات التي تنخر جسد أي مجتمع ، فأبناء كبار رجال الأعمال بطنجة مروا من هنا ، وأبناء عائلات لها تاريخ مجيد بطنجة يأتون كباقي أبناء الطبقات الفقيرة لشراء المادة المسمومة ، وسيارات فارهة أحيانا يقودها أبناء الذوات تقف في جانب ما من الطريق فينزل منها شاب وسيم وأنيق ليقتني ما يحتاجه من سم الشيطان ثم ينصرف في نفس السيارة . رجال كبار في السن ، وآخرون يلبسون الجلباب المغربي الأبيض ، بلحية مرتبة على ذقونهم كأنهم أئمة مساجد تجدهم مقبلين على بائع في سن ابنائهم يسبهم ويلعنهم اذا ماوجد درهما واحدا ناقصا عن الثمن المعلن لبيع بضاعته ." هذا ما جاء في احدى الدراسات الاجتماعية ، حسب السارد .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات