|
كل ثقافة وأنتم مثقفون
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4382 - 2014 / 3 / 3 - 01:46
المحور:
الادب والفن
كل ثقافة وأنتم مثقفون **************** قليلون من يجيدون فن الاقتراب من الناس ، من امتلاكهم بابتسامة صافية او بكلمة رقيقة ، او بوقفة معتدلة يشد من شموخها تواضع انساني يزيد من مهابة وقيمة الانسان الرمز . وأنا أصافح الفنان الرمز مارسيل خليفة وصديقه عبد الاله بلقزيز مرحبا بهما في مدينة الفن بامتياز طنجة الساحرة. أحسست أني أعرف الرجلين منذ زمن بعيد معرفة قريبة . فالأول أدمنت منذ زمن الجامعة أغانيه ، والثاني قرات مجمل ما يكتبه . وقد كانا غاية في اللباقة وحسن الاستقبال ، رغم انهما حلا ضيفان على حزب اليسار الموحد في الذكرى الأولى لرحيل المناضل الكبير أيمن المرزوقي تغمده الله برحمته الواسعة . لم ألتق في حياتي بكثير من الأدباء والكتاب والفنانين ، لكنني التقيت ببعضهم ، مثل أدونيس ، والكبير الكبير مارسيل خليفة ، وبما أن شغفي بالكتابة والبحث والابداع يدفعني الى التعرف عن قرب على مجمل الفنانينوالكتاب ، ومن جميع التيارات والحقول المعرفية والفنية ، فان سؤال تقاطعيا كثيرا ما طرح علي نفسه ، وبشدة . فلا أعرف لماذا يتميز الشرقيون بفن الاقتراب من الناس ومنحهم بعضا من ابتسامتهم ومصافحتهم والقليل من حديثهم ، عكس المغاربة ؟ . أتحدث طبعا عن تجربتي الشخصية ، فقد التقيت بعض كتاب المغرب ، وقليل منهم جدا وجدا من لمست فيهم قدرا كبيرا من الانسانية والتواضع ، أما من التحفوا ريش الطاووس ، فألوانه المبهرجة تكفي للتعبير عنهم . حتى أولئك العراة الحفاة من اي معنى معرفي او ابداعي ، تجدهم يضعون مسافة بينهم وبين الآخر . هل هم يخشون فضيحة انكشاف ضحالة معارفهم ، وهذا ما اندهشت اليه وأنا أحاور يوما احد الدكاترة عن تاريخ الأفكار وتطورها ، اذ بقي مشدوها يستمع دون أن يعقب بشيئ ، فانتبهت الى نفسي وكأني أحدثني . غير أن الاشكال هنا وفي هذه الخربشة يقع في جانب ثقافة الاقتراب من الآخر . وهذا ما وجدته عند المشارقة ولم ألمسه عند المغاربة . وهنا لابد من العودة ببعض الأمثلة الحية التي عايشتها مع بعض المغاربة . ويكفي ان أتحدث عن طبيعة علاقتهم بالناس . وستعود بي الذاكرة الى بداية الألفيةالثالثة ، حين استقبل اتحاد كتاب المغرب الشاعر والمفكر ادونيس بالقنصلية الفرنسية ، وكان عراب ذلك اللقاء احد الكتاب الحزبيين الذي كانت في الحقيقة كتاباته الجرائدية تشدني الى براعة صياغته للعبارة وقدرته الهائلة على انتقاء الكلمات والألفاظ لكتاباته ، اما دهاؤه في تمرير الأفكار فقد كانت تستهويني كثيرا . لكنني حين التقيته بذلك اللقاء تبين ان الرجل الذي لم يكن بعد قد طبع أي كتاب ، ولم ينجز بعد رسالة الدكتوراة التي شكك فيها الكثير ، أقرب الى النجم الخافت منه الى مضمون كتاباته . أما من اخترته للاشراف على رسالة الدكتوراة الوطنية الخاصة بي ، فقد اندهشت وأنا أشاهده يهرول نحو أدونيس من أجل التقاط صورة معه . ودارت دورة الزمن لألتقي الكثير من الكتاب والشعراء والفنانين ، وبطبعي أتحاشى الاقتراب منهم ، وأكتفي بمحمول خطاباتهم وطريقة تسويقها أو عرضها . كما حدث السنة الفارطة مع احد المترجمين المغاربة ، حين واجهته باعتراض معرفي وعلمي عن مفهوم القطيعة الابستمولوجية كما شرحه لنا عبر ورقة مكتوبة بين يديه . وعندما انتهى العرض تقدمت للسلام عليه كمثقف مغربي له علي حق الاعتراف بمجهوداته الكبيرة في تقديم ترجمة الكثير من الفلاسفة الغربيين ، ونقل أفكارهم الينا ، لكنه كما بدا من طريقة مصافحته حمل غلا وحقدا علي ، رغم ان الأمر يتعلق بنقاش حول نظرية معرفية أسدلنا عليها الستار في قاعة المحاضرات ، ونحن الآن في حديقة الفندق نحتفي بالشاي والعصير وبعض الحلويات بانتهاء المحاضرة . لكن صديقه وقد كان السيد موليم العروسي كان أنبل منه وأقرب الى الجمهور من ذلك الدكتور الذي انغلق صدره حرجا لمجرد نقاش عابر . أما اخواننا الناشئين من كتاب وشعراء ، وبعض أدعياء الثقافة ، فذاك أمر آخر . انهم يتصورون أن امتلاك بعض المعلومات ، والقدرة على كتابة انشاء طلبي أو استعطافي أو استنكاري ، طريق مفتوح الى الأبراج العاجية ، رغم أن بعضهم لا يمتلك حتى ثمن تأدية قهوة على نفسه ، فبالأحرى على ضيوفه . وكل ثقافة وأنتم مثقفون . هنا لا أطعن ولا أشمت في صفة الفقر ، بقدر ما أمج صفة الانتفاخ والتهدج وهي الصفة التي برع في تقديمها الشاعر الأندلسي ببلاغة تشبيه غاية في الدقة في صورة كاركاتورية باهرة " كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد " . الثقافة تكثيف لمعنى الانسان ، انها اختزال للصورة الشمولية لكينونة كائن يمتاز بنيوغ معرفي او فني ، وليست ستارا حديديا يفرق بين المثقف وغيره . والمثقف هو النور الذي يضيئ ما حوله ، وليس مشكاة فارغة من زيتها . ودون أن أنسى تجربتي في الفيسبوك ، وهي تجربة غنية ، تعلمت منها الكثير الكثير ، والى أن تنضج متجربتها أقول :
كل ثقافة وأنتم مثقفون ...
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة 20 فبراير بالمغرب ، الثابت والمتغير
-
عيد الشعب
-
لا تقلق اني راحل
-
القضاء المغربي وحفاظات وزير العدل
-
دروب الاستعارة طريق الحرية
-
أن نحترق خير من أن نتعفن
-
من يشتري حلمي غيري
-
تناقضات الدستور المغربي بخصوص الجهوية
-
نحو جنيف 3
-
كل السراب مملكتي
-
أوزيريس بصيغة مغربية
-
كل عام وأنتم......كما تشاؤون
-
لابد من اسم مستعار .......
-
شد الحبل بصيغة أخرى
-
لنتذكر ثوراتنا وانتفاضاتنا
-
القصيدة .....هي القصيدة
-
بين ارادة الاصلاح واصلاح الارادة ، أو فضيحة العدالة والتنمية
...
-
مساومة
-
حوار مطول مع المفكر العالمي نعوم تشومسكي -مترجم-
-
دمي هو المعنى
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|