مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -رواية-2-

خالد الصلعي

الحوار المتمدن-العدد: 4401 - 2014 / 3 / 22 - 15:34
المحور: الادب والفن
    

مجتمع آخر ، أو مجتمع الجناكا -رواية- 2-
****************************
بائع الأواني الخزفية المستوردة من الصين وتركيا ، يشعل بالولاعة الصينية الرخيصة عنق الشقاف *المملوء بطحين الكيف* الممزوج بطحين الطابا* ، ثم بعد نفس عميق ينثر الدخان الذي تنفسه بطريقة روتينية في الهواء الملوث بكل انواع التلوث ، دخان السيارات ، غبار الأتربة ، مختلف افرازات المواد المستهلة الملقية في صناديق جمع النفايات المعروضة وسط الطريق العام ، بخار المياه العادمة المنبعثة من نافورة منسية ومهملة ، أصبحت بحق نافورة لتوليد مختلف أنواع البكتيريا والأوبئة والأمراض ، بتوقيع الجماعة الحضرية بطنجة .
بائع الأواني الخزفية واسمه جمال الدين ، نحيف كعود الخيزران المسوس ، لا يملك من جميع ما يبيعه من معروضاته فوق الساحة الجانبية للنافورة ، من منتوجات مغربية الا السبسي* وشقافه ، والكيف . اما المعروضات المعروضة للبيع فكلها مستوردة من أقاصي أرض الله الواسعة . جرب بيع الخضر عبر عملية التنقل من حي لحي ، كالجزر واللفت ، كما جرب بيع السمك الرخيص ، وهو بالضرورة لن يكون الا من نوع السردين أو الشرال أو السردة . لكنه لم يفلح . اشتغل نادلا في احدى مقاهي المنطقة ، لكنه لم يستمر طويلا . جرب العمل في أحد المصانع لصناعة الأقمشة طردوه في الأ سبوع الأول . وأخيرا انضم الى جيش الباعة العشوائيين . لا شيئ يسر في هذه البلاد بغير عشوائية . العشوائية هي النظام الحقيقي الذي تسير به البلاد .
وأخيرا استقر رأيه على فرش بضاعته في ساحة النافورة كباقي الفراشة الذين يحتلون كل جنبات شارع مولاي سليمان . كانت بدايته هنا مساعدته لأحد التجار القادمين من آيت ملول لبيع الأقمشة الرخيصة وألبسة الأطفال . وبعد مدة اختفى التاجر دون أن يتحاسب مع جمال الدين في ما يقرب شهرا من العمل . فجن جنون جمال الدين وهو يدعو عليه بالويل والثبور . يقول جمال الدين لكل من يلتقيه ويحكي له قصته مع التاجر الهارب بعرق أكثر من شهرين أن مقدار ما سرقه له من عرق جبينه يناهز سبعة آلاف درهم . مبلغ ضخم بالنسبة لجمال الدين لأم يحلم به يوما ما . ولم تشرف جيبه الفارغ يوما بهذا المبلغ الكبير . ولو التقاه سيقتله .
لكن رأس المال أحيانا يأتي من لاشيئ ، من مجرد تجربة فاشلة ، او خداع مرضي . ها هو يتوكل على الله ويستدين من عائلته مبلغا بسيطا ، ليشتري به بعض الأواني الرخيصة ويسترزق رزقه ورزق عياله في نفس المكان الذي كان يساعد فيه التاجر الهارب . غير أنه استبدل ذلك المكان بعدما ادعى أحد شباب المنطقة الخارج للتو من السجن أنه صاحب المكان ، وكان يستغله قبله وقبل التاجر الهارب . وبما أن جمال الدين لا صحة ولا عضلات قوية لديه ليدافع عن موضع رزقه فضل الالتجاء الى الساحة الجانبية للنافورة . مثله مثل بائع الخبز . وبائع الحلزون .
كانت بدايته قبل سنة ، لكنه اليوم استطاع أن يوفر له مبلغا محترما وأن يوسع من تجارته ، ويشتري سترة من الجلد الرفيع ، وحذاء رياضيا من ماركة نايك . دوام الحال من المحال كما يقولون .
يجلس في مكانه المشرف على مخارج المنطقة ، يجتمع به بعض أصدقائه الجدد ، يتحدثون في ما يجري حولهم .
قال له أنوار ، وهو شاب قادم من القصر الكبير :
- هؤلاء الجناكا ، يتزايدون ، من أين يأتون بكل تلك المبالغ المالية ؟
رد عليه جمال الدين :
-لايعدمون الوسيلة لاستحضار ثمن البورسيطة * ومنهم من ينفق مائتي درهم في اليوم .
تساءل أنوار باستغراب واندهاش لمقدار المبلغ الذي ينفقونه هؤلاء الحثالة على عادتهم السيئة، وهو الذي يمضي كل يومه في تركيب نوافذ وأبواب الألمنيوم، دون أن يحتكم على أجر بمائتي درهم :
-مائتي درهم ؟؟
رد عليه جمال الدين ببرودة :
-وأكثر .......

* الشقاف أداة على شكل عنق الجمل يضعونها في مؤخرة قصبة يسمونها السبسي ، يملؤون جوفها الصغير بالكيف
*الكيف هو المادة المخدرة يشبه نبتة النعناع ، يشتهر المغرب بزراعته ، ويتعبر أول بلد في زراعة هذه المادة التي قد تتحول الى مصدر لصناعة الأدوية .
*الطابة نبتة ذات لون بني تضاف بعد قصها الى قطع جد صغيرة الى الكيف المقصوص بنفس الطريقة .
*السبسي ، أداة مصنوعة من أغصان بعض الأشجار مخروطة، بطول عشرين الى ثلاثين سنتيمترات ، يتنفسون بواسطة الثقب الذي يتوسطها .
*البورسيطة : قطعة صغيرة جدا من مادة الكوكايين أو الهروين ملفوفة في قطعة بلاستيك دقيقة .

#خالد_الصلعي (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل