شبه جزيرة القرم ...محورالصراع بين روسيا والناتو

رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 4383 - 2014 / 3 / 4 - 01:30
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

إشتهرت القرم فى نهاية الحرب العالمية الثانية بعقد مؤتمر للحلفاء فى منتجع "يالتا" فى نوفمبر 1945جمع كل من ستالين وروزفلت وتشرشل لترتيب أوضاع العالم بعد الحرب ووقع المؤتمرون "إتفاقية يالتا" التى إعتبرها البعض "سايكس بيكو" جديدة، وبرغم التاريخ الطويل للجزيرة والحروب التى دارت بين امبراطوريات عظمى للسيطرة عليها نظرا لموقعها الإستراتيجى وغناها بالثروات الطبيعية الاّ أنها عادت لتتصدر وسائل الإعلام حاليا بسبب الصراع العالمى الدائر حولها.
القرم هى كلمة تتارية تعنى القلعة، ووقد أقام التتار بالجزيرة منذ القرن الثالث عشر الميلادى، وخضعت لحكم الإمبراطورية العثمانية فى القرن الخامس عشر وإتخذ العثمانيون من مدينة "بخش سراى" عاصمة لها، وفى عام 1774 إستولت عليها روسيا القيصرية وأعلنت ضمها رسميا فى 1783، وبعد قيام الثورة البلشفية عام 1917 فى روسيا ثار سكان الجزيرة وأعلنوا الإستقلال ولكن إستمرت الإضطرابات بالجزيرة حتى سيطر الشيوعيين عليها وتم إنضمامها كجمهورية لها إستقلال ذاتى الى روسيا بإسم " جمهورية القرم الإشتراكية السوفيتية" فى 1920، وبعد نهاية الحرب العالمية ألغى الحكم الذاتى للجزيرة وأعلن ضمّها بشكل كامل الى الإتحاد السوفييتى، وفى سنة 1954 قرر الحزب الشيوعى السوفييتى بقيادة نيكيتا خروتشيف "الأوكرانى الأصل" نقل تبعية الجزيرة الى "جمهورية أوكرانيا الإشتراكية السوفيتية"،وبعد إنهيار الإتحاد السوفييتى عادت شبه جزيرة القرم الى الحكم الذاتى فى إطار الجمهورية الأوكرانية، ويبلغ عدد سكانها 2 مليون تقريبا ينحدر 58% من أصول روسية و الأوكرانيون 24% والتتر 12%.
مالا يعرفه الكثيرون أن الجيش المصرى خاض حربا ضروسا على أرض القرم سالت فيها دماء الجنود المصريين وقتل قائد الحملة، كان ذلك فى عام 1853 حين نشبت الحرب بين روسيا القيصرية والدولة العلية، وطلب الخليفة العثمانى السلطان "عبدالمجيد" من خديوى مصر"عباس الأول" المساعدة فى الحرب، وأرسل الخديوى حملة عسكرية بقيادة الجنرال "سليم فتحى باشا" على رأس قوة من أبناء الفلاحين، وقام المصريين بإحتلال منطقة "إيباتوريا" يشبه جزيرة القرم وإستطاعوا رد هجومين روسيين ثم بادؤوا الجيش الروسى بهجوم كاسح إستطاعوا دحره من الجزيرة ومطاردة فلوله واستشهد فى تلك المعركة "سليم فتحى باشا" قائد الحملة المصرية وحوالى نصف جنود الحملة، وهكذا تخضبت أرض جزيرة القرم بدماء المصريين منذ 159 عاما، بينما تمخضت الحرب عن أكثر من 750 ألف قتيل.
عودة الى ما يحدث فى أوكرانيا وكرة الحكم المتبادلة بين أقدام الدب الروسى والإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا منذ عام 1991 وتفكك الإتحاد السوفييتى وإنفصال أوكرانيا عنه، وبعد انتقال النظام الاوكرانى من الاقتصاد المخطط الاشتراكى الى نظام السوق الرأسمالى وإنتشارالفوضى الضاربة من الفساد والخصخصة والانهيار السريع فى كافةالمجالات والصراعات الداخلية حتى عام 1904 حيث أقرت نتيجة الإنتخابات فوز "فيكتور يانوكوفتش" القريب من موسكو لتبدأ الثورة البرتقالية بتشجيع ورعاية من الغرب ليتم إعادة الإنتخابات ويعلن فوز "تيموفتش" بالرئاسة ببرنامج طموح للإصلاح الإقتصادى وتوفير 10 مليون فرصةعمل، لكن الأوضاع إستمرت فى التدهور وزادت حدة البطالة وعجز الموازنة مما إضطر "تيموفتش" الى تكليف "يانوكوفتش" برئاسة الحكومة، وفى عام 1914 تم إنتخابه كرئيس للدولة، وهبت الجماهير بموجة ثورية ثانية أدت الى الإطاحة بيانوكوفتش وهروبه الى روسيا وعودة اليمين الى الصدارة مرة أخرى.
من المعلوم أن شبه جزيرة القرم هى القاعدة الأساسية للأسطول الروسى فى البحر الأسود، وتستأجر روسيا القاعدة لمدة 25 عاما تنتهى عام 1942مقابل تسهيلات فى أسعار الغاز ومساعدات إقتصادية أخرى، وبعد نشوب الإضطرابات فى أوكرانيا طلبت الحكومة المحلية بجزيرةالقرم التدخل الروسى فأسرعت الحكومة الروسية بإرسال قوات جوية وبحرية للسيطرة على مفاصل الجزيرة وخصوصا المطار المدنى فى مدينة "سمفروبل" لضمان مهابط آمنة للطائرات الحربية الروسية بمساعدة سكان الجزيرة الموالون لروسيا، وكذلك السيطرة على نقاط حرس السواحل الأوكرانى فى "سيباستوبول" وشكلت القوات الروسية لجان شعبية لحماية المنشئات الحيوية، وليس من المتوقع أن توسع روسيا من تدخلها ليشمل مناطق أخرى من أوكرانيا إذا لم يتم إستفزاز تلك القوات أو التصعيد الغربى ضدها، والأرجح أن لا تستطيع القوى الغربية وأوكرانيا التصدى للوجود الروسى بسبب غياب القدرات اللوجستية لعمل الكثير، علما أن روسيا بحكم الجوار والديموغرافيا والمصالح لن تسمح بالمزاح فى تلك المنطقة التى تعتبرها مجالها الحيوى ورئتها الى المياه الدافئة ومن المحتمل أن تطرح إستفتاءا لمواطنى الجزيرة على الحكم الذاتى مع إرتباط إستراتيجى مع موسكو.

#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل