الدكتور محجوب عمر.. شيوعى مصرى فى صفوف المقاومة الفلسطينية

رياض حسن محرم

الحوار المتمدن-العدد: 4377 - 2014 / 2 / 26 - 00:09
المحور: الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
    

رؤوف نظمى ميخائيل عبد الملك صليب طبيب مصرى صعيدى من مواليد بنى سويف فى 1932 التحق بكلية الطب (جامعة القاهرة) وانضم وهو طالب الى "كتائب المقاومة الشعبية" التابعة للحزب الشيوعى المصرى فى مطلع الخمسينات لمقاومة المحتل الانجليزى فى القنال، وتم تصعيده حزبيا الى عضو لجنة مركزية ومسئولا عن طلاب الجامعات (1952) وإختار لنفسه الإسم الحركى "محجوب"، وألقت السلطات القبض عليه لأول مرة فى 1954 ثم تتالت عمليات القبض والمحاكمة حتى عام 1959 حيث تم توجيه ضربة بوليسية شاملة لكل الشيوعيين وقضى معهم 5 سنوات بسجن الواحات، وأفرج عنه مع الباقين ولكنه أعيد الى السجن مرة أخرى فى عام 1966 ليظل حبيسا حتى هزيمة 1967.
بعد الهزيمة تبنىّ الرجل مفهوم "جرب التحرير الشعبية" وقرر الإنضمام الى المقاومة الفلسطينية فسافر الى الجزائر حيث مركز الشهيد "خليل الوزير" وإنضم الى حركة فتح كطبيب مقاتل ووافق ياسر عرفات على إلتحاقه بمنظمة العاصفة الجناح العسكرى ورحل الى قواعد العمل الفدائى بجنوب الأردن، ليبدأ مرحلة جديدة فى أغوار الأردن وساهم فى إنشاء الخدمات الطبية لتنظيم الصاعقة ونم تعيينه مسئولا عن القطاع الجنوبى للعمليات ومفوضا سياسيا، وأسس لعمل لعمل سياسى للمقاومه أساسه (لنخدم الشعب)، وإرتقى بالعمل السياسى فى الأردن الى مستوى منهج أخلاقى صكّه فى عبارة " لن نطلق النار على الجماهير حتى لو أطلقوا النار علينا" وذلك عشية ما يعرف بأزمة "أيلول الأسود" والصراع المسلح فى الأردن حيث إنتقل الى مستشفى الأشرفية فى عمّان ودافع ورفاقه عن المستشفى حتى سقوطها فى 26 سبتمبر، وكتب تجربته تلك فى كتيب صدر فى بيروت عام 1971 بعنوان (قصة مستشفى الأشرفية)، وخرج مع من خرجوا الى جنوب لبنان حيث إستمر كمفوض سياسى والتحق بكتيبة "نسور العرقوب" بقيادة "نعيم وشاح"، وانتقل بعدها الى مركز التخطيط الفلسطينى فى بيروت ليشارك مع نبيل شعث ومنير شفيق فى صياغة الخط السياسى والدعائى لفتح والتوجيه العسكرى للفدائيين فى حرب 1973، وشارك فى كتابة خطاب أبو عمار أمام الأمم المتحدة فى 1974 الذى صاغه محمود درويش، وأصدر الدكتور عمر كتابه الهام (حوار فى ظل البنادق، التاريخ والأمة والطبقة والتجمع الصهيونى) فى أبريل 1975 حيث بلور فيه بشكل مبدع مشروع دولة فلسطينية واحدة تضم المسلمين والمسيحيين واليهود، وذكر فى كتابه (حلمنا بتحرير فلسطين وبتغيير الوضع العربى برمته إنطلاقا من شعار أن الثورة الفلسطينية هى رأس الحربة للثورة العربية الشاملة وإن حرب الشعب هى طريق النصر..)، وقد عمل جاهدا لعدم إنزلاق الوضع فى لبنان الى الحرب الأهلية.
لم تكن تنقص محجوب عمر الشجاعة فقد كتب تقريرا مهما حول إتفاقية كامب ديفيد اقترح فيه قراءة منهجية للحدث وتحليل خلفياته مبينا أنه يرفض مجرد القيام بالشجب والإدانة ويرفض منهج تحليل الأحداث بمقياس المؤامرة "رغم إمكانيات حدوثها" وتبسيط الحدث على أنه مؤامرة سرية نفذها عميل مدرب وتقاضى ثمنها، فمثل هذا الحدث ما كان ليتم ويستمر لولا أن الظروف الموضوعية فى مصر والعالم العربى تسمح له بالتحقق والإستمرار، ويرى محجوب أن اللقاء والتفاوض بين حاكم عربى والكيان الصهيونى ليس الأول ولن يكون الأخير وإن كان ماحدث هو الأول من حيث العلنية والمباشرة ولكن الصراع هو حتمية ستستمر طالما إستمر الإحتلال والعدوان.
فى صيف 1982 واجهه رؤوف نظمى (محجوب عمر) مع المقاومة الفلسطينية واللبنانية حصار بيروت، وبعد قتال مرير خرج الرجل مع المقاومين الفلسطينيين ليكتب تفاصيل تلك المرحلة المريرة فى كتابه "الناس والحصار" متحدثا عن الناس العاديين أكثر من حديثه عن المقاومة، لقد وجد فى ناس بيروت تحت الحصار نموذجا إنسانيا رائعا، وكتب المقدمة لكتاب " أمنون كابيلوك" الذى ترجمته زوجته (تحقيق حول مذبحة صبرا وشاتيللا) جاء فيها " تنزع عن الضحايا صفة المجهول لتصويرهم فى جهدهم البسيط اليومى المتراكم ثمرة العبقرية التلقائية للمظلومين العزل الذين يهزمون بها الخوف ويعيدون بناء الحياة فوق أنقاض الحياة"، وبعد خروجه من لبنان عاد الى القاهرة ليشارك فى تأسيس "مركز الدراسات والأبحاث الفلسطينية".
تقول عنه الشاعرة الثائرة الفلسطينية "روز شوملى" ( لم يكن محجوب سياسيا بالمطلق ولا طبيبا بالمطلق ولا عسكريا بالمطلق ولا كاتبا بالمطلق، بل كان كل ذلك وفى كل ذلك، كان مبدعا ذواقا رهيفا وصاحب رؤية، والأهم من ذلك كله كان إنسانا، يعشق الأطفال ويحترم المرأة، زاوج بين النظرية والممارسة وبين الفكر والتطبيق العملى، وكان شعاره دائما..الجماهير هى المحك)، وكتب عمر القصة والشعر والمسرح، وخاصة للأطفال الذين أحبهم كثيرا مثل قصة "جزيرة الضياع" ومسرحية "الأسد فى السيرك" ودواوين شعر كاملة، وكان يتمثل قول المسيح أحبوا أعداؤكم فى علاقاته مع المخالفين من الرفاق وكتب يوما يقول ( الإنتقال من التجريد الى التجريد سهل، فإن كنت مخالفا فى الرأى فأنت مضلل، وإن كنت مضللا فأنت منحرف، وإن كنت منحرفا فانت إنتهازى، وإن كنت إنتهازيا فأنت عميل، إذن بإختصار إن كنت مخالفا فى الرأى فأنت عميل..).
كتب عنه المفكر الإسلامى جمال البنا مقالا طويلا بعنوان "عالم فى رجل" جاء فيه ( كان عالما وحده، يحيط بالأدب والفلسفة ويعرف التاريخ السياسى والشعبى وكاتبا صحفيا ومناضلا جسورا)، وقال عنه الكاتب الصحفى "صلاح عيسى" (خلال الشهور التى قضيتها معه فى المعتقل عام 1966 إكتشفت الى جانب مواهبه الأخرى أنه يكتب شعرا جميلا بالعامية، وعاينت عن قرب مواهبه الإنسانية فى قدرته على بعث التفاؤل فى النفوس المحبطة، وكان كل ليلة يأتينا صوته وهو يغنى بصوت جميل "لما انت ناوى تغيب على طول، ويهتف فى النهاية ..يمسيكى بالخير ياللى فى بالى).
لقد كانت روح محجوب عمر متفائلة دائما ويردد كثيرا المقولة الفرنسية " إن للآلام جمالها"، لقد كتب يوما الى رفيق نضاله الدكتور قدرى حفنى من خنادق المقاومة الفلسطينية ( إن كرم نفوس هؤلاء الثوار جعلتهم يسمحون لى بالإنضمام الى ركبهم)، كرمه الزعيم "ياسر عرفات" عام 2004 بتقليده وسام نجمة القدس، وفى مارس 2012 قررت جمعية أحمد بهاء الدين الثقافية جائزة سنوية عن القضية الفلسطينية باسم "الدكتور محجوب عمر"، وأحيا أصدقاؤه فى بيروت أكثر من حفل تأبينا له.
أسلم رؤوف نظمى الذى عرف نضاليا باسم محجوب عمر الروح بمستشفى فلسطين بالقاهرة يوم 17 ابريل 2012 إثر إصابته بجلطة فى المخ... يمسيك بالخير ياللى فى بالنا.

#رياض_حسن_محرم (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل