أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الخامس 2















المزيد.....

رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الخامس 2


شعوب محمود علي

الحوار المتمدن-العدد: 4380 - 2014 / 3 / 1 - 12:19
المحور: الادب والفن
    


رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟
الجزء الخامس 2
تجاوز المسافة باعجوبة وهو يركض . واجه حاجزاً حديدياً مشبّكاً لعزل المحطّة عن الناس الذين هم خارجها . تسلّق ذلك الحاجز بسرعة مع احساسه بالتعب والإنهاك . انغمر في الظلام الرهيب وفي ذلك الجو الشائك والمشحون بالخوف . بعد وقت غير قليل انقطع اللغط , والهمهمة , واختلاط الكلام غير المفهوم من قبل مطارديه لأنّه دخل المقبرة متسلّقاً سورها دون ان يروه . ولكنّهم ظنّوا بدخوله المقبرة . فالإنسان يتهيّب دخولها الّا في الظروف القصوى على سعتها , ومحيطها الظلامي . قد تقيم موانع لمن يتحسّبون لولوج القبور المزدحمة ببقايا العظام النخرة والمتناثرة هنا وهناك الى جانب الحفر القديمة , وجود سراديب تحت ارض رخوّة دون ان يعرفوا في ايّ جانب من المقبرة الكبيرة ان كان قد دخلها , ولكن لا احد يعرف . ربّما قد غادر المكان منذ وقت طويل . وبين التعب , والقلق , والخوف من انهم اصحاب زوجات وأطفال فمن لهم ان حصل المحذور وهم على طرف المقبرة ولم يبتعدوا عن السور الى العمق سوى بضعة امتار . اخيراً قرّروا الانسحاب . امّا سجين معركة سجن (الكوت) الاسطوري . كان يستنشق الهواء بارداً , ومشبّعاً بالرطوبة . وليس من سمير سوى الظلام , وبقايا عظام نخرة , ورائحة كريهة . زحف قليلاً واسند ظهره لأحد القبور . كانت تغالبه سنة من النوم وهو المأخوذ باليقظة , والحذر لما تحيط به من اخطار . ظلّ القلق رفيق وساوسه وهو يتمنّى ان لا يفتح الظلام الطريق لنهر الغبش الزاحف الى المقبرة . وهو يحدّق بعيون نسر وإذن فرس .
انسلّ من بين القبور , وعبر السور من الجهة الاخرى
محتمياً بالفراغ من شوارع , وأزقّة المدينة وقد سلك في سيره الازقة الخالية من الناس الى ان وصل لاحد البيوت . وما ان طرق الباب طرقاً خفيفاً وهو يخفي قيده تحت سترته المعّلقة على ذراعه الايسر الذي يحمل القيد الملتف كثعبان على المعصم . على الاثر خرجت امرأة طاعنة في السن وقبل ان تستفسر منه طافت بها الذكريات عند ما وقعت عيناها
على هيئة ذلك الشاب الشاحب الوجه وكيف كان يتدفّق حيويّة . ما الذي اصابه ؟. لقد ذبل مثل شجرة ربيعيّة : فجأة انحنت على كتف الخريف ولاحت نصف اوراقها تصفر قبل الاوان , وبقيت تحدّق في ملامحه وهي تجتر الذكريات لتقاسيم وجهه الغض وكيف اصابه بعض الجفاف , ثمّ تساقطت قطرات وانسابت فوق الخطوط التي حفرها الزمن . مدّت يدها مرحبة وهي تنحني بحنان امّ مسلوبة الارادة ونطقت بصوت نابع من الوجدان تفضّل وادخل بسرعة وهي تستنتج غرابة تواجده في ساعة مبكّرة وقبل هتاف الديكة صباحاً . وما ان ولج في الممر حتى ىسلّم عليها وهو في حالة حرج مما قد يسبّبه لها من متاعب فيما لو اكتشف امره . كانت تسلم , وتستفسر بلا تردّد , او تمهّل . انطلقت دون توقّف تسأل عن رفاقه كمحطّة مرّوا بها من خلال ولدها السجين والمناضل المعروف في الاوساط العمّاليّة النقابي (طالب عبد الجبّار) . وبعد ان بادلها العواطف الانسانيّة واكبر فيها الروح الحنون
وهو مستقرّ على الاريكة قال ايّتها الوالدة ارجو ان تدبّري لي مبرد اًحديديّاً قالت ما حاجتك الى المبرد ؟ . رفع السترة ليظهر لها القيد تحتها وهو معلّق بمعصمه الايسر .
فصعقت من هول المفاجئة واهتمّت اهتماماً يتناسب وفرصة الخلاص من القيد العالق بمعصمه.
غابت المرأة عنه بحدود نصف ساعة , ثمّ عادت تحمل مبرداً حديديّاً وقدّمته له . تناول جمال المبرد ليعالج قطع القيد .
اضحت يده حرّة طليقة كما منحها الله لعبده من غير قيد . اخذ جمال يتحسّس مكان ما تحت القيد وهو غير مصدّق . تذوّق طعم حرية يده وان ظلّت تحت عبوديّته هو . حرّكها وهو يبتسم امام تلك المرأة الحنون التي شملته بعواطف الحب الكبير له و لرفاقه الذين نذروا انفسهم قرابين للشعب من خلال نضالهم الدؤوب للوصول به الى المجتمع الاشتراكي , وجعل الناس سواسية كأسنان المشط كما يروى عن الرسول الاعظم محمد بن عبد الله عليه وعلى آل بيته السلام . فالافكار الاشتراكيّة ترتبط من بعيد او قريب بهذه المساحة المشرقة .
والانسان عبر فائض القيمة يقع بين حجري رحى السلب والإيجاب : و بين امرين امّا ان يكون ضحيّة الافتراس , او المفترس من خلال علاقات الانتاج السائدة , ومن خلال نمو الغريزة الكامنة في النفس . و في مثل هكذا مجتمعات سادت وتسود العالم . فالإنسان شاء ام ابى هو السنبلة التي يدور عليها الطاحون , وكذلك هو حجر الزاوية في الفكر الاشتراكي , والوثيقة الدامغة داخل قوقعة صراع الاضداد الى جانب ما يحمل من بذور نرجسية تلازمه منذ الولادة ليوم رحيله , ومهما قاوم ما للنفس من رغبات الّا انه لا يستطيع كبحها ان لم يلزمها بقانون صارم . ولا بديل للحد من طموحاته
خارج اطار القوانين الاشتراكيّة او يعش خارج سقف (الناس سواسية كأسنان المشط) . ان كشف عمليّة فائض القيمة ليس جديداً . انما الجديد هو العمل على منع الطفيليّات من ان تمارس دورها تحت مظلّة قوانين تبيح للسارق سرقته في يوم كبيسة , وتحت سطوع الشمس التي لكلّ منّا له قسط منها دون منازع .
جاءت تلك المرأة بوجبة فطور لجمال مع قدح من الشاي
وقلبها يخفق لأجله , مثلما يخفق على ابنها الذي كان وما يزال جنديّاً متقدّماً في صفوف الحزب الاماميّة من جيش المعدمين .
كانت الافكار تجتاحها , ويعصف بها الشوق لابنها السجين النقابي البارز طالب عبد الجبّار ذلك الشاب المثقل بسنوات طويلة نسلت ريش جناحيه لتمنعه من التحليق , ولتضعه في جب الهاوية ذلك ليرقد بعيداً خلف جدران صمّاء , وتحت سياط سجانيه ممن باعوا انفسهم للشيطان بثمن بخس .
حرّك جمال يده كما يحرّك الاخرون ايديهم بلا عض
على المعاصم . امتلأ فرحاً وشكر القدر الذي قاده الى هذا البيت الكريم ولهذه الام المتعاطفة مع قضايا الشعب وبخاصة المعدمين منه . قام جمال , وانحنى وقبّلها من رأسها وقال انا ذاهب وهو يمطرها بكلمات الشكر والامتنان . كانت المرأة مثل عصفور خائف وقلبها يخفق وهي تقول له مع السلامة في حراسة المولى , واطلب منه ان يحيطك بحفظه ورعايته . خرج جمال, وخرجت خلفه وسكبت قدحاً من الماء وهي تردد في حفظ الله , ورعايته حتى غاب عن ناظريها , وغاص في البعيد من نهر الصباح .
ذهب جمال على حسب ما خطّط له الذهاب والوصول الى المكان في الزمان المحدّد
لوصوله وهو قد زوّد من قبل منظّمة السجن قبل الهرب ان فلح بتزوّد زغب وقوادم النسر فسيأتي من يحمل له بيده وردة بيضاء . وجمال من جانبه يحمل سترته على ذراعه الايسر. والاشارة المتفق عليها : سيقترب الرفيق منه وسينطق بكلمة
( النجم الاحمر ) فيردّ جمال (السنبلة في الزمان والمكان).ومن ثمّ فسيذهب معه لبيت من بيوتات الحزب .
دار مع مجموعته الحزبيّة في المجرّة العراقيّة .
وفي فترة من فترات النضال والتحرّك العاصف , صار يتجنّب المرور من امام واجهات المقاهي , والشوارع العامة , فهو كمن قد غاص وابتلعته الارض . احترف العمل الحزبي السرّي , ومع مرور الزمن اصبح من الكوادر التي يعتمد عليها الحزب . وفي ضربة من ضربات الحظ السئّ كان جمال خارجاً لمهمّة ضروريّة كلّفه بها الحزب بخصوص الاشراف علي اعادة تشكيلاته التنظيميّة . وهو يمتطي درّاجته الهوائيّة ويسير بشكل هادئ
في شارع ابي نؤاس : الشارع الذي تنسحب عليه رؤى , واحداث العصر العبّاسي . كان يستقرئ تاريخ تلك الفترات التي اصبحت في ذمّة التاريخ , وفي ملف الايّام الغابرة والتي هي بين السلب
والايجاب . وكيف كان ذلك العصر المسمى بالعصر الذهبي وما صحبه من ترف , وانس بوفرة المغنّين والمغنّيات , الراقصين والراقصات والمنشدين والمنشدات والثراء الفاحش وانتفاخ مدّخرات التجّار الى جانب الفقر المدقع وانعدام رعاية الفقراء . وكيف ننظر للمتزلّفين للخليفة بمدائحهم الشهيرة الى جانب مهرجي البلاط دون النظر للواقع الاجتماعي المزري ,
وللمرارات التي تعض الناس باسنان العسر والفاقة في اطراف الامبراطورية وتضاعيفهاّ , وكيف انّ الاموال تبدد , وتنثر في غير اماكنها الصحيحة . كان العوز والفاقة والتشرّد لطخة عار في جبهة الامبراطوريّة العربيّة في ايّام عزها , وفي اجلى تألّقها وقطع الذهب والفضّة تتناثر تحت اقدام القيان والجواري في ليالي القصور المنيفة والفارهة الى جانب من ينامون غرثى البطون التي اضناها الجوع الى جانب من ينامون
بلا سقف يقيهم حرّ الصيف وبرد الشتاء في وقت لم تزدهر مملكة من ممالك العالم عبر تاريخه المديد مثل
ما حصل لامبراطورية العرب في عصر . كانت الجوائز توقظ النائمين , وتملأ كؤوسهم الفارغة , وتحلّق بالشعراء جوائزهم العنقاء مقابل شعرهم الكاذب . كانت المدائح المغايرة لواقع المدن والقرى والقصبات : هي التي تحتل المواقع المتقدّمة في الصفوف الاماميّة , وفي حفلات الترف بين ليالي البلاط , والسفن العائمة في الليالي المقمرة حيث تنعكس النجوم على سطح النهرالذي شهد كونه موجوداً وشاهد عصر لمحنته يوم شهق بالحبر , واصطبغ بالدماء . كان الخليفة .. يخاطب السحابة في ايّة بقعة تمطرين فلن يعود مردود خيراتك الّا لصاحب التاج والصولجان , والظل .. على الرعيّة من جميع الاقطار, والأجناس . فالترف والنعيم كان من حصّة البطانة الماكرة , والتي اتخمت كأقلّية تعيش على موائد الخليفة, وعلى من يحيطون بالخليفة . من وزراء , واعيان,ومقرّبين . اما الكثرة الكاثرة من فقراء الامبراطوريّة وهم ممن عضّهم الجوع فلهم الله كانت. نظرات جمال تضيع مع الامواج العابرة قناة التاريخ حيث تشعّبت افكاره , وعادت به القهقرى لترتسم امامه الصور يوم خرّبت بغداد تحت ظلال سيوف الاخوة . وكيف سبيت الاميرة ؟ وكيف غصّ النهر بالحبر الاسود ؟ وكيف غصّت الامّهات بفتاة قشور القمح وقشور الشعير, وحفر التربة للبحث عن الجذور.. وكيف شدّ الآباء حجر المجاعة على البطون ؟ وكيف خرّبت بغداد ؟ وكيف ذهب ذلك المجد ؟ وتطايرالى شظايا مثلما يتطاير رماد المدن المحترقة .؟ في ظلّ رياح عاتية . وكيف تواثبت الطوائف ؟
ونبتت قرون الامارات , وتقلّبت الكرة بين الفرس والروم في الملعب العربي : واخيراً استقرّت بين اقدام الانجليز, ذئاب ماوراء البحار , وقسّم الجسد العربي كالأضحية حيث توزعت لحومها بين وحوش اوربا . كان جمال يغوص في لحم التاريخ وهو ينظرالى النهر لعل موجاته تنطق بما آل اليه الحال . انغمر في تيّار العمل المتواصل بين الليل والنهار , والغوص العميق بعيداً عن محيط الذئاب والثعالب , ولأجل الصعود لتحقيق الطفرة الواسعة , وخرق الموانع دون اللجوء , او الركون للمراوحة في خضم العمل الابداعي . خرج من الوكر بحذر شديد وهو يسلك الازقّة , ويتجنّب الشوارع المكتظّة بالمارة . كان يمشي وهو داخل شرنقة التحسّب , وفي دوّامة من الافكار . حانت التفاتة منه الى جهة اليمين فلمح مقهى منزو فانعطف اليه . جلس قرب مجموعة من كبار العمر . البعض كان يدخّن (النارجيلة ) وبالقرب منهم كان هناك من يدخن السجاير وهؤلاء من الشباب العاطلين عن العمل . سلّم على الجالسين في المقهى ومن ثمّ جلس قرب المذياع وهو في حالة مشوبة بالقلق , وينتابه شعور يزيد من احساسه بالضيق وكأنّ للجدران عيون تترصّده . وبينما هو يحتسي الشاي انطلق صوت الموسيقار والمغنّي الكبير محمّد عبد الوهّاب وهو يغرّد احب عيشة الحرّيّة . كانت بحق اجمل مصادفة بالنسبة لجمال, لتطلق عنده عنان الذكريات , وتفتح له نافذة الفرح والسرور ,
وتزيل عنه الاحتقان لتجعله ينسرح , ويطوف حول عالم خال من القيود , والملاحقات . قال في نفسه وهو في غمرة التأمّل الراصد لقطار التاريخ , ومحطّات الاعوام تختلف في طعمها ولونها . تذكّر كيف كان يقرأ عن وثبة كانون العام الذي تميّز بالاضطراب الزلزالي الذي فاجأ الحكّام , وحرّك كوامن
الحرمان من الحرّيّة المصادرة , والتي تتمتّع بها كلّ المخلوقات النباتيّة و الحيوانات الدابّة على الارض . وكذلك التي تعيش في الماء , والمحلّقة في الجو.خرج جمال عن تهويماته على صوت قرقرت فقاعات
الماء داخل زجاجة النرجيلة وهو ينصت , ويرسم انطباعاته عن المقهى المنغرس بين الحوانيت القديمة المتداعية والتي تعكس حالة الفقر المزري لشعب يملك منابع النفط الذي تهيمن عليه الشركات الاجنبيّة. هذا حال البلد المالك لهذه المادة الثمينة . ترى شعبه لا في المدن العراقيّة , بل في العاصمة بغداد وهي محاصرة (بالصرائف) (وبيوت التنك) والأكواخ الطينيّة من مطلع الربع الاول من القرن العشرين .هذه الصرائف والأكواخ لو تجوّل بينها مالكو الاسهم النفطيّة من الغربييّن , والإنجليز على وجه التحديد لارتعبوا منها , ومن السكّان الموتى في الحياة , ولحكموا بأنفسهم على سكنة القبور الطينيّة والصفيح .
وبالتأكيد هم لايرونها عند زياراتهم , او يتجاهلونها عند مرورهم بالعراق . وعند اتاحة الفرص القدريّة لهم وهم يرون النباتات المزهرة كيف تحيط بالقبور الاجنبيّة للغرباء الذين ماتوا اثناء احتلالهم للعراق . فالقبور هي التي تتحدّث عن ساكنيها , وهي افضل وأصلح للسكن من
( صرائف )وأكواخ العرقيّيّن . ظلّ جمال يستعرض في ذاكرته احداث الايّام الماضية , وأيّام سجنه المروّعة والمشحونة بالصراعات المريرة, وفصول طفولته الغضّة .
كان يغطس في موجة صغيرة تحمل صدى الايّام الخوالي . فالموجة تلح لتصعد لمدى افقه الذي يستوعب كلّ بعد في دائرة ما تصل اليه بصيرته عند ما تغور في مطلق ليس له حدود , ولا قيود تقيّده مثلما يقيّد وهو محكوم برقه عند اول نفحة نسيم يستنشقها من الموروث الثقيل المتراكم حيث يستقر على سنام جمل تغذّيه الروح الاقطاعيّة المتموّجة , والمنسابة . منذ جدولة ايّام نفوذ العثمانيّين وهيمنتهم على الرقعة
الجغرافيّة لأرض السواد , وكيف صارت تتداعى تلك الصور , وبدل ان يمتد النفوذ اكثر فاكر انهار كلّ شئ, وفرّ عصفور السيادة بفرار العثمانيّين
وممن يحسبون من اصحاب الولاء للدولة العثمانيّة المسلمة وقد استلب من ايديهم صولجان القرى , وصودرت اراضيهم, وتمّ طردهم من الارض , وأعطيت لأصحاب الولاءات الجديدة المرتبطة بحبل الامبراطوريّة التي لا تغيب عنها الشس
كان الجد (جري) يتهيّب من عقاب الآخرة وقد احجم عن
التعاون مع الفاتح الجديد بعد ان رفض كلّما هو مغري , وفضّل ان يُسحب البساط من تحت اقدامه ولا يزحزح حجراً عن حجر . كان اسمه مشتقّاً من جريان النهر لذلك سمّاه والده جري تبرّكاً بمجرى ماء النهر الذي هو اصل الحياة .
لقد حزن الشيخ جري , ولم يرفع الشراع لاستثمار الرياح الجديدة الوافدة من امبراطورية سيّدة البحار وهي التي ضمّت درّة اسيا وشعب المهاتماً غاندي .. كمصدر اشعاع لقلادة ملك بريطانيا العظمى وهي تضاف الى كنوز, ومقتنيات التاج البريطاني , وها هي الآن تضع في اصبعها خاتم الزمرّد المسمّى بأرض السواد . فضّل رجل العشيرة ان يعيش في الظل . وعلى ظلام دائرة انحسار النور, وخارج الرقعة التي كانت تضمها قبضته . انطوى في القوقعة , وفضّل الانسحاب خارج مضمار الماراثون , ومرتكزات النفوذ , وأوقف قلم التحرّك على صفحة اليوميّات المقبلة , والمدى الشاسع . وقطع جذور شجرة نرجسيّته , و قرر الرحيل ليكون بعيدا عن الارض بعد ان انتزع منه كل شئ .
قرر ان يعيش في الظل دون ان ينصر الفاتح الكافر على الظالم المسلم . انها معادلة صعبة دخلت الخيمة العنكبوتيّة . وطويت جميع اوراق الماضي لتنساب مع جريا ن نهر النسيان . كان جمال يتذكّر كيف كان والده يحدّثه عن جدّه جري
وما جرى لهما في تلك الايام العصيبة .
ثمّ عاد لعالم الواقع , ليخرج من خضم التصوّرات التي
عزلته عن وجوده في المكان والزمان .
حمد الله على قطع ذلك المسلسل , وفصوله البعيدة والتي
توغله في القدم . قدم النفوذ الاقطاعي الذي لا يأتلف
وتصوّرات جمال , ومعتقداته التي تنهل من ينبوع
العصر . كان ينتفض على الف باء السيادة الاقطاعيّة,
وكل اشكال النظم التي تقوم على مستلزمات النفوذ المبني على الاجحاف . فكيف يقر له قرار مع وجود مثل هذه الاعراف حيث يتسلّط الفرد على العشيرة , وحيث تمتد اليد لسرقة جهود
افراد العشيرة , واقتطاف الثمار , وجني الربح العام الذي يفيض عن عصارة جهد الفلّاح المصادر , وحرمانه من مردود ما تدرّه الارض من خلال كدحه المر, وتعبه حدّ الانهاك صيفاً وشتاءاً .
كان جمال يركن الى الراحة كون جدّه خسر موقعه يوم ازيح عن الدائرة المشرقة لجري والتي تتعارض ومعتقدات جمال التي تنهج باتّجاه معاكس والنفوذ الاقطاعي الذي يغلق النوافذ المفتوحة لرفع مستوى الفلّاح المقيّد بقيود السيادة الاقطاعيّة ودفعه بعيداً عن التطوّر الحضاري , وعزله عن العالم الصاعد الذي يقيم في الصحاري جناناً يتذوّق ثمارها اليانعة , ويتلمّس موقعه الاجتماعي , والمعرفي والانساني ولولا الهجرة من الريف الى المدينة لما كنّا على هذه الدرجة من الدراية .
فاحمد الله واشكر الظروف على عدم ولاء جدّي للانجليز والذي كان سبباً لنزع ملكيّة الارض منه , ونزوحنا للعاصمة بغداد . وأخيراً انتبه ونظر الى ساعته وقال في نفسه ان الوقت يمضي , والساعات تركض مثل خيول في مضمار النهار .
قام مغادراً المقهى مزحوماً بالفرح والحبور كونه لم ولن
يكون ابن سيّد العشيرة . كان يسير وهو غير آمن على نفسه من كلاب حراسة النظام الهش , والمتّسم بالفساد في اجهزته الامنيّة , والبوليسيّة . كان يسير وهو مسبوق باليقظة والتوتّر , والحذر , وعدم اغماض العين , او ترك البصيرة سائبة
مثل سفينة تدفعها الريح باتّجاه الصخور لتلقي مصيرها المجهول , والتسليم لقدر اعمى, او لغفلة ساذجة لا توجد في قاموس مفرداته . كانت حلاوة الجلوس في المقهى , وطعم ونكهة, كلمات, والحان , وصوت احبّ عيشة الحرّيّة تجول في سمعه , ووجدانه , وتصوّراته . وقد هزّته مثلّما الريح تهز الشجرة العظيمة . كان يسير مثل كرة تتقاذفها الارجل وهو لا يدري من كثرة ما كانت تصطرع الأفكار في وجدانه



#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية) ذهب ولم يعدإإ الجزء الخامس
- رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الرابع
- ذهب ولم يعد إإ ؟
- رواية : ذهب ولم يعد إإ؟ 2
- ذهب ولم يعدإإ ؟
- الملك
- الصعود لبرج بابل
- (بانتظار القصاص)
- (جولة في حقول النوّاب)
- بين المسرح والقضبان
- مولد الرسول الاعظم
- الرحمن
- (ايقونة الرماد)
- حين يغنّي الدرويش
- مقدمة في مدار اسماء الله الحسنى
- (الله) جل جلاله
- لمحات عن الشعر العراقي الحديث
- خسوف قمران
- (الحروف الفسفوريّة )
- صحيفة الرماد


المزيد.....




- وزير الثقافة اللبناني يزور منزل الشهيد عبد اللهيان
- إدارة أعمال الفنان جورج وسوف تكشف عن حالته الصحيه بعد أنباء ...
- كيم كي دوك... المخرج السينمائي الكوري الذي رحل مبكراً
- موت يعقوب ح 163… مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 مترجمة على قنا ...
- الإعلان 2 حصري ح 163.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 163 على ATV ...
- لأول مرة تقام في الكويت.. نجوم مصريون يحيون -ليلة النكد-
- فيديو.. تعرف على المكان الذي شهد إحياء اليعازر بالقدس
- بعد صمت طويل.. نجمة الأفلام الإباحية تعلق على إدانة ترامب
- فنجان حبر مع المنصف المرزوقي
- بموسيقى مرعبة.. ابتسامة بايدن تتحول لحملة دعاية لصالح ترامب ...


المزيد.....

- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ
- غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا ... / مروة محمد أبواليزيد
- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - رواية) ذهب ولم يعدإإ ؟ الجزء الخامس 2