أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - لمحات عن الشعر العراقي الحديث















المزيد.....


لمحات عن الشعر العراقي الحديث


شعوب محمود علي

الحوار المتمدن-العدد: 4310 - 2013 / 12 / 19 - 15:09
المحور: الادب والفن
    


لمحات
عن الشعر
العراقي
بقلم شعوب محمود علي
يأتي سامي مهدي حاملاً بطاقة الرماد , وهويّة الفجيعة صافعاً
بطروحاته الضخمة الوقورة بكلّ ما للصحراء من قيم وجوهنا الكالحة . وديوان رماد الفجيعة يحمل لنا كنوز التراث ,
وبصمات ثائر غفّار .
وعندما اقرأ هذا الشاعر تتملّكني الاشياء فوق طلل الاحساس المرتبط كالظل بالحقيقة ,
اجل تتملّكني الالوان والاصوات وصدى الحركة الفاعلة من خلال الكلمات التي ارتدت حروفها غبار الهزيمة
فوق جراحها الارجوانيّة .
النص
(( حكاية الخوف والرجوع ))
عد بنا .. عد بنا انّ خبز القناعة
كان سمّاً , وكانت حكاياتنا في الشجاعة
سكرة , وانتهت بالدوار))
هكذا نتلمّس الدعوة الصريحة التي تسلّط الضوء الكاشف لواقعنا المصطبغ بالاسى والاسف والعار الّلا صق
بنهاية مسارنا المنحرف عن الاشواط التي قطعها الاسلاف .
فالدعوة تطرح القلق المحيّر لوضع العربي الذي تجاوز الصحراء ..
لاقتحام المدن برايات الاسلام , وسيف الفتح
. ففي الوقت الذي يعتبر الشاعر خبز القناعة سمّاً يضع الطموح شرطاً اساسيّاً للحصول على البديل ..
في مغادرة الحاضر بايّ ثمن , والعمل المركّز لخرق الحصار مستقبلاَ ,
الاّ ان الشاعر يرسم علامة اخرى للدلالة على المدخل الحرج :
((وكانت حكاياتنا في الشجاعة
سكرة وانتهت بالدوار))
الشاعر يطرح وضع العرب في بداية الوضع الاسلامي .
ثمّ يصوّر التقهقر والانحسار لتلك الامبراطوريّة الواسعة
وتدشين عهد جاهليّة ثانية تحت سيطرة الاعاجم , والاتراك
والغزو الخارجي المتعدد الاشكال
((ثمّ لمّا صحونا وجدنا الحقيقة
تحت اقدامنا , فرقة ملّ منها شيوخ الطريقة
عندما جرّبوا بؤس هذي القفار )
يا زمان الهوى ليس ثمّ انتظار ,
او بقايا مجاعة
يا زمان الهوى
يازمان الهوى , اتعبتنا دروب الفرار
واختنقنا من الخوف : ثمّ قئنا لبان الرضاعة
هنا الشاعر ينفي ايّ وميض في رحم السحابة العربيّة
كما انّه يسلخ عنّا الشجاعة , ثمّ يحيلنا الى اموات في مقابر الحياة .
انّ من يفتقد الشجاعة يكون زواله اولى .
انّ الشاعر يركّز على جوانب الضعف فينا بقسوة بالغة .
وهو يزاول معالجة السقوط باسقاطنا من فهارس الدنيا ,
ومعاجم التاريخ , لاهبا جباهنا بسياط الكلمات الموجعة
, ولا شئ اوجع من هذا القول
(( يا زمان الهوى اتعبتنا دروب الفرار
واختنقنا من الخوف : قئنا لبان الرضاعة إ ))
في المقطع الثالث من نفس القصيدة , تعود طروح الشاعر مختزلة الرقعة الواسعة . والحقب المتراكمة
من سنيّ السقوط لتعرض لنا اللوحة بشكل ادق تجعلنا في غنى عن المقاطع التي سبقتها ولكن بنفس السحنة
التي نثّت علينا قطرات الفجيعة من سحب كلمات الادانة
(( فارس مرّ في الفجر يزهو برمح وراية ..
مهره غيمة تشتهيها الفصول
كلّ فصل حكاية إ
كان زنداه افقين : شرقاً وغربا
غير انّ النهاية ..
لا تسل خائفاً عن نهاية إ
ذلك الفارس المزدهي عاد يوماً
دون راية ..
دون رمح
يرسب الرمل في صحوي عينيه قيحاً وسمّاً
ذلك الفارس المزدهي عاد شلواً مدمّى ))
هذا الفارس هو الصورة المصغّرة لحركة الامّة
العربيّة ومساراتها الطويلة عبر النهوض والانكفاء .
والشاعر استطاع بهذه القصيدة ان يعوّضنا عن المراجعات التاريخيّة لهذه الامة المجيدة .
والتي حفرت دلالاتها الايجابيّة في اعماق التاريخ ,
والانسحاب عن خارطة الحضارة لمدّة زمنيّة غير محدودة ,
لا يعني انّها قد انفصلت دونما عودة الى مواقعها المشارفة عرش الشمس . وكثيرة الامم التي
عصفت بها رياح الهزيمة , ثمّ عادت لاحتلال مواقعها
, لتضيف مجد الحاضر , لامجاد الماضي .
امّا قصيدته الى نادمة : تكاد تكون تجربة كسيحة ,
وطرحاً جافّاً , لا طراوة , ولا طلاوة فيها
والقصيدة مفتعلة افتعالاً مرّاً اُسقطت من حساب الديوان الجيّد .
وهي ثمرة فجّة لا طعم فيها , وباردة كالثلج ,
وكأنّها حشرت حشراً , وبلا مبرّر , والشاعر الناجح
ليس بكثرة ما يقدمه نافخاَ بطن الديوان .
وفي قصيدة هوى قديم يرتقي الشاعر , ويمتطي صهوة الحلم بحرارة البحّار المصمّم لبلوغ نقطة الهدف.
فالمعاناة المرهقة تبدو جليّة الى ايّ مدى قد انفعل الشاعر بتجربته المتكاملة النضج , متجاوزاً
سلبيّات الشعر , والمفردات المقحمة
(لا شئ غير خطاه , تلهث فوق احجار الدروب)
انّ البيوت تنام , والصبوات تهدأ غير هذا الليل
لكنّ الغريب
مازال يحلم ان يراها ..
رغم جبل الآلام الذي ينوء تحته فوق دروب النكبات .
حينما يكون الشوق والجوع والزاد والذنب والمغفرة , يكون الانسان مالكاً زمامه . لا يرهب شيئاً ,
ولا يتراجع امام مدّ الشر , ولا يخضع لمشيئة الاقدار .
وما وراء الشوق جوهر قضيّته . ولتحقيق الهدف :
يقبل الشاعر بالعذاب براقاً وينبوع عتق . والنهر المضطرم
بالشوق يبقى مصدراً للبركات والخير , ولن تنحسر على
ضفّتيه الاشجار.
(( لقد كنت نهراً .. وقد كان شوقي
هو الجوع والزاد , والذنب والمغفرة))
2الصولجان
(( فتقت حدود الممالك .. اتعبت ظهر الطريق,
ولمّا تعثّرت بالصولجان ارتميت إ
تراب هو الصولجان ))
تحدّث الشاعر عن الانتصارات لا غياً حدود الممالك , منهكاً ظهر الطريق الطويل الممتد
امتداد امبراطورية العرب التي بزغت شمسها في قلب الجزيرة الضاربة بالمجد ..
ولكنّ التعثّر بالصولجان حوّل الانتصارات الى انكسارات متلاحقة قفزت بالعربي الى ما وراء حدود الممالك
((فيا عجباً كيف لم ادر حين امتطيت المنى
واتيت إ
لقد قادني العشق , والخمرة المشتهاة
فروّيت حتى تعبت , ومزّقت احشاء دنّي
وقلت سأكشف عنه الحجاب ,
وادركه فهو منّي
ولكنّني حين زال الحجاب الضبابيّ خبت
ما كنت اعشق الّا رماد )
يتعجّب الشاعر من امتطاء المنى , وكيف قاده
العشق والخمرة المشتهاة الى حد الانتشاء,
اجل اسكرته الانتصارات , وعشق , تمزيق الممالك ولكي يكون ربّ الصولجان , ومالك
العصور . الاّ انّ هذا لم يعد . فحجاب دن الحلم
حجاب ضبابي . وقد استيقظ الشاعر على خيبة
ما كان يعشقه لقد ورث الرماد على انقاض الممالك المحترقة
((وما كان لي ان اطيل الحداد
ونفّضت عنّي تراب الفجيعة ..,
وانتهت اللعبة الخاسرة))
اجل انتهت اللعبة الخاسرة اللعبة كما يسمّيها
الشاعر . لعبة البناء العدم , لعبة التماسك والانحلال فالحداد لا يغيّر من واقعنا الذي نحن فيه
والشاعر سامي مهدي حينما يطرح الموضوع بكلّ هدوء وضبط للنفس بحيث يوهم
القارئ ويجعله يعتقد انّ ما دوّن على الورق
في قصيدة العبد والحجاب مسألة شخصيّة تخض الشاعر لا الامة العربيّة بكل نجاحاتها واخفاقاتها .
فهو بعيد عن قرع طبول الحرب ,
واهازيج اعراس الانتصارات , وظلال المآتم والاسف على الامجاد الذهبة في مهب الريح,
لا كما نحسّه عند البعض من شعراء الطرح المباشر وفي قصيدة الظمأ ينسحب الحزن بساطاً
على وجه الصحراء
(( قلبي يوغل في ادغال التاريخ الدكناء
يبحث عن اسماء الاشياء
عن وجه بدويّ يلهث في عري الصحراء ..
قلبي يبحث عن قطرة ماء ))
هذا القلب الواغل ادغال التاريخ تنكره الاسماء
باشيائها , ولكنه يحرق الزمن بحثاً , لا يكل , ولا يستكين للضياع ,
فهو يحاول ان يثبت هويّة وجوده ,
وتاريخه المنسلخ , وصولجانه المهشّم
بالبحث للعثور على اسماء الاشياء التي ارتبطت بها حياتنا على مدى التاريخ المتشعّب بالافلاك
النابضة ارحامها بشموس سنيّ المجد .
(( جرّب كلّ جرار الخلق , وطوّف في كل الشطآن
فرأى سمناً .. لبناً .. قاراً .. وراى كلّ الاشياء
الّا الماء )) حين يجرّب قلب الانسان كلّ الشطآن
بحثاً عن الماء الذي هو اصل الحياة : دون ان يحصل ولو على قطرة ماء تلوح علامات الموت البطيئ ,
والذي سيغطّي جميع المخلوقات المحيطة به .
(( من غيّض ماء النبع
من جذّ نخيل الواحة ؟
من علّق صدر الانسان التفّاحة ؟
من صيّر عرس ملائكة الله مناحة ))
هذه التساؤلات تحدّد موقع الشاعر على ايّة
ارضيّة يعيش ملاحقاً بلعنة الظمأ , وقرع الاشجار المفطومة بشواظ التربة وسياط الريح
الّلافحة رونق وجمال الاخضرار .
من علّق في صدر الانسان التفّاحة يدّد الشاعر
في كلماته اتّجاهه في المعنى فالاول : انّه يصف
المرأة , وما تدرّه نهداها من الحليب النقي لتمدّنا
بالحياة في مراحل طفولتنا والثاني : اللعنة التي
كانت سبباً في طرد آدم وحوّاء من الفردوس
هو اقرب ارتباطاً بما يليه
(( من صيّر عرس ملائكة الله مناحة ))
وفي المقاطع الاخرى
(( وهنالك شاعرة تشهق عند رفات حبيب مات
وتموت , فكلّ وصيّتها ان توهب ابكار الكلمات
للنخّاس اماء يشتمن العفّة في الحانات
او يرثين عزيم الوالي بالآهات ))
لا نعرف من هي الشاعرة التي يتحدّث عنها
الّا انّه يقترب من صنّاجة الرثاء , وساقية الانين الخنساء على ما اظن .
ولكن الشطرين الاخيرين يضربان ستاراً كثيفاً على ما ذهبت اليه ظنوني
. ومهما يكن مذهب الشاعر فهو قريب من دائرة
الخنساء والّتي لفّها ( صخر ) ببردة الفجيعة
ورماد الحرقة
(( وهنا الفارس يجمع مهر حبيبته العذراء
ويعود يسوق نياقاً صفراً عبر الكثب
تعبى من احمال هدايا حلب ))
وهنا ايضاً يقترب من عنترة العبسي الى حدّ التماس سارداً ذهابه للحصول على مهر حبيبته .
والشاعر يتّجه بكلّ مشاربه الى الصحراء متعاملاً
مع التراث .. لتجديد الحياة في سيرة رجالها
الذين بزغت نجومهم في سماء العرب
(( يا اسماء الله الحسنى , اين الماء الصافي ؟
اين الماء ؟
اين الوجه البدوي الّلاهث في عري الصحراء؟
اين سماوات تنقدّ نبيّين وفرساناً ,
فتفيق على الفتح الانباء ؟
اين جبين يقطع حدّ السيف .., يردّ كرامات الاسماء ؟
فالحيرة تسخر من عمرو ,
ويريق على قدمي كسرى
اقداس البادية السمراء ))
الشاعر يسأل . ولكن بلغة الاستنجاد .. فهو يسأل عن الماء الصافي .
وعن وجه البدوي الّلاهث .
وعن سماوات تنقد نبيّين وفرساناً.
كلّ ذلك لتفيق على الفتح الانباء , والشاعر يطلب الجبين الذي لا يعرف الذل والمهانة
الجبين الذي يشق التيّار . ويمزّق العاصفة .
ويشارف اعلى ذروة شموخه . الجبين الذي يقطع حدّ السيف .
ويرد كرامات الاسماء التي تألّقت نجوماً في اعماق ظلام الجهل . والهمجيّة .
ثمّ يعود بنا الى بداية البداية يوم سخرت الحيرة من عمرو .
واريقت على قدمي كسرى اقداس بادية العرب يوم كانت الامّة مجزّأة مشطورة بين ارضاء الفرس والروم .
والقصيدة متعطّشة بكلّ ابعادها . بالغة ما اراد لها الشاعر .
وستبقى علامة مشعّة على دروب السراة من قوافل العصر المتأزّم ..
وثلاثيّة الطرح الهادف تكاد تكون العمود الفقري لهيكل الشعر القائم بين دفتي الديوان في قصيدة :
من سيرة ابي ذر الغفاري ( جندب بن جنادة)
(1)
في الطريق الى الشام
(المنفى الاوّل)
(( انّ بني اُميّة تهدّدني بالفقر والقتل , ولبطن الارض احبّ اليّ من ظهرها , وللفقر احبّ اليّ من الغنى ))
ابو ذر
اجل هكذا كان ابو ذر مناضلاً عنيفاً لا يعرف
الخوف طريقاً اليه وهو الزاهد في الدنيا وبهارجها
(( يثرب تهوي الى جوف الصحراء))
((ويلتفت السجين بالف تذكار
ويطرق : اين بيت الله ؟
نفح محمّد فيه ..
ابعد اليوم تحملني الى جنباته الاسفار ))
هكذا يتفجّر الحنين في اعماقه . وتلسعه سياط
الهواجس وهو يرى يثرب تهوي في جوف الصحراء .
واخيراً تسوقه رياح الظلم بعيداً عن الرفيق القائد وكلّما اوغل في الطريق يتنهّد بعينين دامعتين غير وجل على نفسه .
وقد غلبه الشوق وهو الذي سخر من الاقدار
والنزول عند حكمها يسير مطرقاً وان كان
مشرق الجبين . طوى الفيافي كعنقاء صحراء العرب . لقد انتصرت جبهة الظلام باكتمال الطبخة الامويّة .
وخفت الصوت الهادر ..
والشعار المشتعل في الاسواق والمحاريب ,
وانثلمت سدّة المعارضة , ونامت العيون
النهمة قريرة بابعاد جندب بن جنادة
(( الم تعم الغنائم والمراتب منهم الابصار ؟
ويبحث عن مدينة يثرب في لافم الصحراء ,
رغيف فهي تبتلع ؟
اجرّت بعضها عاد , وجذّ نخيلها الطمع ؟
لقد نامت وشدّ دثارها مروان
كأن قد شاخ صوت محمد فيها ,
وشاخ الله والقرآن إ ))
وبينما هو يسير خارجا يعلل نفسه بظهور الرسول معتذراً منه لما فعله الامويّون فيه .
وليروّح عن نفسه . وليعوّض خسران الفراق
. وثقل الغربة بالتمنّيات الخلّب والوميض الخاطف ثمّ يذعن مكتفياً بوداع علي وعمّار .
وكلّما يبتعد يصغر حجم يثرب . ثمّ تختفي كما
تختفي السفينة في عرض المحيط : فهو تارة
يحاور نفسه بلغة الهموم والانسلاخ .. وطوراً
يجري مسحاً للغنائم التي تحوّل الانسان الى
مسخ لا يرعى ذمّة صحابي كابي ذر .
الشاعر يرتفع عن السرد بلغة مضغوطة
فيها من الجمال ما يجعلها تستكمل اسبابها الفنّية حينما يصوّر يثرب بعضاً لعاد التي ورد ذكرها
في القرآن الكريم على لسان ذلك المسلم المتفرّد بنظرته العميقة لطبيعة الحكم .
وما طرأ عليه في ظل الخليفة الثلث
(( تبوك والذكريات ))
وقبل اليوم لم يتلمّظ الآهات
ولم يستوحش الطرقات
لقد كانت تبوك تغصّ بالرايات
ودين الله يصدع باب قيصر (( يا رسول الله))
مناد صاح (( هذا جندب )) واغرورقة عيناه
فتفلت حسرة من جندب , وتروعه الذكر
اصابعه تشد الارض , تلمس رملها ,
فلربّما فيها
غبار من رسول الله : ناقته هنا , وهناك خيمته
ويملأ صوته الصحراء أ قوى من سوافيها
(( عرفنا من يخون الله ))
فلمّا بلّت الشفتان كوّر فوق راحلة ,
وضجّت بالرحيل تبوك والصحراء ))
تنزرع الصحراء باشجار الذكريات . وظلال
الانتصارات وجندب يهتز تعباً فوق راحلته
لا تبارحه الصور المتواترة على امتداد الافق
الموصل السماء بالارض . يذعن كسير القلب دامع العينين لا رفيق له يداوي جراحاته الدفينة .
في السكون الشامل والصمت المطبق
. يسمع صوتاً قويّاً يتفجّر في وجدانه منادياً الرسول . مشيراً اليه . فيبكي بكاء مرّاً : ولكن
بلا صوت . بكاء بلغة مكتومة وهو يتلمّس باصابعه الرمل . آملاً ان يعلق فيها شئ من غبار الرسول
( 2 )
في الشام المنفى
(( اخرجوني اليكم غصباً عليّ , واخرجوني منكم اليهم عبثاً بي , ولا يزال هذا الامر فيما
ارى , شأنهم فيما بيني وبينهم
متى يستريح برّ او يستراح فاجر )
ابو ذر
عظيم ذالك الآتي من قلب الصحراء مغضوباً
عليه فهو لا يدخل البيوت الا من ابوبها , ولا يغض الطرف مداهنة عن هنة او مثلبة امير .
او والي كانت تصحيحاته تفضح سجل الخليفة . ومصابيحه تهزم ظلمات الانحراف , وتضيق
الارض التي حرثها السيف وسقتها الدماء .
والاعراف التي اقتلعها الاسلام يجب ان لا تعشب على قراطيس السُنّة . واهاب القرآن .
(( شواظ منار ))
اما مسحت ظلال الشام قيظ جبينه الصادي
اما رفّت نسائمها على غفوات زهّاد
اما استلقى على شفتيه قطر من نداها , او مشى عبق الى رئتيه , وانفسح الطرق
لقصر اميرها , او انّه ارض وعاف حكاية الايمان
واسلم مثل باقي الناس
خلّف عند محمّد ما جاء في القرآن ))
دخل الغفّاري الشام منهكاً مهموماً محاطاً بعيون الدولة . وقد سبقته اخباره ,
واستقبلته عيون الناس بعلامات الاستفهام والريبة ,
منغرسة في هيئة هذا البدوي الخارج عن طاعة الخليفة الثالث .
اُبعد عن القطيع كجرباء
لا شفاء لها , ماذا تستطيع ان تقدّم له الشام
وفيها من لا يفرّق بين الناقة والجمل . القلّة
فقط تعرف قيمة البدوي الذي اقتحم الشام منفيّاً
, ورسم على جدرانها الشعارات المضطرمة
بجذوة القرآن .
لقد سرى سم معاوية بن ابي سفيان سريان النار بالهشيم . ولكن ابا ذر رفض ..,
وما ارضى , ولم يعف حكاية اليمان .
(( ويصرخ انّ صوت الله ليس قراع اجناد
وانّ الفتح ليس كنوز مغلوب ,
ولا صلوات منقاد ,
ولا قصراً تشامخ فوق هام الناس .
او صيداً تلوّى تحت صيّاد ))
نعم ليس الفتح كنوز مغلوب , بل قبول الدين الجديد على اساس الايمان الصادق ,
والحب الصافي من شوائب الارتداد , وكذب الادعاء
لا غنائم لأجل الغنى على حساب افقار المغلوبين . الدين عند الغفّاري ليس الانقياد الاعمى .
والشجرة الاُمويّة ما برحت جذورها
تضرب في اعماق جاهليّة , وفي مستنقعات الارتداد
(( ومهما كانت الاقدار ,
مات محمّد وتنفّس الحلم
فلا وحي يلاحقنا , ولا تصطادنا تهم ؟
وقد بليت عصى عمر , فمن ذا يقرع الهامات ؟
هراء يا اميّة لن تنكّس هذه الرايات إ
وزيف ما يردد ذلك المفتون من آيات ))
انّ موت محمّد جعل الرئة الامويّة تنتفخ بهواء
الانحراف وخلى لها الجو ليحرق بزفير الشكوك اجنحة الطيور السابحة في مدار الفجر
الجديد تمهيداً لإسقاطها . ولشدّها بسلاسل السيطرة , ولتغييبها في اقفاص الليالي غير
المقمرة . امّا صقر غفّار فلن يسقط في الفخ
, ولن تنطلي عليه مناورات الالتفاف ونعومة
المفردات . وبعد ان عجزت القوى الغاشمة
من خنق العاصفة في اعماقه . كان الحلم لا
يداعب اجفان معاوية وفي صدر جندب بن جنادة نفساً . لقد رفع الغشاوة عن عيون اهل
الشام وكادت الثورة ان تنفجر . لو لا ان تدارك
الامر دهاة بني اميّة واساطينها . لم يترك الغفّاري فرصة الاّ واغتنمها لكشف عورات
الحكم الاموي . ومخازي اربابه .
كانت الاسواق والجوامع ساحات معاركه الفاصلة .
نباله تخرق كبد السلطة وتعرّي التسلّط من جبّة الكهنوت المسدولة فوق رداء
الملكيّة . لقد تفشّى الداء
ثعلب الشام تلافى الامر قبل انفجار سحابة التمرّد , واصطخاب الامواج الغاضبة
لم يعتصم في قوقعة المراوحة بانتظار دوّامة الريح . ومكابس الثورة .
اعاد اللغم الى اصحابه وانسحب عن مواقع المجابهة ,
وترك الجمر في كرة الثلج آثر العافية بعيداً عن الرعود التي تزرع الهلع في الحقول الآمنة
وتحرق النعاس بين جفنيه
((في الربذة))
لم يكن الغفّفاري على موعد والربذة الثقيلة الاسم على مسمعه والكريهة على قلبه .
ولكن شاءت الاقدار , وشاء عثمان بن عفّان
وخطّطت البطانة : لوضع الخلاص بايّ ثمن :
بالغرق في محيط الصحراء ..
تنفّس الآخرون الصعداء يوم ترامى النبأ الخطير بدفع هذا المفتون .. الى اعماق الاوية
فالجولة لن تكسب والتجارة لن تربح مع وجود من يحرّض على هدم اُميّة لبنة لبنة .
((يا ابا ذر رحمك الله , تعيش وحدك , وتموت
وحدك , وتدخل الجنّة وحدك , يسعد بك قوم
يتولّون غسلك وتجهيزك ودفنك .. ))
حديث شريف
هكذا تقود المقادير خطوات الثائر على طريق اللاعودة
وتربح الدولة ثمن الرصد .. ومشقّة الاغتيال وخطورة الافتضاح . وانكشاف العورة
تحت تسلّط العيون المتخومة بالشمع
(( هنا المنفى إ
ومن يقوى على بحر بلا سفن ))
مع نصال الرمل ووقد الريح وامطار القار
يبقى ابو ذر صابراً لا يقوى على امتطاء
الانخذال وجواد الهزيمة بالرغم مما يقاسي من
عذابات جرّاء تصلّبه وثباته غير المزعزع
((وتنتحب الصبيّة
آه يا ابتاه لا كفن ولا ماء ,
ولا ولد _ اذا ما متّ _
يحتفرون لحدك او احبّاء إ
غلاة ليس غير الرمل والظلمات
ولا كفن ولا ماء

شعوب محمود علي
7-12-2013







#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خسوف قمران
- (الحروف الفسفوريّة )
- صحيفة الرماد
- ابكي الحالمين
- ابكي لمن يحلمون
- (الظمأ ونبع السراب)
- (التحديق لما وراء الافق)
- جسد الطين الجزء الثاني
- الارومة العنقودية
- (الحدث الصعب)
- بغداد وطن الشمس
- في حضرة الحسين
- الخريف
- الهاجس
- الحلّاج والثوب الملكوتي
- ( في نهار مكفهر)
- السباحة في ضوء الصبح
- سقوط الجبل
- جسد الطين - الجزء الثامن
- السوط وصوت النشيد


المزيد.....




- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - لمحات عن الشعر العراقي الحديث