أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - ( في نهار مكفهر)















المزيد.....



( في نهار مكفهر)


شعوب محمود علي

الحوار المتمدن-العدد: 4236 - 2013 / 10 / 5 - 23:48
المحور: الادب والفن
    


( في نهار مكفهر)

كانت خيمة الظلام تضمّ تحتها الذين عاشوا عيشة ضنك , وتقتير .. ,
في ظرف حصار بشع , وحروب اكلت الاخضر, واحرقت اليابس في ظل رجل اخرق , ونرجسي يميل الى الشهرة , ويحلم بالجلوس على عرش امبراطوري يضم الوطن العربي تحت جناحيه الشوكيّة , والمصبوغة بدماء الابرياء , وضحايا اعراس حروبه الظالمة . كان شهاب المعموري يتقلّب على فراشه ارقاً. استيقظ توّاً . انسحب عن الضفاف مثل سمكة تخرج من الاعماق , اعماق الوسواس الذي كان يقاسمه لحظاته التأمّليّة . ركن الى السكون . انسرح الى الحدائق المرقّشة باشكال , والوان الزهور والورود العبقة .
كانت الصور المتحرّكة اشبه بمسلسلات الكارتون لاتنقطع ابداً حيث تضعه على المحك مع النظام .
اصبح عرضة لانتهاك وحدته مع انتقاله من الهادئ الى المرعب وقد يطوف في احلام يقظته جزراً مدهشة وخلّابة . هو لا يركن الى مكان ثابت تتخطفه عمليّتا المد والجزر . طوراً يدخل في مسلسل اشبه بالافلام البوليسيّة حيث المطارد ة, والعنف مع التقاط الانفاس .هو بين الجحيم , والفردوس .
اشتغل شهاب المعموري في فتوّته في شركة الدخّان الاهليّة ايّام النظام الملكي باُجرة متدنّية لا تزيد على ثمن رغيفين من الخبز . كان يتقلّب بين الفقر الساحق , وصعوبة الحياة . شبّ عن الطوق وكتاب العمر ترتصف حروفه على الاوراق الرماديّة ..في عزّ صباه . كان يخرج الى العمل حافي القدمين صيفاً , وشتاءاً . وفي سنواته المرّة : كانت ساعته الصباحيّة لضبط الوقت (العبّخانة) . كان صوتها يطرد سحب الحزن المخيّة على المدينة , وشهاب هو يرقد خلف قصر نظره تحت خيمة الامّية . وفي فترة من فترات القدر السعيد فتحت النقابة
العماليّة بجهود قيادتها مدرسة لمكافحة الامّيّة . تشبّث شهاب وانخرط في هذه المدرسة , وراح يجلس خلف رحلته مساء بعد انتهاء عمله المتعب وهويستنشق رائحة التبغ المحتوي على غبارالنيكوتين الضار بالصحّة العامة . وفي تلك السنة هو ورفاقه تجاوزوا مرحلتي الصف الاوّل ,والصف الثاني في نفس السنة. كان الاستاذ علوان شعلة متقدة بالاخلاص , والحب للوطن , وللفقراء . عاش مدّة طويلة وهو يكافح من اجل الدفاع عن الآخرين .
ولكن مسيرته توقّفت , و حلم كتاب الحياة لحظة التقاه قرش رمضاني في بحيرة شباط الاسود .
اجتاز شهاب ذلك العام المبارك .
كان يحاور نفسه وهو يقول : ماذا ستقدّم لي المدرسة وانا صبي . ؟ الى ايّ موقع سأصل , وها انا ادب دبيب
السلحفاة . تمرّد على نفسه , وتجاوز واقعه , وانقطع
عن مواصلة الدرس للصف الثالث الابتدائ .
صار يقرأ العناوين المكتوبة بالحروف الكبيرة للمخازن , والصيدليّات , والمحال التجاريّة لبيع الاقمشة , ومخازن عرض الاحذية , وعناوين الصحف , والمجلّات ثمّ انكبّ على قراءة قصص الف ليلة وليلة ,وقصّة المقداد والميّاسة , وديوان قيس بن الملوّح , وحبّه لليلى , والزير سالم وقد حصل عنده انعطاف ديني .
في تلك الظروف . كان ينقطع الى الله , ويركن الى الحسينيّة لتأدية صلاة المغرب , والعشاء بشكل متواتر, ويستمع الى المحاضرات الدينيّة , ويجلس تحت المنبر الحسيني . في تلك السنوات الزاهية الخالية من الهموم
كان مثله الاعلى القناعة كنز لا يفنى . كان قانعاً , وراضياً عن نفسه , وعن عيشه الكفاف وهو مزحو م بالسعادة والرضا عن النفس .
في مثل هذه الظروف كان يقرأ كلّ ما يقع بين يديه وقد
لا يرى ابعد مما وراء خطوته في المجال السياسي .
في ليلة من ليالي النحس طرق الباب بعد منتصف الليل , وعند فتحه : كانت تقف زمرة من الشرطة , ورجال التحقيقات الجنائيّة , ومختار المنطقة . اقتحموا البيت وفتّشوا كلّ زاوية من زواياه . اصطحبوا الاخ الاكبر . ومنذ اعتقاله بقي مخمّراً رهن الموقف , ومن ثمّ صدر بحقّه حكم دفع به الى السجن لعامين , مع سنة سمّيت بالنفي والمراقبة . بعد انتهاء ليالي العذاب , ونهارات الحزن في السجن صارت محطّته الاخيرة (عين التمر) وبالتحديد في المنطقة المسمّاة (شثاثة) .
سأل شهاب اهله لماذا حصل له هذا ؟
كان الرد على سؤاله , النظام اعتبره شيوعيّاً .
قال شهاب حتى لو كان شىوعيّاً ما ضرره على الحكومة .؟ سخروا من سذاجة شهاب , وعدم معرفته ,وقالوا الحكومة عاقبته : كونه احد اعضاء الحزب الشيوعي وقد كان الحزب ومازال يعمل في السر ,وهم يقولون ان الحزب الشيوعي يعمل على قلب نظامالحكم , وتطبيق النظام الاشتراكي مثلما في بلاد الدب
الابيض .ايّ دب ؟ . هم يقصدون روسيا القيصريّة .منذ تلك الضربة التي حصلت لاخيه صار يفتّش عن المعارضة وهو لا يفرّق بين الفرقاء ممن يعا رضون النظام كالحزب الوطني الديمقراطي , وحزب الستقلال , والحزب الشيوعي العراقي , والحزب البارتي , وكثر من نوّاب المعارضة , وحزب الجبهة الشعبيّة ,وغيرها . هذا المسلسل الطويل كان يطرق سمعه . واخيراً تلمّس وهو يتهجّس هنا , وهناك عناصر تتحدث ,وتروّج بالسر للافكار الاشتراكيّة في صميم العمل المرهق ,والمعاناة اليوميّة .كانت الافكار تتداعى وتتراقص : وهي تظل تدورفي محوره الى جانب تراكمات سنوات الصراع العاصف .قادته تلك الافكار الى الطريق الصعب , والانغمارفي ذلك الخضم ,والعنف الذي ادخله في خانق حركة الاضرابات التي شغلت النظام لسنة من سنوات الجحيم . كانت الحركة النقابيّة في تلك الفترة الزلزاليّة تارة تنهي خلافاتها بالمفاوضات السلميّة , وبفك الاشتباك ,وطوراً بالصدام المروّع مع البوليس الذي يسمح لنفسه لأن يكون طرفاً حميماً لصاحب لصاحب رأس المال . بعد ان عجزت السلطة عن ترويض العمّال .شنّت حملة ظالمة في ليلة من لياليها الغادرةلاحتلال شركات (الدخّان) بواسطة اجهزتها البوليسيّة ,وقامت بالقاء القبض على قادة الاضرابات ملقية بكلّ ثقلها القمعي الدموي , وارسالهم الى السجون .كانت كل تلك المرارات تنمو جذورها لتتطوّر, وتتجسّد . تذكّر شهاب كيف كان يعتقل قبل ولوج ايّ وفداجنبي : الى ارض الرافدين ؟ . كان يعجب كيف يصادف اعتقاله الى جانب اعتقال اللصوص الذين ينشطون في مثل هذه المناسبات ,ويقومون باعمال السرقة .البصرة مثل عروس تتمدّد على ضفة شطّ العرب .سفينة شهاب الراسية خلف المدينة على محيطها الترابي . شهاب زامنها ايّام ,وسنوات قطع الاجنحة منذ فقدت النوارس قدرتها على التحليق . تملّكته الدهشة ,وغصّ بالفرح بعد تمايس وغنج الثورة ,وصهيل الجواد الذي كان يهيم في الارض . و هوينحب منذ اجتياح (هولاكو) لعروسة المدن , حتى صبيحة تمّوز . صحا شهاب على صهيل ذلك الجواد الجامح .وهومثل قبطان فرضت عليه الاقامة الجبريّة داخل كابينة السفينة الطافية على امواج الحزن , والعذاب في تلك الايّام الرتيبة والهزيلة و التي ذبلت فيها الطاقات الخلّاقة حيث تراجع التفاؤل خطوات واسعة وكبيرة ليرتصف في الزمان , والمكان تحت مظلّة التشاؤم . انكمشت الحياة , وجلست القرفصاء تحت خيمة الّلامعقول , وولج كلّ شئ الى موقعه مثل حلزون التفّ وانطوى داخل قوقعته , ولاذ بسبات يورث الموت القادم . تغيّر كلّ شئ : حتى النجوم كانت كالحة ومغبرّة , وحزينة ,ومتّشحة بوشاح يبعث على الانكماش , والتقوقع .كانت المكتبة تحتوي على قليل من الكتب , اغلبها تتحدّث عن الماركسيّة , والتجربة الاشتراكيّة في الاتحاد السوفيتي , وكذلك عن التجربة الصينيّة , والكوريّة , والفيتناميّة .شهاب يقرأ باستغراق عن الويلات التي سببتها النازيّة الالمانيّة والفاشيّة اليطاليّة .كانت تلك الكتابات المطويّة عند البعض تقرأ مثلما تقرأ بعض القصص , والروايات لغرض التسلية ,ولقتل الوقت , ولتصريف الساعات المملّة ولو كانت تقرأ لاستخلاص العبر, و للتعامل مع الديناصورات لما اقتربت الحدائق من مستنقعات الاوبئة القذرة .كان القطار قد مرّ ولم نحزم امرنا .
في صبيحة الثامن من شباط الاسود الذي جاء بلقيطة الثورات وكيف عومل الرجال بابشع صور القتل والتعذيب في مقرّات الحرس الّلاقومي البربري ,وكيف تمّ الاعتداء على اكثر العوائل شرفاً , وقدسيّة ؟كان قادة مهمّة الانقلاب الاسود قد صادرت كرامة وحرّيّة الشعب , وقامت بسبي اميرة المدن والدخول عليها بالدبّابات الامريكيّة وعلى رأس مهام انقلابيّ شباط تصفية الحزب الشيوعي حزب الفقراء , والمسحوقين في الارض , ورفع راية الدكتاتوريّة على ربوع العراق . وكذلك القيام بتصفية المع كوكبة من الضبّاط الاحرار وعلى رأسهم قائد ثورة تمّوز العظيمةعبد الكريم قاسم المهندس , والمفجّرلتلك الثورة التي انبثقت لتصفية الحساب مع الامبراطورية العجوز بسط الطاغوت سجّادته الحمراء , ليحوّل الحدائق الى مسالخ حيث حوّل القصر الملكي الزاهي الذي كان مأوى العائلة المالكة في افراحها , وليالي اُنسها المريحة , والمحاطة بالاشجار السامقة , والمتخمة بالخضرة , والحان الطيور , واشكال الزهور والورود الى ساحات مرعبة , ومخيفة تجاوزت صورها هواجس من يمرّون تحت (جسر التنهّدات) حيث تقشعرّ الاجساد لانين المعذّبين , وتأوّهات ضحايا (محاكم التفتيش) , وتحكّم القساوسة , والبوليس الكنسي المقدّس .كانت الفترة قصيرة اذا ما قيست باعمار الحكومات .ولكن معدة شباط قد هضمت كلّما وقع تحت طاحونها .الغت الطقوس الربيعيّة باقتلاعها كل النباتات , والاطاحة برؤوس النخيل المثمر, وجرّت الجميع الى الهاوية , ثمّ نفقت تلك العاهرة كايّ فطيسة ملقاة على قارعة الطريق بعد ان ختلف اللصوص على الغنيمة .كانت الكوابيس تتولّد عن الافكار التي تطارد شهاب ,وتإمّ عالمه الثاني , عالم السياحة والرؤى الحالمة بالخلاص من القيود والممنوعات عبر مدار الثوابت لحقوق الانسان .شهاب يتعثّر في مسار سنوات الهزيمة , والإنكفاء .في صباح يوم مكفهرّغير مبارك ظهر قرين الحرباء ,
وعاد بتجربة اكثر التواءاً وهو يلبس قفّازاً ابيضأً ناعماً كجلد الثعبان يغطّي بقع الدماء التي لم تجف .خرج من قمقم يحوي بئرة الديدان كايّ حاوي من حواة العالم الجديد , وليلعب لعبة الثعالب مع الحمام الداجن ليستفاد من خزين التاريخ , وسيرك الالعاب كتلك اللعبة التي رفعت فيها القرائين , وبسطت الكفوف في صفقة عمرويّة تجاوزت نظريّة الشعرة , وبلادة الاشعري .. لتبقى علامة دالّة على المكر, والخديعة لمن يطفر النهر ولا يمشي شهراً .وبقدرة قادر صار الحمام يدرج مع الثعالب في الطريق . كانت الثعالب تخفي بالتزويق عوراتها , وبالطلاء الابيض تغطّي لونها الثعباني الاصفر وهي تنظر الى اللون الاحمر بعين ثور هائج يستفزّه لون سيّارات مصلحة نقل الركّاب , وبعض الثمار المكسوّة باللون الاحمر القرمزي .
ديلاب الليالي كان يدوربوهن , وكسل , وتعثّرعلى طريق اللاعودة من خلال افتعال ازمات , و معوّقات , تعشّش في محيط النظرة القاصرة والتحرّكات المريضة , ولإعطاء ظهر المجن , وغرس الاسفين على الطريق المعبّد , وتمزيق النسيج في مضمار الصحبة قصيرة العمر فيما لوقيست بمحطّات التاريخ , ولهاث القطار . لم يدم العرس طويلاً وقد حصل الطلاق بعدان خرجت الانياب , وامتدّت المخالب لتنهش الضحيّة .ثمّ عاد كلّ عنصرالى اصله في بودقة الحياة .نهض شهاب بعد ان استهلكته الوساوس والتصوّرات ليتناول وجبة الفطور.خرج الى عمله وفي الطريق كان قد اندرج الى عالمه الثاني, عالم السياحة , والدعة , والجمال , لارتياد المدن بدون بطاقة دخول , ومتاعب السفر , وحرق النقود .كان يألف هذا العالم الذي لا توجد امام مدنه , وجزره , وبحاره حدوداً , واسلاك شائكة . كانت نعمة شبيهة بنعمة الفصام .. ,
شهاب يلقي بنفسه في البحيرة ليبترد ايّام حرق حقوق الانسان في حمّارّة قيظ تمّوزي مركّب بين الفاشيّة والنازيّة , و اصحاب القمصان الصفر . كان منغمراً .. , ومنعزلاً اكثر من معتزلة البصرة واذا بشابين يعترضانه , ويطالبانه بهويّته الشخصيّة , بوغت شهاب وهو لا يدري ماذا يقول . ثمّ استعاد توازنه بعد ان هزّته المفاجئة , واربكته : قال ليست معي بطاقتي الشخصيّة . اذن تفضّل معنا . شهاب اذاكنتم تطلبون . وقبل يكمل امسكاه من معصميه خوفاً من ان يفر بجناحي عصفور وقالا تفضّل معنا . وفي الطريق قال احدهم وهو يرسل تهديداً مبطّناً : كيف تمشي بلا هويّة , ألا تخشى , ربّما تقتل في الطريق وتلقى جثّتك , وموتك يبقى في حكم القتيل المجهول .اقتاداه وهو يجهل الى اين يذهبان به . انعطفا به الى شارع فرعي وولجا الى بيت قريب من مكتب بريدالصالحيّة في كرخ بغداد , وفي الممر الكنكريتي المحاذي لحديقة نضرة . كانت سيّارة واقفة ومحرّكها يدور, و يبعث صوتاً مستمرّاً , وعند باب مدخل البيت كانت مجموعة من الشباب . وكان قرب السيّارة رجل بيده قطعة قماش رطبة : كان يمسح الزجاجة الاماميّة للسيّارة .قال احدهما لقد ( جبنا) سيّدي . وعلى اثر هذا الاشعارتحرّك الرجل الذي يقوم بمسح زجاجة السيّارة , وبدون اصدار اشارة له . طوى تلك القطعة من القماش الرطب على شكل مثلّث هندسي ليشدّها على عىيني شهاب . وبذلك وضع حاجزاً بين شهاب , وبين تلك الزمرة . غاص شهاب في دوّامة التصوّرات التي وضعته على حافة الرعب , والمصير المجهول .كان الفعل وردود الفعل تضع شهاب على قاعدة الامتحان الصعب . وبينما هو في خضم التصوّرات واذا باحدهم يطوّق معصميه بالقيد وقد رُبط القيد بسلسلة حديديّة ثمّ اقتيد الى الداخل وراح اثنان منهما يقودانه كأدلاّء طريق , وهو يسير بينهما كخروف الى القصّاب. كان يتهجّس باقدامه الطريق بين ذئبين جائعين متعطّشين الى الدماء , ثمّ صارا يطلبان منه الانحناء وهما ينحنيان معه وكانّهما يسيران في نفق ضيّق , او في قبوٍ سقفه لايسمح بمرور انسان الاّ ان ينحني . قدّر شهاب في دخيلته كيف يلعبون معه لعبة القط والفأر , ولكنّه قرر في السر ان يشارك في اللّعبة وهو في بحر التصوّرات وقد صدم بشئ لمس كفّه الايسر ذراععاً لاحد الكراسي . صار شهاب يمثّل على خشبة المسرح : ولكن بلا جمهور , وبعد ان استُهلكَ ذلك الفصل الدرامي للمأساة الملهاة وهو كالأعمى .استقرّ في المكان الذي ارادوه له .بل امروه بالجلوس كأسير جاؤا به من جبهة العدو ,وقبل ان يسترد انفاسه , ويطرد خفافيش الهواجس في ذلك النهار المكفهر , والكالح .
سمع صوتاً يخاطبه (اي ابو قاطع) اسرد لنا لنسمع احاديثك الابريّة وانت تدمي جبهة الحزب , وتطعن , وتسفّه المنجزات التي باركها الشعب . فاسمعنا منها ولو بحدود النزر اليسير , والقليل القليل . هذه باقة من اختلاقاتكم , وممفترياتكم ثمّ عقّب و ليس عندي ما اقوله لكم .بل عندك الكثير , بل الخزين من مفردات الهجاء .قلت لكم ليس عندي ما اقوله . بل ما قلته بالامس القريب . ماذا كنت تقول , لا تتجاهل , او تجعل من نفسك ابلهاً , وساذجاً . لم اقل شيئاً . بل كنتَ تطعن انجازات حزبنا , حزب الجماهيرالواسعة , حزب البعث , وتسفّه اهدافه بصلافة ما بعدها صلافة . هذا غير صحيح . لدينا شهود . فليشهدوا امامي . وتسجيل لصوتك وانت تنتقص , وتطعن , وتسفّه .اذا كان لديكم شهود , وتسجيل لصوتي فلماذا تتعبون انفسكم ,وتتعبوني فأتوا بالتسجيل لاسمعه , اولتجلبوا الشهود وعند ذاك ينتهي كلّ شئ .كانت الاسألة تتكرّر , وتتكرّر نفس الاجوبة لما يزيدعلى مدار اكثر من ساعة على اقل تقدير غير انّ الاصوات تختلف بنبراتها وهي ضاغطة , وقويّة ,ولا تقل بآلامها عن الاشواك عند ما تشتبك مع قطعةمن الحرير وقد تغوص في الجلد الرقيق لإنسان لا يألف الروغان , والمماطلة , والتكرار السمج والذي لا يفضي إلاّ الى حرق الاعصاب , وتبديد الوقت , وازدياد التشنّج, والاضطراب النفسي , وتحفيز الازمات ,وتهويل الاشياء , ولمّا قدّر شهاب ان فصول الرواية سوف لن تنتهي طلب منهم ان يدخلوا في الموضوع ,وبشكل جدّي وان يأتوا بالتسجيل , او بالشهود .وصار يلح ويلح دون الانغمار معهم , والوغول بعمليّة الطرح والنفي . بعد هذا الالحاح الذي القى بمرساة ثقله اوقف الزورق في مكانه وحدّ من حمّى النباح .
قال احدهم لا تتعجّل للامر فما ايسر , واسهل الشهود
الذين ستسمعهم بأُذنيكِ , وستراهم بعينيك . فَطَنَ شهاب للمناورة , فقال نعم باستطاعتكم تدبير الشهود
ولكن من سيشهد ليدين انساناً بريئاً . ؟ انا اسأل فقط كيف ستغمض عين من يقسم كَذِبَاَ ؟ هل باستطاعته ا ان يضع كفّه تحت رأسه ,وينام مستقرّاً ؟وبلا كوابيس وهو تحت الرقيب المعاقب للذات المتنكّرة للعدل , والعاملة على الوقيعة بالابرياء . سكت الرجل ولم يجب , ولم يعقّب وبعد وقت قصير عادت الطواحين تدور لتخرجه عن طوره الانساني : تدور مثل دورة القوان , وعلى نفس النغم , وبوتريّة محمومة قد لا تنتهي , ولا تقف عند حدود . فكّر في ان يسلك معهم درباً غير مطروق , وغير متداول . حاول الدخول في حوار قد يحرّك المشاعر , ويوخز الاحساس ليستحضرهم من الغيبوبة الى الصحو لممارسات غير ظالمة , وبعيدة عن الانحراف المشين في سير التحقيق للانحياز الى الحق , والخروج من عنق الزجاجة , والانغماس في صفاء صحو خارج دائرة عمى الالوان , والترفّع عن لعبة جر الحبل من طرفيه دون الخروج باستقلاليّة رفيعة قد تجعل سير التحقيق مع اصطفاف نوع من البشر يقرب من صفاء ( اخوان الصفا ) ولو ان الّلقاء قد يستحيل بين قطبي الملائكة ومجتمع الشياطين , وها هو شهاب قد توغّل في تخيّلات قد تضعه على ضفاف نهر من النقاء ليعيد الذاكرة لمن فقدوا ذاكرتهم . وهويلقى بنفسه قي تيّار لايدرك نهايته مع وضع اسوء الاحتمالات للخلاص من هذ الحوارغير المجدي . بل والقاتل : طلب منهم بلطف ورقّة في ان يفتح الابواب والنوافذ , وبلا تردّد لاجتياز المسافات الطويلة مع الاختزال كسباً للوقت , ووصولاً للّب ألحقائق . انطلق قبل الاذن والممثّلون على خشبة المسرح صاروا يصغون لصوت شهاب . وشهاب مثل قشّة تدور في دوّامة بئر عميق . انتم في تجاربكم كرجال امن تعرفون بشكل دقيق انّ ايّ متّهم سواء كان بريئاً ام غير بريئ حين يقع في مطبّة ما مثلما اناالآن : المتّهم يفعل المستحيل ليحمي نفسه بكل الوسائل حسب قدراته ومستلزمات ادراكه لفعل ايّ شئ يفضي به الى الخلاص , والخروج من قبضة القانون , وبالضرورة يحاول ان يخفي كلّ شئ من نشاطاته السياسيّة , وخاصّة الاعمال التي تسلّط عليه الضوء عبر سنواته المضنية التي لها مساس به كمتهم , ثمّ عقّب قائلاً سافتح لكم الملف السرّي لتطّلعوا على كلّ صغيرة , وكبيرة ,فالصفحة الاولى تشير الى كوني عاملاً نقابيّاً ناشطاً, خلال العوم في بحيرة الصراع من اجل تحسين رغيف الخبز, والعيش تحت سقف يحميني , ويحمي اهلي . تعرّضت الى الملاحقة , والاضطهاد بشكل محموم ايّام النظام الملكي . وفي فترة من فترات تصادم المصالح تعرّضت الى الفصل من العمل بعد ان القي القبض عليّ والبعض من اخواني العمّال فتمّ سوقناالى احدى المحاكم وحكم علينا فكان الجزاء الحبس لمدّة نصف عام وانا احمل على رأسي سلّة العذاب , وابجديّة الصبر لاستخرج منها قصائد الصعود , وانكسارات الامواج على صخور الحسابات غير الدقيقة . كنت اتعرّض للاعتقال باستمرار تحت مظلّة
النظام الملكي , وفي ضربة من ضربات القدر حصلت الثورة , واشرق تمّوز في الافق : فكانت عودتنا كفريق يدخل الملعب ليحصد اهدافاً جديدة في ساحة تختلف قليلاً عما كانت عليه . كنت احد افراد الفريق اللاعب و ممن يكافحون لكسب المزيد من الاهداف , وفي مجريات العمل حصلت خلافات بين ارباب العمل وبين بائعي قوّة عملهم , فاندلع اضراب جديد تحت مظلّة تمّوزالمخلّص , وبدل ان تقف الثورة موقفاً حياديّاً مالت بميزانها صوب ارباب المال , وتحرّكت بالنيابة لكسر الاضراب , واعتقال المضربين وسوقهم الى المحاكم , واصدار الاحكام بحقّهم , وقد حصلت على تكريم اثقل سنوات العمر الى جانب من ظلّوا يسحبون خلفهم عربات الاعوام الثقيلة .وبين موت تمّوز وبعثه عدت ورفاقي الى العمل بمرسوم جمهوري . ومنذ الحكم الملكي ولحد هذه الساعة احسّ وكأنّي موضع شكّ من قبل جميع السلطات التي ارتقت سدّ ة الحكم . مركزك في الحزب الشيوعي . عود على بدء . الم تقل انّك تقرأ صحيفة اتّحاد الشعب . ويوم عطلتها . التآخي . نعم اكمل لنسمع بقيّة الكتاب المفتوح . شهاب انا انعطف صوب الاشتراكيّة ولا غرابة ان قلت انّكم ايضاً من عشّاق الاشتراكيّة .احدهم اذا كنت من محبّي الاشتراكيّة فلماذا لا تفتح قلبك لنا . لم اقتنع بعد . اذن فانت شيوعي . كلاّ انا ماركسي .انت تخبط خبط عشواء ومع هذا التخبّط فانت انسان غير عادي , وخطر كونك شيوعي .شهاب اعجب , واستغرب كيف لا تفرّقون بين الماركسي والشيوعي؟ فانا مواطن لا اشكل اي خطرعليكم لكوني عاشقاً وغيرمنتظم . فالشيوعي يدفع بدل الاشتراك شهريّاً, حسب مورده المالي , وينخرط في احدي خلايا الحزب , ويتلقّى التعليمات , ويطبّق سياسة الحزب , وينشرمفاهيمه في المجتمع , ويتلقّى التعليمات وهو في حالة ضبط يتسق والضبط العسكري
بينما الماركسي لا يزيد عن كونه عاشقاً وهو مثل من يدخل حديقة عامة تحتوي على اصناف من الورود النضرة فيعشق الوردة الا جمل التي توزّع عطرها للجميع , وتعرض بسخاء رحيقها للنحل . قال احدهم اذا كنت غير شيوعي فوقّع لنا . اجاب شهاب لقد وقّعت قبل وقت قليل . كيف وقّعت , ومتى .؟ الم اشرح
لكم الفرق بيني وبين الشيوعي . آخر عملك (صبّاغ موبليا) . باغته صوت مموسق جيّد جيّد جدّاً انّك تستطيع ان تقدّم اكبرخدمة لوطنك حيث تدخل البيوت , وتختلط بالعوائل , وحسب تجربتنا : هناك تحصل احاديث وقد تدور بعد ان تطمئن القلوب , وتتعزّز الثقة بينك وبينهم :وقد تجرّهم لاحاديث شتى .. ومن خلال الاحاديث , والوضع الذي يعيشه المواطنون سنعلم , وسنعرف ماهو مكنون تحت الرماد ,وستحتسب لك حسناتها مع مردود مالي يعينك على صعوبات الحياة , وييسر لك سبل العيش الكريم .لااستطيع القيام بما تطلبونه منّي . صوت آخراعمل معنا في الحركة النقابيّة . انا متقاعد ولا يجوز لي العمل في الحركة النقابيّة , وخاصة انا رجل كبير ومتعب , واريد الانصراف الى عائلتي , والقيام بمتطلّباتها اليوميّة كوني بمثابت ربّان لسفينتها في محيط مضطرب . اذن تعال معنا في الحزب . قلت لم اختر بعد .اذن ستوقع لنا الوثيقة ايّة وثيقة . التي تثبت كونك غير شيوعي . اوقّع لكم ان اقتنعت بصيغة الوثيقة .اذن افتح قيده . فتح القيدعن معصميه وتحرّرت اليدان مثل عصفورين اطلقا من القفص وغمر شهاب موج من الفرح , وشعر بانّ المسرحيّة اوشكت على الانتهاء من فصلها الاخير. وفي تلك اللحظة التي اقترب العائم من الشاطئ سالماً واذا بصوت جهوري ومنفعل يقترب , ويصرخ ثمّ يمسك بيد الآخر الذي حرّريديّ شهاب وهو يلامس قطعة القماش التي تغطّي عيني شهاب , ويهتف لاترفع قبل ان يستجيب لنا حول اُولائك الذين تسلّلوا الى حزبنا كخط مائل وقد دفعوا ثمن لعبتهم القذرة الاعدام
صرخ بشهاب عليك ان تدينهم . لقد تسللوا الى صفوف حزبنا , و جيشنا الباسل , صوته يتهدّج بشكل مأزوم ويصرخ شهاب , شهاب عليك ان تدينهم . شهاب ادين من ؟. تلك الزمرة الخائنة . كيف ادين من لااعرف ؟ . بل تعرف , وتعرف , وتعرف الكثير عنهم . اقول لك لااعرف ولم اسمع الا الآن . تكذب .الم تقل انّك تقرأ جريدة اتحاد الشعب بشكل يومي . ويوم عطلة تلك تقرأ جريدة التآخي . نعم ولكنني لم اقرأ هذا الخبر . الرجل المأزوم كيف تدّعي عدم اطّلاعك وقد نشر بيان اعدامهمفي جميع الصحف العراقيّة ؟شهاب يصر على عدم اطلاعه على هذا الموضوع .الرجل المأزوم لايهم عدم اطّلاعك ها انا اطّلعك الآن وعليك ان تدينهم كونهم يستحقّون الاعدام .كيف اُوّقّع على وثيقة اجهل فحواها او التثبّت من وقائعها , وساضرب لك مثلاً افتراضيّاً فلو حصل شئ لم يكن بالحسبان , ولنقل خارج كلّ الحسابات , وقد نباغت بقفز قوى الى سدّة الحكم واحضروني الى مكان ما , وطالبوني بادانتكم .
هل تروني سأستجيب لهم بهذه السهولة :الجواب انا ساردّ علي هذا الطرح , واقول لكم سوف لن استجيب لهم على ما يطلبونه منّي .ذلك بمقتضى الامانة والعدل لدى كلّ منصف طالما كانت هناك اشراقات الى جانب الاخفاقات في المنجز العام . فما كان من الرجل الاّ ان دفع شهاب من قفاه بحقد , وكراهيّة كاد يطيح بشهاب من على الكرسي وهو يصرخ (ولك انت شكد حاقد) واخيراً قيّد شهاب من جديد حيث قطعت اجنحت العصفور . و تناثرت الاوراق من جديد , وعاد القوان كدورته الاولى . واذا بصوت يهدر بقوّة جنونيّة . انت تسفّه افكارالحزب ,وتطعن منجزاته . آخر (ابو قاطع )قل ونحن نسمع . كانت الحصيلة عدة اصفار على يسار الحوار اللامجدي: شهاب يتدرّع , ويردّد في دخيلته , ويهمس في صندوق الصدر يا صبر ايّوب . كثر اللغط والحمحمة كحمحمة الخيول الفتيّة وهم بين الانفلات , والقهقهة على حكاية الكتاب المقتوح .كانوا في ضجيجهم( كفرقة انشاد تلقي) بثقلها , وهي تدحرج الزهر على النرد . وتنشد اغاني غجريّة تمتّ بصلة حميمة الى ادب اللامعقول وهي تهلوس , وتنهق .., ..واخيراً نطق احدهم وهويقول لندخل في الموضوع . شهاب : مع هذه الدورة الواسعة حول العالم وانت لم تدخل في الموضوع . آخر لا عليك , سنكون جادّين معك الآن . متى انتميت الى الحزب الشيوعي . ؟ وما هو مركزك في الحزب سابقاً , ولاحقاً . لم ولن يحصل لي انتماء لايّ حزب للشيوعي ام لغيره , وها انّكم تعيدون السؤال , وبلا تكلّف , وكأنّكم لم تسمعوا النفي . لاعليك نحن نسأل وانت تجيب . هذا شغلنا . آخر قلت انا ماركسي ونحن معك كمن يفتّش عن ابرة في كدس من القش . نريد ان نتثبّت من سلامة موقفك , وعليك ان تتعاون معنا والاّ .. , ..مانوع التعاون . الحركة النقابيّة , او الانخراط في صفوف الحزب القائد والانضمام لجهازنا .نحن نعطيك الحرّية في الاختيار . قلت انا متقاعد ولم تحصل عندي قناعة للانتماء الى ايّ حزب , وليست لي قابليّة ان انضمّ الى جهازكم .ما هي تبريراتك وانت تتهيّب الدخول لبحر(السرخس)وكأنّك تخوض في دائرة المثلّث البرموددي .(شوف) عائلتك تحتاج الى دعم اقتصادي , ونحن نكفيك شرّالعوز , والفاقة وعملك معنا يندرج في اطاعة اولي الامر: والقرآن الكريم يوصي بذلك . شهاب لا استطيع , لا استطيع , وصار يحس بحرارة , وتعرّق , ودوار يكاد يسقطه ارضاً , ولكنّه تماسك وهويكاد يغيب عن الوعي وقد اختلط عليه كلّ شئ ولكنّه تحامل على نفسه . بعد صمت دام لوقة قصير . سأل احدههم كيف تفسّر ذيليّة الحزب الشيوعي العراقي الى الاتحاد السوفيتي ؟ . ليست هناك ذيليّة : انّما هناك علاقات اممّية , وتبادل خبر في العمل الميداني , والنظري مع وجود وحدة الافكار , والاخذ باعتبار ظروف كل بلد , ولكل بلد خصوصيّاته . احدهم الا تعتقد معي انّ الافكار الشيوعيّة موفدة الينا كطرد بريدي . شهاب ابتسم بسخريّة معلنة ثم قالكان خصوم الشيوعيّن الروس يقولون للشيوعيّن الروس ان افكاركم وافدة وهي كريح صفراء تأتي من خلف الحدود مثل ما تقول انت الآن , وبما انّ ماركس , وانجلز كانا يحملان الجنسيّة الالمانيّة وعلى ضوء هذه القاعدة فالشيوعيّون الروس عملاء لالمانيا .انا بدوري اسأل لماذا لا تسمّي بقيّة العلوم وافدة كالطب ,والهندسة , والجغرافيا , وغيرها , وغيرها : طالما انّ الافكار الماركسيّة لها مساس بالتغيير من حال الى حال فهي تبقى تحت الرقابة , والملاحقة في البلدان غيرالديمقراطيّة , وهي تعتبرفي نظر خصومها نظريّة خطيرة . و هي لم تكن سوى رافد مثل بقيّة الروافد , والتيّارات الاخرى في المحيط السياسي العالمي . ولاضرب لكم مثلاً : لو كنتم انتم على وفاق مع النظام السوري , بالتأكيد لكانت علاقتكم اكثر تماسّاً , ولكثرة زياراتكم , ولتبادلتم المعلومات ,
ولتعزّز ة وجهات نظركم , ولصل لكم ولهم تطوّر اكثر مما انتم عليه الآن . قال احدهم, وبشكل استفزازي . هل انت عربي ؟ جفّت الدماء في عروق شهاب , وظهر على وجهه اصفرار الزعفران , ونزّالعرق من جبهته , وانساب تيّار بارد الى جسده فقال بحدّة نعم اناعربي . قال رجل الامن الآن اخوانك العرب الارتيريّون يتعرّضون للانتهاك , والابادة من قبل النظام الاثيوبي الشيوعي , فما موقفك كعربي . موقفي منهم كموقفي من اكراد العراق اذ لا استطيع ان ارفع
ظلماً الا انّ موقفي مع المظلومين في الارض. لقد عشت تحت المظلّات المختلفة , والمتباينة شكلاً وفيما يخص التعامل معي كمواطن بدءاً من النظام الملكي ثمّ الجمهوري لثورة الرابع عشر من تمّوز , ومن ثمّ شباط ... والعبور الى نظام الاخوين , واخيراً بتمّوز الابيض ولم ار اثراً يخص الكرد , او فيما يخص الملّا مصطفى البرزاني بالذات فقد تعطرسيرته النضاليّة , يوماً ويوماً يتهم , وينعت بالخيانة الوطنيّة , وقد تطلق هذه النعوت على ضوء المصالح , وتحديد المواقف من زيد , اوعمر على ارض متموّجة تحدّدها رياح السياسة , ومصالح النظم , ومواقف الاحزاب في ظروف قد تتغيّر بين وقت وآخر . كذلك الارتيريّون وضعهم مثلما الكرد عندنا كونهم يمثّلون القوميّة الاصغر عدداً . ومن هنا تكون المفارقة , واختلاف وجهات النظر في البلدان الاقل تسامحاً مع الاقلّيّات القوميّة , والعرقيّة . قال آخر سؤآل . ؟ شهاب سوف لن اجيب عن ايّ سؤآل خارج موضوع قضيّتي , وهل اوهل انا زعيم سياسي لاُجيب عن اسئلة ليست من صلب التحقيق . نحن لم ننظر اليك كزعيم سياسي , او احد المهمّين , وانّما نطرح بعض الاسئلة استئناساً بالرأي . قال آخر بل تجيب عن ايّ سؤال طالما انت متّهم بقضايا خطيرة . انا لا اُجيب , وانطلق من زاويّة قانونيّة , وهناك تشريع , وعرف يقول انّ المتّهم برئ حتى يدان . هتف الآخر لماذا نسلك الطريق الوعر ما دام عندنا شهود , ولدينا تسجيل كونه يطعن انجازات الحزب , ويسفّه آجندته . شهاب عود على بدء . اخترق سمعه صوت جهوري : انضم الى حزبنا كيف توفّق بين انضمامي الى حزبكم , ؟ وقبل لحظات كنتم تتهموني بالعمالة , والخيانة لتربة الوطن ,وها انتم تلاحقون الفلّاحين في القرى والقصبات , لتضمّونهم الى جانب السيّد المالك للارض , ولرقاب الفلّاحين . وكذلك تضمّون العمّال الى جانب ربّ العمل , وتلهثون وراء الكاسب في محلّه , والموظّف في دائرته , والجندي في المعسكر. اعود فاسأل . كيف توفّقون بين الذئآب والحملان في الحضيرة ؟الواحدة .؟ وقد يحيق بكم خطر الخلط غير المتجانس . ردّ احدهم بعصبيّة شديدة , وبصوت جهوري , وبانفعال واضح نحن نطمح لضم حتى الرضيع في المهد . شهاب لا شك انّكم تنتحرون , وتنحرون حزبكم باتجاه مطلع الشمس . وحسب معلوماتي المتواضعة ان الحزب ايّ حزب كان يعتبر هئية اركان تقود جماهير الشعب , واذا ما ضمّ الشعب كلّه الى الحزب . عند ذاك سينتهي دوره , قال آخر لقد ابتعدنا عن جوهر الموضوع , وشططنا بعيداً , وقادتنا الالفاظ غير الرصينة , والحوارات الرومانسيّة , وربّما اصبنا بجرب المغازلة الناعمة والتي لا تفضي الاّ الى الاضرار بجهازنا المنيع , وفشل مهمّتنا مع هؤلاء الذين يروغون منا روغان الثعالب , ووجّه خطابه الى شهاب . اسمع لقد اطلنا معك اكثر مما ينبغي , انا اتحدّث معك بالعربي اتفهمني . شهاب نعم افهمك ستنضم الى الجهاز .. شئت ام ابيت . هذا رقم تليفوني الخاص , ربّما تحتاجه , عند العوم في البحيرة , سيقيك شرالحيتان الزرق , وانت تحمله مثلما تحمل الطلّسم الواقي من الشرور, وستتصل على الفور عندما يضايقك احدهم سنكون ظهيراً لك . شهاب ليس لي اعداء , لا من الحيتان الزرق , ولا من غيرها , انا تعب , ومنهك جرّاء الحوار الاغرب , والاعجب .. قاطعه الرجل , وقال انا اعرف انّ البدايات ستكون صعبة عليك اثناء العمل معنا, ولكنّك ستتعوّد بمرور الزمن , وستشعر كونك واحداَ منّا . هيّا قل نعم , وتوكّل .. , لا استطيع : لقد اختلطت الصور , ولم اعد اميّز بين لون وآخر . لماذا تجهد نفسك هكذا . كان عليك ان تنهي الموضوع قبل الآن , وربما كنت في بيتك هذه الساعة , او في عملك مستقر الضمير , وقد خرجت من موجة الهلع , والتحسّب . قلها وكن صادقاً مع نفسك , وستكسبنا كاصدقاء لك , وسيزداد احترامنا لك , وتقديرنا , وبدل ان نهملك مخمّراً في الطامورة .سنضعك بيننا كأيّ ضيف عزيز ساعة تلامس اقدامك الارض وتلقي ب (نبات القات) الماركسي الذي يحملك الى عالم الهلوسة , ويوتبيا مدعمة بتصوّرات رومانسيّة . شهاب ما تقول انا انسان متعب لا يهب , ولا يدب . شهاب انّ من يكون بين ايدينا ليس له ان يرفض , وعليك ان تتقبّل الامر الواقع , وقد عاملناك باكثر مما تستحق : ونحن لنا اساليبنا في الترويض , والتدجين . وقد لا يخطر على ذهنك .. ,وقبل التورّط .. , فلا تطمع بنا اكثر مما ينبغي .ازدحمت مطارق الاصوات على سمع شهاب وهي تدق بقسوة الطبول لمريض يحتضر .تصوّر شهاب نفسه وقد حشر في حفرة مظلمة , وحارة حرارة تمّوز في ظهيرة تحت قرص الشمس وعلى خط الاستواء . اختفت كل صور الحياة الزاهية عن نظره , وهو يدور في الدوّامة والاصوات تطرق على طبلة الاذن . لابد ان تنضمّ الينا . واخيراً ضاقت به السبل , وعصفت به رياح الحماقة , والتطرّف الاعمى , وانهيار الاعصاب . فقد شهاب توازنه , وردّ بصوت عنيف , وجهوري وهو يرتعش : لااستطيع ان اكون قصّاباً . وعلى اثر هذا الانفلات الّلغوي , وعدم السيطرة على مقاطع الكلام , والانغمار لقعر الجب , وفرار طائر الصبر , و الحماية لتحصين النفس من الخطرالمحدق بها . غزا السكون المكان , وران صمت عميق لبرهة من الوقت , ثمّ هدر صوت كأنّه صفير الجن . قال ما معنى كلمة قصّاب , ؟ وما المقصود بها ؟. شهاب انا لا استطيع ان اضع الآخرفي المطب الذي انا فيه , وكما ارى نفسي , ارى الآخرين . انا برئ مما اتهم به الآن وكلّكم يعلم بأنّ عمل القصابة في الشريعة الاسلاميّة غير محرّم . وهوعمل لاغبار عليه , ولكن اسألكم جميعاً ؟هل تستطيعون القيام بنفس مهام القصّاب في الذبح ,والسلخ , والقطع ؟ . لااحد يجيب . قال شهاب انا اجيب عن سؤالي هذا كوني اتمتّع بمشاعر رقيقة , وشفّافة , تقطر انسانيّة فلم , ولن اتمكّن ان اضع غيري في مكاني الذي انا فيه الآن . ران صمت عميق , وكأنّ الموقف جعل كلّ واحد منهم يبتلع حفنة من مسحوق الزجاج , ويلوذ بالخرس تحت خيمة الحقيقة وبعد ان طال الصمت , عاد (القوان) يدور , ويبعث النغم النشاز, والجوقة بوتريّة وقحة تردد اغان مستهلكة , ومبتذلة . قال احدهم ممن اغتسل في حوض الدماء ( شوف ابو قاطع ) سنتركك قبل ان تمشي على رجل ثالثة , وبعين واحدة خلف نظّارة طبّية في مدينة عميان يفتقدون البصيرة , ولا تغيب عن ذهنك عصي الخيزران : وكم تغزّل الشعراء بقوام عشيقاتهم الخيزرانيّة . شهاب انا انسان ضعيف وقد تجعلني أأنّ إبرة شوك صحراوي . كما انا بين ايديكم , ويمكن ان تتصرّفوا معي كيف ما تشاؤون ولكن سوف لن تسمعوا منّي غير الذي سمعتم
قال احدهم مخاطباً شهاب بصوت فيه نعومة نحن نريد لك الصعود وليس السقوط: نريدك في الحقل النقابي
في اقل الايمان , وفي ادنى درجات التعاون , ولنقنع انفسنا , ونقول انّك تعاونت معنا بصدق .لا استطيع وانا ما انا عليه . آخر ان قبلت فسنرفدك براتب يعينك على ايّامك وانت كبير , ومتعب , ولا تستطيع القيام بمهام العمل كالشباب( فلكزت) نعمتك بقدمك ورفضت عرضنا .. , حاولنا ان نفتح لك منافذ عديدة , وانت ترفض .نحن نطالبك بشكل هادئ ان تبرّر رفضك لكلّ ما طرح عليك كالانضمام الى الحزب , او الى دائرتنا و.. ,و .. , اجاب شهاب فيما يخص العمل في دائرتكم فقد اجبت عنه بشكل مستفيض . اما العمل في الحركة النقابيّة , فقد قلت واكرر انا متقاعد وعملي يخالف القانون , ناهيكم عن كوني متعباً , ولا استطيع القيام بالمهمّات المترتّبة , والتي تقع على عاتقي ساعة العمل الجاد, ولا اريد ان اخدع نفسي والآخرين . وامّا العمل او الانضما م الى حزبكم فقد يحتاج الى قناعات . والحالة التي تعيقني اكثر هي مرضي . ما نوع مرضك الذي تعاني منه . قرحة المعدة .في تلك اللحظة صدمه صوت فصعق على الاثر حين سمع احدهم مقهقهاً , وساخراً وهو يقول(ولك انتم هلقد جبناء شو واحد يقول عندي سكّر , وآخر يقول عندي قلب وانت تقول عندي قرحة) اهتزّ شهاب على الكرسي , وكادت الدموع تطفر من عينيه , واشتعل غيضاً , وقال سوف لن اُجيب على استفساراتكم اذا لم تسمعوا لي . ردّ احدهم انت متّهم وقبل ان يستمر بالحديث قاطعه شهاب وقال انا برئ, واصرّ على ان يسمعوه . قال احدهم بسخريّة وهو يقهقه اسمعوه واقرؤا شيئاً من كتابه المفتوح ثمّ اردف ذلك الرجل بالقول نحن نسمعك . شهاب انا اُقدّر ولا اجزم فيما يخص وجودي بينكم , ولا اعرف كم مضى من الوقت علىّ وانا تحت مطارقكم , وها انا اسأل منذ ان وقفت فريسة بينكم . هل قلت لكم انا مريض : لم يجبه احد . عقّب انا لم اتفوّه ولو بالهمس , او النجوى حول مرضي :فلتسمعواردّي على ذلك الشخص . وانتم عندما دخلتم معي في حوار واسع , ومتعب . منه ماهو في صلب التحقيق , ومنه ما هو خارج ابعاد التحقيق, وطيلة الوقت الوقت لم اقل لاحدكم انا مريض, ولا اعرف بالضبط عددكم , وقد لاتزيدون او تقلّون عن اخوة يوسف . ولا يمكن لايّ فرد منكم ان ينخرط في تلك الدائرة ان لم يكن بعثيّاً , وكذلك اجهل مواقعكم الامنيّة , والحزبيّة وقد يكون البعض في سفح الجبل , و الآخر في قمّة البرج فانا اخاطبكم من موقع الضعف , وقلّة الشأن لاقول لكم انا لا اخافكم بدءاً من قمّة الهرم , ولاخمص اقدامكم وذلك كوني اعرف اين اقف . وكذلك بأنّي لم اُخالف روح , ونصوص القوانين , وادرك ما عليّ من واجبات , ومالي من حقوق على الوطن . ثمّ سكت قال احدهم انا اعتذر نيابة عن زملائ ,لما حصل من تجاوز بحقّك : وبعد سكوت لم يدم طويلاً .قال احدهم سنمنحك فرصة للمراجعة مع النفس قبل التورّط . شهاب : لو خيّرتموني فانا افضل الاستمرار في التحقيق . نحن نعطي الفرص , ونقدّر , ونصرعلى ان تراجع نفسك قبل التورّط .. بعد دقائق تأكّد شهاب من خلو المكان . كان يحس بالتعب الشديد , وارتخاء الجفون ثمّ . غاب شهاب عن الوعي . كان يجهل كم من الدقائق استغرق وهو يغط في نوم عميق . استيقظ على اثر ضربات الاقدام على الارض واصوات مرتبكة ,ومنفعلة وكانّما كانت مقصودة لإكمال المسلسل الدرامي , وختامه عند اخراج العفريت من القمقم , او عودته الى قعر الزجاجة وذلك يتحدّد تبعاً للموقف . تملّكت شهاب الدهشة , والسخريّة من تلك الادوارالرديئة , والباهة
وهم يتقمّصون شخصيّات قرقزية تصلح للعب الاطفال
وهم يتظاهرون بالحزم , والجدّية . كل ذاك الضجيج افتعلوه ليصوّروا شهاب انساناً خطراً وهم ينظرون اليه من وراء عدسة مكبّرة للصورة , ويتنصّتون عليه بواسطة جهاز لتضخيم الاصوات . كانت تمثيليّة سمجة يمجّها الذوق , ويضيق بها الصدر .., حين تتحرّك تلك الاقزام على خشبة المسرح في نهار مكفهر , حيث تراهم يخفون هواجس ضعفهم برفع الاصوات المحمومة , والتي تقترب من النهيق . وهاهم يفتتحون الملف , او الفصل الثاني من المسرحيّة المتهالكة . نطق احدهم هل راجعت ما انت علىيه كونك تقف على حافة هاوية عميقة الغور. لم يجب شهاب . تملّكه الاحساس المفضي الى الهلوسة , وكان ينصت الى قرص القوان الداخلي وهو يكرر عود على بدء . عود,على بدء .عود على بدء . احدهم لِمَ لم تجب . شهاب في حلمه الداخلي يتحدّث دون ان يسمعه احد مللت التهريج , والسفسطة البيزنطيّة , ومسرح الّدمى , شراسة القطط السياميّة , في مجتمع يدعي الحضارة والمدنيّة , يقوده رجل خرج من العدم وجلس على عرش من البلّور بهيئة عملاق يرتاد الاعالي , و يعاقب بالموت من يفر: وقد عرج لحفرته وخلّف وراءه الخفافيش , والنمال القارصة. صرخ احدهم شهاب اين انت ؟ اجاب في ساحة الترويض . يظهر انّك استفدت , وستفيد ..
شهاب نعم , نعم استفدت وسافيد .الرجل انا فرح لكونك ستحجز المكان الذي يليق بك في الدائرة .
شهاب في السر تعني بيدقاً على مربع شطرنج . الرجل اذن هيّا اسمعنا . شهاب ماذا ؟ الرجل لاُباركك . شهاب سيّدي لست من صنف المقدّس . الرجل من ماذا ؟ . من الصنف الذي تظن .. ,
الرجل سوف لن تخرج مثل ما دخلت . شهاب يتذوّق طعم المرارة بالتصوّر رغم كونه هو الممثل المناطة به الادوار الحاسمة . كان ينصت لالتقاط الاصوات ليردّ عليها برصانة , وتوجّس وهو في مربّع المحنة مع جند الشيطان , وقدحسب نفسه على عالم الموتى الاحياء في المحيط المجهول . كان قَدَرَهُ في ان يقع فريسة وساوس بين مجزرة , ومأدبة وقد غمس يديه ليسكت زمجرة المعدة , ولا من طعام . كان يركض لاهثاً ومدفوعاً برياح الزبانية .. صوب المورد المحتقن بالجراثيم . وهو لا يستطيع المراوحة . في سباق الالف ميل وهو بين حلم الفسق واستعادة التوازن . اخيراً القى بمرساته , واوقف العربة المفتوحة الشراع فوق سكّة الظلام .خرج من صالة سحرة الفرعون المرقّشة بمسلسل المراجعة مع النفس الامّارة بالانزلاق صوب الهاوية ,والهشّة امام بريق الخناجر , وسياط المقرعة . خرج من ذلك الكابوس , وقام بخلع الطفيليّات التي تميل الى حياة الراحة , والدعة , والارتواء من المياه الآسنة. صار يعرّي صدره لشمس العراق المشرقة في الوجدان , والمتسلّلة الى تفاصيل حياة شهاب الغصن الصغير من الشجرة العملاقة التي تغطّي ثرى العراق بعد ان اكتمل العدد , وارتصف الجميع في فرقة انشاد لتأدية اغاني الموت , وانزال العقوبة بكل من لاينحني تحت رمح القائد الضرورة . دار القوان مرات , ومرّات عكس دوران الارض , والمجرات , وعقارب الساعة الكونية
نعم (ابو قاطع) لقد اخذت حصتك من الوقت للمراجعة مع النفس , والان لم تبق لك حجة علينا 0 لقد راعينا فيك كل شئ , ولا نريد ان تسقط خيمتك او تغتالها الرياح 0
كن مطمئنا" انك ستبقى في عملك , وستستلم اجورك الى جانب رفدنا لك , اضافة الى حمايتك من كل سوء ,
لقد قلت لكم ليس من جديد لدي 0اذن انت في الدائرة التي كنت تقف على صعيدها عند الزلزال .., ..بالضبط وسأبقى فيها فهي فلكي ومساحتي الصغيرة التي املك فيها كامل حريتي بدل ان اكون عبدا مقاتلا في ساحة رومانية ..,أأنت مقتنع ؟ وقد لاتزيد مساحتك على مساحة قبر ضيق لتكن وهي خير من ان تنبت لي أ ظافر , وانياب تخرجني عن طوري الانساني, وسأظل اردد اللهم اجعلني مجهولاً بين قوم يشار اليهم بالبنان 0(اللهم اجعلني مظلوماً ولا تجعلني ظالما..)اللهم اجعلني وردة في غصن لا يألف الشوك 0اهذه فلسفتك في الحياة حيث لا تدب ولا تهب؟ انت ترغب ان تعيش كرجل ميت الاحاسيس , وبلا طموحات لتكن حيث انت قطرة ماء لاتروي ولا تتبخر مثل جبر خرج من الرحم الى القبر0قال اخر هل انت شيوعي . شهاب عود على بدء . اجب مسرعاً .شهاب ولم السرعة وانت لم تحصل على بطاقة سفرك .رجل الامن الا لعنة الله عليك وعلى طالعكَ لقد هدرت ساعاتنا الثمينة ,ولم نحصد من بحيرتك قواقع اومرجان,وطينك لم يثمر الا الملح .ولا اراك الا حصاة في قدريغلي , ولا يشبع من جوع 0أسألك هل انت شيوعي ؟ كلا اذن تعطينا تعهدا كونك ..,لقد اعطيتكم مرات ومرات,وانتم تطلبون المزيد. متى ؟من بداية المسرحية والتي توشك على الانتهاء 0ألم تسألوا هل انت شيوعي فاجيب بالنفي .هذا لا يكفي ما الذي يكفي ؟ان توقع على تعهد كونك غير شيوعي سأوقع التعهد بعد اطلاعي عليه وان لم اقتنع به , فساكتب لكم تعهدا كوني لست شيوعياً وعلى الفور قال احدهم لآخر , افتح قيده وبعد فتح القيد كانت الاقدم تصدر أصواتأ مثل أصوات حوافز البغال , واخير رفع الغطاء عن عيون شهاب 0فأنتقل من عالم العميان الى عالم المبصرين 0حد الله في كتمان , وصار يتلفت فرأى رجلاً جالساً وعلى انفه تستقر النظارة الطبية والارض مفروشة بالسجاد وليس هناك من كهوف . كان الرجل يمسك بين يديه جريدة اتّحاد الشعب وهو يتظاهر بالانغمار ,والاستغراق في القراءة 0وهنا تظهر المفارقة الصارخة لذئب يرتدي جلد حمل وديع
بعد وقت قصير نهض الرجل واتجه قاصدا شهاب 0 وقد حمل ورقة مطبوعة , وجلس الى جانبه وقدمها له , وقال وقع تناولها شهاب وقرأها بدقة , وتركيز 0 وهي لا تزيد عن بضعة سطور 0 كانت السطور واضحة , ولا تجريح فيها سوى وشم يمنعك من الاقتراب من طعم ولون ورائحة الحزب الشيوعي 0بعد ان وافق شهاب مكروها على التوقيع تحت اخر سطر 0 الا ان الرجل مسك يد شهاب قبل ان يتحرك القلم 0 واشارالى مكان يفصل ما بين آخر السطور , وموقع الانسان حيث يقف تحت الصليب وقرب مقبرة الموت المجاني 0قدر شهاب ما يريد الرجل من فسحة على الورق. وكان قد سمع عن اللعبة قبل الوقوع في فخهم 0 وقع شهاب وقد ترك مساحة بيضاء لسباق الكلاب في المضمار المدنس , والمصبوغ بالدماء بعد التوقيع حاول الرجل الماكر خداع شهاب فقال نحن كنا وما زلنا نخاف عليك من ان يلفك تيار اخر 0 وكان يقصد القيادة المركزية .. وعاد يخادع ويراوغ وينغمس اكثر فأكثر في مستنقع الخسة والدنائة وهو يردد لو كنا نريد عقوبتك فلا نحتاج الى الاعتقال , بل لاشرنا الى رفاقنا في الجبهة ليجرّوا اذنك ولكن كنا نخشى الطرف الاخر 0ثم ضغط الزر فحضر رجل قصير القامة وقد ادى التحية وقال نعم سيدي 0قال رافقه للخارج 0 ثم مسك الرجل كف شهاب بكفه وخرجا الى الشارع وشهاب غير مصدق 0 وفي الطريق قرب شركات سيارات النقل في منطقة الصالحية كانت الاصوات تتصاعد سوريا , عمان وقبل الولوج في الزحام قال الرجل (شلون دينباع السبيرتوا) اجاب شهاب في السوق السوداء , وبعد ان استقلت الايدي قال الرجل لشهاب فرصة ذهبية 00,0 ترك شهاب وغادر الى كورة الدبابير وجحورالعقارب . وفي تلك اللحظة الفريدة شعر شهاب بأنه ولد من جديد وفكر في من يُخذَل , او يسقط في الامتحان 0 كيف سيصبح لغماً لجميع من يدورون في فلكه . كانت فرحته قد غطّت مساحة 42 عاما من الهلع والخوف والرعب تحت خيمة برابرة القرن العشرين .
شعوب محمود علي
3 / 10 /2013



#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السباحة في ضوء الصبح
- سقوط الجبل
- جسد الطين - الجزء الثامن
- السوط وصوت النشيد
- (ما بين سعة الكون وحيّز البندقة)
- ( خارج جذب الارض )
- في فضاء الحرّيّة
- المحطّات تنتظر
- الجندي وغبار العجلات
- الاعمى و سرير شهرزاد
- السقوط في المجاز
- ( مدرجي ومطار)
- الطرىق المعلّم
- لهرب من غابة الحضارة
- صرخة الغفاري وحجر الجوع
- (فيما يشبه الرؤيا)
- أمير القوافي
- تايتانك ورسائل الاستغاثة
- النشيد وصليل السيوف
- العالم قريتنا


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شعوب محمود علي - ( في نهار مكفهر)