شعوب محمود علي
الحوار المتمدن-العدد: 4343 - 2014 / 1 / 23 - 16:57
المحور:
الادب والفن
(جولة في حقول النوّاب)
الشاعر مظفّر النوّاب الرعد في رحم سحابة العرب .
(ثلاث امنيات على بوّابة السنة الجديدة)
لا اعرف من اين ادخل لقمقم هذا المارد لأجول على
قراطيسه وأنا اتوجّس خوفا مما يخدش جلدي
بأسلاكه الشائكة . مع هدوئه الظاهر قد يستبطن العاصفة في حقوله المتاخمة لانطباق الافق .
عرفته عن بعد . وبالتحديد في المنخفض الصحراوي
, وفي الرقعة المسمّاة ( بنقرة السلمان ) (باستيل ) العراق وقد ضمّ سجن الباستيل الفرنسي عمالقة الثوّار والمفكّرين الفرنسيّين من قبل وفي حكم ايّام الملك (لويس السادس عشر) , وقد اقتحمه الثوّار وحرّروا من فيه اما عندنا فلم تلتفت الثورة الى الغائه كونه رمزاً
لقتل الكلمة المجنّحة بقوادم الحرّية وزغب العدالة
الاجتماعيّة . هذه المحطّة الباستيليّة كانت بمثابة الفندق غير الاختياري لقوافل الشيوعيّين الاوفياء لشعب العراق الذي انجبهم على سفوح القمم لصعود معاركهم
مع الحكومات التي دُجّنت في الحضائر لتكن عاملة بشكل دائب في المناحل العراقيّة لتقدّم العسل الخالص للطارق الغريب . في هذا الخانق الرهيب . وفي الظروف الاستثنائيّة , ومرارة ما بعد عام 3 6 9 1
جاؤا بالطيور المقصوصة الاجنحة ليمنعوها من التحليق . بعد ان ذبح من ذبح , ودفن , من دفن , وعلّق من علّق و سبح من سبح في حوض (التيزاب) : يوم
سُملت العيون , وافتضّ العفاف لاكثر النساء العراقيّات شرفاً وقدسيّة, وتمّ الافطار بكؤوس الدماء داخل القصر الملكيّ الجميل المحاط بالأشجار الباسقة والطيور
المغرّدة وقد حوّر ليناسب ذوق المشبوهين .. , وسقط المتاع وهم يفخرون بدخولهم بالدبّابة الامريكيّة ساعة
تحطيم المصابيح , وحرق الحقول , والتزام منهجيّة الذئاب . في تلك الظروف العاصفة والطافحة بالمرّارة ..كان لمظفّر النوّاب البريق في سماء السحب الداكنة والذي رافق المتعبين وهم على متن سفينة الصحراء .
(ثلاث امنيات على بوّابة السنة الجديدة)
مرّة اخرى على شبّاكنا تبكي
ولا شيء سوى الريح
وحبّات من الثلج على القلب
وحزن مثل اسواق العراق .
عندما يكون الشاعر بعيد اً عن موقعه , مدينته , وطنه
هذه الاشكاليّة للبعد تدخلك في ثلاثية
( السجن )
(العزلة )
(المنفى خارج الوطن ,)
او خارج بيئتك : وانت تحس بالغربة في القلب .
في التضاريس ,
وفي الشرايين من وطنك المغترب عنك
و في حالة طلاق خلعي . ذلك انّك تريد التجاوز .. وعبور الجزر السبع , والدخول
لوريد الحضارة ونمو الطفولة , لتلحقه بقطار العالم العابر صوب الشمس , وعجلة الدوران في حساباتك الفلكيّة .
(مرّة اخرى امد القلب بالقرب من النهر زقاق
مرّة اخرى احنّي نصف اقدام الكوابيس بقلبي
وأضئ الشمع وحدي وأوافيهم على بعد
وما عدنا رفاق)
هو يمد القلب زقاقاً الى النهر . ذلك لكي لا يتوقّف ابداً
لأنّه لا يراوح وهو العاشق في الدوّامة من حركة الحياة
حتّى في حالة نومه يصارع الكوابيس ليقذف بها بعيداً
,ول يطرد الظلمات بإيقاده الشموع ولكن الموافاة
من بعيد تأكد ان الطريق واحد . ولكن عبر التمحيص , والغوص , والمماحكة في استلهام نظريّة المعرفة حيث تكون الموافاة من بعيد الى جانب الاحساس بالانفصام وتأكيد فرقة الاصطفاف حيث يتم دور القطيعة الكاملة ( لم يعد يذكرني منذ اختلفنا
صار يكفي , فرح الاجراس يأتي من بعيد )
لقد حصل ما هو في الحسبان
المراوحة ,
التلفّت الى الوراء ,
الحيرة ..,
المراجعة..,
التحرّز ,
قلب الاوراق ,
التغيرات غير المتوقّعة ..,
حلحلت التماسك المصيري ..,
الاعصار الشعري جعل من الشاعر هويّة استشهاد
بمعزل عن مواكب العالم وما حصل من التغيرات
ادت الى انهيار الاهرامات الاشتراكيّة جرّاء مصادرة
الحرّيات لتلك المدن المختارة , الى جانب الّلهاث وراء
تخزين الاسلحة لحماية معسكرها الاشتراكي, والتفريط
, والهدر بما توفّره العقول المخطّطة , والأيدي العاملة من التراكمات الانتاجيّة في الوطن الاشتراكي الام .
كانت العطاءات بسخاء مفرط للدول الضعيفة دون الالتفات الى المستلزمات الوطنيّة لتحسين حالة العائلة السوفياتيّة: كالحاجات الماديّة , والروحيّة . كذلك تقديس الفرد عندما يكون على ذروة هرم السلطة .
باختصار أطرح قول لنين مخاطباً
رفاقه في القيادة حصريّاً حول عمليّة التغيير (ان الشعب الروسي لا يفرّق بين القيصر, و كرنسكي,
و لنين) فدعوه يلمس حالة التغيير . في الوضع المادي, والإجتماعي . هذا ليس موضوعنا. لنعد الى شاعرنا الثائر مظفّر النوّاب في قصيدته
( اصغي في الليل الصامت
اسمع صوت الديك
سكارى الليل هنا في الشارع
اسمع صوت الاقدام
كالوقع العزف الموسيقى .
لا توقظ في البرج طيور الاهل
هنا في الحانة وحدك )
الشاعر يمتد به الليل وهو الحالم
في ظل اليقظة ينصت الى صوت اقدام سكارى الليل
مثل ما ينصت الانسان لوقع عزف الموسيقى
. هنا في الحانة وحيداً يتناول كأساً بعد كأس طافح
بالخمر ولكنّ الخمر لا يسكر رجلاَ مهموماً من اجل قضيّة يضيق بها رحم الدنيا وهي بعيدة المنال ولم تتحقّق بعد. رغم التحرّك العاصف , وربط عربة الليل بجواد النهار إلّا إنّ معاناة , وطموحات الانسان الغريزيّة , والتوق , والانجذاب بين قطبي الرجل والمرأة الى جانب مغريات الحياة وترفها , والركون الى عشّ حوّاء, عش الاحلام الذي يشكّل النصف الثاني لاكتمال دين الرجل . والشاعر مهما حلّق لمديات بعيدة يبقى مشدوداً للعطر النسوي وهو همّ يحتل المساحة الاكبر لرسم في لوحة الحياة .
بعد توقّف القطار قبل الوصول الى المحطّة المقصودة
حصل توجه خروج عن السكّة جعل قاصدي المحطّة يتركون القطار المعلّم برموز البركان بعد ان استنفد وقوده , وغطّت السحب السود سماء 17اكتوبر , وانفصلت عربات القطار يوم اتجهت الماكنة غرباً ولم يبقى على السكّة القديمة سوى اربع عربات .. ليس من السهل, او الاعتيادي على الفرد مواصلة الطريق الموحش بعد ان هجرته دول , وشعوب : ولكن الشاعر مظفّر ظلّ يواصل المسار مع النزر القليل من الرجال . على جدار. الانترنيت دخلت على موقع الشاعر الفذ سعدي يوسف , وحصراً على
قصيدته (الشيوعي الاخير) وان كان العنوان يعيد بالذين
يعنيهم الأمر تلك الايّام الزاهية , ايّام طمي البحر , وربيع المد لتغطية الاجزاء الكبيرة من الارض بماء البحر الاحمر ..
هذا العنوان عزيز على من بقية له نكهة من عطر الماضي : ولكن لمظفّر شلّال عبير حدائق كل العالم .
مع اعتزازي بشعر الشاعر الرائع سعدي يوسف .
لنعد لمظفّر وهو يتحدّث عن حانات الليل, وعن النساء حين يعبرن الخط المحظور , ويفرّطن بثمار بساتين الاهل حين يكسرن حدود العرف , والتقاليد , ويتقاطعن مع النسيج الموروث عند العرب .
(ويح العالم سربله مطر من سحب سود
لا مسرح افرغ فيه همومي
لا ظلّ غزال يعدو مع الخطوات على حلم وردي
اقدامي يركض فيها الليل على دغل شوكي)
وقد قال احد الشعراء من قبل
( وسارت الارض حين انطلق القطار)
كثيراً ما تتداخل الصور في مخيّلة الشعراء دون النيّة للدخول الى دوالي العنب لقطف عنقود من حقل الآخر . هذا الدغل هو ساحة الصفاء الشفّاف والمصبوغ باللون البنفسجي الى جانب مواقعه الأديولوجيّة
حيث اختيار الطريق المفضي لتحقيق طموحات الانسان الثوري من خلال مرجعيّة لإيمان الذاتي والمعرفي لتفسير حركة التاريخ عبر عمليّة المجابهة , وخوض المعارك لتحقيق العبور الذي حدّده منظّر الفكر الاشتراكي ( كارل ماركس)
يحتاج الانسان لوقفة تأمّل خاصة بعد انهيار المنظومة
الاشتراكيّة والطريق غير مغلق لإيجاد قناعات لدى الاكثريّة لأي شعب من شعوب العالم وذلك لتحقيق
سلطة العمال والفلّاحين والمعدمين اما الوثوب بأقلية
كإن تكون ثلة عسكريّة فهذا لا يعدو ان يكون انقلاباً عسكريّاً مصيره مزيداً التعثّر والهزّات .
فالمسار الديمقراطي في ظل النظام العلماني هو الاقدر
والأصح لتحقيق التطوّر في ظل التخطيط والبناء
لطموحات الانسان المتقدّمة و لتوفير الرفاهيّة والسعادة
وإعطاء العافية لتحقيق النموذج الاشتراكي عبر
تراكم الانتاج والوفرة , لاحتياجات الانسان في مضامير
الحياة الكريمة . والغزال هنا يرمز للعدو السريع لأجل
تغيير العالم الذي سربله مطر من سحب سود .
لا حركة . لا مسرح . لا خطوات حلم وردي .
الليل يركض بالأقدام على دغل شوكي
هذا مطاف قصيدة
(ثلاث امنيات على بدايات السنة الجديدة)
وما جسّده الشاعر مظفّر النوّاب كان صادقاً مع نفسه ومع الناس , ومتجانساَ مع افكاره المبدعة , والتحرّك على خطوط الّلاعودة , ونادراً ما تجد شاعراً ينام على وسادة من البارود , ويحتضن البندقيّة , ويغرس ابجديّته في قاع البركان وهو يرتل نشيد الفتح بعد ان راوحت الاقدام واهتزّت القناديل في مدن المراجعة, وشوارع العالم المغلّف بالضباب امام اعصار المفاجئة لترتيب البيت ... وما ان انحنى البيرق انبرى مظفّر النوّاب رافعاً ذراعه بيرقاً منسوجاً من دمه, وخيوط العمر مع دوي نشيده الهادر وهو ينشر النكهة الثوريّة في حقول الوطن العربي وقد يتجاوز رقعته الجغرافيّة ليلامس الخطوط العربيّة , والامميّة التي تدثّرت بالجليد المتراكم لتغطّي وجه الخارطة التي رسمت بآهات وانين المعدمين مع سبق الاصرار وتأكيد النوايا نوايا لعودة دون دليل... لجنّة مرسومة على الورق ...
#شعوب_محمود_علي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟