أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر حسين سويري - قصة - الفرس الأصيل -















المزيد.....


قصة - الفرس الأصيل -


حيدر حسين سويري

الحوار المتمدن-العدد: 4370 - 2014 / 2 / 19 - 19:59
المحور: الادب والفن
    



يحكى... انه كان ياما كان .... في قريب الزمان ... قصة من قصص الحيوان ... حيث انبرى الانسان ... لأسر مكونات الطبيعة ، وتسخيرها لخدمته المتواصلة والغير منتهية ، وهي لاتنفك ان تكون امامه جاثية ولرغباته ملبية ، فلا حول ولاقوة لها في هذه الحياة الدنية الفانية .......
رجل يملك اسطبلا لتربية الحمير وبيعها وشرائها واستاجارها ، وكان يمتلك عربات ايضا ، فيستاجر العربة والحمار معا من اول الصباح الى المساء والاجر على قدر المشقة ............
وذات يوم جيئ له بفرس ، حيث يريد صاحبها بيعها ، فقال له : ماذا كانت تفعل عندك وما هو عملها ، قال : كانت تعين أبي في امور الحقل ، ولكن الان وقد مات أبي ، قررت ان أستقر في المدينة ، حيث لاشأن لي بالزراعة ، خصوصاً وأني أعيش في المدينة منذ ايام دراستي ، والأن أعمل كموظف فيها ، فلا حاجة لي بالحقل او الفرس ، بل انا محتاج الى ثمنهما ، واتفقا ... فاشترى صاحب الاسطبل الفرس وكانت طويلة ، ورشيقة ومن الخيول الاصيلة ... فقال في نفسه ادربها على جر العربات .....
بدت الفرس غير حزينه على فراق صاحبها .... دخلت الى الاسطبل فلم تجد فيه احدا ، حيث ان الجميع خرج الى العمل ... قدم لها صاحب الاسطبل الطعام والشراب ... ثم تركها وحدها داخل الاسطبل ...
عند المساء عادت الحمير من عملها الى اسطبلها متعبة ، فاخذ كلٌ منها مكانه داخل الاسطبل ولم يابه لامر الفرس احد منهم ، ولو بكلمة ترحيب ... وبعد برهة ، جاء صاحب الاسطبل ليقدم الطعام والماء للحمير ..... بعد ان اتمت الحمير غذائها والفرس ترقبهم ، دنى احد تلك الحمير من الفرس قائلا ، وبكل لطف وادب : مرحبا ، فاجابت وبدا عليها الخوف والقلق : مرحبا ، فقال لها : أتشعرين بالحزن على فراق صاحبك ، قالت : لا ، فقال : وكيف لا؟! وقد جئت لمكان جديد ومالك جديد !! ، قالت : كان مالكي القديم يجعلني اعمل كثيرا ، ولا يريحني ، ثم انه رغم تعبي وجهدي الذي ابذله ، لم يكن يعطيني ما يكفي من الطعام والشراب ، لقد كان بخيلاً ، حريصاً يقتر على نفسه وعلينا ، وأخيراً مات ، فجاء ولده وقرر بيعي والحقل فلا شأن له بالزراعة ... فقال لها الحمار: لقد كان عملك متعبا وشاقاً حقاً ، ولكن الم يكن معك من يساعدك ؟ ، قالت الفرس : نعم كان هنالك ثور وبقرة ، فاما البقرة فلا تعمل لانها حينما تضع مولودا فان صاحب الحقل يبيعه ويستفيد من حليبها ، واما الثور فان مهمته حراثة الارض وكذلك يستاجره بعض الفلاحين ليطا ابقارهم ، فأ تحمل باقي الاعمال ، فقال : اوه ياله من مالك قاس !!، وكيف تجدين نفسك الان ؟ ، قالت : اني قلقة بعض الشئ ، ولكن لاباس فاني اراك مؤدباُ ، ولمعت عيناها خجلاً ، وأتمت حديثها قائلة : وكذلك فأنت لطيف معي ، فما هي طباع باقي الحمير؟ ، قال : انهم معقدين بعض الشئ ومنعزلين ، لايتحاورون الا قليلا ، واذا تحاوروا اختلفوا ، وكلٌ استبد برأيه لأنه ينظر الى الاشياء من خلال تجربته الشخصية ، ويحاول تعميمها وفرضها على الاخرين ، ثم ينتهي الحوار بشجار او عراك ، ولا يستطيع ان يقنع اياً منهم الاخر ، وكثيرا ما اتدخل لاهدئ النفوس ، وافض النزاع ، وقد احصل على بعض الركلات ، فضحكت ، والحمار ينظراليها ولجمالها ..... قالت : اذن فلا تتدخل ، قال : لااستطيع فان الواجب يحتم علي ذلك ، وكذلك فان جسمي اصبح يحب ركلاتهم ...... فتبسمت الفرس ، وبدا على محياها الاعجاب بشخصية الحمار وظرافته ، وقالت : لكني اخاف هذه الاشياء ، قال : لاتهتمي فانا معك ، وسوف احميك ، ولن ادع احد يصل اليك ، فشكرته ، واستاذن لينام فهو متعب من عمله طوال ساعات النهار....
عند حلول الفجر ، وصياح الديكة ، دخل صاحب الاسطبل ورن جرسا كان يحمله بيده ، فنهضت الحمير وانتبهت الفرس ، وكل اخذ مكانه المعتاد ... قدم لهم صاحب الاسطبل الطعام والماء ، ثم شرع يربطهم الواحد تلو الاخر الى عربته .... جاء السائقون وبدؤوا بسحب العربات ، ولكن الحمار المؤدب توجه نحو الفرس مودعا لها وبهمس رقيق : اراك لاحقا ، فاجابته : اتمنى ذلك ..... فرح الحمار المؤدب بجوابها ثم ذهب الى عمله .........
بعد مضي ساعات ، عاد صاحب الاسطبل ومعه عربة جديدة لنقل الركاب ، ومعه رجل يعينه في جر العربة ، يبدو انه اتفق معه على استاجارالعربة بعد ربطها الى الفرس ، حيث ان هذا الرجل كان يعمل في نقل السواح من مكان الى اخر ..... ربطا الفرس الى العربة ، فبدت اليفة وغير غاضبة ، بل هي فرحه ، وتمشي مرحه ، فاستمروا بتدريبها طيلة ساعات النهار ..........
عادت الفرس الى الاسطبل قبيل عودة الحمير من عملها ، وعندما بدئت الحمير في الدخول الى الاسطبل كانت الفرس تنظر الى الباب ، وكأنها ترقب احدا ، حتى دخل الحمار المؤدب ، فاحست بفرح شديد ، فدنت منه وبادرته بالسؤال : كيف انت وكيف كان يومك ؟ ، فاجاب مسرورا : كان يوما جيدا ، وكيف كان يومك انت ، فبدئت تحكي له وهي مبتهجة مسرورة بان على محياها وعيونها ذلك ، وهو مبتهج ومسرور ايضا .... وفجاة سكتت عن الكلام ، حيث انتبهت انه ترك عشائه الذي قدم له وظل يستمع اليها ، فاعتذرت وطلبت منه ان يتم عشاءه وانصرفت وهي خجولة مما فعلت ومحتارة في نفس الوقت ..........
اتم عشاءه وانسحب اليها فاوهمته بانها نائمة ، ولم ياته النعاس تلك الليلة ، وكانت ليلة هادئة ، .... اخذ يتساءل في نفسه ماذا جرى لي ؟ ولماذا هذا الاهتمام الكبير بها ؟ ألأنها لازالت غريبة ووحيدة ؟! اذن فما بال قلبي وبدني رجفا عندما استقبلتني ؟! وما بالي لا احس بتعبي الذي ولى عني حين رؤيتها ؟! وحتى عشائي الذي نسيته ونسيت من حولي ؟! ايه ، مالذي يجري ؟! .... وكان الذي يجول في خاطره من اسئلة وحيرة يجول في خاطر الفرس الاصيل ايضا ......
مرت ساعات اليل وانقشع ظلامه ، وانهى هدؤه صياح الديكة ، ورن جرس الاستعداد ليوم جديد ، نهضت الحمير واتمت فطورها وتم ربطها الى عرباتها .... حضر سائقوعربات الحمير الى الاسطبل لاصطحابها الى عملها اليومي المعتاد ، وبقيت الفرس في مكانها تنظر الى الحمار المؤدب ، الذي ظل محتارا كما قضى ليلته ، والذي لم يات ليودعها كما فعل في الامس ....
حضر الرجل سائق العربة الجديدة ، وقام بالمسح على رقبة الفرس وملاطفتها ، ثم اخذها ليربطها الى عربتها ، ولم يجد صعوبة في ذلك فقد كانت لطيفة ومنقاده وهو يخاطبها : ستكونين مرتاحة بالعمل معي ، فانا احب الخيل ، وخبير في التعامل معها ..... خرجا الى الشارع ، فمر بها الى الحداد وصنع لها حدوتين ، ثم اخذها الى دكان اخر فزينها ، وسرح شعرها فبدت اجمل مما كانت ، وهي جميلة بغير ذلك .....
ذهبت الفرس وسائق العربة وكأنهما امتزجا كتحفة فنية ، صاغها القدر من مكونات الطبيعة الصافية ، دون اذن من السيد الحاكم المتسلط المحتكر..... وما ان وقفت العربة في مكانها المخصص حتى جاء بعض السائحين لاستاجارها ، وذهب الجميع في جولة ممتعة ... عند الظهيرة ، طلب السواح التوقف لتناول وجبة الغداء ، فاقترح عليهم سائق العربة ان ياخذهم الى مكان جميل يعرفه ، ويجلسوا للراحة فيه ، فوافق الجميع ، وعند وصولهم الى المكان ، دخل الجميع وبقي السائق اللطيف عند الفرس، ففك رباطها ، وقدم لها الطعام والماء ، ثم التحق بالسواح ودخل وراءهم .......
اخذت الفرس تلتفت يمينا وشمالا ، تنظر من حولها الى البنايات الاثارية الجميلة ، وكذلك الى البنايات العالية الحديثة ، فجاء في خاطرها الحمار المؤدب ، والذي احست معه بشئ جديد ، وفجاة شد انتباهها وشغلها عما كانت فيه صوت هائل وصفير قوي قد ارعبها ، خرج السواح للنظر والتقاط بعض الصور الى ذلك الشئ ، الذي كان قطارا كبيرا يقوم بنقل البضائع على سكة من الحديد لا يحيد عنها ..... انتهت الاستراحة وركب السواح العربة فذهب الجميع في جولة اخرى ... قبل حلول المساء ، أوصل السائق السواح الى نزلهم ، ثم عاد بالفرس والعربة الى الاسطبل قبل عودة الحمير.. فك رباط الفرس وودعها ..... جاء صاحب الاسطبل الى الفرس ليأخذها الى مكانها ، لكن الفرس ذهبت من تلقاء نفسها الى مكانها في الاسطبل .........
عادت الحمير ودخلت الاسطبل والفرس ترقب دخولهم ، تمد رقبتها لتنظر اليهم ، حتى اذا رات الحمار المؤدب لوت عنقها واستقرت في مكانها ... دخل الحمار المؤدب الى الاسطبل واخذ مكانه ، وجئ لهم بعشاءهم ، وبعد ان اتموا العشاء ، ذهب الحمار يسحب نفسه رويدا رويدا نحو الفرس ، ولا يدري ماذا يقول ، فبادرها وبدون اي مقدمات قائلاً : اسف ، لا ادري ........، وقبل ان يتم كلامه ، قاطعته قائلةً : لا عليك ، يكفي انك امامي الان ، فبدا مسروراً ، وقال : اذن فكيف كان يومك الاول في العمل ؟ فاجابته : كان جيدا ، مسليا وممتعا في نفس الوقت ولم اشعر بالتعب ابدا ، فلقد كان السائق لطيف جدا معي ..... قال وهوينظر الى وجهها : بل انت لطيفه وجميله وتأسرين العقل والقلب بشكلك وطباعك ، قالت : اشكرك هذا ظرف منك ..... وحاولت ان تغير مجرى الحديث قائلةً : لكني اراك متشائما بعض الشئ ، فقال : وكيف ذاك ؟ ، قالت : وكأنك لاتثق بلطافة سائق العربة معي ؟!، قال : اني اعلم ما لا تعلمين ، فلقد رايت منهم الكثير ، فالندعو الله ان يقيك شرهم ومكرهم ، فهم أنانيون ، عند مجئ مصلحة من مصالحهم لا يأبهون بشئ ، وينسون كل شئ ، فانها لا تعمى الابصار ولكنها تعمى القلوب التي في الصدور... ايه.. لاعليك ، لقد تأخر الوقت ، اذهبي للنوم لترتاحي ، فغداً ينتظرنا يوم عمل آخر ، واليل قارب على الانتهاء ..... احلام سعيدة ، تصبحين على خير ان شاء الله ، فقالت له : انت لطيف جدا اشكرك .. تصبح على خير........
جاء الصباح ، والديك صاح ، ورن الجرس معلنا عن بدء يوم جديد ، نهض الحمار وهو سعيد ، فاقترب من الفرس ووقف الى جانبها وهي مبتسمة خجولة ، لكنها فرحت بوقوفه جنبها ، على تلك الحالة وفي تلك الاثناء انتبه لهما باقي الحمير ، ولم يكونا يشعرا بوجود من حولهما فسلم احدهما على الاخر وبدءا بالاكل والشرب ، وبعدما اتما ذلك ، ذهبا الى عرباتهما ينتظران من يربطهما والحمير تنظر لهما بغرابة واستغراب .... جاء السائقان وكل سحب عربته ، فتوادعا وذهب كل منهما في طريقه .........
استاجر بعض السواح العربة والفرس وذهبا في جولة طويلة وجميلة ، ثم انعطف بهم سائق العربة الى مكان الاستراحة الذي يرتاده ، وفي ذلك المكان التقى بصديق له ، فسال الصديق سائق العربة : رايتك دخلت مع السواح ؟ ، قال السائق : نعم فقد استاجرت عربة وفرس وانا اتنقل بالسواح حيث يريدون ، فساله الصديق : فمن اين استاجرت العربة ؟ فقال السائق : من اسطبل الحمير ، وانت ماذا تعمل الان ؟ قال الصديق : كان لي بغلا انقل على ظهره البضائع الى القرى الجبلية ولكنه سقط في الوادي ومات ، والاصح انه رمى بنفسه وانتحر ليهرب من جوري ظلمي ، ولكن ما ذنبي فهو بغل لا يستطيع العيش كسائر الخلق ....... والان انتظر من يبيعني بغلا او يؤجره لي ، ولم اجد احدا الى الان ؛ قال سائق العربة ( وكأن شيطانا حل بداخله) : انتظر لقد خطرت لي فكرة الان ، لو يوافقني عليها صاحب الاسطبل ، قال الصديق : وما هي ؟ ادركني بها ! ، فقال السائق : ان يختار حمارا قويا فيزوجه هذه الفرس التي تقود العربة ، فهي فرس قوية ونشيطة ، فقال الصديق : فكرة صائبة ، قال السائق : اذن تعال هذه الليلة الى الاسطبل ولنفاتح صاحب الاسطبل بذلك .... واتفقا ...
انتهت الاستراحة وتم اعادة السواح الى نزلهم ، وعادت الفرس تجرعربتها وسائقها الذي ظنته لطيفا ويملك قلب ملاك !! ... وصلوا الى الاسطبل وفك رباطها ، فذهبت الى مكانها وقدم لها عشاءها ... قال السائق لصاحب الاسطبل : ساعود لأراك لاحقاً ، في الليل ومعي صديق ، فان لنا معك امرا سوف تربح منه الكثير من المال ، فرح صاحب الاسطبل ، وقال وهو يمسح يديه الواحدة في الاخرى : أربح مالاً ؟ ، على بركة الله ، أهلاً بك وبصديقك تعالا متى ما شئتما ..............
رجعت الحمير الى اسطبلها ، وكان بعضها قد تحدث مع الحمار المؤدب عن مدى علاقته بالفرس والى اي حد هي ، فكان مما قال لهم : لا ادري ، لكني ارتاح عند الحديث معها وأظنها كذلك ، فقالوا له : لاباس عليكما ان كان كما تقول ، لكن لا تنس بانك حمار وهي فرس ، فقال : وما الضير في ذلك ، قالوا : الضير ان تؤول علاقتكما الى ما لا تحمد عقباه ... فان الانسان يستغلنا ابشع استغلال ....
وعندما دخل الحمار الاسطبل كان حديث الحمير لازال يدور في راسه ، وبينما هو كذلك ، فاجئته الفرس حيث وجدها امامه وجها لوجه ، تسلم عليه : كيف حالك ؟ ، فتبسم ورد عليها : بخير وأنت ؟، فاجابته : مادمت بخير فأنا كذلك ، فسالها : هل تناولتي عشاءك ؟ فاجابته : نعم ، لقد عدت مبكرا ، فقال : اذن فاسمحي لي بان اتناول عشائي ايضا ، فتبسمت ودنت بوجهها من وجهه وعيونها من عيونه وقالت : الم تشبعك رؤيتي ؟ فتبسم وقال : دعك من هذا الان ، ساعود لنتكلم بذلك ...
تناول الحمار عشاءه وهو لازال يفكر بكلام الحمير ، وبعد ان اتم عشاءه ، خرج الى باحة الاسطبل وفي تلك الاثناء راى الرجلين ( سائق العربة وصديقه ) جاءا واستقبلهما صاحب الاسطبل وعرضا عليه فكرتهما وقالا : اذا قبلت فخير البر عاجله ، ولنتم الامر الليلة ، ولنختر حمارا قويا ..... وحينما سمع الحمار بالامر ، ركض الى داخل الاسطبل واخذ يضرب الحمير برجله وبراسه وعمت الفوضى المكان ، فاسرع صاحب الاسطبل اليه يعقبه الرجلان ، وهم به فضربه على راسه ، فشجه ، واخذ الدم يسيل على وجه الحمار ، واراد ان يردفه بالثانية ولكن الرجلان امسكا به وقالا له : ماذا تفعل ؟!! هذا ما كنا نبحث عنه ، الحمار القوي ، ألا تراه فأن حجمه كحجم الفرس وطوله كطولها تقريبا ، كما ان لونه ابيض وجميل ، هذا ما نبغ ..... سمع الحمار كلامهما فصار هادئا وسكت عن النهيق وعرف بأن الاختيار قد وقع عليه ..... جاءت الفرس مسرعة نحو الحمار وهي تحاول مسح الدم عن وجهه وتستفهم منه فقال لها : لاتخافي وأطمأني فأنا كما وعدتك ... ولم تفهم الفرس ماذا كان يقصد الحمار بقوله هذا......
أخرج الرجلان صاحب الاسطبل وقالا له : اخرج الحمار وداوه وهيئه للزواج ونحن سنهيئ الفرس ... دخل صاحب الاسطبل واصطحب الحمار وعالجه وبدا الحمار هادئا وفرحا .... جاء الرجلان واخذا الفرس الى غرفة لوحدها ، ثم حفرا لها اربعة حفر لتنزل اقدامها الاربعة فيها ، ليتم تثبيتها فلاتستطيع حراكا ولامقاومة وكذلك ليتمكن الحمار من ان يطأها بسهولة ويسر ، وبعد ان فعلا ذلك ، قاما بتهيئتها .... جيئ بالحمار وقد تهئ ايضا فبدئت مراسيم الزفاف وكانا قد جن جنونهما ... ووطئ الحمار الفرس فوقعت على الارض مغشيا عليها ، وبعد ساعة من الزمن أفاقت الفرس ، واستوعبت الذي حدث ووجدت الحمار عندها يداعبها ويلاطفها ولكنها شرعت بالصهيل والبكاء ، فقال الحمار : لما هذا البكاء ؟ فاجابته وهي تبكي وتصرخ : الاتدري لما ابكي ، الاتدري ماذا فعلت ؟ كيف فعلت ذلك ؟! ولماذا ؟! ، فقال : انما كان الامر مبيتا ، فقد خطط له سائقك الذي قلتي عنه انه لطيف ، لقد مكر بك هو وصديقه ، اذ جاءا الى صاحب الاسطبل وعرضا عليه الامر ، وفرح بذلك ، وقد قلت لك من قبل ان هؤلاء لا أمان لهم ، لقد كنت في باحة الاسطبل وسمعت حديثهما ، وما كان شجاري هذا الا لأفوز بك ، فقالت : وكيف رضيت ان يفعل بي هذا ؟ ولما لم تخبرني بالامر؟ ، فاجابها : لم يكن هناك متسع من الوقت ، وكذلك فانا كنت اظن بانك تحبينني ؟! ، وبدا عليه الاستغراب ، اولم يكن ظني في محله ؟! ، فقالت : ليس هذا ما اقول ، فانا احبك ايضا ، ولكن اتدري ماذا سننجب غدا ، فقال : ماذا ؟ ، قالت : بغلا ، للكد والنكد ، لا هو لي ولا هو لك ، ولايستطيع ان يكون اسرة ولاينجب اولادا ، انه لامستقبل له .... فقال : اذن فما العمل الان ؟ ، فقالت وهو تستعيد قوتها : يجب ان لايولد ، قال : فكيف ذاك ؟ ، قالت حيث بدئت بالهدوء : ساخبرك فيما بعد ، سامكر بهم كما مكروا بي ، ولن اتركهم يفرحوا بعملهم هذا ابدا ، قال : المهم عندي ان لا اخسرك بعد ان حصل ما كنت اظنه مستحيلا ، فانك لاتعلمين كم احبك ... قالت : بل اعلم وانا احبك ايضا .... وناما جنبا الى جنب .....
اصبح صباح اليوم التالي ، ونهض الحمار الذي لم يعد بجرحه يبالي ، وحنى على زوجه الغالي ، يوقضها بحنين ومسح الجبين ...... دخل صاحب الاسطبل وجلب فطور العروسين وغادر المكان ، ولم يات احد لأخذ الحمار او الفرس الى العمل ، فبقيا معا ، داخل الاسطبل وفي باحته ، يقضيان وقتاً ممتعا ..... لكن الاوقات الجميلة تنقضي بسرعة فائقة ...
توالت الايام ، والعروسان يلعبان ويتبادلان احلى الكلام ... واما في العمل كان يحاول ان يكون قريبا منها لعلها تحتاج الى شئ ، وبعد العمل فقد جعل لهما صاحب الاسطبل مكانا خاصا ، وكان الحمار لايفارق الفرس ليلا ابدا ...... وبعد مضي شهور، بان الحمل على الفرس وبدات بطن الفرس تكبر ، وذات ليلة ، قالت الفرس للحمار : والان حان وقت التخلص من المولود ، فقال لها : وكيف ذلك ، قالت : ارفسني ، ارفسني رفسة قوية على بطني ، فقال مستنكرا ذلك : انا ؟! لن افعل ذلك !! ، انا ؟! لااستطيع ان اذيك ابدا !! ، كيف تطلبين مني ان افعل هذا ؟! فقالت له : ارجوك ان تفعل ، وان كنت تخاف اذيتي فأنها اقل بكثير من اذيتي وانا الد بغلا ، ارجوك .. وأخذت تتوسل اليه ... لكن الحمار انكر عليها هذا الفعل واصر على رايه ، ولما يأست منه ، قالت : تصبح على خير وخلدت الى النوم .....
وفي الصباح الباكر ، استيقظ الحمار الحائر ، واستيقضت الفرس عند سماع الجرس ، وبعد اتمام وجبة الفطور ، قالت الفرس للحمار : ارجو ان تسامحني ، فغدا الحمار مسروراً وظن انها تراجعت عن كلامها ، فقال لها : لا عليك ، والان الى اللقاء اراك لاحقا ، فهزت راسها مومئة وقالت بصوت خافت : وداعا حبيبي ، ولم يسمعها وغادر مع سائقه ........
خرجت الفرس مع سائقها الذي شزرته بعينها ، أحتقاراً على دنائة نفسه وخستها... ومشت معه الى حيث عملهما اليومي ... وعند الظهيرة ، في وقت الاستراحة ، وفي نفس المكان ، وكعادته فك رباط الفرس سائقها حيث دخل مع السواح ... جاء القطار وعلا صفيره ، فركضت الفرس متجهة الى سكة الحديد وما ان دنى القطار حتى رمت بنفسها امامه ، فلطمها ورمى بها بعيدا ، فسقطت كجثة هامدة والدم ينزف من كل مكان في جسمها... ركض السائق والسواح نحو الحادث ، وتجمهر الناس حول الفرس الاصيل ينظرون اليها ، يتأسفون ولايدرون ماذا يفعلون ....
راى الحمار وسائقه تجمهر الناس ، فهرعا الى مكان الحادث ، فراى الحمار زوجته والدماء تسيل منها وقد ماتت ، فرمى بنفسه عليها واخذ يلعقها ويقلبها ، وتذكر ما قالته : سامحني ... ثم قام فجأة ، ونهق نهقة ضج لها الحاضرون ، وركض نحو جدار قريب ، فضرب راسه بالجدار فانفلق ، وسالت الدماء منه ... ثم عاد الى زوجته يترنح وسقط جنبها ميتا ...........

[email protected]



#حيدر_حسين_سويري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مرض الفقر
- السياسة فن وذوق واخلاق
- مغاوير الداخلية والحلوى
- مغاوير الداخلية وبائعات الهوى
- العلمانية اخر المطاف
- السياسيون والفطرة
- اليدري يدري والمايدري كضبة عدس
- منهج الفكر السياسي بين الايثار والحسد
- الاعلام والسياسة
- بحرٌ هاج
- هاجس البحث عن الخلود
- داعش والصحراء
- قصيدة - انا الحب -
- بخيت وعديلة في البرلمان العراقي
- الحب والزواج
- الرمز والرمزية
- عذر اقبح من فعل
- شعرة من جلد خنزير
- قصيدة - عادة -
- حاوريني


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حيدر حسين سويري - قصة - الفرس الأصيل -