أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - مديات حرّة بين السطور - مقال سيكولوجي















المزيد.....

مديات حرّة بين السطور - مقال سيكولوجي


كامل السعدون

الحوار المتمدن-العدد: 1241 - 2005 / 6 / 27 - 05:00
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الحقيقة أن هناك سؤال مُدهشٌ لا نملك له إجابة على الإطلاق ولا نجرؤ أن نبارحه بدون إجابة ولا يصح أن نتنكر له لأن هذا التنكر مضر غاية الضرر بحياتنا ذاتها .
العلاقة مع الخالق ، الرب ، المجهول ، الآخر ، الساكن بين الكلمة والآخرى ، الكامن بين السكنة والأخرى ، المقيم بين الفكرة والأخرى .
هذا الذي يسبح في فضاء تلك اللحظة التي لا تتجاوز المسافة بين إغماضة العين وإنتباهتها أو بين لحظة الشهيق والزفير ولا أكثر .
لكنها.... كبيرة تلك الهنيهة غاية الكبر وحاسمة غاية الحسم ، فقد يكون فيها فناء العالم ، وقد يكون فيها فناءنا الشخصي حين لا تعاود الرئة إلتقاط وجبة أخرى من الأوكسجين من الجو ، أو لا تذرف ما في الداخل من كاربون ملوث ... !
السؤال مع الآخر أو بشأن الآخر والعلاقة معه ، تلك التي حيرت العقول ، وفتحت الأبواب واسعة لكم هائل من الدجالين وأتباعهم كمحمد وغير محمد ، وعظماء وأتباعهم كبوذا ويسوع والقليلين الصادقين من الأتباع .
هذا السؤال ، كان شاغلي البارحة ، حين سألت نفسي :
- لماذا نشعر بالضعف أحيانا حتى لنبدو أكثر ضآلة من النملة في جحرها ، بينما نتوهج حينا بقوة هائلة جبارة تجعلنا نجترح المعجزات ؟
تركت الأجابة تأتي من بين السطور ، في لحظة صمت بين السؤال والتلقي .
- نحن نضعف حين لا نترك مسافة يلعب بها الآخر ، نضعف حين لا نترك فراغا بين الفكرة والأخرى ، بين السطر والسطر ، بين الخطوة والثانية .
نضعف لأننا نتوقع ونريد أن تأتي الحلول من عندياتنا حسب ، من مجتراتنا العقلية حسب ، من خبراتنا الذاتية المتراكمة حسب . نحن نضعف لأننا نفقد الإيمان بأن هناك شيء آخر في الخارج ، هناك مجهول ، آخر ، كامن ، متمكن ، مالك لكل شيء ، لاعب حر مطلق الحرية هناك في البعيد ، في مكان ما من الكون أو في داخلنا .
من تجربتي الذاتية ومن معايشاتي الطويلة للبشر عبر القراءة والرؤية ، أؤمن أن أتعس الناس على الإطلاق هم اولئك الذين لا يؤمنون بشيء آخر في الخارج .
إنهم ضيقوا الأفق ، جافوا المشاعر ، ثقلاء الخطو على درب الحياة ، جاهزوا الإجابة بغير ما إبداع ، زمنهم كرية ممل ، أحلامهم وضيعة للغاية ، أرواحهم قاحلة ، سريعوا الكسر ، يخافون الموت بقوة ، يحلمون بالحرية ولكنهم يحيلوها إلى فوضى وقرقعة سيوف خشبية وعبث .
ولكن الأسوأ حالا منهم اولئك الذين يرسمون وجه الآخر على هواهم ، فيحيلونه إلى كائن قميء ثقيل الخطو منفوش الشعر ، كبير اللحية ، طويل السوط ، حبيس في برجه ، يذاكر ويحصي ويعيش عبوديته لحسابات الفعل ورد الفعل ، وشهوة القتل والتعذيب والإغتصاب .
الآخر ليس هو الآخر الذي توهمه البعض ، لأنه لو إنه أمكن أن تتوهمه لفقد قداسته الحقة وبساطته الحقة ولصار مثل أي جبار سياسي أو جنرال زائف .
والآخر ليس هو من تنفيه بالكامل ، لإنك إن فعلت أحلت الحياة إلى سلسلة معارف معروفة سلفا ، وبالتالي لغدت الحياة كئيبة كريهة مملة .
الآخر هو هذا المقيم بين الفكرة والأخرى ، وكلما أتسعت المسافة بين الفكرتين إخترقها وسبح فيها وتجلت كينونته معك ومن إجلك ... !
محمد ذاته ، كان الرجل الوحيد الحر المبدع بين كل أتباعه ورفاقه .
كان حرا لأنه وسع ما بين السطور ... !
حين كان يقيم الساعات بل الليالي الطوال في غار حراء ، أمكن له أن يتواصل مع الخارج ويترك للآخر حرية اللعب في الفراغ الذي أوسعه له في عقله .
ربه أو شيطانه ، كلا الأمر سواء ففي النهاية الرب والشيطان يتماهيان بقوة .
أتخيل الرجل المبدع وهو ينتقي الإجابات بعد لحظة نشوة بالغة وإرتجاف تام للجسم وإهتزاز للأطراف وإرتفاع عال في درجة الحرارة ، ثم إنفراج شديد وكلمات تتدفق .
إنه حرّ للغاية وسط كم هائل من العبيد ، لأنه وحده يملك الإجابة والإرادة لتحقيق الحلم وشحن الناس بالقوة لتنفيذ هذا الحلم .
تماما كأي ساحر ، كأي شاعر ، كان محمد حرا في الطواف مع ربه في المسافات الرهيبة التي تكمن بين الفكرة والأخرى ، بين السطر والسطر ، بين البرهة والبرهة .
كذلك كان الحلاج الجميل والجنيد البغدادي وبن عربي وعلي قبل أن يسيس ما بين الفكرة والأخرى كما فعل محمد .
من أجمل ما قرأت للفيلسوف والأديب النمساوي فرانتز كافكا هذا القول الذي لا أكف عن الإستشهاد به في حواراتي الذاتية مع نفسي وأصدقائي :

" أنت لست بحاجة إلى أن تخرج من الغرفة ، بل إبق جالسا على كرسيك وتنصت ... !
لا ... بل إنك لست بحاجة حتى لأن تصيخ السمع ، فقط إنتظر ... !
لا ولا حتى هذا ... أنت لست بحاجة لأن تنتظر ، فقط تعلم كيف تصمت وتخشع بالكامل وتكون مع ذاتك ولذاتك حسب ، عندها سيأتيك العالم ليسقط تحت قدميك ، ليعرض عليك ذاته وكنوزه " .

كل عظائم الأفعال ، الجليل من المنجزات تحقق في تلك المسافة القصيرة للغاية بين الفكرة والأخرى ، في تلك اللحظة التي نتركها حرّة للآخر ليلعب بها :
* النسبية ، وجودية سارتر ، ماركسية ماركس ، إلهام لينين في الثورة حين هتف " الآن ... الآن .. وإلا فلا ..." .
* صرخة آرخميدس وهو في الحمام .... وجدتها ... وجدتها .
* صياح محمد وهو يرتجف ... زمليني ... زمليني .... !
* قصائد " ييتس " و " بليك " الرائعة الخالدة ... رواية مرغريت ميتشل التي لا تموت " ذهب مع الريح " .
* هذا الذي ينهض عند منتصف الليل ليسجل ستة أرقام تأتيه في الحلم ، ويذهب بكل بساطة إلى أقرب دكان فيشتري بطاقة يانصيب لينقش عليها تلك الأرقام التي أنطبعت على شاشة ذهنه الداخلية ، وبعد أسبوع يتلفون عليه مهنئينه بجائزة العشرة ملايين دولار... !
إنه الآخر ، الجميل ، المجهول ، الغامض ، الغائب ، الذي لا يريد أن يرهق حريتك ، وبذات الآن لا يريدلك أن ترهق حريته ويأبى أن يستعبد لأوهامك ... هذا الأزلي العظيم ... يكفيه فسحة بين الفكرة والأخرى ولا مزيد .
نحن نتوهج بالقوة حين نؤمن بهذا ونترك له حرية الحركة ، شريطة أن نؤمن بوجوده ، بغيابه ، دون أن نلزم أنفسنا بأن نعطيه شكلا أو نفسره أو نطوعه .
ما هو ؟
لا أحد يعرف وهذا هو أجمل ما في الأمر ، أنه لا يمكن أن يعرف أو يفسر ، ولو عُرف لبطل العجب ولبحثنا عن آخر لا نعرفه .
ولو عُرف لكف عن أن يكون حرا جميلا سابحا في بحور الدهشة مثل أي طفل صغير .
الآخر يعيش لذة غموضه ، وحري بنا أن نترك له هذا الغموض لينعم فيه فلا يثقل علينا ولا يغدو طيعا لقبضاتنا الخشنة الملمس .
ما عناه فرانتز كافكا عن الصمت المطبق ، هو ما مارسه بوذا وكونفشيوس وبن عربي .
التأمل الشديد العميق في اللاشيء .
الصمت المطبق ، الحيادية الشديدة ، التوقع الجميل ، اللافعل .
دقائق في الصباح مع التأمل يمكن أن تنعكس على كامل نهارنا ، بسعادة خالصة وإبداع وتألق وكشوف قد تكون متميزة تغير وجه الحضارة كما فعل محمد أو نيوتن أو أديسون أو آينشتين .
وقد تكون قصيدة جميلة أو ما دون ذلك أو ما فوقه .
كل ما في الأمر هو أن نتأمل وأن نعود أنفسنا على أن نطيل فترة التأمل أكثر فأكثر مع مرور الزمن حتى يغدو عادة ونمط حياة .
وللحديث بقايا ....



#كامل_السعدون (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 3 عراقيات -ومضات قصصية
- -2- عراقيات - ومضات قصصية
- عراقيات - ومضات قصصية
- ستلد الوطنية العراقية ولو بعد حين ...فلا تيأسوا أيها الطيبون
- إحتفالية رفاهية البترول توشك على الإنتهاء عالميا
- دروس المرحلة المنصرمة وآفاق المستقبل
- 2-باقة منتخبة من الشعر العاطفي
- باقة منتخبة من الشعر العاطفي
- إشكاليات الحال العراقية - عودة إلى الجذور
- العنصرية والطائفية ثمار إسلامية خالصة
- لحظة من فضلك - نصوص مترجمة من الشعر النرويجي الحديث
- أحزان - شعر نرويجي
- اهلأ بدرة أعياد نيسان - شعر
- معيب والله أن نترك العرب الأحوازيون وحدهم
- مرحى للأحوازيون إذ أنتفظوا
- المجد لأنتفاضة الشعب الأحوازي الشقيق واللعنة على المحتلين ال ...
- ذات فجرٍ ولد في ذاكرة الله عراق
- كانت على طرف اللسان وقالها الدراجي الرائعُ فالح - قصيدة ومقا ...
- وأنتصر العراق الجديد بأرتقاء الطالباني دفة الحكم
- ورحل الغالي المناضل نمير شابا - قلوبنا معك يا نسرين شابا


المزيد.....




- -لم أستطع حمايتها-: أب يبكي طفلته التي ماتت خلال المحاولة ال ...
- على وقع قمع الاحتجاجات المؤيدة لفلسطين بالجامعات.. النواب ال ...
- الصين تتيح للمستخدمين إمكانية للوصول السحابي إلى كمبيوتر كمي ...
- -الخامس من نوعه-.. التلسكوب الفضائي الروسي يكمل مسحا آخر للس ...
- الجيش الروسي يستخدم منظومات جديدة تحسّن عمل الدرونات
- Honor تعلن عن هاتف مميز لهواة التصوير
- الأمن الروسي يعتقل أحد سكان بريموريه بعد الاشتباه بضلوعه بال ...
- ??مباشر: الولايات المتحدة تكمل 50 في المائة من بناء الرصيف ا ...
- عشرات النواب الديمقراطيين يضغطون على بايدن لمنع إسرائيل من ا ...
- أوامر بفض اعتصام جامعة كاليفورنيا المؤيد لفلسطين ورقعة الحرا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - كامل السعدون - مديات حرّة بين السطور - مقال سيكولوجي