أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - خطاباتٌ عابرة














المزيد.....

خطاباتٌ عابرة


عبدالله خليفة

الحوار المتمدن-العدد: 4358 - 2014 / 2 / 7 - 07:53
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



الكثيرون يريدون أن يكتبوا، والكثيرون يريدون أن يعبروا، وأن يدخلوا ضمن كتاب الأدب والفنون والمقالة، لكن المسألةَ ليستْ في الإنشاءِ والوجاهة الاجتماعية، بل في قدرةِ الوعي على رفدِ هذه الكتابة عبر السنين، وفي قدرةِ الوعي على تجديدِ نفسه وتعميقها بالقراءات الواسعة في الفلسفة والعلوم الاجتماعية والآداب والثقافات المختلفة.
وإذا لم يكن لهذا الوعي وجهة نظر عميقة تتكرس باستمرار عبر مواجهة المواد الحياتية وتحليلها واكتشاف سببياتها فإنه يدخلُ عمليةَ التآكل، فهو لا يفهم أسباب الظاهرات ويمسك جوانب جزئية متحولة باستمرار، فيغرق في منولوجاتٍ ذاتية تَشحبُ وتتضاءلُ يوماً بعد يوم.
إن الفكرةَ إذا لم تُقمْ بعلاقةٍ جدليةٍ ساخنةٍ مع الواقع تموت.
والواقعُ متعددُ المظاهر، سواءً أكان في المذهب الديني أم في الإبداع القصصي أم في سياسة الدول أم في إدراك الكون.
إن كاتبَ القصة القصيرة لا يتوقفُ بشكلٍ عرضي بل لأن الفكرةَ في ذاتهِ ماتت، فهو يطرحُ أشياءَ وهميةً في قراءةِ الواقع، ويقومُ بتكرارِ هذا الوهم، ويجعلَ أبطالَهُ محصورين، وتصيرُ علاقاتُهم بالحياة ضئيلة، فهم لا يصارعون أشياءَ جوهرية فيه، وهو يُسقطُ عليهم حالاتِهِ الشخصيةَ الشاحبة بسببِ تضاؤل الفكرة الكبيرة في نفسه، فيجد إن القصةَ القصيرة تفلتُ من يده، ولكون نفسه المنسحبة من مواجهة الواقع غدتْ فارغةً من الأفكار الكبيرة.
لا تصلح الثرثرة والمنولوجات العاطلة عن التشريح في إضفاءِ الحياةِ على البشر الورقيين، وهو أمرٌ مرتبطٌ بالمواقفِ الكبيرة في رؤيةِ الحياة، وتحديد وجود روضات الأطفال وبيئات المصانع وعلاقات الزواج وعقوبات القانون، أي بمدى قدرة ذات الكاتب على أن تكونَ شاشةً حساسةً للألم والحلم والغضب.
والأمرُ لا يختلف في الخطابات الدينية الناشفة يوماً بعد يوم، فهي لا تلتقطُ المسارات العميقة للشعوب، وتدافع عن جُملٍ مُتيبسةٍ منذ قرون، وتتمسكُ بالسيرِ تحت عباءات السلطات المختلفة، في حين تريدُ الشعوبُ تجاوزَ الأنظمة الشرقية المحافظة البيروقراطية.
لكن كيف يمكن أن يقوم رجلُ الدين بذلك وهو قد حبسَ نفسه في غرفةٍ مظلمة، وانقطعَ عن الفلسفات والعلوم الاجتماعية والطبيعية والأدب السياسي الهائل المتوفر حتى على الشاشاتِ الصغيرةِ في بيته؟!
إن الفقهَ يحتاجُ أولَ ما يحتاج لقطعِ علاقاتهِ الموقفية بالدول، لكي يكونَ حراً، ولكي يرى ما هي مسارات الناس الحقيقية التي هي مزيدٌ من الحريات ومن الرقابة على مصادر العيش المنفلتة من الإرادات الوطنية، ولكي لا تؤثر عليه عمليةُ الرزقِ في فهمهِ وقولهِ وفي اكتشافهِ لسببياتِ الظلم والفساد والحرية، لكنه لا يستطيع ذلك وقد ارتبطَ بعمقٍ بهذهِ القيود، ما لم تكن لقمتهُ عن طريقِ يده، ومن دون ذلك يغدو خطابهُ جامداً، مقطوعاً عن ينابيعِ الألمِ الشعبية، ويصيرُ هو في منعزلهِ أو سجنه الجميل يكرر ذات الخطاب الأصفر المنسوخ من جهاز القهر عبر القرون!
فبدون أن يكونَ الوعي مُحلِّلاً يتآكل، خاصةً في لوحاتِ فنانين يكررون ذات التجريدات الغامضة وينقلونها من بلدٍ إلى آخر وهم متضخمون عابرون على جثثِ الملايين المحروقة في الحروب، ومدن العذابات، والبحار الملوثة، والأزقة التي تفوح بالأوبئة.
إن التحليلات في أرض الحياة تفجر الوعي والمشاعر وتحركُ مسارات التغيير، لكن العديد من الدولَ لا تُحّلل، وإن أجهزتها البيروقراطية تنمو حسب مشروعات لم تُعرض على الجمهور، بل جاءت لإرضاء أهل المصالح، وطُبقتْ على أرضِ الواقع بأشكالٍ مشوهة لم تُراقب، وتصيرُ تلك الدول غائبةً عن التحليلات هنا، أي عن تلك التحليلات التي تجعل المسئولين ينزلون لأرضِ المشروعات الحقيقية، وتجعلُ الصحافةَ والعقول قادرةً على نقدها حقاً، بالضد من شبكات المعلومات الزائفة ونتف الأخبار المشوهة وتزييف المنافقين وهيمنة الإعلانات، كما أن التحليلات تتوجه لربطِ أي مشروعٍ بخططٍ عامة للتغيير، أي بوجود أهداف محددة لتطوير العمالة المحلية وتصاعد الدخول الوطنية، وليس لاستنفاع موظفين كبار وحشد من العمالة الأجنبية وأجهزة المقاولات والشركات العابرة للقارات والرقابات.
نقرأ كلمات يومية على مدى سنوات الآن عن الدينيين المتطرفين دون أن نستفيد شيئاً من تحليل أو تحول لدى المنقودين لأنها كلمات برانية معلبة لا تمس شعرات منهم ولا تتبنى جوانب من معاناة الناس.
إن التحليلَ يغيرُ الحزبَ المناضل الجامد كذلك، فالحزبُ لا يجب أن يموتَ في أكفان الماضي وبطولاته، والحزبُ الذي لا يعرفُ النقدَ الذاتي يفلتُ منه المصير، لأنه يخافُ من أخطائهِ وقصوره وتحنطه، فلا بد أن يكون قابلاً دوماً لتحليل الواقع الذي هو جزءٌ صغيرٌ منه، ورؤية كيفيات تطوراته التي تتغير جيلاً بعد جيل، فالواقع لا يكون هو قبل سنين، فلماذا وقف الحزب عند نسخة قديمة؟ وكيف لم يرتكب أخطاءً في فهم الواقع وإذا كانت فما هي وكيفية معالجتها؟
إن عجزَ الحزب المناضل أي حزب مناضل عن تحليلِ الواقع المتبدل، وسيرورته يشيرُ إلى تجمد العقول وعدم تلاقحها مع الفلسفات والعلوم، مثله مثل رجل الدين المحنط في أدبيات تجاوزها الزمان، مثل القاص الذي لم يعدْ يقرأُ الحياة، فلا يفهم الظاهرات الجديدة ولا يكتشف شيئاً منها.
إن ثمة فروقاً بين المعايشة الآلية للحياة وتحليلها النقدي، وذلك بقدرةِ الوعي على التقاطع مع الظاهرات الفاسدة؛ مع شرائهِ، مع تبلدِ مشاعرهِ وموتِ ضميره، مع لامبالاتهِ بالآلام العامة، من أجلِ عدم قدوم وتغلغل الملوثات إلى محارته المضيئة، حيث لن تصنعَ لآلئ من ترابِ الحياة بل حشراتٍ سامةً تنخرُ روحَهُ وتعطلُ ملكات النقد والتطور الأخلاقي والتقدم الفكري لديه.



#عبدالله_خليفة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقابيةٌ غيرُ ديمقراطيةٍ
- جاء وقتُ البرجوازيةِ الوطنية
- الانتهازيون خطرٌ على الدول
- مرحلة صناعية سياسية
- مساراتٌ ثقافيةٌ صحفيةٌ
- تحرير تجارة الأغنام
- تدهورُ الوعي العمالي
- تدهورُ الثقافةِ الوطنية
- ديمقراطيةٌ وسيطرةٌ
- الثقافة والسلطة في إيران
- أيّ معارضةٍ؟
- الوطنيةُ البحرينيةُ والعلمانية
- خرابُ آسيا
- الفاشيةُ في المشرق
- الفاشيةُ في إيران
- الفاشية في التطور العالمي
- الفاشيةُ بين الغربِ والشرقِ
- الاتجاه نحو الجماهير
- الجمهورُ ليس طيناً
- أُذنُ فان جوخ


المزيد.....




- بالأرقام.. حصة كل دولة بحزمة المساعدات الأمريكية لإسرائيل وأ ...
- مصر تستعيد رأس تمثال عمره 3400 عام للملك رمسيس الثاني
- شابة تصادف -وحيد قرن البحر- شديد الندرة في المالديف
- -عقبة أمام حل الدولتين-.. بيلوسي تدعو نتنياهو للاستقالة
- من يقف وراء الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في الجامعات الأمريك ...
- فلسطينيون يستهدفون قوات إسرائيلية في نابلس وقلقيلية ومستوطنو ...
- نتيجة صواريخ -حزب الله-.. انقطاع التيار الكهربائي عن مستوطنت ...
- ماهي منظومة -إس – 500- التي أعلن وزير الدفاع الروسي عن دخوله ...
- مستشار أمريكي سابق: المساعدة الجديدة من واشنطن ستطيل أمد إرا ...
- حزب الله: -استهدفنا مستوطنة -شوميرا- بعشرات صواريخ ‌‏الكاتيو ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله خليفة - خطاباتٌ عابرة