السيسى بع اتضاح الأمر قليلا

داود روفائيل خشبة

الحوار المتمدن-العدد: 4349 - 2014 / 1 / 29 - 15:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

السيسى بعد اتضاح الأمر قليلا
داود روفائيل خشبة

فتح المجلس الأعلى للقوات المسلحة الطريق أمام الفريق أول (المشير) السيسى للترشح للرئاسة، ولو أن الرجل نفسه لم يتكلم بعد فى هذا الصدد، أو هو يتكلم من وراء ستار. وقد تكون هناك اعتبارات شكلية أو پروتوكولية تقتضى أن يؤجل مخاطبتنا كمرشح للرئاسة إلى حين، ولكن لا بأس بأن نفصح نحن عما نريد أن نسمع منه.
بين أكثر الأمور إلخاحا التى بنبغى على الرئيس القادم أن يعالجها الوضع الأمنى. ومع إدراكنا وتقديرنا لصعوبة وتعقد الوضع الذى يواجه قوات الأمن، إلا أننا نرى أن ما تقوم به تلك القوات ليس فقط فى بعض جوانبه أقل كفاءة مما نرجو، إنما ما هو أخطر، أن ممارسات الأمن ما زالت تكشف عن تمكـّن ثقافة البطش والاستبداد وتجاهل حقوق الإنسان وامتهان كرامة الإنسان. إننا ما زلنا نرى الكثير من الاعتقالات العشوائية والاعتقالات التى توجّهها دوافع سياسية وأيدولوچية. ولا يكفى أن يعلن النائب العام أن جميع المعتقلين يواجهون تهما جنائية، فنحن نعلم أن أجهزة الأمن فى كثير من الأحيان لا تربأ عن تلفيـّق التهم واصطناع الأدلة. فهل نسمع من مرشح الرئاسة السيسى اعترافا صريحا لا لبس فيه بوقوع كل هذا وتعهـّدا جازما بالعمل على اجتثاثه؟ الاعتراف الصريح بوقوع الأخطاء والالتزام بالعمل على تلافيها ضرورى لكسب ثقتتا تحن المواطنين ولاكتساب احترام المجتمع العالمى.
الكثير من المواطنين يضعون تأزّم الوضع الاقتصادى على رأس المشاكل التى يُطلب من الرئيس القادم أم يعالجها. فهل يصارحنا السيسى بخطورة وضعنا الاقتصادى، وهل يصارحما بأن الحلول الترقيعية أو الحلول الفهلوية تزيد الأمر استفحالا وأن الحل المجدى يتطلب قرارات شجاعة وينطوى على تضحيات ومعاناة علينا جميعا أن نتحملها؟ وكيف توزّع تلك التضحيات والمعاناة فى برنامجه؟ هل تنصبّ أساسا على محدودى الدخل، فالفقراء لم يعُد عندهم ما يمكن أن يؤخذ منهم؟ أم يقع العبء الأكبر كما ينبغى على الأغنياء ويقع بدرجة أقل على متوسطى الدخل؟ قهل يصارحنا مرشح الرئاسة بما سيكون علينا أن نتحمّل فى سبيل أن لا يقع على أبنائنا وأحفادنا ما هو أسوأ؟
وينطبق هذا على كل ما ينطوى على أعباء مالية. أنا على أتم استعداد لأن أتحمّل ضريبة خاصّة توجَّه حصيلتها لإصلاح التعليم، على أن تكون هناك عدالة فى توزيع العبء الضريبى وأن يكون هناك ضمان لتوجيه الحصيلة للغرض المنشود؟ ما خطة المرشح فى هذا الشأن؟ الاكتفاء من جانب أى مرشح بالقول بأنه سيهتم بإصلاح التعليم هو هزل واستخفاف بعقول الناخبين.
وتقول نفس هذا القول فى شأن الخدمة الصحية. نحن نرى الآن وزارة الصحة تقف موقف الخصم من نقابة الأطباء، ربما لا لشىء إلا أن الحكومة لا تريد أن تعترف صراحة بأنها مغلولة اليد أو أنها مجبرة على تغليب مصالح فئات معيّنة على مصالح المرضى وصغار الأطباء. ما خطة المرشح للخروج من هذه الأزمة التى يدفع ملايين المواطنين ثمنها ألما وموتا بالمعى الحرفى للكلمة ودون أى مجاز؟
يبقى الكثير ولكن تبقى أيضا مسألة قد لا يعيرها الكثيرون اهتماما ولكنى أراها عظيمة الخطر. ما موقف المرشح من تعاظم دور الأحزاب الدينية وعلى رأسها حزب النور؟ ليست هذه مسألة ثانوية أو سطحية. إننا إما أن نقتنع بضرورة اتباع الديمقراطية والقيم الحضارية التى توصّل إليها البشر من خلال نضال ومعاناة وتجارب عبر مسار التاريخ الإنسانى وإما أن نرفض كل هذا ونتمسّك بأن هناك نمطا للحكم وُجِد منذ قرون عديدة هو النمط الصحيح الذى علينا أن نتبعه. لا وسط ولا مواءمة بين هذين النموذجين. إذا اخترنا النموذج الحضارى فلا مكان لمرجعية دينية فى الدولة. ادعاء الوسطية وإمساك العصا من الوسط لن تكون نتيجته إلا استمرار الارتباك والتخبّط وفتح النوافذ والأبواب أمام الصراعات الطائفية والعقائدية. إذا أردنا التقدم فعلينا اختيار الدولة المدنية القائمة على سيادة الشعب وارتكاز التشريع إلى مصلحة قطاعات الشعب والاحتكام فى ذلك إلى العقل والتجربة والخطأ قى ظل حرية الفكر والتعبير والحق فى نقد ومساءلة المسئولين ونقد سيلسات وسلوكيات الحاكمين دون قيد. إذا كان كثيرا علينا أن نطالب مرشح الرئاسة أن يصرّح بكل ذلك فإن الحدّ الأدنى الذى نطالبه به هو أن يعلن فى وضوح موقفه من الأحزاب الدينية ومكانها فى الساحة السياسية. هل يحق لحزب النور وغيره من الأحزاب الإسلامية (بغض النظر عن الأحابيل القانونية التى تنفى عنها صفة الأحزاب الدينية) أن تملى علينا سياساتنا وتتحكم فى تشريعاتنا وفق مرجعياتها الدينية؟ هذا سؤال يجب على المرشح الرئاسى أن يعطينا عنه إجابة صريحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ولا تحفظات تسمح بالالتفاف حول مضمونها.
مدينة 6 أكتوبر، مصر، 29 يناير 2014

#داود_روفائيل_خشبة (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل