أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - قصة شعبنا المنهار ... الجزء 2














المزيد.....

قصة شعبنا المنهار ... الجزء 2


سليم سوزه

الحوار المتمدن-العدد: 4345 - 2014 / 1 / 25 - 09:16
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


قلت في الجزء الاول من هذه المقالة انه من الصعب مواجهة الشعب بامراضه وعلله، وهذا ينطبق على جميع شعوب الارض وليس على الشعب العراقي فحسب. الصعوبة تكمن في ان الشعوب المنهارة والمأزومة تعيش دوماً وهم الكمال والمثالية. ترى نفسها مركز الكون وكل العالم يجري حولها. كل العالم يستهدفها ويحاول النيل منها ومن تاريخها وحضارتها فتفسّر كل شيء يقوم به الآخر “المعادي” بالمؤامرة المستهدِفة لوجودها ومبادئها وقيمها. ببساطة شديدة انها الافضل من بين كل المجتمعات وما يجري لها هو نتاج تدخل “الاعداء” ليس الاّ. الطائفية، التراجع، الانحطاط، العنف، التخلف، العدائية، الانقسام، الانهيارات، كلها لاسباب خارجية ولا وجود لاي سبب داخلي فيها. ان وُجِد، فهو بسبب ذلك العامل الخارجي ايضاً.

انها حالة شبيهة جداً باحدى الامراض النفسية التي يعيش فيها المريض النفسي واقعاً مؤلماً لا يقوى على مواجهته فيسعى دوماً للهروب منه، من خلال انكاره لذلك الواقع والعيش في مخيّلة الماضي الجميل. بالنسبة له، افضل وسيلة لمواجهة الازمة هي انكارها وعدم التصديق بها، ثم التأكيد والتكرار على انه كامل ومثالي وافضل من غيره تحت كل الظروف.
يوماً بعد يوم، يتقمّص الدور جيداً ويصل الى مرحلة القناعة التامة أنه سالم معافى، لا يعاني اي شيء. يندك في هذا الشعور اندكاك الدلالة باللفظ ويصبح من الصعب الفصل بينه وبين شعوره ذاك. هذه هي المشكلة.

هناك علاجان وضعهما المعالج النفسي لمثل هكذا حالة، الاول هو العلاج بالصدمة والثاني العلاج بالمداراة.

اما علاج الصدمة ففيه يواجه الطبيب مريضه بشكل مباشر دون اي مقدمات او مراوغات من انه ليس طبيعياً ويعاني من مرض. انه ليس الافضل وعليه الكف عن هذا الاعتقاد. فلو مثلاً كان المريض يعتقد نفسه افضل فنان وليس ثمّة فنان آخر يصل الى مستواه، فما على المعالج الاّ ضرب ذلك الاعتقاد داخله واخباره انه ليس فناناً اصلاً. ليس ما يقدّمه هو فن بل شخابيط. الفن مختلف والعالم لا يراك هكذا. عليك ان ترى وتتعلم الفن الحقيقي. مباشرية قوية لكنها ستجعل المريض ينهار في لحظة ضعف ويسقط على الارض باكياً معترفاً بأنه ليس فناناً بالفعل. بهذا يكون قد حقق الطبيب خطوة مهمة في العلاج النفسي. لعل مبدأ الاعتراف الكَنَسي الذي تقوم عليها الكنيسة الكاثوليكية مأخوذاً من هذا العلاج بالاساس، فحين يعترف المسيحي المذنب بخطيئته يكون قد تخلّص من جبل الهموم الذي حَمَلَه في ذلك اليوم. راحة نفسية وشعور بهيج بعد كل اعتراف يقدم عليه الكاثوليكي.

بعضهم يرى بالامكان استخدام هذا العلاج مع الشعب العراقي حيث مصارحته بشكل مستقيم وضرب كبريائه الواهم بكل مباشرية، انك لست الافضل، اخرج من الماضي وعش حاضرك. تعلّم من العالم واترك غرورك. تحمّل اخطاءك ولا تلقي بها على الآخرين. لست سوى شعباً مأزوماً لا يعرف العيش بسلام. لا يوجد مَن يريد بك السوء، بل لا يعرف الكثير خارطتك او حتى موقعك الجغرافي. لست مثالياً ولا كاملاً. انت مريض مثير للشفقة.
امور من هذا القبيل قد تشفي الشعب من ازمته لكنها خطيرة في نفس الوقت.
ثمّة مَن يعتقد ان مثل هكذا مباشرية قد تسبب ردة فعل عنيفة تجعل المريض يدخل في تعقيدات نفسانية اخرى لا يمكن تداركها. لهذا يقول اصحاب هذا الاعتقاد بضرورة العلاج الثاني وهو العلاج بالمداراة بدلاً من العلاج بالصدمة.

المداراة يعني ان يتماشى الطبيب مع مريضه بكل انسيابية ويداري ذلك الاعتقاد المتجذّر عنده كما لو انها حقيقة مطلقة. ففي مثالنا عن المريض الذي يرى نفسه فناناً عظيماً، يستمر الطبيب معه بل يجب ان يشجّعه على ذلك الاعتقاد ويقول نعم انت فنان عظيم، لك تاريخ كبير. ما اروع ما تنتج. لا يوجد منك اثنان. يبقى في هذه المداراة حتى يستدرجه شيئاً فشيئاً ويخبره بودية من ان ما تقدّمه انت هو عمل عظيم لكن هناك طريقة جديدة اخرى للفن، عليك ان تتعلمها ايضاً. كما انت بارع الآن ستكون بارعاً ومتميزاً اكثر ان تعلّمت طرقاً جديداً. ثم يمرّن الطبيب سمع وبصر مريضه على ماهية الفن الحقيقي بصورة غير مباشرة. يعطيه ما يُعتبر فناً حقيقياً ويجعله يقارن بنفسه بينه وبين اعماله دون ان ينبس ببنت شفة. سيدخل المريض دوامة صراع نفسي رهيب عاجلاً ام آجلاً، لا يخرج منها الاّ وهو مقتنع من انه ليس فناناً اساساً. ما كان يصنعه ليس سوى هراءً وضعه جنونه. انها وسيلة علاج مثلى عدا انها تحتاج الى وقت اطول بكثير من علاجنا الاول. فالاول (العلاج بالصدمة) هو علاج خاطف وسريع لكنه ينطوي على خوف من ردة فعل عنيفة وارتداد عكسي من المريض، اما الثاني (المداراة) فهو بطيء وطويل الاّ انه اقل خطورة بكثير من اي علاج آخر.

انا مع العلاج الثاني بالتأكيد.
ايها الشعب العراقي العظيم. انت عظيم ومثالي. كل العالم يطمح الوصول الى ما وصلت اليه من عظمة وحكمة واقتدار. تحتاج فقط الى صفعة بسيطة على خدك الايمن لتستقيظ من هذا الوهم محاولاً البحث عن اصلاح ذاتك.
على الاقل، هذا كل ما تحتاجه الآن.



#سليم_سوزه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصة شعبنا المنهار
- السعودية تحتضر
- كسبنا البزّاز وكسبتم القاعدة
- الحرب على داعش
- عن المسيرة الحسينية وزيارات المشي المليونية
- ماذا يريد رجل -السُنّة- في العراق؟
- اما السيد المالكي او الفوضى والتقسيم
- رئيسنا حي
- العراق ورقة امل
- السلاحف تستطيع الطيران .. بهمن قوبادي، اسبرين عالج الوجع الك ...
- قراءة في رواية -حزن الحرب-
- باب علي وضلع الزهراء
- بَعْلَزْبول برلماني
- في قضية مقاهي الكرادة
- سلطة اللاسلطة
- لماذا احمد وليس محمد؟
- اشكالية الحَسَد بين الخرافة والقرآن
- بين الاخْوَنة والدَعْوَنة
- محمد حنش .. سطر جديد في كتاب الدراما العراقية
- ديمقراطية الطوائف


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سليم سوزه - قصة شعبنا المنهار ... الجزء 2